جليلة الخليع - المغرب
وفي حلق الذكرى غصة
وفي حلق الذكرى غصة
يطالعني عطر أبي وأنا أفتح أدراج مكتبته.
أعيد تفاصيل الحنين ليدي، أستعيد طفولتي هناك، وهو يستمع لنشرة الأخبار زوالا، وأنا أنصت بتمعن لصوت المذيع الجهور، أهرب من الأحداث ، من نشرات الأخبار الرتيبة ، فأهرول نحو السطح أستجمع قطرات المطر وأبلل بها وجه دميتي لتستفيق من سباتها، وتعيد لي الأمومة بكف من وهم، وصحوة من جنون.
أبتلع شهقتي، وأجفف دموعي المتساقطة، أستل أوراقي من الدرج. هنا تطل يد والدي وهو يرتب مجهوداتنا، شهاداتنا ليرصها في ظرف كبير، يضع عليه الاسم ويضعه بأمان، لتظل الرائحة هناك، تعبق بصمت بين دفتي الأوراق، وذكريات رصت بإتقان.
هي تلك الحمى التي تمنحك حرارتها، ولكن سرعان ما تسرب إليك قشعريرتها، لتشعرك بالبرودة، بالغياب، بالجدران المتآكلة بفعل الرطوبة، وسنوات أمطرت فراقا وأثلجت حنينا.
كم جميل أن تطالعنا الذكريات، وترينا وجهها المغمور بابتسامة أبي، بوقاره، بحرصه وتسامحه. وكم هي مؤلمة عندما تنقر على وتر الفراق، فتشد على عرابات الألم لينزف اللحن، ويجهش بالبكاء.
ظنٌ وإثم
* أظن وتظن، وتلك الظنون تتبعثر على خارطة اللقاء، تتوقف الخطوات عند علامة قف، فالعلامة الحمراء تشعل كل الأضواء التي كانت غافية، لتتدلى من سقف التفكير عناكب وسواسية.
* حساسية مفرطة، وألغام بمساحة البوح، تتفجر الكلمة، فترسل شظاياها للضفة المقابلة، والآلام تتحجج بالدموع، والجراح لا تنبئ عن دم، هو إثم وإثم وإثم، وظن بربطة عنق تخنق لا لتقتل.
* أجلس وصمتي، أستدعي ذاكرتي، علها ترشدني لبياضي، لأطرد العتمة بمؤشر السوء، أبحث في جيوب حكمتي، عن منديل يمسح السواد من زجاج نافذتي، ليتسلل النور.
* أنزل رأسي على وسادتي، تتسرب الأفكار الخبيثة من فوهة الظن، فتحتل الكوابيس نومي، لتتأجج الحرب بقلب الليل، وعساكر الظلام تستولي على حصني، فأصبح أسيرة شك.
"إن بعد الظن إثم" (صدق الله العظيم) [سورة الحجرات].
أمنيات مسرطنة
أرقب دائما صوتي القادم من جهة الحلم، أستجمع دفئي لأزرعه بمساحاتي الباردة ، أكتم أنفاسي حتى لا تتسلل الفكرة وتهرب بعيدا عن نصي.
أضعني بين معقوفتين في انتظار ما تحمله الأيام، وما يخبئه لي الحظ في يده المضمومة، لأطرز العمر بخيوط من حرير سعيد.
سيدة نفسي أنا، وكلماتي تقف حاجزا أمام قراراتي المنزوية في بذلة الماضي، في دولاب أمنياتي، في تفاصيل الأمس البريئة، وفي غدي المحجوب عني.
أضع طاولة أحداثي، أرص الأطباق عليها، سكين وشوكة، ووليمة فردية تنتظر أن أنهش أوراقي البيضاء، المزخرفة بمداد قاتم .
أقطع الخطوط وأضعها في صحن صغير، أحتفظ بالبياض وآكلها بشراهة ، يتزايد وزني عند وجبة استثنائية، وكيلوغرامات الأماني تتضخم غدتها.
ما زلت أعاني من مغص حاد في أمعاء أوهامي، لأنقل بسرعة لغرفة العمليات ، لاستئصال ورم الأماني.
◄ جليلة الخليع
▼ موضوعاتي
3 مشاركة منتدى
وفي حلق الذكرى غصة, هدى أبوغنيمة الأردن عمان | 30 أيار (مايو) 2015 - 12:02 1
تحية طيبة أستاذةجليلة في بوحك همس الحزن وتراسل الحواس وبدا النص الأول مشروع قصة جميلة مؤثرة لو ركزت عليها ولكن لبريق الألفاظ فتنة قد تدفع من تستحوذ على أفكاره إلى أن ينساق وراءها فتتزاحم الأفكار بلا وحدة عضوية في النص.هذه الفتنة يقع فيها الكتاب حينما يتدفقون في حالة وجدانية شعرية .لك تقديري ومودتي
وفي حلق الذكرى غصة, ايناس ثابت اليمن | 12 حزيران (يونيو) 2015 - 23:34 2
الأستاذة العزيزة جليلة، لحروفك موسيقى مميزة تدغدغ القلب، رائعة أنت في كل ماتكتبين.
في بداية قرائتي ظننت النص قصة قصيرة واحدة وتلهفت لمعرفة تفاصيلها لامتلائها بالأحساس من أول حرف. والنص الثاني لفت انتباهي كثيرا.
في جميع الأحوال نصوصك جميلة فصلت أو أوجزت.
لك أجمل تحية ووردة بيضاء.
وفي حلق الذكرى غصة, نادية الأزمي | 15 حزيران (يونيو) 2015 - 17:41 3
حملني إعجابي بحرف الجليلة إلى قراءة هذه الغصة.. لبطمئن قلبي؛ فالوفاء هنا يضاهي الصدق والاخلاص والابداع والغصة تلك التي تدفعنا للابداع تتوارى بعيدا حيث نخطها حروفا وأفكارا..
كنت هنا على أمل العودة مرارا وتكرارا
محبتي وباقة ورد