عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 
أنت في : الغلاف » أرشيف أعداد عـود الـنـد » الأعداد الشهرية: 01-120 » السنة 10: 108-120 » العدد 108: 2015/06 » كلمة العدد 108: دور النشر والجوائز

عدلي الهواري

كلمة العدد 108: دور النشر والجوائز


.

د. عدلي الهواري ناشر مجلة عود الندأوصى الشاعر مريد البرغوثي، بصفته رئيس لجنة تحكيم الجائزة العالمية للرواية العربية (2015/2014)، دور النشر بتعيين محرر أدبي ليعمل مع المؤلف/ة على الارتقاء بجودة العمل الروائي. ووردت التوصية في الكلمة التي ألقاها في حفل الإعلان عن الرواية الفائزة، وكانت من نصيب الروائي التونسي شكري المبخوت عن روايته "الطلياني" (الناشر: دار التنوير، تونس).

هذه التوصية وملاحظة أخرى لها علاقة بدور النشر هما موضوع الكلمة هذه. يقول البرغوثي في النقطة الأولى [1]:

"لاحظت اللجنة ترشيحات من دور يبدو أنها تأسست لهذا الغرض لا غير، ونسمع أن هناك دورَ نشرٍ تتقاضى أموالاً من الروائيين بطرق متنوعة. مما يمنع لجان التحكيم من افتراض المفترض، وهو أن موافقة الناشر على نشر الرواية يعني بالضرورة مقداراً أوليا من الجدارة".

حصول دور النشر على مال من الروائيات والروائيين، وغيرهم، ليس سرا يخرج إلى العلن لأول مرة، بل ممارسة شائعة ومعروفة، فالكاتبات والكتاب ينشرون مؤلفاتهم على حسابهم، إلا من حقق شهرة، فعندئذ قد تنشر له أو لها دور النشر على حسابها. بل إن بعض الكاتبات والكتاب المشهورين يتحولون إلى طباعة كتبهم ونشرها بصفة منشورات فلان الفلاني أو فلانة الفلانية.

وظاهرة النشر على حساب الكاتب/ة معروفة في الدول الغربية أيضا، ولكن دور النشر الجادة تنشر على حسابها مقابل مبلغ يدفع للكاتب/ة مقدما، ثم نسبة من عائدات المبيعات. في المقابل، قبول مخطوطات لنشرها ليس سهلا، وخاصة المخطوطة الأولى، وتطلب دور النشر فصلا من الكتاب كعينة، أو ملخصا يشمل جدول محتويات الكتاب، والجمهور المستهدف، وفكرة عن الكتب المماثلة، إلى آخره، قبل الموافقة عليها.

الإحباط الذي ينتج عن البحث المضني عن دار نشر تقبل مخطوطة، ودفع الكاتب/ة تكاليف نشر الرواية أو الكتاب، وفرا الأرضية الخصبة، بعد دخولنا العصر الرقمي، للنشر الذاتي، فالنشر والطباعة عمليتان منفصلتان، وبوسع الكاتب هذه الأيام أن يجد شركة طباعة يحدد لها عدد النسخ المطلوبة، وهناك شركات تقدم خدمة تسمى الطباعة عند الطلب (print on demand)، وأخرى متخصصة بطبع أعداد محدودة من الكتاب (short run). وهكذا انتشرت منذ سنوات ظاهرة النشر الذاتي بما لها وما عليها من ملاحظات.

الأمر المقلق أكثر في الفقرة المقتطفة أعلاه هو الإشارة إلى أن دور نشر تأسست لترشيح الروايات للجوائز دون أن تكون مقتنعة بجودتها وفرصها بالنجاح. هذه الظاهرة من النتائج غير المقصودة لإطلاق رواية غايتها الارتقاء بالأعمال الروائية العربية. أما سبب فعل دور النشر ذلك، وتجاوب الروائيات والروائيين، فهو في رأيي يكمن في الرغبة في الحصول على دعاية في الإعلام، فهذه الجائزة تحظى بتغطية إعلامية كبيرة في مختلف مراحلها، ونتيجة لذلك، تحصل دور نشر والكاتبات والكتاب على ذكر في وسائل الإعلام منذ بدء ترشيح الروايات وحتى إعلان القائمة الطويلة. ويبدو أن الحصول على ذكر خلال هاتين المرحلتين يعد إنجازا من وجهة نظر بعض دور النشر والكاتبات والكتاب، لأنه يمكن توظيفه في الترويج بأن يقال إن الرواية الفلانية رشحت للجائزة العالمية للرواية العربية.

أما توصية البرغوثي دور النشر بتعيين محرر أدبي فقد كانت على النحو التالي:

"لكن الأمر الأهم هو غياب دور "المحرر الأدبي". الناشرون في بلادنا بحاجة إلى تعيين "محرر" يناقش المخطوط مع المؤلف مراجعة فنية أولى. ونحن هنا لا نتحدث عن المصحح اللغويّ. المحرر يتدخل في تقنيات الرواية ونسيجها وبنائها وإيقاعها وحوارها، هو الذي يقترح الإضافة والحذف، وهو الذي ينبه المؤلف عندما ينزلق السرد إلى مقال أو أطروحة، وذلك سعياً لإنقاذ العمل من الابتسار أو الترهل أو المباشرة، أو وضع النهاية قبل الأوان أو بعد الأوان، وهكذا تصل الرواية إلى شكلها المطبوع سالمةً من هذه الفخاخ"[2].

الكاتب في الكثير من دور النشر في الدول الغربية يعمل مع محرر، ويجري نقاش بين الطرفين، وقد يكون التغيير المقترح غير مقبول من الكاتب/ة، ولذا يوضع في العقود بند يحدد من له الكلمة النهائية بشأن التغيير.

في عام 2008، كتبت افتتاحية عنوانها "رابع المستحيلات"، وهو كما وصفته: "النص الكامل الأوصاف الذي لا يحتاج إلى مرور عبر عملية مراجعة أو تحرير بعد أن ينتهي مؤلفه من كتابته، لأنه واضح المعنى، متماسك المنطق، كل جملة فيه سليمة التركيب، وكل كلمة اختيرت بعناية، وهو خال من الأخطاء النحوية والإملائية، وكل علامات التنقيط مستخدمة فيه استخداما صحيحا"[3].

العمل مع محرر لا يعني انتقاصا من قدرات الكاتب/ة، فلكل من الكتابة والقراءة حالة ذهنية مختلفة. من يرسم الشخصيات وينطقها، كل شيء بالنسبة إليه أو إليها واضح. عندما يقدم النص للقارئات والقراء يختلف الوضع، ويظهر غموض أو تناقض أو إسهاب أو تكرار.

المحرر هو القارئ الأول، ولذا دوره مهم في اكتشاف هذه الأمور قبل أن يوضع الكتاب في متناول الجميع. وحتى بعد مشاركة محرر في تحسين جودة مخطوطة، لن يمكن أن نقول إن النصوص التي تمر على محرر ستكون جيدة دائما، ولكني أؤكد بحكم تجربتي في تحرير النصوص والبحوث على مدى تسع سنوات حتى الآن أن النص الذي ينشر بعد المرور على محرر يخرج بصورة أبهى من الأصلية. هناك نصوص لا تحتاج إلى تحرير، وهذا يسعد المحرر/ة، ولكن هذا الاستثناء وليس القاعدة، والحقيقة التي لا مفر منها أن النصوص تصبح أفضل من خلال إعادة الكتابة والتحرير.

دور النشر العربية، الصغيرة منها والكبيرة، يجب أن تعيد النظر في أساليب عملها، ولا أتحدث هنا عن عدم ترشيح روايات لجوائز دون الاقتناع بالجودة وفرص النجاح، بل يجب أن تشمل المراجعة وضع إجراءات تبدأ بالترحيب بتقديم المخطوطات أو ملخصات لها قبل اتخاذ قرار قبولها للنشر. بعض دور النشر العربية ليس لها مواقع على الإنترنت، وأخرى لها مواقع، ولكنها لا ترد على الرسائل المرسلة من خلاله. ودور النشر في العادة مستعدة لنشر ما تريد إن كان لديك الاستعداد لدفع المبلغ المطلوب.

ويجب أن تنشر دور النشر إلمؤلفات التي تقبلها على حسابها، وأن تتقاسم العائدات بنسبة عادلة مع الكاتبات والكتاب. وإذا لم يحدث هذا، ولا أظن أنه سيحدث قريبا، فإنني أتوقع إن تبدأ بالانتشار ظاهرة النشر الذاتي كما حدث في الدول الغربية، فتقنيات الطباعة تطورت، ولم تعد هناك حاجة إلى طبع ألف نسخة كحد أدنى. وطالما أن النشر في العالم العربي يتم حاليا على حساب الكاتب/ة، فسيكون لاستثمار المبلغ في مشروع نشر ذاتي فوائد أكثر، فالمرجح أن تكون الكلفة المالية أقل، وتكون كل الحقوق للكاتب/ة، ولا يظل الكاتبات والكتاب تحت رحمة دور نشر لا ترد على الرسائل، أو تكون مستعدة للنشر مقابل مبلغ تحدده.

ربما العالم العربي بحاجة الآن إلى جائزة تمنح لدور النشر التي تمارس عملها على أساس نشر الجيد، والنشر على حسابها لا على حساب الكاتب/ة، وتكون كل إجراءاتها واضحة، ومتوفرة على مواقعها في الإنترنت. بهذه الطريقة تتكامل المساعي الهادفة إلى الارتقاء بمستويات الأعمال الأدبية والمؤلفات الأخرى.

= = = = =

[1] كلمة مريد البرغوثي في حفل إعلان الفائز بالجائزة على الرابط التالي:

http://arabicfiction.org/ar/news.2.500.html

[2] الرابط السابق.

[3] افتتاحية العدد 20، كانون الثاني/يناير 2008 على الرابط التالي:

http://www.oudnad.net/20/kalima20.php

D 25 أيار (مايو) 2015     A عدلي الهواري     C 5 تعليقات

5 مشاركة منتدى

  • تحية طيبة د.عدلي ,لاشك أن مراجعة العمل الأدبي يدعم الكاتب ,ولا ينتقص من جهده وهوعمل يتطلب لجنة من شخصين على الأقل ,لكن معظم دور النشر لا تعتد بهذا الإجراء لما يتطلبه من تكاليف مادية ,لاسيما إذا دفع الكاتب /ة تكاليف الطباعة.ليست الشهرة في عصر ثورة الاتصال مقياسا لجودة العمل ولو كان قد وصل إلى اللائحة القصيرة أوحصل على جائزة ,لكن الجائزة تقدم العمل إلى الجمهور والنقادويلعب الإعلام دورا مهما في كيفية تقديمه ,وكذلك ذوق العصر .ماتفضلت به في مقالتك السابقة وهذه المقالة وماتفضل به الأستاذ مريد البرغوثي منطقي ويرتقي بالعمل الأدبي رغم أن الثقافة النقدية مهمة للكاتب ليكون الناقد الأول لعمله .


  • موضوع دور النشر والجوائز موضوع هام ومعقد جدا خصوصا فى الوقت الراهن الذى يستطيع اى شخص ان ينشر طالما توافر معه المال
    لذلك فاننى اتفق مع حضرتك تماما فى ان العالم العربي بحاجة الآن إلى جائزة تمنح لدور النشر التي تمارس عملها على أساس نشر الجيد، والنشر على حسابها لا على حساب الكاتب/ة، وتكون كل إجراءاتها واضحة، ومتوفرة على مواقعها في الإنترنت. بهذه الطريقة تتكامل المساعي الهادفة إلى الارتقاء بمستويات الأعمال الأدبية والمؤلفات الأخرى
    دمت مبدعا دكتور عدلى وكل عام وحضرتك وعود الند بخير


  • كلمتكم أصابت كبد الحقيقة المرة ، معاناة الكتاب والكاتبات مع دور النشر إلا القلة منها ، "الرواية " تحديدًا أمست هدفًا لكل من يراوده حلم الكتابة لإن الأضواءمسلطة عليها دون غيرها بالعديد من الجوائز المبهرة ماديًا وإعلاميًا ، وما طلبه الشاعر مريد البرغوثى وجاءفى سياق كلمتكم من ضرورة وجود محرر بكل دار نشر لا أظن أن كل دار نشر ستستجيب له خاصة من حصدت دارهم جوائز سابقة ، وتبقى العلاقة الثلاثية بين الكاتب/ة ودور النشر والجوائز علاقة بالغة التعقيد ...كل التحية والتقدير لكم يا د عدلى ولموضاعاتكم الجادة والمعاصرة للوقت الراهن ومستجداته وكل الأمنيات الطيبة لكم ولمجلتكم الراقية


  • ككل شيء في العالم العربي لابد من سلم يرتقيه الشخص ولابد ان يكون في عز الحر و قد فقد درجة او اثنتين هذا في حال اراد الوصول سالما الى مبتغاه .لابد من التعب والرشوة والطرق الملتوية حتى في الفكر الا ماندر . بقيت رائحة الكتاب القديم نظيفة وخالية من كل هذا . وبرأيي يبقى النشر الالكتروني اسرع وارقى .كنت دوما اقول ولا ازال اذا كان لديك فكر فانشره عبر مدونة فبالتأكيد قراؤها اكثر من قراء الكتب هذه الايام اذا كان يهمك ايصال فكرك وليس الجوائز بالدرجة الاولى .وهاهي عود الند مثلا اقوى مثال كم احتضنت كتاب ونشرت لهم وبلا مقابل و عُرِفوا عن طريقها و لو ظلوا يكتبون ويراسلون اي صاحب مجلة ورقية او دار نشر لمااجابهم احد و لتعبوا جدا قبل ان يتكلف احدهم ويرد عليك ويتذاكى بابجدية لم يتقنها حتى ثم يرفض النشر.


  • أوافق كل كلمة كتبت في هذا النص.
    أوفيت أستاذ عدلي بكل مافي خاطري تجاه هذا الموضوع.
    دمت بود وكل عام وأنت بخير.


في العدد نفسه

عن الهويّة العربيّة: طرح يستدعي الحلول

قراءة موجزة في رحلة الغفران

المقاومة في الأدب الجزائري أثناء الاستعمار الفرنسي/ج2

الإرهاب في الرواية الجزائرية

مظاهر التأويـل عند العرب