عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

جابر سليمان - لبنان

الـقـمـر يـجـد سـبـيـله

ملف: وفاء للبنان


الـقـمـر يـجـد سـبـيـله إلى قـلوب الأطفال الفلسطينيين واللبنانيين في المية ومية

قمرنا غايب ضيع سبيله

يا البنت الحافية دخلك قوليله

يرجع لأمه، الغربة ويل الويل

يا ليل، يا ليل، يا ليل

بهذه الكلمات للفنان الفلسطيني مروان عبادو انساب صوت المغنية والمربية الشابة أمل كعوش كحزمة من ضياء، وتدفقت النغمات برقة وعذوبة من أوتار العود بين أصابع العازف الشاب محمود الخالدي. لامست الكلمات والنغمات شغاف قلوب الفتية الصغار المتراصين في قاعة نادي القسطل بمخيم المية ومية قرب مدينة صيدا، فرددوا بشغف المقطع الأخير من الأغنية: "يا ليل، يا ليل، يا ليل."

وفجأة وجد القمر الساطع سبيله إلى قلوب الفتية الجنوبيين ليبدد ولو قليلاً من ليل غربتهم المؤقتة، بعد أن هجروا من بيوتهم وقراهم في الجنوب المقاوم، تحت وابل من قصف الطائرات والمدافع والدبابات الأمريكية/الإسرائيلية المنفلتة من عقالها، والخارجة عن كل القيم التي كرستها الشرائع والقوانين والمواثيق الدولية.

عائلات جنوبية جاءت من قانا ومروحين وزوطر وغيرها من قرى الجنوب اللبناني، ولجأت في مخيمات عين الحلوة والمية ومية، ففتح لها أهلنا قلوبهم قبل أن يفتحوا أبواب بيوتهم، وتقاسموا معهم رغيف الخبز وقطرة الماء ومشاعر الفخر والاعتزاز بانتصارات المقاومة، إلى أن تمت عودتهم الكريمة والمؤزرة بالنصر إلى بيوتهم وقراهم ومرابع صباهم في الجنوب المقاوم. وهكذا عانقت المخيمات الفلسطينية قرى جبل عامل، وبتنا نسمع اللهجة الجنوبية المحببة في أزقة المخيمات.

كسر الجنوبيون كل الحواجز النفسية التي أقامتها بعض القوى الطائفية بين المخيمات ومحيطها، وبددوا الصورة التي رسمتها بعض وسائل الإعلام للمخيم الفلسطيني بوصفه جزيرة أمنية تشكل مصدر خطر لمحيطه اللبناني، حيث أصبح المخيم واحة آمنة لمن يلجأ إليه من أهلنا الجنوبيين.

كان قد تم تنظيم لقاء الأطفال الفلسطينيين من مخيم المية ومية مع أقرانهم الأطفال اللبنانيين الذين لجأوا مع أهلهم إلى المخيم، بمبادرة من اللجنة التربوية المنبثقة عن لجنة متابعة الجمعيات الأهلية الفلسطينية لإغاثة مهجري الجنوب اللبناني الذين لجأوا إلى صيدا ومخيماتها. وهو واحد من نشاطات عدة نظمتها اللجنة التربوية، بإشراف مسؤولها سالم ياسين، وبدعم من مجموعة "عائدون،" واتحاد المرأة الفلسطينية.

كان المشهد رائعاً في مخيم المية ومية في ذلك المساء التموزي الحار: أطفال لاجئون بعيداً عن وطنهم يستضيفون أطفالاً مهجرين في وطنهم. ذكرني مشهد الأطفال بما قاله الأديب الفرنسي الراحل "جان جينيه" عن أطفال المخيمات الفلسطينية في الأردن، عندما زار مخيم أربد في أوائل السبعينات: "الجمال أخّاذ في المخيمات حيث يسود الأطفال."

كان من الصعب علينا تمييز الأطفال الجنوبيين عن أقرانهم الفلسطينيين: السحنات وتقاسيم الوجه نفسها، والعيون الشقية ذاتها، والجباه المرفوعة عينها، يوحدهم بريق الأمل في العيون. تماهى جمع الأطفال في مشهد حزين عندما رددوا وراء المغنية والمربية الشابة أمل أغنيتها:

هلا لا لا ليّا

هلا لا لا ليّا

عيني يا فلسطينية

كل القوافل رجعت

وين راح الزمن فيّا؟

تماوج جمع الأطفال، وتعانقوا، والتقت عيونهم، وكان في عيون الأطفال الجنوبيين حزن ولوعة، وبريق يشي بوعد صادق، كأنهم أرادوا أن يقولوا لأقرانهم من أطفال المخيم الذين طال انتظارهم، وطالت غربتهم: الزمن الآتي زمنكم لا محالة، وقوافلكم سترجع حتماً، وستحط رحالها في أرض البرتقال الحزين.

D 1 أيلول (سبتمبر) 2006     A جابر سليمان     C 0 تعليقات