عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

محمد كتيلة - كندا

أيامنا كلها عصيبة

عرض كتاب: ذلك اليوم العصيب (*)


(*) مؤلف الكتاب د. عبد الحميد صيام، الأستاذ في جامعة رتغرز الأميركية (ولاية نيوجرزي). صدر في تشرين الأول /نوفمبر 2010. الناشر: دار نكست ويف (NextWave)، نيوجرسي. قدم للكتاب عبد الباري عطوان، رئيس تحرير صحيفة القدس العربي التي تصدر في لندن. انظر العدد 54 من عود الند. للمزيد من المعلومات عن المؤلف وكيفية الحصول على نسخة من الكتاب زر موقعه: (www.siyam.info).

.

ذلك اليوم العصيب كتاب جديد ومعاصر، يتحدث في شؤون السياسة وأحوالها في الزمن العربي والعالمي الراهن، زمن الأفول وعالم الخراب والدمار واستمرار الحروب، من بغداد وكابل وجوهانزبرغ إلى جنيف ونيويورك مرورا بغزة.

تأملات صريحة وعميقة، تسترسل بدأب وتأن وشفافية عالية لاستجلاء الهموم الوطنية والقومية بآفاقها ونوازعها، والإبحار عميقا لمعرفة القيعان وأسرارها، التي تحرمنا من رؤية مستقبل لا مكان فيه لغاز أو محتل أو لنظم استبدادية جائرة.

الكتاب عبارة عن مجموعة مقالات سياسية، تم نشرها تباعا في صحيفة القدس العربي، وفي أزمنة غير متباعدة، على مدار سنتين، يتتبع فيها الكاتب عبد الحميد صيام أهم الأحداث في العالم، ومدى ارتباطها بهمومنا وقضايانا العربية الشائكة والمعلقة منها، كالقضية الفلسطينية والعراق والدكتاتورية، ويكشف عن صلاتها المباشرة يبعضها البعض، ويسبر أغوارها وما يؤرقه، وما يختلج في صدور الشعوب العربية المقهورة.

من الممكن أن تقرأ بعض المقالات كسيرة ذاتية متفرقة، بسبب ارتباط الكاتب بأحداثها ودخوله في تفاصيلها وعوالمها بشكل مباشر، وذلك من خلال عمله وتجواله في العالم وخاصة عندما كان يعمل في الأمم المتحدة، في مجال الصحافة والإعلام، بالإضافة إلى الشؤون السياسية وبرامج اللغة، ومنها العربية، وكأستاذ محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط والعلوم السياسية، في جامعة رتغرز التابعة لولاية نيوجرزي، حيث لا يزال يعمل حتى الوقت الراهن.

عبد الحميد صيامعبد الحميد صيام، أخ وصديق عزيز، التقيته لأول مرة عام 1995 في مدينة العيون في الصحراء الغربية، حيث عملنا معا ضمن إطار بعثة الأمم المتحدة، وافترقنا بعد عام من اللقاء الذي وجد له مكانا استثنائيا في الذاكرة، وصدى عريضا وجميلا في الأعماق، لا ينسى. توادعنا على أمل موجوع وخفيّ، لم نصرح به، أن نلتقي في يوم ما على ربوع الأرض، ورهاننا لم يكن يعتمد وإلى الآن، على ما هو خارجنا وما يكبح جماح هذا الأمل الثاوي بالنبض والدم، بل على دواخلنا المعذبة والمحرومة، وعلى إيماننا الثابت على ما يمكن أن نعمل من أجله ومن دون توقف، على مدار ما تبقى لنا من وقت، لأجل تحقيق ما يمكن لنا من تحقيقه، ومن دون الالتفات إلى ما هو محبط ويدعو لتمجيد الهزيمة والعطالة، وهذا الانكسار المعلن من المحيط إلى الخليج.

وبعد غياب دام لأكثر من ثلاث عشرة سنة، التقينا مرة أخرى وبصدفة لا تقل أهمية عن الأولى، بل تتعداها، وقد تكون أروع وإن لم تكن وجها لوجه، لأنها كشفت عن مكنوناتنا الداخلية وتجلياتها في الكتابة، وعما يؤرق أفكارنا وما يجول في النفس من أهواء ورغائب وهموم ومصائب، وما طرأ على آمالنا وأمانينا من اهتراءات وتبدلات، منها ما انكسر، ومنها ما زال طافيا على قشرة الروح مترنحا، يتنفس من الهواء المتبقي في رئة الرغبات والتشهي.

صحيفة القدس العربي كانت مكان اللقاء الثاني، والأمثل لخياراتنا في التعبير بحرية كاملة، وفي بسط الرؤى والأفكار ونشرها على الملأ، والمجال الأوسع رحابة، للقاء جميع الكتاب العرب من المشرق إلى المغرب. بالصدفة وجدنا أنفسنا نكتب في صحيفة واحدة، وهو ما عزز لدينا الثقة من جديد، بأن لقاءنا الأول لم يكن مجرد صدفة عابرة وانتهت بانتهاء المهمة التي جمعتنا.

وفي أواخر العام الماضي التقينا وجها لوجه وتنفسنا الصعداء بمدينة مسيساغا، قرب مدينة تورنتو بكندا في لقاء مع الزميل عبد الباري عطوان رئيس تحرير القدس العربي الذي كان السبب في جمعنا على صفحات الجريدة أولا وداخل قاعة كابيتول بانكويت هول ثانيا، يومها تعمد الصديق عبد الحميد، أن يأتي من نيويورك، متحملا أعباء السفر برا، ليلتقي بي وبعبد الباري، في مناسبة وطنية كبرى، كيوم الأرض.

لا يبدو الصديق عبد الحميد متفائلا في مجموع مقالاته، في حضرة هذا الجحيم الكوني، وخاصة في منطقتنا العربية، كما أنه لا يقترب من ناصية التشاؤم مطلقا، ولا ينعب على أبوابه كالغراب كما يفعل الآخرون، بل يبقى أقرب ما يكون للمتشائل، على حد تعبير إميل حبيبي. ورغم الإرهاصات الكبيرة التي يستعرضها ويحلل أسبابها، إلا أنه يستنهض الهمم ما أمكن له ذلك، ويحض القارئ العربي لفهم الحاضر وما يحدث فيه من غليان ومن فظائع ومجازر وحروب ومؤامرات، كسلسلة متواصلة لا انقطاع فيها، ابتدأت في الماضي البعيد، منذ سايكس بيكو، وفي الماضي القريب والمستمر، منذ احتلال العراق والهيمنة المطلقة على المنطقة بأسرها، وتخاذل الأنظمة العربية، وتجبرها واستكبارها على شعوبها، واستعدائها الدائم لهم، بتوسيع رقعة الاستبداد العلني، تضامنا صريحا وكريها وعلى المكشوف، مع الإمبريالية والاستعمار، ضد مصالح الأمة العربية بأكملها، من أجل تثبيت عروشها وإدامتها إلى الأبد، وبلا مروءة أو استحياء من أحد.

ففي مقال "في الذكرى 61 للنكبة" (ص 27) لا يؤرخ عبد الحميد لتاريخ النكبة ويوثق لها كما هي عادة الكثير من الكتاب والصحفيين، ولا يجترها اجترارا للبكاء عليها، والوقوف على أطلالها باكيا متشكيا، بل يعمل جاهدا، وبكل ما بوسعه، متنكبا مرارتها ومأساتها، ليبحث وفي العمق في أسبابها مجتمعة، دون أن يبرئ نظاما دون آخر، ممن ساهموا في تأبيد النكبة، ولا يكتفي بذلك، بل يسهم في التذكير بالنكبات التي تتالت والتي صنعتها الأنظمة العربية المتخاذلة، ابتداء بمصر "كامب ديفيد"، ولاحقا بمنظمة التحرير، التي أسلمت نفسها ونضالات الشعب الفلسطيني الحر وبالكامل، وقيدت نفسها والشعب بأسره بقيود أوسلو، وكما يذكرنا بالقيادات التي أسهمت في تكرار النكبات، لا ينسى أهم العقول والقيادات، التي كانت على النقيض من ذلك، والتي ما زالت حتى الآن، قيادات ملهمة، وخاصة للشعب الفلسطيني في كفاحه المرير.

يبدأ الكتاب بمقال "ذلك اليوم العصيب" (ص 15) الذي حمل عنوان الكتاب، كحاضن لجميع المقالات، ولما له من أثر مأساوي في نفسه، ولكون تلك المأساة، تركت أثارها الموجعة في أعماقه، ويكاد الكتاب أن ينتهي بمقال أخر شبيه به، وهو بعنوان "بين بغداد وبورت أو برنس وفييرا دي ميلو وهادي عنابي! قدر يستعصي على الفهم" (ص 278)، والفارق الزمني بين المقالين لا يتعدى السنة والنصف، ومن الواضح أن الكاتب لم يستطع أبدا التفلت من براثن وفجائعية الحدث الأول، حيث تم تفجير مبنى الأمم المتحدة في بغداد على من هم فيه، على يد "القوى المشبوهة والظلامية" كما يسميها، أما الحدث الثاني، كان زلزالا من فعل الطبيعة في هايتي، ولا عجب أنه يصف الحدثين بالتراجيديا، مرة من صنع الإنسان ومرة من صنع الطبيعة، ورغم الأسى والحزن المسيطر عليه، والتفجع في كلا المقالين، إلا أنه وفي غمرة البحث والتحليل، استطاع أن يلتفت إلى جانب مهم جدا، وأن يكون موضوعيا في نقده للبعثة الأممية، التي كان عاملا ومسؤولا في عدادها، مما أضفى على المقال هالة عالية من النقاء، نتيجة صدقه في التعاطي مع الحدث وفي تحليله له، رغم تأثره العميق ومدى حزنه، بسبب فقدانه لأصدقائه في العمل، ومن كانوا مخلصين لوجدانهم وضميرهم، ورغبتهم القوية للوقوف إلى جانب شعب العراق الممزق والمحتل.

في المقال الأول تفجع على شعب العراق، وفي الثاني تأسى لمصيبة هايتي، وفي كلا الحالتين لم ينسَ أصدقاءه، وظل يتذكرهم ويذكرُهم بالاسم، ويعقد بينهما أوجه التشابه، في التضحية وفي الحب، وفي مدى إخلاصهم للمبادئ، ولرؤاهم ولتطلعاتهم، ومواقفهم الإنسانية الداعمة أبدا للشعوب المقهورة وأينما كانت.

ذلك اليوم العصيب كتاب شيق وممتع ومفيد، أدمج فيه الكاتب اختصاصه في كتابة المقال، ليضفي عليه صبغة احترافية، من حيث نتائج البحوث ودقة المعلومات، وحرصه في المقابل في اختيار المصادر الموثوقة، وعدم الارتهان إلى ما يصدر من هنا وهناك، ولا الارتكان على ما في الذاكرة.

ونظرا لما تحمل مجموع المقالات في طياتها من تجربة شخصية، ولمدى فائدتها واستخلاصاتها الميدانية، والتي قد تفيد القارئ العربي المبعد من الأحداث، رغم أنه ضحيتها، وحرصا منه على أهميتها للباحثين وطلبة الجامعات، جمعها كلها في كتاب واحد، وفصل فيما بينها، ووضعها في مجموعات منفصلة كفصول، ليسهل على القراء والدارسين على حد سواء، قراءة ما يهمهم من المواضيع، ولأجل ذلك، اعتمد وضع عنوان مناسب لكل فصل، الفصل الأول: الشأن الفلسطيني، والثاني: شؤون عربية، والثالث: قضايا دولية، والرابع: الأمم المتحدة، أما الفصل الخامس والأخير: منوعات.

كتاب جدير بالقراءة والاهتمام، ويصلح أن يكون مرجعا مهما، لغناه بالمعلومات الدقيقة وبأهم المفاصل التاريخية، والتي لا تنفصل عراها عما يحدث الآن، ولتضمينه تقارير وقرارات ودروس مهمة في التاريخ، وإضافة بعض الشروحات عن الأمم المتحدة والجمعية العامة ومجلس الأمن، كما أنه يعقد مقارنات عدة جديرة بالاهتمام، ومن الضروري معرفتها والاضطلاع عليها لما تثيره من جدل واسع وعريض يصعب تصديقه، لكثرة المقارنات الغريبة التي يعقدها، والتي يشمئز منها المنطق ويستغربها الفهم العادي ويقف أمامها مشدوها، فما يحدث على أرض الواقع وعلى الملأ، يحتاج بالضرورة إلى كاتب مثل عبد الحميد صيام ، ليلفت نظرنا دائما إلى أشياء لا نراها ، لكنها موجودة.

= = =

عنوان موقع مؤلف الكتاب

www.siyam.info

JPEG - 23.4 كيليبايت
غلاف كتاب عبد الحميد صيام
D 1 شباط (فبراير) 2011     A محمد كتيلة     C 0 تعليقات