ماجدة ياسين عوض - فلسطين
كورونا أوقف تنفيذي وصية أمي
عود الند: عدد خاص: كورونا: يوميات وتأملات
كنت على مقربة من القيام برحلة إلى مدينة فرانكفورت لمحاولة اللقاء بأخي زهير، الذي هاجر إلى ألمانيا في عام 1993، ولم يزرنا منذ ذلك الحين. لكن وباء كورونا تدخل وأفشل مشروع السفر، قبل يومين من موعدي مع وكالة السفر في بيت لحم لدفع ثمن التذكرة واستلامها.
ظلت رغبة أمي في رؤية زهير رغبة جامحة. وعاشت على هذا الأمل سبعة وعشرين عاما. آخر كلامها لي قبل أن يتوفاها الله: "اذهبي يا ابنتي لرؤية أخيك. اعملي المستحيل لرؤيته".
زهير الابن الوحيد لأم قست عليها الحياة، وكان أقسى شيء عليها فراقه. زهير الأخ الوحيد لأربع أخوات. وجود الأخ سند لأخته. مهما كنت قوية، وحولك البشر أجمعين، يبقى للأخ مكان لا يملؤه إلا هو. غيابه من حياتك يبقي في نفسك شعورا بضعف وحزن. فراقه عن أمي كان كفراق يعقوب ليوسف. ونحن الأخوات كنا نتمنى وجوده بيننا، حتى لو كان ذلك في زيارة قصيرة من حين لآخر.
لم يكن بوسعي التنفيذ السريع لوصية أمي التي وافتها المنية في عام 2018. ولكن في النصف الثاني من العام الماضي، 2019، عزمت على القيام بالزيارة. سفري إلى ألمانيا غير ممكن إلا بالحصول على فيزا. وشروط الحصول على فيزا لزيارة دولة أوروبية أصبحت صعبة.
كان عليّ الحصول على مجموعة من الأوراق التي يجب أن ترفق مع تقديم طلب الفيزا. وبعد أن أصبحت لدي كلها، قدمت بمساعدة إيهاب، الموظف في وكالة سفر في بيت لحم، طلب الفيزا من خلال الإنترنت.
أبلغتني الممثلية بأنها ترغب في مقابلتي قبل اتخاذ قرار بشأن منح الفيزا أو رفضها. ومع بزوغ فجر يوم 15/2/2020، ركبت وزوجي السيارة واتجهنا إلى مقر الممثلية الألمانية في رام الله لتقديم الأوراق وإجراء المقابلة.
بعد تقديم الأوراق، ودفع الرسوم، والإجابة عن مجموعة من الأسئلة، أخبرني المسؤول الذي قابلني أن القرار بشأن الفيزا سوف يصدر بعد أسبوعين. كانت فترة انتظار قاسية. زاد من قسوتها من تطوعوا لإبلاغي بأن رفض الطلب هو المصير الواضح، فهم يعرفون أناسا لهم وضع مالي أقوى من وضعي قدموا طلبات ورفضت.
مكتب السفر الذي يساعد الراغبين في السفر على ملء الطلب يستطيع معرفة القرار بشأن الفيزا من خلال الإنترنت. ولكن إيهاب أبلغني أن القرار بشأن طلبي لم يكن رفضا أو قبولا، بل عليّ الذهاب إلى الممثلية الألمانية مرة ثانية.
كررت وزوجي الرحلة إلى مقر الممثلية في رام الله. بشرني الموظف الذي قابلني قبل أسبوعين بأنني حصلت على الفيزا، وقال "مبروك". شعرت بعظم المسؤولية الملقاة على عاتقي. لقد اقتربت أكثر من تنفيذ وصية أمي، ورؤية زهير نيابة عنها وأخواتي. ولأن الفيزا صارت حقيقة، وملصقة على جواز السفر، صارت وصية أمي في طور التنفيذ.
تحدثت مع إيهاب عن المواعيد المناسبة للسفر، وعن الحجز في فندق مناسب في فرانكفورت، وحجز لي حجزا مبدئيا، واتفقت معه على المجيء إلى بيت لحم لدفع ثمن التذكرة واستلامها.
حالفني الحظ مرة ثانية عندما أبلغتني قريبتي أن لي رسالة من البنك. وجدتُ فيها بطاقة فيزا، ولكنها من النوع الذي يسحب المبلغ المدفوع من حسابك البنكي فورا. لذا يجب أن يكون في حسابي البنكي ثمن التذكرة قبل أن يكون الدفع باستخدام بطاقة فيزا. كان عليّ إيداع ثمن التذكرة في البنك قبل الذهاب إلى وكالة السفر.
عندما أخبرت أخواتي وأقاربي بأني حصلت على الفيزا، كان الجميع في حالة استغراب وذهول. بدل أن ألقى التشجيع على المضي قدما في إجراءات السفر، إذا بهم يبدون الخوف عليّ لأني سأسافر وحدي. وأخي لن يكون في استقبالي، بل أنا كنت سأحاول الاتصال به بعد الوصول إلى فرانكفورت لترتيب اللقاء بيننا. ولم أكن على يقين أنه سيوافق، فهو منذ هاجر إلى ألمانيا كان ينقطع عن التواصل معنا، ونسأل عن أخباره من خلال معارفنا في ألمانيا.
زادت حدة النقاشات حول سفري بعد أن صار وشيكا. زاد الضغط على زوجي لكي يمانع سفري، بعد أن كان متعاونا معي في تنفيذ المشروع، ورافقني مرتين إلى الممثلية الألمانية لمتابعة طلب الفيزا. وكان يعتقد أن أخي لن يرفض لقائي عندما يعلم أنني في ألمانيا.
استمرت النقاشات العائلية الهادفة إلى حملي على إلغاء فكرة السفر لرؤية أخي. موقفهم كان غريبا. لماذا لم يعتبروا مثلي وصية أمي واجبة التنفيذ؟ لماذا تظاهروا بالاهتمام بمشروع سفري بسؤالي يوميا عن طلب الفيزا؟
توقعت بعد هذا الاهتمام الشديد بمصير طلب الفيزا أن ألقى دعما كبيرا منهم للقيام بالرحلة نيابة عنهم وتنفيذا لوصية أمي. حصل العكس. معارضة شديدة لسفري. أتعبني موقفهم السلبي، ولكن بقيت مصرة على مواصلة الخطوات التي بدأتها، وقد كنت على مقربة من الذهاب لدفع ثمن التذكرة واستلامها. ولكن قبل أن يحين يوم الموعد، ضرب كورونا ضرباته. أغلقت بيت لحم لظهور إصابات فيها. وبدأت الدول تلغي الرحلات الجوية منها وإليها.
كان لا بد لي أن ألغي السفر كغيري من البشر. لقد أخفقت يا أمي في تحقيق وصيتك. لم أتمكن من السفر لرؤية زهير والاطمئنان عليه. اعذريني يا أمي. أنا آسفة، ولكني حاولت وكدت أنجح في تحقيق وصيتك. ولا نزال مشتاقين إليك وقلقين عليك يا زهير.
- لافتة: عود الند عدد خاص كورونا
7 مشاركة منتدى
كورونا أوقف تنفيذي وصية أمي, منير شاهين - فنلندا | 27 نيسان (أبريل) 2020 - 10:08 1
قصة حزينة ومؤلمة، لكن لا ندري الغربة ماذا فعلت بأخيك زهير! أتمنى في يوم أن أقرأ خبرا سعيدا عن لقائكم بزهير إن شاء الله.
اصبري وصابري ولا تيأسي فما بعد العسر الا اليسر. وان شاء الله بعد كورونا تتيسر الامور. وابقي محافظة على وصية أمك الغالية ربي يرحمها. سلام.
منير شاهين
من فنلندا
كورونا أوقف تنفيذي وصية أمي, علاء عوض | 27 نيسان (أبريل) 2020 - 18:01 2
قصة محزنة ومؤثرة. أسأل الله أن يجمعك بخالي عن قريب يا جنة. والله يرحم جدتي.
الصيدلي علاء عوض - فلسطين
كورونا أوقف تنفيذي وصية أمي, جمانة من القدس | 27 نيسان (أبريل) 2020 - 22:17 3
إن شاء الله بتلتقي فيه عن قريب. ما في شيء بعيد عن الله خالتو. والله يجمعكم عن قريب، ويفرح قلبك بملقاه 🥰 والله يرحم الوالدة ويجعل مثواها الجنة.
كورونا أوقف تنفيذي وصية أمي, هنية من القدس | 27 نيسان (أبريل) 2020 - 22:27 4
يا قلبي والله شيء محزن حبيبتي. إن شاء الله ربنا بجمعك مع أخيك، وتطمئني عليه ويحقق لك حلمك بشوفته، ويرحم أمك يا رب. ما في شيء بعيد عن الله.
كورونا أوقف تنفيذي وصية أمي, أنعام مصري - فلسطين 🇵🇸 | 27 نيسان (أبريل) 2020 - 22:38 5
قصة محزنة ومؤثرة جدا. وأعلم أن موضوع السفر أتعبك جدا، والتفكير بوصية أمك طول الوقت بذهاب لرؤية أخيك المغترب عنكم منذ 27 سنة. ولكن شاء رب العالمين بأن يحدث هذت الوباء، وأن لا تستطيعي تنفيذ وصية أمك. أدعو الله أن يجمعك بأخيك زهير عن قريب، ويطمئن قلبك عليه. عليك بالصبر والدعاء ولا تيأسي، فما بعد العسر إلا اليسر. الله يرحم والدتك ويجعل مثواها الجنة.
كورونا أوقف تنفيذي وصية أمي, أنعام مصري - فلسطين | 28 نيسان (أبريل) 2020 - 06:04 6
قصة محزنة جدا، وأعلم أن فراق وغياب الأخ بالحياة شيء صعب جدا. أدعو الله أن يجمعك بأخيك المغترب عن قريب، ويطمئن قلبك عليه. عليك بالدعاء والصبر ولا تيأسي، فما بعد العسر إلا اليسر. إن شاء الله بعد أزمة كورونا تذهبين لرؤية أخيك، وتنفذين وصية أمك رحمها الله.
كورونا أوقف تنفيذي وصية أمي, هيا القدس | 29 نيسان (أبريل) 2020 - 10:28 7
قصه مؤثرة اسال الله ان يجمعكم عن قريب