د. فريد أمعضـشـو – المغرب
ابنُ الخَطــيب الأندلسي وإحاطــته
أنجبت إمارة غرناطة، خلالَ القرن الهجري الثامن، عدداً من الشعراء والكُتاب والأدباء الذين أعادوا للأدب الأندلسي المتميِّز الكثيرَ من شبابه وبريقه وقوته؛ منهم ابنُ خاتمة الأنصاري؛ شاعر ألمرية، وابن جُزَيّ، وابنُ زُمْرُك. ولعل من أبرزهم جميعاً الوزير لسان الدين بن الخطيب الذي كان عبقرية فذة، وأديباً موسوعياً خاض غمارَ مختلِف ميادين المعرفة والإبداع من شعر ونظم وترسُّل وموسيقى وطبّ وتصوُّف ورحلة وتاريخ... وصنَّف في جُلّ المجالات مؤلفات نفيسة؛ بعضها وصل إلينا (في حدود الثلث حسب بروﭭنسال)، وأكثرها لا نعرف عنه سوى اسمه أو أجزاء منه فقط.
ومن أشهر كتب ابن الخطيب وأبرزها وأضْخمها كتابُ "الإحاطة في أخبار غرناطة" الذي يشكل موسوعة أندلسية عظيمة في التاريخ والأدب معاً. ولأهميته تلك، بادر الكثير من دارسي الأدب ومؤرِّخيه بمدارسته والتأمل في محتوياته والنظر في مضامينه ومنهاجه العامّ ونحو ذلك. وستسعى هذه الورقات إلى التعريف بشخصية ابن الخطيب من خلال الوقوف عند أطوار حياتها التي تراوحت بين الأندلس والمغرب، وتسليط الضياء على أبرز مؤلفاتها، وتبيان مكانتها العلمية والأدبية السّنيّة (المبحث الأول)، وإلى التعريف بأحد تلك المؤلفات من خلال الوقوف عند مضامينه، وتوضيح منهجه، وإبراز قيمته (المبحث الثاني).
مَنْ هو ابن الخطيب؟
لقد خصَّ ابن الخطيب نفسَه بترجمةٍ وافية في آخر كتابه "الإحاطة"[1]، ذكر فيها أصله ونسبه وسياسته ومؤلفاته وتنقلاته ومشيخته وما إلى ذلك. والملاحَظ أن هذه الظاهرة شائعة في التراث العربي الإسلامي؛ إذ ألف الكثير من أدبائنا القدامى تراجمَ خاصة بهم، ومنهم – إلى جانب ابن الخطيب – معاصرُه وزميله العلاّمة عبد الرحمن بن خلدون الحضرمي (ت808هـ) الذي وضع ترجمة مطوّلة لنفسه في مؤلفه "التعريف بابن خلدون ورحلته غرباً وشرقاً"، وكذلك العلاّمة جلال الدين السيوطي (ت911هـ) الذي كتب ترجمة لحياته في الجزء الثاني من كتابه الموْسوم بـ"حسن المحاضرة"، وابن حجر في "قضاة مصر"، وأبي شامة في "كتاب الروضتين"، والفاسي في "تاريخ مكة".
كما أن في الجزء الثالث من "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، وذِكر وزيرها لسان الدين بن الخطيب" العديد من المعلومات عن ابن الخطيب، ذلك بأن أحمد المقّري التلمساني (ت1041هـ) كان من المُعجَبين كثيراً بهذا الأخير. وأفرد له، أيضاً، معاصره وصديقه ابن خلدون ترجمة في الجزء السابع من تاريخه الكبير المُسَمّى "العِـبَر".
المتحدَّثُ عنه، ها هنا، هو لسان الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن علي بن أحمد السَّلْماني. و"السلماني" نسبة إلى "سلمان"، وهو حيّ من مُراد من عرب اليمن القحطانية. وكان هذا اللقب يغلب عليه، ولاسيما في المغرب، حيث كان يُعرف بـ"ابن الخطيب السلماني". وأما "لسان الدين" فيقول لنا ابن الخطيب، في مستهلّ ترجمته لنفسه في مؤخِّرة "الإحاطة"، إنه "يلقب من الألقاب المشرقية بلسان الدين"[2]، ولم يقل لنا متى، ولا في أي ظرفٍ أسْبِغ عليه هذا اللقب.
ولُقب الرجلُ، أيضاً، بـ"ذي الوزارتين"؛ لجمْعه بين مهنة الوزارة ومهنة الكتابة. وقد وُلد بمدينة لوشا (Loja)، التي تبعُد عن غرناطة (أو إغرناطة) بنحْو عشَرة فراسخ، في الخامس والعشرين من رجب عام 713هـ، المُوافق للسادس عشر من نوفمبر عام 1313م. وينحدر من بيت علم وجاه وفضل وشرف؛ بحيث يحدّثنا ابن الخطيب نفسُه بأن بيتهم كان يُعرَف بـ"بني الوزير"، ثم سُمّي كذلك بـ"بيْت الخطيب". وسببُ التسمية الأخيرة أن جدَّه الأعلى كان عالماً ورعاَ يُلقي دروسه ومواعظه تحت أطلال برْج؛ ومنه غلب عليه اسمُ "الخطيب"، وأوْرَث بَنيه هذا اللقبَ، فعُرفوا بـ"بني الخطيب" منذ ذلك الإبّان.
كما أن أباه عبد الله بن سعيد (ت741هـ) يعدّ من علماء لوشا في زمانه، وكان له، فضلاً عن ذلك، مركز متميزٌ داخل المخزن الغرناطي أو البَلاط السلطاني؛ إذ إنه تقلد جملة من المناصب السياسية، أهمّها اشتغاله في ديوان الإنشاء مع الأديب الرئيس أبي الحسن بن الجيّاب. وقد خصَّ ابن الخطيب أباه بترجمة في "الإحاطة".
نشأ ابن الخطيب وترعْرَع في غرناطة؛ عاصمة بني الأحمر، التي انتقلت إليها أسرته لأسباب معينة. ومع أنه استقرّ بها منذ حداثة سنه، إلا أنه لم ينسَ قطُّ لوشا، بل ظلت حاضرة في قلبه، راسخة في وُجْدانه وكأنها أمٌّ له. ومما يزكّي هذا الكلام أنه تغنّى بذلك الحب مراراً في قصيده، بل إنّا نُلفيه في بعض قصائده يسميها "فتيّة غرناطة".
لسان الدين بن الخطيب عالمٌ، كاتبٌ، شاعرٌ، مترسِّلٌ، سياسيٌّ، ناظمٌ... أخذ العلم والأدب عن ثلة من الشيوخ وكبار العلماء والأدباء في عصره عن طريق التلمذة لهم. يقول في الترجمة التي كتبها لنفسه:
"قرأتُ كتاب الله عز وجلّ على المكتِّب... أبي عبد الله بن عبد الولي العوّاد كَتْباً ثم حفظاً، ثم تجويداً إلى مَقرى أبي عمْرٍو... ثم نقلني [والدي] إلى أستاذ الجماعة... الشيخ الخطيب أبي الحسن القِيجاطي، فقرأتُ عليه القرآن والعربية، وهو أول مَنْ انتفعْت به. وقرأت على الحسيب الصدر أبي القاسم بن جُزيّ. ولازمت قراءة العربية والفقه والتفسير على الشيخ الأستاذ الخطيب أبي عبد الله بن الفخّار البِيري... وقرأت على قاضي الجماعة الصدْر المتفنِّن أبي عبد الله ابن بكر رحمه الله. وتأدّبت بالشيخ الرئيس صاحب القلم الأعلى... أبي الحسن ابن الجيّاب. ورويتُ عن كثير ممّن جمعهم الزمان بهذا القطر من أهل الرواية... ومن أهل العُدْوة الغربية والمشرق، الكثير بالإجازة. وأخذتُ الطب والتعاليمَ وصناعة التعديل عن الإمام أبي زكريا بن هُذيل ولازمتُه..."[3].
وإن الذي يتصفح كتابات ابن الخطيب يجده دائمَ الاعتزاز بمشايخه الذين هم ينابيع علمه، وروافد ثقافته الموسوعية. ولعل أبرز دليل على قوة هذا الاعتزاز والحبّ أنه كان كثيرَ الاستدلال بكلامهم في كتاباته، ولاسيما التاريخية منها، ثم إنه ترجمة لهم في إحاطته ترجماتٍ نقلها المقري التلمساني في الجزء الثالث من "نَفْحـ"ـه. ومما يتفق عليه الباحثون ودارسو سيرة ابن الخطيب أن الطب والأدب أبرز المجالات المعرفية التي تفوَّق فيها مُذْ صِغَره.
ومثلما تتلمذ الرجل لجملةٍ من الشيوخ والأساتيذ، كان له عددٌ من التلاميذ النبهاء الذين أخذوا عنه العلم والأدب وفنون السياسة، واغترفوا من بحر علمه الغزير. ومنهم أبو عبد الله الشريسي؛ مؤدِّب أولاد السلطان الغنيّ بالله النصْري (ت793هـ)، الذي تولى نسْخ "الإحاطة" أولَ مرة من مُسوَّدات أستاذه، فجاءت هذه النسخة في ستة مجلدات؛ حسبما يذكر المقري. ومنهم ابن زُمْرُك الذي كان، في بادئ الأمر، معاوناً له في الوزارة، ثم تحوَّل، فيما بعدُ، إلى واحدٍ من أكبر خُصومه، طالما حاول الإيقاع به، وتكدير صَفو علاقته بالسلطان الغرناطي من جانب، وبالبلاط المغربي من جانب آخر.
وعاصر ابن الخطيب مجموعة من أكابر العلماء ورجال الأدب، وفي طليعتهم العلامة عبد الرحمن بن خلدون الذي أتْحف البشرية بمقدمته الخالدة. وكان الاثنان يتراسَلان ويتبادَلان الكتابات، وكان يقرّ كلٌّ منهما بمكانة الآخر في العلم والمعرفة. وقد ترجم كل منهما للآخر. ومنهم، كذلك، الرحّالة الشهير ابن بطوطة (ت779هـ)، والإمام الأصُولي أبو إسحاق الشاطبي (ت780هـ).
رأينا سابقاً أن والد ابن الخطيب كان ذا حُظْوة بارزة لدى سلطان غرناطة. وقد تأثر ابنه بهذا الجوّ منذ صباه، وعاش عيشة هانئة، في نعيم وبحْبوحة، بعيداً عن مشاقّ الحياة ومتاعبها. ولما توفي والدُه عبد الله، دُعي لشغل منصبه، ولم يكن عمره إبّانئذٍ يتجاوز الثامنة والعشرين. وهكذا فقد تولى أمانة السرّ لأستاذه ابن الجياب؛ وزير السلطان أبي الحجاج يوسف – وهو أعظم سلاطين غرناطة – وكاتبه الأثير. وتلقى ابن الخطيب في ديوان الإنشاء على يد أستاذه الجليل الكاتب والشاعر ابن الجياب أرْفع أساليب النظم والنثر في ذلك العصر، وظهرت براعته في تدبيج الرسائل السلطانية مبكِّراً. وكان ابن الخطيب قد ألف كتاباً ضَمَّنَه عدداً من رسائل أستاذه هذا ونثره، أسْماه "تافه من جم ونقطة من يم"، وهو من مصنفاته الضائعة التي لم تصلنا!
ولما توفي ابن الجياب في طاعون سنة 749هـ، خلفه ابن الخطيب في رياسة ديوان الإنشاء، ومنحه السلطان أبو الحجاج رتبة الوَزارة وألقابها. ومع توالي الأيام سيتألق نجم ابن الخطيب، ويبرُز في سماء السياسة، وتعظُم منزلته عند السلطان الذي لم يترددْ في إغداق النعم والهبات والعطْف عليه، فجعله كاتبَ السرّ، ولسانَه في المكاتبات السلطانية الرسمية. وهكذا كتب لسان الدين عدداً من الرسائل المُلوكية البديعة التي ينعتها ابن خلدون باسم "الغرائب"، لروْعتها وجمالية صوْغها وجزالة لغتها. وقد جمع الكاتب نفسُه العديد من هذه الرسالات، فيما بعدُ، في كتابه "ريحانة الكُتاب ونجعة المُنتاب" (8 أسْفار – تحقيق ونشْر محمد عنان عام 1980)، الذي توجد له عدة نسخ مخطوطة بالخزانات المغربية. ونقل إلينا، كذلك، المقري عدداً منها في مؤلفه "نفح الطيب".
وفي سنة 755هـ، قُتل السلطان أبو الحجاج يوسف بن إسماعيل بن فرج، فخلفه ابنه الغني بالله (محمد الخامس). واستمرّ ابن الخطيب في منصبه الوزاري، بل زاد مركزه قوةً. وهكذا فقد أرسله السلطان الجديد سفيراً عنه إلى السلطان المَريني أبي عنان على رأس وفدٍ من رجالات غرناطة. وهنا نُلفي ابن الخطيب يصف، شعراً، حفاوة استقباله بالمغرب من لدن السلطان أبي عنان. ويحسُن بنا أن نشير هنا إلى أن ابن الخطيب كان سفيراً أميناً في النقل، دقيقاً في الملاحظة، حريصاً أشدّ الحرص على تأدية واجب السفارة على أكمل الوُجوه[4]. وقد عُهد إليه، على الأقلّ، بثلاث سفارات؛ الأولى كانت عام 752هـ من لدن سلطان غرناطة أبي الحجاج يوسف إلى السلطان المغربي أبي عنان، والثانية كانت عام 755هـ إلى السلطان المذكور نفسِه ولكن هذه المرة ورد إلى فاس مبعوثاً من قِبَل الغني بالله، والثالثة قادته إلى ملك قشتالة بدْرو الأول (القاسي).
ونتيجة لظروف تاريخية عَصيبة وحوادث سياسية أليمة، خُلِع السلطان الغني بالله من منصبه الرئاسي ليتولاّه أخوه، وقد خُلع معه وزيرُه المُحنَّك ابن الخطيب الذي كان رجلَ دولةٍ من العيار الثقيل. ومن هنا ستبدأ محنة الرجل؛ إذ صودرت، عقيب عزْله، أملاكُه، وفَقدَ مكانته السامية، وصار منبوذاً معْدماً لا فرق بينه وبين أعْوَز الناس. وتتحدث المظانّ القديمة عن تدخل السلطان المريني أبي سالم لدى سلطان غرناطة الجديد طالباً إليه السماح بانتقال الملك المخلوع ووزيره لسان الدين إلى فاس. وهو ما تمَّ فعلاً.
وفي عاصمة بني مرين سيلتقي ابن الخطيب، لأول مرة، بابن خلدون الذي كان ذا شأن رفيع في بَلاط المغاربة. ويقول الدارسون إن مكانة ابن خلدون في المغرب كانت تضاهي مكانة ابن الخطيب في غرناطة، وكلاهما كان رائداً في فن الكتابة. وامتازتِ العلاقة الرابطة بين الرجلين، بادئَ الأمر، بالمحبة والإعجاب والاحترام المتبادَل، ولكنْ بالتقائهما وتعارُفهما أكثر تأكدت هذه العلاقة، وازدادت قوةً.
لقد عاش ابن الخطيب ردحاً من الزمن في كنَف سلطان المغرب الأقصى، ولاسيما في ثغر سلا، ونقل لنا كثيراً من حوادث حياته في هذا الأخير، وأشاد بطيب مقامه هناك؛ وذلك في كتابه "نفاضة الجراب". وقد أنجز خلال مستقرِّه بهذا المكان جملة من المؤلفات توزعت ما بين منظوم ومنثور، ومنها بعض تصانيفه التاريخية القيِّمة؛ من مثل "اللمحة البدرية"، و"رقم الحُلل في نظم الدول" (تونس – 1898)؛ وهو عبارة عن تاريخ منظوم للدول الإسلامية والخلفاء الأوائل وبني العبّاس وبني الأغلب والعبيْديين وبني أمية بالأندلس وملوك الطوائف والمرابطين والموحدين وبني مرين وبني نصْر. ولهذا الكتاب نسخة وحيدة في خزانة القرويين بفاس، وثلاثُ نسخ بالخزانة العامة بالرباط (المكتبة الوطنية حالياً)، وثلاث نسخ كذلك بالخزانة الملكية بالرباط. ويُضاف إلى هذا كثيرٌ من الرسائل السلطانية التي دبَّجها، وأثبتها كلها في النفاضة[5].
ومما ساعده على إنتاجه العلمي الكثير في سلا أنه عاش هناك عزيز الجانب، مرتاح البال، موفور الرزق؛ بحيث تذكر المصادر القديمة أنه اقتنى بسلا الدّور والضياع والرياض، وصار واحداً من أغنى الرجال السلاويين على ذلك العهد. كما أنه نظم مدائحَ جميلة في حق السلطان أبي سالم، ونظم أشعاراً في أغراض أخرى عديدة.
وبعد مُضيّ مدة من الزمن، سيُساعد المغاربة السلطان الغرناطي المخلوع الغني بالله على استرْداد عرْشه من جديد، مستغلّين، في ذلك، ثورة عارمة وقعت في حاضرة غرناطة. وما كاد محمد الخامس الغني بالله يجلس من جديد على كرسي العرش حتى كتب إلى وزيره المَنفيّ ابن الخطيب رسالة رقيقة عام 763هـ يخبره فيها بنجاحه في استرجاع مُلكه، ويطلب إليه العودة والقدوم إلى غرناطة لتقلُّد منصبه مُجدَّداً. ونزولاً عند رغبة السلطان، غادر ابن الخطيب مُقامه الهادئ بسلا، وجاز إلى غرناطة، فأعاده مليكه إلى منصبه الوزاري القديم، واستأنف عمله في وزارته ناهجاً منهجَه المُعتاد.
وفي ذلك الحين، وَفَد على الأندلس صديقه الحميم ابن خلدون، بعدما فقدَ حظْوته في البلاط الفاسي، فاستقبله الغني بالله استقبالاً حارّاً، وفعل الشيءَ نفسَه وزيرُه ابن الخطيب. وبقي ابن خلدون في الأندلس زمناً قويت خلالَه مكانته عند سلطان غرناطة؛ فبعثه سفيراً إلى ملك قشتالة النصراني، ونال عنده حُظوة واضحة ستنعكس سلباً على وجوده في المنطقة لاحقاً !كيف ذلك؟ لقد أثرت هذه العلاقة القوية بين الغني بالله وابن خلدون؛ نزيل غرناطة، في نفسية ابن الخطيب، وحرّكت كوامن شعوره، وجعلته أكثر تخوُّفاً على فقدان منصبه السياسي. وهنا تتحدث بعضُ المصادر عن تحريض ابن الخطيب سلطانَه على ابن خلدون. وبالفعل، فقد أثرت نصائح لسان الدين وأقاويله في نفس مليكه أيَّما تأثير؛ فبدأت علاقة الغني بالله بابن خلدون تفتُر. ولما اتضح لابن خلدون إعْراض السلطان عنه، وتغيُّر علاقته به، وأحسّ بأثر ابن الخطيب في هذا التحول المفاجئ، شدَّ الرِّحال قاصداً المغرب سنة 766هـ. وعلى إثر ذلك، فترت العلاقة بين الأديبين وضعُفت.
لقد كثر خُصوم ابن الخطيب في الأندلس، وعلى رأسهم تلميذه النابه الكاتب الشاعر ابن زمرك، فبدأ مركزه المتميز يضعف يوماً بعد يومٍ؛ فقرَّر ترْك السياسة ومتاعبها ومسؤولياتها، والاتجاه نحو الزهد والاعتكاف وزيارة البيت الحرام لأداء مناسك الحجّ. فاستشار موْلاه في الأمر. وقد كان لابن الخطيب السلطان المُطلقُ في إدارة شؤون غرناطة، وكان العُمْدة في سياسة المنطقة داخلياً وخارجياً؛ لذا نرى سلطانَه شديدَ التمسُّك به، والتماس مشُورته في الأمور كلِّها، فلم يسمح له بترْك الوزارة أو التغيُّب عنها مدة، ولو لأداء فريضة شرعية أساسية. فما كان من ابن الخطيب إلا أن احتال على السلطان، عاقداً العزمَ على الفرار إلى العدوة الأخرى، بعدما يئِس ميدان السياسة ومشاكله، فكتب رسالة مؤثرة إلى مليكه يودّعه فيها، ويشرح له، عبْر أسْطرها، دواعيَ استقالته.
وقد نقل إلينا ابن خلدون نص تلك الرسالة في عِبَره (ج.7)، ووصفها بأنها من أغْرب الرسائل وأرْوَعها وأجْودها على الإطلاق. وبعد ذلك، جاز المضيق متَّجهاً صوب المغرب سنة 772هـ، وقصد تلمسان حيث بلاطُ عبد العزيز المريني، وهناك اسْتُقبِل أجملَ استقبال وأحَرَّّه، وأرسل السلطان المغربي مبعوثاً، في الحال، إلى غرناطة ساعياً في استقدام أسرة الوزير المُسْتقيل، فأتى بها مُعَزَّزة مكرَّمة، وذلك في أواسط العام 773هـ. وهكذا، استقرّ ابن الخطيب في وطنه الجديد هانئاً منعَّماً عاليَ الشأن كريمَ الجانب، وشعر بأنه قد استردَّ في بلاط المغاربة منزلته المفقودة.
ومن جانبهم واصل خصوم ابن الخطيب إشعال نار التلفيق والاتهام ضده، فرمَوْه بالإلحاد والخروج عن الشرْع في بعض ما كتب في مؤلفاته. وكان أبرز مُروِّج لهذه الدعاية، كما هو معلوم، تلميذه وخلَفُه في الوزارة أبو عبد الله ابن زمرك. وانضاف إليه النباهي الذي كان من أكبر وأوْفى أصدقاء لسان الدين، قبل أن تتوتَّر العلاقة بينهما فيما بعدُ لاعتبارات مّا. وقد بعث هذا الخصْم برسالة إلى ابن الخطيب يتهمه فيها بالكفر والإلحاد. فلما وصلت إلى ابن الخطيب أثرت فيه تأثيراً غائراً، فردَّ عليها برسالة مماثلة وبلهجة حادّة كذلك. ونتيجة لكل هذه التهَم والترّهات، التي نجحت إلى حد بعيد، أحرِقت كتب ابن الخطيب في ساحة غرناطة، بعد صدور فتوى فقهية في هذا الصدد، على أساس أنها تتضمن بين ثناياها أشياء تخدش الدين، وتنطوي على إلحاد. وبهذا العمل فقدت المكتبة العربية الإسلامية علماً غزيراً في عدد من حقول المعرفة. وعليه، فقد أرسل السلطان الأندلسي إلى نظيره المغربي كتاباً يطلب منه فيه تنفيذ حُكم الشارع في الوزير المُلحد، في نظره، وهو الإعدام. فما كان من ملك المغرب إلا أنْ ردَّ على طلبه بالنفي القاطع، وأكثر من ذلك فقد زاد من تقريب ابن الخطيب، وإكرامه، وإغداق الآلاء عليه، وحمايته من كيْد أعدائه الذين يتربَّصون به لتصْفية حساباتهم معه.
ولما توفي السلطان عبد العزيز، خلَفَه على العرش ولدُه الطفل السعيد، وغادر بلاط أبيه بتلمسان في اتجاه فاس ومعه ابن الخطيب الذي تقوّى مركزُه في بلاد المغرب. وقد حاول الغني بالله مراراً أن يُوقِع بابن الخطيب، إلا أنه فشل؛ لسمُوّ مكانة هذا الأخير لدى سلطان المغرب آنذاك.
وساءت العلاقة بين بلاطي فاس وغرناطة، فدفع ابن الأحمر بعضَ الثوّار والخوارج من بني مرين إلى الانقلاب والثورة على السلطان المريني الذي أبى أن يلبِّي رغبة السلطان الغرناطي في قضية الوزير الأسبق ابن الخطيب، فأمَدَّهم بالعون المادي والمعنوي. وقد أفلح الثوار فعلاً، فتمكنوا من خلع الملك الطفل السعيد، وتنصيب الأمير أحمد بن السلطان أبي سالم مكانَه عام 776هـ.
وكان التفاهُم قد تمَّ بين الغني بالله وبين زعماء الثورة بخصوص مصير ابن الخطيب. وبمجرد نجاح الانقلاب، بادر السلطان الجديد بإلقاء القبض على ابن الخطيب واعتقاله. وحُوكِم بعدما نُسبت إليه اتهامات كثيرةٌ كان للنباهي وابن زمرك اليد الطولى في إعدادها. وعُزر الرجلُ، وعُذب أمام الملإ، وسُجن في زنزانة مظلمة؛ فهاجمه بعض أعدائه في سجنه ليلاً، وقتلوه خنقاً، وأخرجوا جثته في الغد، ودُفنت بالمقبرة الواقعة تُجاه باب المحْروق؛ أحدِ أبواب فاس القديمة، ثم أخرجت جثتُه في اليوم التالي، وطُرحت فوق القبر، وأضرمت فيها النيران، فاحترق شعر الرأس واسودّت البشَرة، ثم أعيدت الجثة إلى القبر قبل أن تحترق كليةً. وقد وقعت هذه المأساة في ربيع الأول، أو ربيع الآخِر، سنة 776 للهجرة، الموافق لأغسطس، أو شتنبر، سنة 1374 للميلاد.
وقد أشار ابن خلدون إلى تلك الواقعة الأليمة في تاريخه، قائلاً عن القتيل إنه "الهالك لهذا العهد شهيداً بسعاية أعدائه". وهكذا، رحل ابن الخطيب عن دُنيا الناس تاركاً ثلاثة أبناء، هم: عبد الله، ومحمد، وعليّ. وكانت وفاته، كما قال المرحوم محمد عبد الله عنان؛ محقق "الإحاطة"، "ضحية الجهالة والتعصُّب والأحقاد السياسية والوَضيعة"[6]. ومن المواقف البارزة في حياة الرجل، التي يحسُن بنا أن نومئ إليها، موقفُه من مستقبَل غرناطةَ بلدتِهِ، فقد تنبَّأ بسقوط مملكة بني الأحمر نظراً لتلك الحال المُزْرية التي رآها عليها عصْرَئذٍ.
وقبل الحديث عن مؤلفات لسان الدين، لا بأس من أن نشير إلى أن المقري، الذي كان من كبار المُعْجَبين بالهالك، كان قد زار قبْر ابن الخطيب، أكثر من مرة، في أثناء إقامته بفاس في أوائل القرن الهجري الحادي عشر. ثم إن ضريحه ما يزال قائماً بفاس القديمة، وقد كُتِب أعْلاه، بالخط المغربي، العبارة الآتية: "هذا ضَريحُ العلاّمة لسان الدين بن الخطيب".
لقد خلّف ابن الخطيب عدة كتابات في ميادين شتى؛ ذلك بأن الرجل كان كثيرَ المطالعة والبحث والتصنيف. ومن هذه التآليف ما كتبه في بلاد الأندلس، ومنها ما صنَّفه في بلاد المغرب، ولاسيما في سلا. يقول حسن الوراگلي: "كانت مواهب ابن الخطيب الأدبية ومعارفه العلمية من الغَناء والسّعة بالدرجة التي أتيح له معها أن يُجريَ قلمه بالتأليف في مختلِف الفنون والعلوم من أدب، وتاريخ، وجغرافية، وتصوّف، وأخلاق، وفقه، وسياسة، وطبّ، وبيْطرة، وموسيقى، وغير ذلك مما تدل عليه عناوين كتبه ورسائله"[7].
وقد ذكر لنا ابن الخطيب ثبْتَ مؤلفاته – أو أكثرها بتعبير أدقّ؛ لأن الرجل بدأ استعراضها بقوله: "من ذلك..." – ضمن ترجمته لنفسه في آخر كتابه "الإحاطة"، ولكن هذا الثبت ناقص لا يشمل جميع كتبه المؤلَّفة؛ لأنه فَرَغ من كتابة "الإحاطة" حوالي عام 773هـ، وكتب بعد هذا التاريخ عدداً من المؤلفات والرسائل. ونقل إلينا المقري ثبت كتب ابن الخطيب في مؤلَّفيْه الشهيرين "نفح الطيب" (ج.4)، و"أزهار الرياض" (ج.1).
يتضح مما تقدَّم أن ابن الخطيب خلّف، فعلاً، تراثاً ضخماً، ومكتبة مهمّة من التصانيف في مختلِف الميادين. وقد بلغت مؤلفاته زهاء الستين (ما بين كتاب ورسالة)، وصل إلينا أقل من نصفها، ولاسيما من المؤلفات التاريخية والأدبية. ويبدو أن تصانيف لسان الدين التي لم تصلْنا قد ضاع جُلّها في محنة إحراق كتبه التي وقعت في ساحة غرناطة سنة 773هـ، وهي، في مجملها، من كتب الطب والتصوف والموسيقى. ثم إن أغلب كتبه التي نجَتْ من تلك المحرقة قد وصل إلينا عن طريق المغاربة. وعلى العموم، فبِمُكْنَتنا تصنيف مؤلفات ابن الخطيب إلى المجموعات الكبرى الآتية:
التاريخ:
من أهم المؤلفات التي وضعها ابن الخطيب في الميدان التاريخي، إلى جانب "الإحاطة" التي سنخصّها بحديث مطوّل لاحقاً، نذكر"أعمال الأعلام فيمن بُويِع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام وما يتعلق بذلك من شجون الكلام".
كتب ابن الخطيب هذا الكتاب في ظرف سياسي عصيب كان يمر به المغرب، للردّ على خصْمه القاضي أبي الحسن النباهي. وقد تركه ناقصاً؛ لأنه لم يُتح له إنهاؤه وإكماله. والمصنَّفُ موضوعٌ، أساساً، للوزير المستبدّ أبي بكر ابن غازي عقب وفاة عبد العزيز المريني، وتنصيب ولده الطفل السعيد سلطاناً مكانَه؛ مما أثار حفيظة خصوم هذا الوزير الذين عارضوا، بشدة، تولية الطفل، واتهموه بإهدار مصالح المسلمين.
وأمام هذا الوضع، كُلف ابن الخطيب بتأليف هذا المصنف، على عجل، ليثبت فيه أن لهذا الحدث؛ حدثِ تنصيب طفل سلطاناً، نظائرَ عديدة في التاريخ الإسلامي، وأنه تصرف سليم لا يتنافى وأحكامَ الشرع في شيء، وكان المؤلِّف، إذاك، منشغلاً بتأليف كتاب آخر؛ كما صرّح بذلك في قوله: "... فأمليْتُه عفواً من غير رَويّة تحكّم الاختيار، وتستدعي للحفظ والامْتيار، قطعْت به العزيمة عن الاشتغال بالكتاب الكبير المسمّى "رياسة الفُلْك في سياسة المُلْك" إلى أن نَكِرّ إن شاء الله عليه"[8].
ويقع الكتاب، قيد التعريف، في ثلاثة أقسام كبرى؛ بحيث تحدث المؤلف، في القسم الأول المُصَدَّر بمقدمة نفيسة، عن سلاطين مسلمين بويعوا صغاراً في تاريخ الدولة الإسلامية بالمشرق ومصر والشام، وفي القسم الثاني عن أطفال تولّوا السلطة في فترات من عمْر دولة الإسلام ببلاد الأندلس منذ انطلاق حُكم بني أُمَيّة إلى قيام دولة بني الأحمر بغرناطة، ولاسيما عهد الغني بالله، وتحدث، في آخر الأقسام، عن السلاطين المسلمين الذين حكموا قبل الاحتلام في تاريخ أفريقية والمغرب الإسلامييْن بدءاً من أيام الأغالبة إلى حدود بداية عصر الموحدين.
وتوجد لهذا الكتاب عدة نُسَخ مخطوطة، ولاسيما بمكتبات المملكة المغربية (الرباط – فاس...). وإذا كان القسم الأول من الكتاب ظل مخطوطاً إلى عهد قريب، فإن القسمين الآخَرَين قد نُشرا معاً منذ عقود؛ بحيث حقق القسمَ الثاني المستشرق الفرنسي الكبير ليڤي بروڤنسال (E. L. Provençal)، ونشره بعنوان "تاريخ إسبانيا الإسلامية"، على حين حقق الثالثَ الأستاذان أحمد مختار العبّادي ومحمد إبراهيم الكتاني، ونشَراه بعنوان "تاريخ المغرب العربي".
وقبل الفراغ من التعريف بهذا المؤلَّف، تحسن الإشارة إلى أن الآراء تضاربت حول عنوانه؛ لورود كلمته الأولى، في جميع مخطوطاته، دون ضبط همزتها (أي بهذه الصورة الخطية: اعمال)؛ لذا وجدنا بعض الدارسين يُثبتون الكلمة بكسر همزتها (إعمال)، وآخَرين بفتحها (أعمال). وجاء مطلع العنوان، في بعض النسخ، بصورة مغايرة، هي "إعلام الأعلام"، انسجاماً مع عدد من مؤلفاتنا القديمة التي تصدّرتها كلمة الإعلام. وكان أستاذنا الفاضل رابح عبد الله المغراوي قد نشر كتابة رصينة في تحقيق عنوان هذا الكتاب، مُثبتاً، في المآل، أن الأصحّ هو "إعمال الأعلام..."[9].
الكتاب الثاني "اللمحة البدْرية في الدولة النصْرية": وهو مختصَر لتاريخ بني نصْر، ملوكِ غرناطة، حتى أوائل سنة 765هـ. وقد نُشر بالقاهرة، عام 1928، بعناية المرحوم محبّ الدين الخطيب. وله نسختان مخطوطتان بخزانة القرويين بفاس، ونسخة أخرى بخرانة المكتبة الوطنية بالرباط. وقد أشار ابن الخطيب في كتابه هذا الواقع في جُزء وحيدٍ، وفي "الإحاطة" كذلك، إلى عنوان كتابٍ آخر له، ولكنه مفقود للأسف، هو "طرفة العصر في تاريخ دولة بني نصر"، الذي اعتقد المستشرق ﭭستنفلد، خطأ، أنه اسمٌ ثانٍ للّمْحة. فالكتابان معاً يؤرّخان للدولة النصرية في غرناطة، ولكن المطّلع عليهما معاً يلحظ أنهما ليسا كتاباً واحداً بل عنوانيْن لكتابين مختلفين؛ كما ذكر المرحوم محمد عبد الله عنان في تقدِمَة تحقيقه للإحاطة.
أما الكتاب الثالث فهو "نفاضة الجراب في علالة الاغتراب": وهو كتاب يشتمل على "مذكرات شخصية" كتبها ابن الخطيب عن فترة من أهمّ فترات حياته؛ وهي تلك الفترة التي قضاها في عزلته بسلا من عام 761هـ إلى عام 763هـ، ثم، بعد ذلك، عودته إلى الأندلس وتوليه الوزارة ثانيةً إلى حدود ربيع الأول من عام 764هـ. ومن هنا، يظهر الطابع السِّير ذاتي لهذا العمل الأدبي[10]، الذي قوامُه ثلاثة أسْفار حسبما يذكر مؤلِّفه، ولكنه لم يصلنا كاملاً! ورغم ذلك، فإنه يظل "من أهمّ كتب ابن الخطيب، بل ربما كان أهم كتابٍ [له] بعد كتاب "الإحاطة""[11]؛ على حد تعبير محمد عنان رحمة الله عليه.
ويحسُن بنا أن نشير، ها هنا، إلى أن ثمة مؤلفاً تاريخياً يُنْسَب خطأ لابن الخطيب، هو "الحُلل الموشية في الأخبار المراكشية"، الذي طبع في تونس العامَ 1329هـ (مطبعة التقدم الإسلامية) بوصفه كتاباً للمؤلِّف المذكور. ولكن لهذا العمل نسخة مخطوطة بالخزانة الملكية بالرباط ورد فيها أن الكتاب من تأليف أبي العلاء بن سماك العاملي المالَقي![12] وكان قد ظهر، عام 1979، تحقيق لكتاب يشبه عنوانه عنوانَ هذا الكتاب؛ وهو "الحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية" لمؤلف مجهول الاسم، ولكنْ أُثبِت على غلافه أنه أندلسي من أهل القرن الثامن الهجري![13].
الترسُّل والأدب والمصنفات الخاصة:
ومن كتب هذه المجموعة الأدبية نذكر"بستان الدول": وهو كتاب ضخم في السياسة والقضاء والحرب، وأهل المِهن والحِرَف، وطوائف الشعب، يخصص لكلٍّ منها شجرة. وقد ذكر ابن الخطيب، في "الإحاطة"، أنه كتب منه ثلاثين سِفراً، ثم عاقته الحوداث عن إتمامه. ونشير إلى أنه لم يصلنا كاملاً. قال المؤلِّف عن موضوع تأليفه هذا:
"... وهو موضوع غريبٌ ما سُمِع بمِثله، قلَّ أن شذ عنه فنّ من الفنون، يشتمل على شجراتٍ عشْر؛ أولها شجرة السلطان، ثم شجرة الوَزارة، ثم شجرة الكتابة، ثم شجرة القضاء والصلاة، ثم شجرة السلطة والحِسْبة، ثم شجرة العمل، ثم شجرة الجهاد، وهو فرعان: أسطول وخيول، ثم شجرة ما يضطرّ باب الملك إليه من الأطباء والمنجِّمين والبيازرة والبياطرة والفلاحين والنُّدَماء والشَّطرنجيين والشعراء والمغنّين، ثم شجرة الرعايا. وتقسيم هذا كله غريب، يرجع إلى شُعَب وأصول، وجراثيم وعُمُد، وقِشْر ولِحاء، وغصون وأوراق، وزهرات مثمرات وغير مثمرات، مكتوب على كل جرء من هذه الأجزاء اسم الفنّ"[14].
والكتاب الثاني "روضة التعريف بالحبّ الشريف" (أو "كتاب المحبّة"): وتعد هذه الرسالة الضخمة (سفْران) واحدة من مؤلفات ابن الخطيب المهمّة والمتميزة، فعلاً، فكرةً وأسلوباً. إذ إنها من أقوى نفثات لسان الدين النثرية وأبْلغها، وأحْفلها بالأفكار الفلسفية الطريفة، والتشبيهات المبتكَرَة في موضوع الحب الإلهي بأوْسع دلالاته؛ هذا الحبّ الذي عَدَّه ابن الخطيب أصلَ طريق التصوف، وأساسَ الوعْي الروحي، وأن الأرضَ التي يُغرس فيها – وهي النفس – لا بد من تنظيفها وتنقيتها من شتى أصناف الشكّ والارتياب، قبل العمْد إلى إروائها من نَبْع جداول النقل والعقل بعد تمييز ما يصلح منها وما لا يصلح لاغتراس الحب الإلهي.
وقد كتبت في وقتٍ كان يُجابه الأمن الروحي للأمة الإسلامية تحدّيات خطيرة في الشرق والغرب معاً، وذلك تلبية لطلب مليكه الغني بالله ليردّ به على ما جاء في "ديوان الصبابة" للفقيه والأديب المغربي ابن أبي حجلة التلمساني (ت776هـ) نزيلِ القاهرة، الذي يُعْنى بذكر أخبار العشق والعشاق نثراً وشعراً، وكان قد ذاع صْيته، وانتشر أمْره بين الناس، وبلغ بلاد الأندلس، ووقع بين يدي السلطان الغني بالله الذي أشار على وزيره الأديب ابن الخطيب بأن يكتب تأليفاً في الردّ عليه، فما كان من المأمور – الذي كان سُنّياً أشعرياً – إلا أن يستجيب، فوضع كتاب "الروضة" الذي سلك فيه مسلكاً جديداً في تصوير المحبة؛ إذ يقول:
"... وجعلته شجرة وأرْضاً. فالشجرةُ المحبة مناسبة وتشبيهاً، وإشارة لما ورد في الكتب المنزلة وتنبيهاً، والأرضُ النفوس التي تغرس فيها، والأغصان أقسامها التي تستوِفيها، والأوراق حكاياتها التي نحكيها، وأزهارها أشعارها التي نجنيها، والوصول إلى الله تعالى ثمرتها التي ندّخرها بفضل الله ونقتنيها."[15]
كما أنه تغيّا الارتفاع بالمحبة من درك الغرائز إلى معارج الارتقاء بالروح إلى سماء الولاية؛ الأمرُ الذي من شأنه أن ينقل الإنسان من طبقة الأشقياء ليُلحِقه بزمرة السُّعداء المُطمئنّين.
وقد فرَغ ابن الخطيب من تأليف هذا الكتاب أوائلَ 769هـ، جاعلاً إياه "أجمل خاتمة لحياته الأدبية وحياته العلمية؛ تلك الحياة التي كانت مليئة بالأعمال التي تباعَدَت أطرافها بين نزوع دنيوي ونزوع أخروي. فكان هذا الكتابُ خطاباً لنفسه قبل أن يكون خطاباً لغيره، وإرواءً لشوقه قبل أي غرض آخر.
وليس مما يخرج عن المعتاد في أمثاله يومئذٍ أن تكون ثقافته الشمولية الواسعة قد جنحت به إلى هذا المنزع الذي يرى الحقيقة واحدةً من خلال التعدُّد. وهذا ما ألحّ عليه في كتابه "روضة التعريف". وبذلك كان موقفه بين المذاهب السائدة يومئذٍ موقفَ الوَسَط الذي يرفض التطرُّف، ولكنه على مسافةٍ واحدةٍ من جميع المتطرّفين"[16].
ونشير إلى أن المقري قد نقل لنا، في "نفحـ"ـه، مقدمة "كتاب المحبة"، وبعض فصوله أيضاً. وفي عام 1968، نُشر الكتاب كلُّه بالقاهرة بتحقيق عبد القادر أحمد عطا. وبعد أزيد من سنتين، ظهرت نشْرة أخرى له، بالدار البيضاء، بتحقيق محمد الكتاني. وللكتاب نسخٌ عديدة بخزانات المغرب (الرباط – فاس).
ويقول كثيرٌ من دارسي تراث ابن الخطيب وحياته إنه قُتِل بسبب هذا الكتاب، الذي أثار ضجّة غِبَّ ظهوره، والذي قرَّر فيه، حسبما زعم خصومه، مذهب الوحدة المطلقة المُفضي إلى القول بالحُلول والاتحاد ونحْو ذلك من أفكار الإلحاد. وقد انطلق الذين حاكموه، وهم قضاة مالكية، من هذه التهم، كما يرجح أولئك الدارسون، للحُكم على ابن الخطيب، وإدانته، واستصدار أمْر بقتله، دون العودة إلى الكتاب للوقوف على صحة تلك المزاعم التي اتضح، فيما بعدُ، أنها قد جانَبَت الصواب، وأن كل ما في الأمر قضية تصفية حسابات سابقة لا غير!
الكتاب الآخر "معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار": وهو وصْف نثري مسجّع لمدن مملكة غرناطة، ولعديدٍ من مناطق المغرب، يتوزع على مجلسين/ فصلين كُتبا على طريقة المحاوَرَة. وقد طبع الكتاب بالمغرب، تحت إشراف اللجنة المشتركة لنشر التراث الإسلامي بين المملكة المغربية ودولة الإمارات العربية المتحدة، عام 1396هـ/ 1976م، في 198 صفحة من القِطْع الكبير، بتحقيق محمد كمال شبانه؛ ناشرُ أعمال "خطيبية" أخرى (مثل كتابه "أوصاف الناس في التواريخ والصلات")، الذي قال عنه:
"إنه عبارة عن وصف قصصي، جاء في صورة مقامة تقليدية، حاول بها ابنُ الخطيب –كما حاول في غيرها – أن يجاريَ بها مَن سبقوه في هذا الميدان، وفي سبيل ذلك حشَدَ لها المزيدَ من فنون القول والبيان، وبخاصة مقدمة كلٍّ من المجلسيْن ونهايتهما، حيث انصرف فيهما إلى حدٍّ مّا عن المعنى إلى اللفظ مما أفقد المقدمة – خاصة – قيمتها الأدبية من أديبٍ مثلِ ابن الخطيب"[17].
وتجدر الإشارة إلى أنه قد سبق للمستشرق الإسباني سيمونيت (F. J. Simonet) أن نشر الجزء المتعلق بغرناطة من "معيار الاختيار"، وجعله مُلحَقاً بكتابه "وصف مملكة غرناطة تحت حكم بني نصْر".
النظْم والشعر:
من آثار ابن الخطيب السلماني في هذا الصدد نجد كتابه "جيش التوشيح": وهو ديوانٌ يقع في سِفريْن، جمع فيه ابن الخطيب –وهو من أئمّة الموشحات الأندلسية– طائفة مختارة من موشحات رواد التوشيح بالأندلس؛ أمثال ابن بقي، وابن اللبانة، والأعْمى التُّطِيلي، وابن شرف. وقد نُشر هذا العمل بتونس، عام 1967، محققاً بعناية الأستاذين هلال ناجي ومحمد ماضور.
وذكر صاحب "النفح" أن معاصرَه ومواطنه الكاتب والوزير المغربي عبد العزيز بن محمد الفشتالي (ت1031هـ) كتب ذيلاً على هذا الديوان أسْماه "مدَد الجيش"، ضَمَّنَه كثيراً من موشحات المغاربة إلى حدود أوائل القرن الحادي عشر الهجري.
الديوان الثاني "ديوان الصَّـيِّب والجَهام والماضي والكُهام": وهو ديوان ابن الخطيب (سِفران)، ولكن لم تصلنا، للأسف، نسخة كاملة منه. وقد نُشر ما بقي منه بالجزائر (الشركة الوطنية للنشر والتوزيع)، عامَ 1973، بعناية محمد الشريف قاهر. ونشير، ها هنا، إلى أن محمد مفتاح، الناقد المغربي المرموقَ، كان قد حقق ديوان ابن الخطيب، في إطار عمل جامعي قدّمه، قبل أزيد من ثلاثة عقود، لنيل د.د.ع. من كلية الآداب ظهر المهراز بفاس، وقد أرفق تحقيقه هذا بدراسة معمّقة عن شعر الشاعر. وينطوي عنوان هذا النص على ثنائيتين اثنتين؛ الأولى طرفاها "الصيب" (السحاب الذي فيه ماء) و"الجهام" (السحاب الذي لا ماءَ فيه)، والثانية طرفاها "الماضي" (النافذ السريع) و"الكهام" (البطيء الكليل).
اما الكتاب الثالث فهو "السحر والشعر": يندرج هذا المصنَّف ضمن ما يسمى، في تاريخ النقد العربي، "كتب الاختيارات الشعرية". فقد ذكر ابن الخطيب، في مقدمة الكتاب، أنه بمناسبة ترَعْرُع ولده عبد الله، اغتنم الفرصة فاختار له جملة من القصائد المُوجَزة التي تتعلق بالوصايا والمبادئ والحِكم والفوائد، وجعلها في تصنيف، ليكون له أحسن زادٍ، وأفضل عتاد. يقول في مقدمته:
"لما طلع الآنَ الولدُ عبد الله يسّر الله نجابته، وعجّل تلبيته لداعي الرشد إجابته، اغتنمتُ له فرصة العُمر عند إمكانها، واهتبلت غرّة الدنيا المقبلة بسكّانها، وأعددْت له العتاد الذي يجده، واستدعيت له المَدَد الذي ينجده، واستجزت له من شيوخ وقته مَن أغضى عنه حمامه، واتصلت أيامه، ونظمت له قصائد في الوصايا والمبادئ، يستقبل مع درْسها، ويجني مع السعادة غرْسها، وظهر فيّ الآن أن أيسِّر له مجموع هذه الأناشيد ليُحاضرَ بها ويتمثل، ويتأسّس البيان بذكرها لديه ويتأثل."[18].
وكان ممّن انتقى لهم نصوصاً شعرية، من أهل المشرق، ابن نباتة ومهْيار الدَّيْلمي وأبو العتاهية وابن الرومي والشريف الرّضي، ومن المغاربة والأندلسيين، اختار نصوصاً لابن رشيق القيرواني والمعتمد بن عبّاد وابن اللبانة وابن عبدون وابن سهْل وابن صُمادِح. وراعى المصنِّف في قسمه الأول نمط الشعر، وفي الثاني نمط السحر. ونقف في كلٍّ منهما على جملةِ أبوابٍ يستقلّ كل باب منها بغرض من أغراض الشعر المعهودة، وهي، على التتابُع، المدح، والفخر، والرثاء، والنَّسيب (أي الغزل)، والوصف، والمُلَح، والحِكمة.
وقد وجدْنا في الغرب الإسلامي آخرين، غير ابن الخطيب، ألفوا تآليفَ جامعةً بين هذين النمطين؛ مِنْ مِثل ابن لُيُّون التجيبي، أحد شيوخ ابن الخطيب، في كتابه "لمْح السحر من روح الشعر ورَوْح الشِّحْر". ولمؤلَّف "السحر والشعر" قيمة نقدية تنضاف إلى قيمته الأدبية الواضحة؛ ذلك بأنه يشكل "حلْقة مهمة في النظرية الشعرية القائمة على التصور الفني، المعتمِدة على الذوق في إدراك سرّ الجمال في الشعر لِما يُحْدِثه من تأثيرٍ في المتلقي... ولا شك أن النظرة الخطيبية للعملية الشعرية صادرة عن إيمان عميق بجدْوى الشعر ووظيفته؛ هذا الإيمان الذي لم يكنْ ليترسَّخ إلا عن طريق فهْم هذا الشعر أولاً، وتذوُّقه ثانياً، وممارسته في مرحلةٍ ثالثةٍ، وهي كلها شروطٌ توافرت لابن الخطيب الأديب والناقد.
وإذا كان كتاب "السحر والشعر" لا يرْقى إلى مصافّ الأعمال النقدية الكبرى، فإن قيمته تتجلى في كونه مختارات شعرية تمثل ذوق ابن الخطيب أولاً، وذوق المرحلة ثانياً؛ هذا الذوق الذي ساهمت المدارس والتيارات النقدية المتنوعة في تربيته وتكوينه وترسيخه. وبهذا يكون الكتاب برؤيته للشعر، وباختياراته الشعرية، صدىً صادقاً، وانعكاساً مباشراً للحياة الثقافية والفكرية خلالَ القرن الثامن للهجرة بالأندلس."[19]
المجال العلمي:
ومن كتبه في هذا المجال "رجَز في الأغذية" (أو "أرجوزة الأغذية"): ويقع في حوالي مائتين وألف بيت، عرَضَ فيها الناظمُ الأغذية مرتَّبَة على حروف المعجم، وذكر طبائعَها ومنافعها ومضارّها وإصلاح خللها...
وكتابه الثاني "عمل مَن طبّ لمن حبّ": وهو كتاب طبيّ ضخم نشرته المستعربة الإسبانية مارية دي لاكونثيثيون، في العام 1972، تطرق فيه ابن الخطيب إلى مختلِف الأمراض مستعْرضاً أسبابَها وأعْراضها وسبلَ علاجها ونظام الغذاء المناسب لكلٍّ منها. كما تحدث فيه عن شتى أعضاء الجسم، وطرق الاعتناء بها. وقد ألفه صاحبُه عام 761هـ، خلال إقامته الأولى بفاس، وأهداه إلى السلطان أبي سالم المريني، الذي كانت أفضاله على ابن الخطيب كثيرة؛ لذا فقد أشاد به في ديباجة الكتاب بعبارات رنّانة، مصرِّحاً بأنه لم يَجد، لرد جميل أبي سالم، خيراً من الطب الذي يحفظ الصحة، ومنه الدين والدنيا. وله تأليفٌ آخرُ شبيهٌ بهذا من عدة وجوه، عنوانُه "الوصول لحفظ الصحة في الفصول"، كتبه في غرناطة، عام 771هـ، لسلطانها أبي عبد الله محمد الخامس النصري، وهو من تواليف ابن الخطيب الطبِّية التي وصلتنا.
أما المؤلف الآخر فهو "مقنعة السائل عن المرض الهائل": وهو عبارة عن رسالة طبّية وصحية من نوع خاصّ، ألفها لسان الدين عن الطاعون الخطير الذي اكتسح الأندلس وجُلّ مناطق العالم الإسلامي سنة 749هـ/ 1348م. وفيها يصف الرجل ظروف ظهور هذا الوباء، وسرعة انتشاره، وأماراته الأولى، وسُبَل التحوُّط منه. كما عرّفنا فيها بوباء الطاعون، مبرزاً أسبابه (سبب أقصى – سبب أدنى)، وموضحاً آثاره على مستوى بدن المصاب به، وطرق المعالجة منه، وانتقد بين طيّاتها بعضَ التصورات البعيدة عن مفهوم القدر.
وقد ذكر ابنُ الخطيب، ضمن الترجمة التي كتبها لنفسه في آخر إحاطته، هذه الرسالة باسم "رسالة الطاعون"، وهو الاسمُ نفسُه الذي نجده في مؤلفات أخرى عرّفت بابن الخطيب؛ ككتاب "جذوة الاقتباس في مَنْ حلّ من الأعلام مدينة فاس" لأحمد بن القاضي المكناسي (ت1025هـ). وقد حقق، مؤخراً (2005)، نور الدين الموادن، عميد كلية آداب وجدة حالياً، هذه الرسالة انطلاقاً من مخطوطةٍ لها موجودةٍ بخزانة المكتبة الوطنية بالرباط، ضمن مجموع يضم أربع رسائل طبية حول الطاعون. وتوجد نسخة من هذه الرسالة، كذلك، ضمن مجموع خطّي بمكتبة دير الإسكوريال بإسبانيا. وتنطوي هذه الرسالة على زَخَم من المصطلحات الطبية الذي يصلح لأنْ يكون موضوع بحث مستقل؛ مثل: الحمى الوبائية، والمُضادّة، والبثور، والعدْوى، والتشنُّج، وفساد الدم.
ولابن الخطيب آثارٌ في ميادين أخرى؛ من مثل "الحلل المرقومة في اللمَع المنظومة" (أصول الفقه)، و"خطرة الطيف في رحلة الشتاء والصيف" (الأدب الرِّحْلي)، و"رسالة في الموسيقى" (تعرضت إلى الإحراق في حادث حرْق مؤلفات ابن الخطيب في غرناطة)، و"استنزال اللطف الموجود في سير الوجود" (رسالة صغيرة في التصوف)، و"حَمْل الجمهور على السَّنَن المشهور" (رسالة في الحث على الجهاد)، و"الإشارة إلى أدب الوزارة" (السياسة)، و"كتاب البيْـطرَة".
مما تقدم يتبيَّن لنا أن ابن الخطيب كان عبقرية فذة في شتى فروع المعرفة وصُنوف العلم. كما أنه يعد واحداً من أبرز أدباء الغرب الإسلامي وعلمائه في القرن الهجري الثامن، ترك بَصْماتٍ واضحةً في تاريخ الأدب العربي عامة. ومثل هذه الموسوعية "ليست منهجاً غريباً بين علمائنا في القرون الماضية الذين لا يؤمنون بقضية التخصص في فرع واحد من فروع العلم؛ تلك القضية التي لا زال يؤيِّدها بعضُ المفكرين في العصر الحديث، ولها في جانبيْها أنصارٌ وخُصوم"[20]. وقد أشاد بمكانة ابن الخطيب تلك، فضلاً عن معاصريه من الأدباء والعلماء والنقاد، عددٌ كبير من الدارسين المُحدثين سواء من العرب أو من المستشرقين الكبار. وترجمت جملة من آثاره إلى عدة لغات أجنبية؛ مثل الإسبانية، والفرنسية، والإنجليزية.
ومن معاصريه الذين أشادوا به، واعترفوا بفضله وسُمُوّ مقامه في دنيا العلم، ابنُ خلدون الذي وصفه، في مقدمته، بأنه "شاعر الأندلس والمغرب لعصره"[21]. وذكَرَه كذلك، في كتابه "التعريف"، بقوله: "كان الوزير ابن الخطيب آيةً من آيات الله في النظم والنثر، والمعارف والأدب، لا يُساجَل مداه، ولا يُهتدَى فيها بمثل هُداه"[22].
ومن أهم المستشرقين، ولاسيما الإسبان، الذين نوّهوا بابن الخطيب، وأبرزوا منزلته في ميادين الأدب والعلم، مورينو نييتو (M. Nieto) الذي قال عنه: "لا يوجد في تاريخ غرناطة الأدبي ما يمكن أن يُقارَن بهذا الكاتب الخَصيب"، وسيمونيت الذي وصفه بـ"أمير الأدب الأندلسي الغرناطي". وخصَّه المستشرق گونثالث بالنسيا (A. G. Palencia) بترجمة وافية حسنة في كتابه "تاريخ الأدب العربي – الإسباني".
ويعد المستشرق الألماني ماركوس مولر (M. Muller) أول مُسْتعْـرب اعتنى بنشْر الأعمال "الخطيبية" في الميدان الطبي، وذلك حين حقق، عام 1863، رسالة الرجل حول وباء الطاعون التي تقدم ذِكرها، وأصدر الباحث نفسُه كتاباً بعنوان "نُخَب من تاريخ الغرب العربي"، ضمَّنه ثلاثةً من أعمال ابن الخطيب.
وثمة كثير من رجال الفكر والأدب العرب المُحْدَثين مِمّن أشادوا بلسان الدين وبمكانته العلمية، بعدما درسوا إنتاجه وأدبه الغزير. ولعل من أبرزهم محمد عبد الله عنان؛ مُحقق "الإحاطة"، الذي أفاض، في مقدمة تحقيقه لهذا الأخير، في الإشادة بالرجل، وتبيان قيمته ومكانته في مضامير علوم وفنون قولٍ كثيرة. وكان قد ألف، عام 1968، كتاباً أسْماه "لسان الدين ابن الخطيب: حياته وتراثه الفكري"، أشاد فيه بالمترجَم له فيه، وذكر إسهامه الكبير في تلك المضامير كلها بغير قليل من الإعجاب والإكبار. ومنهم، أيضاً، محمد بن أبي بكر التطواني؛ صاحب كتاب "ابن الخطيب من خلال كتبه" (نشرَه معهد مولاي الحسن للأبحاث بتطوان – 1948 – جزآن)، والحسن السائح؛ صاحب كتاب "منوّعات ابن الخطيب"، الذي أصدرته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية، عام 1978، بمناسبة مرور ستمائة سنة على وفاة لسان الدين بن الخطيب.
وعلى العموم، فابن الخطيب أديبٌ مُفلق برع في شتى فنون المعرفة، وشاعر مرموق نظم القصيدَ في مختلِف أغراض الشعر المعهودة، وإنْ غلب عليه النظم في المدح والهجاء. وقد وصفه معاصرُه أبو الوليد ابنُ الأحمر بـ"شاعر الدنيا، وعلم الفرد والثنيا"[23]. ويعد، كذلك، من أئمّة التوشيح في زمانه، ومن أشهر موشحاته تلك التي مطلعها (من الرَّمَل):
جادَكَ الغيثُ إذا الغيثُ هَمَى - - - يا زمـانَ الوَصْـل بالأنْدَلُــسِ
لمْ يكـُـــنْ وَصْلُـكَ إلا حُــلماً - - -في الكَرَى أوْ خُلسَة المُخْتلسِ
وهو إمامٌ في فن الزَّجل أيضاً، ولاسيما على طريقة الشاعر الأندلسي المتصوّف أبي الحسن الشُّـشتري، ويمكن للقارئ أن يطَّلع على نموذجاتٍ من زَجَله في السِّفر الثالث من كتابه "نفاضة الجراب"، الذي حققته السعدية فاغية، في إطار بحث أكاديمي جامعي بمدريد، بإشراف المستشرق فرناندو لاكرانجا. وعلاوة على ما ذُكر، فقد تفوَّق ابن الخطيب، كذلك، في النثر الوزاري والسياسي، ذلك بأنه دَبَّج كثيراً من الرسائل السلطانية الرسمية المسْجوعة أيامَ تولّيه منصب الوزارة لسلطان غرناطة. ثم إن لسان الدين، كما أسلفنا القيل، كان عالماً مقتدراً، ومترسِّلاً كبيراً، وسياسياً خبيراً.
كتاب "الإحاطة": مضمـونه، ومنهـجه، وقيمـته:
سنحاول في هذا المبحث تسليط الضياء على واحدٍ من أبرز آثار ابن الخطيب على سبيل الإطلاق، استمرّ تأليفهشا سنواتٍ؛ ويتعلق الأمر بكتابه "الإحاطة في أخبار غرناطة". ولتقديم صورة دقيقة عن الكتاب وقيمته ومنهاجه، ارتأيْنا الاكتفاء بالوقوف عند جزئه الأول فقط[24].
إن لهذا الكتاب مجموعة من الأصول المخطوطة في عدد من المكتبات العالمية؛ مثل مكتبة ليدن (هولندا)، وجامع الزيتونة (تونس)، ودار الكتب (مصر)، والمتحف البريطاني، والخزانة الملكية (الرباط)، وخزانة جامع القرويين (فاس)، ومكتبة رواق المغاربة بالأزهر الشريف (مصر)، ومكتبة سان لورِنْزو الملكية بالإسكوريال (إسبانيا)، ومكتبة أكاديمية التاريخ الملكية بمدريد... وقد حُقق الكتاب بعْدَ النظَر في هذه المخطوطات، أو في عديدٍ منها على الأقل، والمقابلة بينها.
ويعد تحقيق المرحوم محمد عبد الله عنان (1956)[25]، في حدود علمي، أجود تحقيقات "الإحاطة" وأحسنها، أظْهَرَ فيه صاحبه مقدرته العلمية، وتمكنه المألوف في جهوده، عادةً، في تحقيق نص هذا الكتاب التاريخي الأدبي، والتقديم له، ووضْع حواشيه وفهارسه المختلفة. وأكد المحقق، في أكثر من مناسبة، أن ما بلغنا من "الإحاطة" قريبُ الشبه بأصْلها. ولا نريد أن نفوّت هذه الفرصة دون الإشارة إلى أن نقداً كثيراً قد وُجِّه إلى تحقيق الرجل لكتاب ابن الخطيب من قبل عدد من الدارسين العرب؛ منهم المرحوم محمد بن تاويت الطنجي الذي كتب سلسلة من المقالات، قبل نحو ثلاثين سنة، في مجلة "المناهل" المغربية، للتنبيه على ما وقع في التحقيق المذكور من هفوات وتصحيف وتحريف واضطراب، ويُرْجِع أحدُهم ضعف هذا التحقيق، بالأساس، إلى "تنوُّع مادتها.
ففضلاً عن الأدب بشعره وترسُّله، وهو مما لا علاقة له بالتخصص العلمي للمحقق، تشتمل "الإحاطة" على التاريخ والجغرافية وغيرهما من المعارف والعلوم"[26]. ولعل هذا الغنى والتنوع هو الذي جعل بعض الدارسين يدعون إلى إعادة تحقيق النص المذكور من قبل لفيفٍ من العلماء من تخصصات شتى، ذلك بأن "نشْر كتاب "الإحاطة" يحتاج إلى لجنة من الأدباء والمؤرخين والجغرافيّين؛ لأن المجهودات الفردية لا تكفي لتحقيق مثل هذه الموسوعة الضخمة المعقدة التي تحتاج إلى مجهود جماعي لتحقيق ما ورد فيها من أعلام وأماكن، وشرح أسلوبه على أساس علمي صحيح."[27]
ويلحّ بعض الدارسين[28] على أن ما بين أيدينا، الآن، من "الإحاطة" لا يعدو أن يكون قُلاًّ من كُثْرٍ، ولعله لا يبلغ نصف حجمها الحقيقي[29]. كما أنه مزيج من الأصل والمختصرات، وأن هذه الأخيرة هي الغالبة عليه[30]، لاسيما إذا عرفنا أن القدماء قد احتفلوا أيَّما احتفال بـ"الإحاطة"، فكتبوا من حوْلها عدداً من المُختصرات؛ مثلما فعل أبو جعفر البقني، ومحمد بن إبراهيم البشتكي في مختصَره الموسوم بـ"مركز الإحاطة في أدباء غرناطة" (سِفْران).
وكان قد شكّ المرحوم المَـنُّوني في أصالة "الإحاطة" المتداوَل نصُّها بين القراء والدارسين منذ الخمسينيات، منطلِقاً ممّا لَمَسه من تناقض حين قارن بعضاً من ترجماتها بما أورده المؤلِّف عينُه في مصنفاته الأخرى بخصوص مترجَمٍ له بعينه. يقول: "يثير الانتباهَ في كتابات ابن الخطيب التاريخية تناقضُه في أوْصاف بعض الناس، فيُحلي مترْجَمه بحلية العلم والفضل وكرم الأبوة... حتى إذا عاوَد ترجمته في مؤلَّفٍ آخرَ يسْلبه كلَّ فضيلة، ويستبدلها بما يكيل له من الشتم والسخرية. ونماذج هذا ليست بالقليلة عند ابن الخطيب، ومنها ما يتبيَّن بالمقارنة بين تراجم وردت في "الإحاطة" ثم في "الكتيبة الكامنة"[31]؛ حيث كان التعريفُ بأمثال أبي سعيد ابن لب، والنباهي، وأبي القاسم بن قطبة الرؤاسي، وابن زمرك، وأحمد بن سليمان بن فركون. فتأتي تراجمُ هؤلاء في "الإحاطة" بما يتجاوَب مع مركزهم العلمي أو الأدبي حتى إذا قدّم تراجمهم في "الكتيبة" تتغيّر رؤية ابن الخطيب للمترجم، ويسْبغ عليه – أحياناً – من قبيح النعوت ما لا يحتمل، ويصل به التناقض إلى الأمر بإسقاط ترجمة ابن فركون من "الإحاطة"، على حين أنها تنصف واقع المترجم، عكس ترجمته المظلمة في "الكتيـبة""[32].
إن كتاب "الإحاطة" ليس تاريخاً لغرناطة بالمعنى المحدود، ولكنه عبارة عن موسوعةٍ شاملة لكل ما يتعلق بهذه الكُورَة الأندلسية المعروفة من الأخبار والأوصاف والمعالم. إذ إنها تصف لنا جغرافية غرناطة وخِططها ومواقعها وما يحيط بها من المُروج والجبال، وتتناول تاريخها[33] منذ نزول أوائل العرب الشوامّ بها، وأخبار مَن كان بها ومَن نزلها أو مرّ بها من الكتاب والشعراء والأدباء والوزراء والمتغلّبين، كما تقدم خلاصة لتاريخ الدولة النصرية مذ عصْر مؤسِّسها محمد بن يوسف بن الأحمر حتى عصْر المؤلِّف (ق8هـ).
كما ركز حديثه، كثيراً، على هذه الحاضرة الإسلامية على عهد ملوك الطوائف (ق5هـ) مؤرِّخاً لها، وواصفاً جوانب متعددة من حضارتها وبيئتها ورجالاتها ونحْو ذلك. وعلى الرُّغم من أن إحاطة ابن الخطيب وكتبَه الأخرى تعد مصادر مكمِّلة فيما يخص دراسة تاريخ هذه الكورة، بحُكم زمن تأليفها المتأخر عن عصر الطوائف، إلا أنها تظل مُحتفِظة بقيمتها الأكيدة بالنسبة إلينا، في ظل قلة الكتابات التاريخية القديمة التي بلغتنا في هذا المجال.
يقول أحد باحثينا المعاصرين: "تكمن قيمة مؤلفات ابن الخطيب في كونها مصدراً تكميلياً أو إضافياً لدراسة الأندلس في عهد الطوائف. فقيمتها أقلُّ من قيمة المصادر المعاصرة لعهد الطوائف، إلا أن المصادر التكميلية لها قيمتها عندما يتعلق الأمْرُ بعهدٍ يبعُد عنّا بتسعة قرون نظراً لقلة ما وصلنا من مصادر لا تُشفي الغَليل"[34].
وفي "الإحاطة" تراجمُ لكثير من الأعلام الذين عاشوا في غرناطة، أو نزلوا بها، أو مرّوا بها، أو وَفدوا عليها في مختلف عصور التاريخ الأندلسي الممتدّ. وقد أفاض مؤلِّفُها في ذِكر معاصريه من الملوك والوزراء والشيوخ والأقران، واعتنى عناية خاصة بالترجمة لكبار العلماء والكتاب والشعراء ممن جايَلوه، سواء في العدوة الأندلسية أو في العدوة المغربية، وأورد لهم كثيراً من إنتاجهم الفكري شعراً ونثراً. ويضم كتاب "الإحاطة" بين دفتيْه زهاء خمسمائة ترجمة تتفاوت فيما بينها طولاً وقِصَراً وأهميةً، مع ملاحظة أن أغلبها مركَّز وقصير، وأن ما كان يَجْنَح منها إلى الطول، نسبياً، هي، في الغالب، تلك المخصَّصة للملوك والأمراء النَّصْريين الذين عاصرهم، ولبعض حَمَلَة القلم المشهورين.
فإذا قارنّا، على سبيل المثال، بين الترجمتيْن اللتين أفرَدَهما ابن الخطيب لأحمد بن محمد بن أحمد بن يزيد الهمداني اللخمي وابن جزي الكلبي نجد أن الأولى قصيرة جدّاً، على حين أن الثانية طويلة نسبياً. بل إن من تراجم إحاطته ما ناهز الخمسَ وسبعين صفحة؛ كما في ترجمته للأمير محمد بن يوسف بن إسماعيل الغني بالله النصري الغرناطي.
ولم يكن تطويل التراجم شأناً خاصاً بأهل إغرناطة الأصَلاء، بل عمد إلى مثل ذلك مع غير الغرناطيين؛ على نحو ما نرى في ترجمته لمُعاصره أبي عبد الله محمد بن محمد بن أحمد القرشي المقري (ت759هـ)؛ قاضي الجماعة بفاس وتلمسان، الذي استوت ترجمته، في "الإحاطة"، على خمس وثلاثين صفحة تقريباً.
إن المترْجَم لهم في الكتاب مختلفون؛ ذلك بأن ابن الخطيب ترْجَمَ، في إحاطته، للملوك والأمراء (كأمير المؤمنين الموحدي المأمون، وأمير المؤمنين الأندلسي إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد ابن خمسين بن نضر بن قيس الخزرجي الأنصاري)، والقوّاد (كأسد بن الفرات المرّي)، والقُضاة (كالخضر بن أحمد بن الخضر بن أبي العافية)، والأدباء (كالحسن بن محمد بن علي الأنصاري)، والعلماء (كأصْـبَع بن محمد بن الشيخ المهدي)، والشعراء (كأبي بكر المخزومي الأعمى الموروري)، والطلاب النُّجَباء (كمحمد بن الحسن بن زيد بن أيوب بن حامد الغافقي). ولم يقتصر لسان الدين على الرجال، بل إنه ترجم للنساء كذلك؛ من مثل حمدة بنت زياد المُكَـتِّب، وأم الحسن بنت القاضي أبي جعفر الطّنْجالي؛ وهي من أهل لوشا؛ مسقِط رأسه.
لقد استهلّ ابنُ الخطيب أولَ أجزاء إحاطته بمقدمة قيِّمة تَعدادُ صفحاتها حوالي الخمْس، افتتحها بقوله: "أما بعدُ حمد الله الذي أحصى الخلايق عدداً، وابتلاهم اليومَ ليَجزيَهم غداً..."، وختمها بقوله: "وجعلت هذا الكتاب قسمين، ومشتمِلاً على فنيْن: القسم الأول في حُلى المعاهد والأماكن، والمنازل والمساكن. القسم الثاني في حلى الزائر والقاطن، والمتحرّك والساكن". فهذه المقدمة، على قِصَرها، ضمّت جملة من العناصر والمضامين؛ ففيها حمدُ الله تعالى والثناء عليه، والصلاة على الرسول الأمين، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجْمعين.
ويطَّرد هذا العرفُ في الكتابات الإسلامية المتقدمة جميعِها. وعقب ذلك، أوْمأ الرجلُ إلى أهمية فن التاريخ، وبيّن بعض دواعي الاحتفال به؛ على نحْو ما فعل ابن خلدون في فاتحة مقدّمته. وفي المقدمة نفسِها ذكر لنا ابن الخطيب سببَ تأليفه "الإحاطة"، وهو أنه رأى كثيراً من العلماء والأدباء قد ألفوا تواريخ لأوْطانهم في الشرق والغرب معاً؛ من مثل ابن عساكر (تاريخ دمشق)، وأبي نُعَيم (تاريخ أصبهان)، والأرْدِسي (تاريخ سمرقند)، والقشيْري (تاريخ الرَّقة)، والأزْرَقي (تاريخ مكة)، وابن النجار (تاريخ المدينة)، وابن الأصغر (تاريخ تلمسان)، وابن أبي زرع (تاريخ فاس)، وابن خمسين (تاريخ الجزيرة الخضراء)، فحرّك فيه ذلك شعوراً دفعه إلى التفكير في كتابة تاريخ لكُورَته "غرناطة".
كما ذكر ابن الخطيب منهجَه في التأليف والترتيب وموضوعات إحاطته؛ إذ أشار إلى أن كتابَه هذا يتحدث عن إقليم غرناطة من حيث هواؤه، وسكانه، وقبائله، وملوكه، وأعْيانه، وأكابرُه، وفضلاؤه، وقضاته، وأدباؤه، وزُهّاده، وغير ذلك من الأمور المتصلة بذلك الإقليم. وأشار، كذلك، إلى أحد المتقدِّمين الذين عمدوا إلى كتابة تاريخ لغرناطة، إلا أن محاولته جاءت قاصرةً في نظره؛ حيث يقول: "كان أبو القاسم الغافقي من أهل غرناطة قام من هذا الغرض بفرض، وأتى من كلِّه ببعضٍ، فلم يُشْفِ من غلة، ولا سدَّ خلّة، ولا كثر قلة، فقمتُ بهذا الوَظيف، وانتدبتُ فيه للتأليف"[35]. وذكر أن عمله هذا الذي هو مُقدِمٌ عليه لن يكون شاملاً، ولن يكون كاملاً؛ لـ"نزارة حظ الصحة، وازدحام الشواغل المُلحّة"[36] عليه. ومما تمتاز به مقدمة "الإحاطة"، من الناحية اللغوية والأسلوبية، غلبة ظاهرة السَّجْع عليها، وكذا طابع الإيجاز والجمل القصيرة المتوازية، وحضور اللفظ الغريب والجزْل الفصيح بين ثناياها أيضاً.
ويقع الجزء الأول من "الإحاطة"، فضلا عن الخطبة/المقدمة، في قسمين اثنين. فأما الأولُ فعنوانُه "في حلى المعاهد والأماكن والمنازل والمساكن"، وقد تطرق فيه المؤلِّف إلى اسم مملكة "غرناطة" (أو إغرناطة)، وتحدث عن تاريحها وجغرافيتها وبنائها وفتحها ونزول العرب الشاميين من جُند دمشق بها وعمّن تداول هذه المملكة العريقة منذ أن صارت دار إمْرَةٍ لبني زيري، سنة 403هـ، إلى أن تَخِذها بنو الأحمر قاعدة لمُلكهم. وأما القسمُ الثاني فعنوانه "في حلى الزائر والقاطن والمتحرك والساكن"، وقد ترجم فيه ابن الخطيب لعدد من الرجال والأعْلام ذكوراً وإناثاً، ومنهم: ابن جُزَيّ الكلبي، وابن قُعْـنُب، وابن الباذش، وابن مصادق، وابن فركون، وابن صفوان، وابن خاتمة الأنصاري.
وتجدُر الإشارة إلى أن في هذا الجزء، الواقع في أزيد من 615 صفحة من القِطع المتوسط، ستّاً وتسعين ترجمةً مرتبة ترتيباً أبْجَدياً، بدأها ابن الخطيب بحرف الهمزة؛ بحيث إن أول ترجمة، ها هنا، هي ترجمة أحمد بن خَلَف بن عبد الملك الغسّاني القُـليْعي، وآخرَ ترجمة هي ترجمة محمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن نصر الأنصاري الخزرجي. إلا أنه لم يلتزم بهذا الترتيب التزاماً دقيقاً!
ويتضح من قراءة "الإحاطة" أن صاحبها قد اتبع منهجاً مُتميّزاً في تنظيم محتواها وموادّها. ونقصد بالمنهج (Méthode)، في هذا الصدد، الطريقة التي يسلكها المؤلف في ترتيب عناصر مؤلفه وتصنيفها وتنظيمها. كما يُراد به، في سياق آخر، الطريق التي يسلكها الدارس لمعالجة الظاهرة الأدبية وتحليلها وتأويلها. وقد أشار ابن الخطيب، في مقدمة كتابه، إلى بعض معالم منهاجه في تصنيف "الإحاطة"، وهو منهج يمتاز، عموماً، بالوضوح والإحكام إلى حدٍّ بعيد. يقول:
"ذكرتُ الأسماء على الحروف المبوّبة، وفصلت أجناسهم بالتراجم المرتبة؛ فذكرتُ الملوك والأمراء، ثم الأعيان والكُبَراء، ثم الفضلاء، ثم القضاة، ثم المُقرئين والعلماء، ثم المحدّثين والفقهاء وسائر الطلبة النّجباء، ثم الكتاب والشعراء، ثم العمّال الأثراد، ثم الزّهّاد والصُّلحاء والصّوفية والفقراء"[37].
ويسوّغ هذا الترتيب الذي ارتضاه لتراجم كتابه برغبته في أنْ "يكون الابتداء بالمُلك، والاختتام بالمِسْك"[38]. وعمَد إلى تقسيم كل فئة من المترجَم لهم المشار إليهم في النص السابق، تقسيماً داخلياً، إلى "مَنْ سكن المدينة بحُكم الأصالة والاستقرار، أو طرأ عليها ممّا جاورها من الأقطار، أو خاض إليها وهو الغريبُ أثباج البحار، أو ألمّ بها ولوْ ساعةً من نهار"[39].
مؤدَّى هذا أن مساحة أولئك المُترجَم لهم ستكون أوسع؛ بحيث لن تقتصر على أبناء غرناطة فحسبُ، بل ستشمل، كذلك، كل من كانت له علاقة بهذا المكان من قريب أو من بعيد. وعلى هذا الأساس، فقد ألْفيْناه، بالفعل، يترجم للأندلسيين والمغاربيين وبعض المشارقة والنصارى من القشتاليين وغيرهم.
لقد ذكر ابن الخطيب في مقدمة إحاطته، وفي متنها، مصادره ومظانّه، وعلى رأسها تواريخ ابن القوطية وبني الرازي، و"المقتبس" لابن حيّان، و"قلائد العقيان" للفتح بن خاقان، و"الذخيرة" لابن بسّام الشنتريني، و"تاريخ مالقة" لابن عساكر، و"البيان المُغرب" لابن عِذاري المراكشي، و"روض القرطاس" لابن أبي زرع الفاسي. ورجع، فيما يتعلق بتاريخ الدولة المرابطية، بشكل كبير، إلى تاريخ ابن الصيرفي المسمّى "الأنوار الجلية في تاريخ الدولة المرابطية".
أما فيما يخصّ التراجم، فقد رجع الرجلُ إلى "تاريخ علماء إلبيرة" لأبي القاسم الغافقي الملاّحي (ت619هـ)، وإلى تاريخ ابن مسعدة المسمّى "تاريخ قومه"، وإلى "القِدْح المعلّى في التاريخ المحلّى"، وإلى "الطالع السعيد في تاريخ بني سعيد" لابن سعيد الأندلسي، وإلى "الحُلة السِّيَراء" لابن الأبّار البلنسي، وكتاب "الصلة" لابن بشكوال، و"صلة الصلة" لابن الزبير، و"الذيل والتكملة" لابن عبد الملك المراكشي. ورجع، فيما يتعلق بمُعاصِريه – وهم الكثرة الغالبة في إحاطته – إلى مادة غزيرة من الوثائق والمعلومات الخاصة من ذوي الشأن أنفسِهم أو من أقربائهم ومعارفهم. ورجع، فيما يتعلق بسلاطين الدولة النصرية ووُزَرائها وكُبَرائها، إلى الوثائق والمخطوطات السلطانية والديوانية.
ويورد لسان الدين، في كتابه، بعضَ أقوال الأدباء والعلماء الآخَرين، وكذا مصادرها. وتارة ينقل الرجلُ من أحد كتبه المؤلفة قبل "الإحاطة"؛ منها "عائد الصلة" الذي جعله ذيلاً لـ"صلة" ابن الزبير (ت708هـ)، و"طرفة العصر في تاريخ دولة بني نصر"، و"اللمحة البدرية"، و"نفاضة الجراب"، و"الكتيبة الكامنة"، و"التاريخ المحلى في مساجلة القدح المعلى"[40]. كما نلحظ، في متن "الإحاطة"، أن صاحبَها كثيراً ما يستعين بالشعر لأهميته ووفرته. وقد استعمل ابن الخطيب في تأليفه هذا أسلوباً جزلاً، رصيناً، مسجّعاً، جذاباً.
إن تراجم الكتاب متفاوتة فيما بينها من حيث الحجم، وخاضعة لمنهج واضح الصُّوى عموماً. فهو يذكر، في الترجمة، اسم الشخص المترجَم له، وأجداده، وكُنيته، ولقبه الذي عُرف به، وانتماءه العِرقي، وولادته، وحاله، وأخباره، وأوّليته، ومشيخته، ومحْنته ونكبته، ومناقبه، ونباهته وحُظوته، وولايته، وشعره وكتابته، ودخوله غرناطة إنْ كان أجنبياً، وتواليفه ومصنفاته، ومذهبه، وأولاده، ووفاته... إلخ[41].
والجديرُ بالذكر أن ابن الخطيب لم يكن يوردُ كل هذه العناصر في الترجمة الواحدة بشكل مُطَّرد، وإنما كان يركز على بعضها فقط، على أن منها ما كان ثابتاً دائمَ الورود في جميع الترجمات؛ وأقصد اسم المترجَم له، ونسبه، وأصله، وكُنيته، وحاله، ومولده، ووفاته.
والحق أن كتاب "الإحاطة في أخبار غرناطة"، كما يسمى في مخطوطة دار الكتب بمصر، ومخطوطة جامع الزيتونة بتونس، أو "الإحاطة بتاريخ غرناطة" أو "الإحاطة في تاريخ غرناطة" أو "الإحاطة بما تيسّر من تاريخ غرناطة"، يعد أشهر كتب ابن الخطيب وأهمها، رغم أن المتوفر منه لدينا ناقص... كما يصعب على القارئ حصْره في بُوتَقة واحدة، بل إنه كتاب ضخم في التاريخ والأدب والتراجم وغيرها.
وكانت للكتاب نفسِه مكانة خاصة عند صاحبه الذي ظل "دائمَ الصلة به، ينقحه، ويضيف إليه طَوال حياته. فقد بدأه قبل محنته الأولى ونزوحه إلى المغرب سنة 761هـ، وأتمّه للمرّة الأولى سنة 769هـ، وبعث بنسخة منه إلى القاهرة في هذه السنة نفسِها. ثم واصَل اعتناءَه به إلى ما بعدَ سنة 772هـ"[42].
وقد تحدث العديد من العلماء والنقاد – سواء من القدماء أو من المُحْدَثين (عرب وغير عرب) – عن شخص ابن الخطيب وعلمه الغزير الذي شبّهه الأمير شكيب أرسلان بـ"البحر الخضمّ الذي لا يقدر الإنسان أن يحْصيَ أمواجَه"، وعن مؤلَّفه المتميز هذا، وأشادوا بقيمته العلمية والأدبية... والواقع أنه لا يمكن لأي دارس لتاريخ الأندلس وحضارته عامة، ولتاريخ غرناطة وحضارتها خاصة، الاستغناء عن "إحاطة" ابن الخطيب السلماني.
= = = = =
الهوامـــش:
[2]- المصدر نفســه، 4/ 439.
[3]- نفســــه، 4/ 459، بتصرف.
[4]- عبد الهادي التازي: ابن الخطيب سفيراً ولاجئاً سياسياً، مجلة كلية الآداب بتطوان، ع.2، س.2، 1987، ص ص41-42.
[5]- يمكنك أن تقرأ لابن الخطيب رسائل أخرى، سلطانية وغير سلطانية، في كتابه "كناسة الدكان بعد انتقال السكان" (ألفه بسلا)، تح: محمد شبانه، مراجعة: حسن محمود، دار الكاتب العربي، ط1966.
[6]- محمد عبد الله عنان: أندلسـيات، سلسلة "كتاب العربي"، الكويت، رقم20، يوليو 1988، ص66.
[7]- حسن الوراگلي: لسان الدين بن الخطيب في آثار الدارسين (دراسة وبيبليوجرافيا)، مجلة كلية الآداب بتطوان، ع.2، س.2، 1987، ص113.
[8]- ابن الخطيب: إعمال الأعلام، 1/10. نقلاً عن مقال رابح المغراوي "مخطوط "إعمال الأعلام فيمن بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام وما يتعلق بذلك من الكلام" للسان الدين بن الخطيب الأندلسي: كشف لحيْثيات التصنيف وفحْصٌ لمُفرَدات العنوان"، مجلة "آفاق الثقافة والتراث"، جمعية الماجد للثقافة والتراث، دبي، ع.29/30، س.8، يوليو 2000، ص227. ويحسُن بنا أن نشير، هنا، إلى أن المغراوي من الباحثين الذين درسوا، بعمق، كتاب ابن الخطيب هذا، وذلك في أطروحته لنيل دكتوراه الدولة من كلية الآداب بوجدة (المغرب).
[9]- رابح المغراوي: "مخطوط "إعمال الأعلام فيمن بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام وما يتعلق بذلك من الكلام" للسان الدين بن الخطيب الأندلسي: كشف لحيْثيات التصنيف وفحْصٌ لمُفرَدات العنوان"، ص222-239.
[10]- للاستزادة، يمكن الرجوع إلى مقال عبد النبي ذاكر "ملامح سير – ذاتية في رحلة "نُفاضة الجراب""، ضمن الكتاب الجماعي "مدارات ثقافية وفكرية"، من منشورات كلية الآداب بأگادير، سلسلة "شهادات"، رقم 3، مطبعة أنفو – برينت، فاس، ط.1، 2006، ص139-147.
[11]- ابن الخطيب: الإحاطة في أخبار غرناطة، 1/56. (من تقديم المحقق)
[12]- نفســـه،1/59. (من تقديم المحقق)
[13]- الكتاب من تحقيق سهيل زكار وعبد القادر زمامة، ونشْر دار الرشاد الحديثة بالدار البيضاء (المغرب).
[14]- ابن الخطيب: الإحاطة في أخبار غرناطة، 4/460.
[15]- ابن الخطيب: روضة التعريف بالحب الشريف، تح. وتع. وتق: عبد القادر أحمد عطا، دار الفكر العربي، القاهرة، ط.1، 1968، ص88.
[16]- محمد الكتاني: ابن الخطيب والمذاهب الفكرية في عصره، مجلة كلية الآداب بتطوان، ع.2، س.2، 1987، ص40.
[17]- ابن الخطيب: معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار، تح: محمد شبانه، مطبعة فضالة، المحمدية/ المغرب، ط 1976، ص55. (من تقديم المحقق)
[18]- ابن الخطيب: السحر والشعر، تح: محمد مفتاح، بحث جامعي مرقون موجود بخزانة كلية آداب فاس، ص3. نقلاً عن مقال سليمان القرشي "مفهوم الشعر عند لسان الدين بن الخطيب"، مجلة "آفاق الثقافة والتراث"، ع.32، س.8، يناير 2001، ص61.
[19]- سليمان القرشي: مفهوم الشعر عند لسان الدين بن الخطيب، ص69.
[20]- من تقديم عبد القادر أحمد عطا لكتاب ابن الخطيب "روضة التعريف" الذي حققه، م.س، ص21، بتصرف.
[21]- ابن خلدون: المقدمة، تح: درويش الجويدي، المكتبة العصرية، بيروت، ط.1، 1999، ص600.
[22]- ابن خلدون: التعريف بابن خلدون ورحلته غرباً وشرقاً (الجزء السابع من كتابه "العِـبَر")، تح: خليل شحادة، مراجعة: سهيل بكار، دار الفكر، د.ت، ص591.
[23]- ابن الأحمر: نثير فرائد الجُمان في نظم فُحول الزمان، تح. وتق.: محمد رضوان الداية، عالم الكتب، بيروت، ط 1986، ص.
[24]- نشير إلى أن هذا الكتاب يقع في أربعة مجلدات (تحقيق عنان). وذكر المقري، في "النفح"، أن نص "الإحاطة" الأصلي يقع في ثمانية أسفار، معتمداً في ذلك على وثيقة تحْـبيسه.
[25]- سبق للأستاذ شفيق العظم أن نشر جزأين من "الإحاطة"، في مطلع القرن الماضي (1901)، بالقاهرة.
[26]- حسن الوراگلي: لسان الدين بن الخطيب في آثار الدارسين (دراسة وبيبليوجرافيا)، م.س، ص112.
[27]- أحمد مختار العبادي: لسان الدين بن الخطيب وكتاباته التاريخية، مجلة "عالم الفكر"، الكويت، ع.2، مج.16، صيف 1985، ص47.
[28]- رابح المغراوي: كتاب "الإحاطة بأخبار غرناطة" للسان الدين بن الخطيب الأندلسي (713-776هـ): منهجية التأليف والتصنيف (دراسة تحليلية)، مجلة "آفاق الثقافة والتراث"، ع.20/21، س.5، أبريل 1998، ص ص181-182.
[29]- وممن صرّح بذلك عبد السلام شقور، الذي سبق له أن نشر قطعة من "الإحاطة" لم ترد في تحقيق محمد عنان، عثر عليها في مكتبة الإسكوريال (مدريد)، تضم أزيد من ثمانين ومائة ترجمة. (انظر دراسته "ما لم يُنشَر من كتاب "الإحاطة" لابن الخطيب"، مجلة كلية الآداب بتطوان، ع.2، س.2، 1987، ص399-405)
[30]- رابح المغراوي: كتاب "الإحاطة بأخبار غرناطة" للسان الدين بن الخطيب الأندلسي: منهجية التأليف والتصنيف...، ص ص181-182.
[31]- العنوان الكامل للكتاب هو "الكتيبة الكامنة في مَنْ لقيْناه بالأندلس من شعراء المائة الثامنة"، وهو مؤلف في التراجم، حققه إحسان عباس، عام 1963، ونشره بدار الثقافة البيروتية.
[32]- محمد المنوني: محاولة لقراءة جديدة في التراث التاريخي لابن الخطيب، مجلة كلية الآداب بنطوان، ع.2، س.2، 1987، ص152.
[33]- من مصادر ابن الخطيب، في "اللمحة"، كتابٌ يظهر من عنوانه أنه يؤرخ لغرناطة، هو "الإماطة عن وجه الإحاطة فيما أمكن من تاريخ غرناطة"، نسبه إلى نفسه. ولكنه لم يذكره، إطلاقاً، ضمن ثبت مؤلفاته الوارد في آخر "الإحاطة"، ولا في ترجمته لنفسه في "نفاضة الجراب"! كما أن المهتمين بدراسة التراث الأدبي الأندلسي ونشْره لم يقفوا على مخطوطة للإماطة في أيٍّ من المكتبات التي تحتفظ بكتب هذا التراث! الأمر الذي جعل محمد عنان يرجِّح أن يكون العنوان المذكور عنواناً آخرَ للإحاطة، أو مختصراً لقِسْمها الأول فقط. (انظر تقديمه للإحاطة، 1/58-59)
[34]- امحمد بن عبود: ابن الخطيب مؤرخاً للأندلس في عهد الطوائف، مجلة كلية الآداب بتطوان، ع.2، س.2، 1987، ص183.
[35]- ابن الخطيب: الإحاطة في أخبار غرناطة، 1/85.
[36]- نفســـه.
[37]- نفســه، 1/87.
[38]- نفســه.
[39]- نفســه.
[40]- هذا التأليف عبارة عن مختصَر لتاريخ مملكة غرناطة منذ تأسيسها على يد بني نصر. كما يتضمن تراجم لأعيانها في القرن الثامن الهجري؛ ومنها ترجمة أفردها ابن الخطيب لنفسه، وأخرى لأبيه.
[41]- نفســه، 1/87-88.
[42]- رابح المغراوي: كتاب "الإحاطة بأخبار غرناطة" للسان الدين بن الخطيب الأندلسي: منهجية التأليف والتصنيف...، م.س، ص161.
◄ فريد أمعضشو
▼ موضوعاتي
1 مشاركة منتدى
ابنُ الخَطــيب الأندلسي وإحاطــته, حسن حناوي .سورية | 11 شباط (فبراير) 2014 - 01:33 1
ان هذا البحث المهم قد احاط بقيمة لسان الدين الخطيب الحقيقية والتي يستحقها وما زال هناك الكثير من الكتب التي تخصه بحاجة الى دراسة وتمحيص وهذا الجهد الذي بذله كاتب الدراسة يستحق التبجيل فشكرا لك اخي الكريم .حسن حناوي سورية