عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

أيمن دراوشة - الأردن

قراءة في مجموعة قصصية


أيمن خالد دراوشةتعرض لنا صونيا عامر في "... وقصص أخرى" (1) قضايا إنسانية قديمة ومعاصرة، وتغوص بنا في مكنونات النفس البشرية حتى العمق، فهي تفلسف الحدث وتتدخل في تفاصيله. ومن الملاحظ في بعض قصص المجموعة الثماني أن الراوي هو الكاتبة نفسها.

"وكما تذكّرت أنّ صديقة لنا منذ عشرين عاما ماتت على يد طبيب عربيّ، طبعا اختلف الوضع فهي أخطأت بالذهاب لطبيب عربيّ يُقال إنّه كان مرخّصا حينها، أيضا لستُ متأكّدة، لم أرَ التراخيص بأمّ عيني وأنا شخص وسواسيٌّ وقهريّ لا يثق بأحد. وبالأمس وحين كنتُ أتابع البرنامج تعاطفتُ مع أمّ الفقيدة وطفلها الذي لم يرَ النور، أصغيتُ بدقّة للمكالمات الهاتفيّة التي جرَتْ بين المذيع ونقابة الأطبّاء، وفهمتُ بأنّ القانون لا يحمي الميت من غلطة طبيب. حدث في لبنان" (ص2).

تبدو لنا المجموعة أحيانا وكأنها مذكرات أو خواطر ذاتية لكننا لو تعمقنا قليلاً فسنجد أن هذه الخواطر أو المذكرات تأخذ منحًى غريباً ولغة فائقة، ففي قصتها الأولى "إذاعة هنا الفيسبوكية" تسرد الموقف وتنهيه، ثم تنتقل بنا إلى موقف أو رأي بقضية أخرى مختلفة تماماً عن سابقتها، فبعد انتهائها من سرد قصة سيدة ووفاتها وطفلها بسبب خطأ طبي تعرج بنا إلى التفاؤل ومن ثم التاريخ والجغرافيا ومن ثم النقد السلبي من واقع الحياة اليومية، وحسب عنوان القصة فهي إذاعة والإذاعة مليئة بالأخبار المتناقضة أي لا يوجد علاقة بين موقف وآخر، فالخطأ الطبي لا علاقة له بالتاريخ والجغرافيا، والنقد لا علاقة له بالانتظار وهكذا على بقية المواقف.

إلا أن اللافت للنظر طريقة المؤلفة بفلسفة الموقف أو الحدث، وهو وإن كان رأياً ذاتياً إلا أنه مثير ويدفع بك إلى لذة الكشف، فتعيد القراءة مرة ومرة حتى تخرج بنتيجة منطقية. الملامح الفلسفية في هذه المجموعة مثَّلت إبداع كاتبتنا صونيا، فكانت المجموعة مجزأة إلى وحدات منفصلة، وتساؤلات دنيوية تنتظر إجابة لن تأتي أبداً.

وقد شكلت القضايا والتساؤلات والتنقل المفاجئ بين الأحداث عنصراً أساسياً عند المؤلفة، وبعثت فيها الحركة والنشاط، كما برعت الكاتبة في تحريك شخوصها ببراعة ومرونة فائقة، في قصة عنوانها "صباحيات" تعتمد الكاتبة على تقنية الحوار، إلا أنها نسيت نفسها فأسهبت كثيراً، وتداخلت الأحداث فكانت الإطالة مضطربة ومشتتة أحياناً، والتنقل بين قضايا وآراء فرعية كان بالإمكان الاستغناء عنها:

"في ذاك اليوم، أظنّه كان يوم الثلاثاء، هنا تتذكّر " قصّتي مع الممرّ/الكوريدور طويلة جدّا، عمرها ستّ سنوات، رغــم الفارق البسيط بطول الممرّ/الكوريدور، حيث أنّ ممرّ/كوريدور الشقّة الجديدة أطول من الكوريدور القديم..." (ص7).

ومهما يكن من أمر فالإطالة لم تؤثر على شفافية اللغة وحسن انتقاء الألفاظ، فللكاتبة في حوارها مع النص بشكل عام لها وجهة نظر فلسفية مرتبطة برؤيا شاملة في الكون والحياة، فلديها موقف تحدده طريقة تصورها لهذا الكون وارتباطاته وطريقة تفاعله مع الأحداث.

في قصة "هكذا دواليك" تتحدث المؤلفة عن عائلة تواجه تحديات التطور التكنولوجي المتسارع، فتصف لنا بدقة حياة الأم والأب والأبناء، والقضايا التي تؤرقهما لكنها لم تكن غارقة بالتفاصيل كسابقتها، وكانت أقل فلسفة وأكثر منطقية، وما يميز قصتها هنا أنها حيادية نوعاً ما وتدافع عن قضاياها بكل جرأة وبكل صدق.

كان على المؤلفة التخفيف من حدة لغتها فالقصص موجهة في النهاية للقارئ العادي وعامة الناس وليس لعلماء النفس والفلاسفة ولا حتى النقاد وهذا ينطبق على بقية قصص المجموعة المتبقية، فاستمرارية استعمال اللغة الشاعرية على هذا النحو أعطاها صفة الغرائبية والألغاز، مما يصعب من مهمة استيعاب القارئ.

صونيا عامروقبل أن نخرج في دهاليز هذه المجموعة القصصية، كان لزاماً علينا مصافحة العنوان قبل مصافحة المبوَّب، حتى نستطيع القبض على دلالاته الفلسفية المعقدة لإعادة إنتاجه مجدَّدا. هذا العنوان الجديد والذي لم نعتد عليه في المجموعات القصصية المختلفة والتي يكون فيها العنوان لإحدى قصص المجموعة، ويبدو أنَّ الكاتبة صونيا بوضعها ثلاث نقاط قبل "وقصص أخرى" لم تعط أهمية لقصة واحدة وتضعها عنواناَ لمجموعتها، فكل قصصها تصلح عنواناً لهذه المجموعة، وفي النهاية يستطيع القارئ أن يضع ما يشاء عنواناً للمجموعة.

وفي نهاية حديثنا عن مجموعة صونيا عامر "... وقصص أخرى" لا شك أن القارئ يلمس متغيرات على مستوى اللغة والوظيفة والرؤية والأداة، وهو تغير يمثل درجة من التطور الفني التقني في عالم القصة القصيرة. مجموعة صونيا تستحق القراءة، وإعادة القراءة مرات ومرات، وتستحق أن نستكشف كنوزها ومغزاها.

= = = =

(1) الناشر: مؤسسة الرحاب. بيروت (2012).

غلاف كتاب

D 25 كانون الأول (ديسمبر) 2012     A أيمن دراوشة     C 0 تعليقات