عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

مريم الرميثي - الإمارات العربية المتحدة

نقد بناء 61: صحراء تختنق


يسر "عود الند" أن تنشر نصا جديدا (الثاني) ضمن باب نقد بناء الهادف إلى تشجيع الكاتبات والكتاب الجدد من خلال تقديم نقد بناء لنصوصهم.

النص بعنوان "صحراء تختنق" لمريم مصبح الرميثي (الإمارات العربية المتحدة).

قيم النص د. محمد سليمان السعودي، مدير مركز اللغات ورئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب في جامعة الطفيلة التقنية (الأردن).

للحصول على نقد بناء، طالع الإعلان وارسل نصك باستخدام النموذج الخاص بذلك.

ظلال عدنان العقلة

المشرفة على باب نقد بناء


النص

صحراء تختنق

مريم مصبح الرميثي

وقفت بينهما آلاف الأحزان وتزاحمت بين الأنفاس الغصات الموجعة. أحست أن قلبها قد تفتقت جراحه من جديد، وها هو يقطر دما على الأرض. صوت السقطات المثخنة تشاطر صوت مشيته الضاربة في الأجواء المشحونة. نافذة ضوءها سياط محمومة على عتبات الدرج الطويل.

الجو خانق ملتهب كأن الصيف هبط فجأة بلا مقدمات. تقدم أكثر دافعا تلك الغصات إلى جوف صدرها. ضاق المكان على الدرج الطويل. قال: "هل لكِ أن تتحركي؟"

وضع يده على جانبه. زمجر موشكا على اختراق جيش من المحاربين. كانت فقط امرأة هزيلة البنية جامدة في مكانها، لم تغيرها السنون الماضية ولم تكف دموعها عن الهذيان، منذ أن رماها أمام باب بيت أهلها حاضنة طفلا تدفئة عن وحشة الحرمان. اختنق صوتها أمام العالمين وقالت: "لن أعود، ولن يعود." وها هما يلتقيان صدفة بعد سنوات الألم الأربع. صدفة مؤلمة.

استمر صوت طرقاته حتى اختفت عن مسامعها في الاتجاه الآخر، معها شعرت برعشة شديدة تدب في أوصالها. أطبقت يديها على قلبها بقوة. حاولت التقدم خطوة. خذلتها قدماها فقد تجمد الدم.

تذكرت أنها وعدت ابنها بأن لا تتأخر عليه. غسلت آثار الوجع. أقسمت ألا تسمح للجراح بالتغلب عليها ونهشها حية.
نعم تقدمت. ذهبت لتصرف الدواء من الصيدلية المقابلة. كانت تخترق الأجساد بصعوبة فتلاقي كلمات التهكم والانزعاج من المرضى الواقفين، تقول باستعطاف: "لدي طفل صغير ينتظر"، ثم انطلقت مسرعة عائدة نحو ابنها الذي تركته في غرفة انتظار النساء.

حينما وصلت، تلفتت يمينا ويسارا. كان الصغير غير موجود. أصابها الخوف. سألت الجالسات فأجبن: "أتى والده وأخذه، كان يبكي."

صرخت مذعورة. لا أثر لابنها. طرقت الزوايا متخبطة باحثة عنه يعيث فيها البكاء. صفعتها الحياة هذه المرة بقوة أذاقتها الفواجع حتى أضحت كـصحراء مقفرة جدباء، غرفة موحشة بلا ونيس.

سمعها مع صرير الباب الذي أحكم إغلاقه. .تلقفتها الأرض الصماء فاستشعرت بأنها تائهة تتهادى كالمستحيل، كبقايا رماد نفض قبل أن تبعثره الريح المارقة.

آخر الرواق، على امتداد النظر حد السراب، وقف الطفل الصغير ينظر لأمه بحزن. أراد مناداتها: أمــاه، الغوص في كثبان الحنين، أن تلفحه شمس القيظ حد احمرار جلده الرقيق فيدفن نفسه معاقرا صرخة صامتة.
لكن تلك اليد قد أحكمت قبضتها عليه حتى سُمعت طقطقة عظامه حين اختفى على طول المــدى .


النقد البناء

د. محمد سليمان السعودي

محمد السعودييبشر هذا البوح الإبداعي بقاصة مبدعة، تجاوزت لغة الكتابة النمطية إلى لغة جمعت بين جمال الأسلوب وعمق الفكرة، وحاولت الولوج برمزية الحدث، إلا أن المساحة النصية الضيقة وملاحقتها للوصف دفعها دون ذلك، وقد تجسدت هذه الرمزية في العنوان "صحراء تختنق" لأن المفارقة تكمن في عهد المتلقي بالصحراء وما تحمله من سعة وعمق وصبر على الحرارة والقحط وما لازمها من خبر "تختنق" كسر بنية التوقع عنده، خاصةً أنها ربطت هذا الخبر بفعل يدل على حدث وزمن. وضاعفت من حدة ذلك بربطه بالزمن المضارع الذي يدعو المتلقى للتفكير باستمرار الحدث.

وتفيض القصة بالعبارات التي خالطت بين لغة الشعر ولغة النثر، وهذا يحسب للكاتبة لا عليها. ومن ذلك قولها: "وتزاحمت بين الأنفاس الغصات الموجعة...، ولم تكف دموعها عن الهذيان...، تتهادى كالمستحيل...، فيدفن نفسه معاقرا صرخة صامتة...". إن اللغة الشعرية في الأدب اليوم تنزاح إلى المساحات المتداخلة في الإبداع، ولا تقف عند نمط إبداعي واحد؛ ولذلك كان التداخل هنا مغنياً للنص، مثيراً للمتلقي وقف عند حدود القصة إلا أنه تجاوزه لغة بصورة حببت النص للقارئ.

وما دام هذا النص يبشر بكاتبة جديدة فأتمنى عليها أن تضاعف من قراءة الفن القصصي عند بعض المؤسسين أمثال محمود تيمور وبعض المجددين مثل محمد الماغوط والمجموعة القصصية الخاصة بنجيب الكيلاني. ولا يضيرها الاطلاع على بعض الرؤى النقدية المفهومة أمثال "منازل الحكاية" للدكتور سامح الرواشدة، ومؤلفات يمنى العيد.

D 25 حزيران (يونيو) 2011     A عود الند: نقد بناء, محمد السعودي, مريم مصبح الرميثي     C 2 تعليقات

2 مشاركة منتدى

  • لا يمكن للصحراء ان تختنق ما دامت فتاة الواحة تمتلك اسرار الكلمات
    مريم دائما تشدنا ابداعات المهندسين ,نصفق لهم عند انتهاء البناء
    والان هو موعد التصفيق لان المهندسة المعمارية اجادت في رسم احداث قصتها وتركتنا مبهورين بالبناء
    مازال في جعبة مريم الكيثر و مازلنا في انتظار ما تجود به علينا سيدة القلم


  • هو نقد للبناء.. لنفهم مكنونات الإبداع.. ونحلق مع مدلولات الكلمات.. ونتلمس روح الكاتب بين حروف نثرها في نص انسكب ربما بمداد الدمع أو بمزق من النفس..
    شكر وتحية للكاتبة مريم الرميثي ونصها الماتع..
    وتحية وتقدير للدكتور محمد السعودي ونقده النافع..
    وتقدير ومودة لمجلة عود الند لاحتضانها هذه المبادرات


في العدد نفسه

عيد بحيص: ماجستير

فيصل عبد الحسن: سنوات كازابلانكا

شريف كناعنة: كتاب جديد

وصلات آخرى

صور من الحفل