عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

سمير أيت أومغار - المغرب

الكرّاب عبر تاريخ المغرب/ج2


بحث في تاريخ الحِرف المائية - الجزء الثاني

.

الكرّاب من خلال مرآة الغرب

سمير آيت أومغارلا شك أن المسار الذي قدمناه آنفا للكرّاب بالمغرب [ينظر العدد 112 من عود الند]، يكشف صعوبة كتابة تاريخ حِرفي همَّشه المؤرخون في اختياراتهم، وهو أمر لم ينجُ منه العصر الحديث، لذلك اتجهنا صوب الحقبة المعاصرة بحثا عن أخبار هذا الحرفي، فوجدنا مادة لا بأس بها، لم يكن المغاربة من جَمَعَها وحفظها هذه المرة، بل الأوربيون (الفرنسيون خصوصا). فقد اهتم هؤلاء، على النقيض من المؤلفين المغاربة، بدقائق المجتمع، وساروا يجمعون كل ما من شأنه تعريف الغرب بالمغرب. فما هو نصيب الكرّاب من هذا الاهتمام؟

من بين الدراسات الأولى التي اطلعنا عليها، دراسة جولي حول الصنائع بتطوان (بدأها سنة 1906 وأتمها سنة 1912)، فقد أجمل فيها القول حول الحرف بالمدينة، ومن بينها حرفة الكرّاب. ومن الغريب أن نجد عددهم لا يتجاوز سنة 1912 أربعة مغاربة ذوي أصول سوسية أو مراكشية، يتجولون بالماء في قربة كبيرة ذات أنبوب من النحاس الأصفر، حاملين طاسات نحاسية وجرسا يقرعونه باستمرار لإثارة الانتباه. أما لباسهم فهو جلابة قصيرة، في حين تبقى أقدامهم حافية.

يطوف الكرّابة أزقة تطوان وهم ينادون: "الما في سبيل الله ومن أعطى شي في سبيل الله"، فسقي الناس عمل من الأعمال الصالحة التي لا يجب أن يُأخذ الأجر عنها، لكن بالإمكان مكافأتها، كُلٌ حسَبَ استطاعته.

ويضيف جولي قائلا:

إن هناك كرّابة آخرين يهود وإسبان ومسلمين، رجال وأطفال، يزودون بالماء المنازل التي لا تتوفر على خزانات. فينقلون الماء من النهر في قِرب طويلة يضعونها في "شواري د العود". وتُغلق بعد ملئها من النهر بسدادة من الأعشاب، الورود، القصب أو بَرَاعِم فتية من شجر الحور (من الفصيلة الصفصافية). ويبلغ ثمن القِربة الواحدة منها بليونا واحدا[42].

ومن الأبحاث التي تناولت بالدراسة الحِرف بالمغرب زمن الحماية، نذكر دراسة بروسبير ريكار حول "الحرف اليدوية بفاس"، وقد خصصها صاحبها للحرف التي ظلت تعتمد بشكل شبه كامل على اليد في العمل بدل الآلة التي حلت محل اليد العاملة في العديد من الحرف منذ بداية التصنيع بالمغرب زمن الحماية. وقد توقعنا ونحن نطالع لائحته الطويلة حول الحرف اليدوية بفاس العثور على الكرّاب بينها، لكننا لم نجد له ذكرا فيها، خاصة في خانة الحرف المتصلة بالتغذية.

صنف ريكار الحرف المتصلة بالتغذية حسب طبيعة المادة الغذائية التي توفرها أو تعتمد عليها هذه الحرف، فقدّم الحرف المتصلة بالقمح (الفلاح، حمال الزرع، الرحوي، الخباز)؛ والخضر والفواكه (الجناينية، الرباعة، الفوالة)؛ والحليب (الزرايبية، اللبانة)؛ واللحم (الوزانة، الكزارة، الكبايدية، الدقاقين)؛ والسمك (الحواتة، قلايين الحوت)؛ والزيت والزيتون (السقاطة، اللقاطة، الصوابنية)؛ والتوابل والسكر (الحلوية). ومع ذلك لم يشر بشكل مباشر أو غير مباشر للكرّاب كحرفة متصلة بالماء، أحد العناصر الأساسية في التغذية اليومية للإنسان عامة.

كما أنه لم يأت على ذكر الكرّاب في خانة الحرف المرتبطة بالصحة، فقد أشار في تقديمه لهذا الصنف من الحرف إلى أهمية الماء والتنظيم الصحي المحلي في الحفاظ على الصحة، ومع ذلك لم يعتمد الكرّاب كعنصر مهم في توفير الماء الضروري للطهارة في بعض الأحيان. وأشار في المقابل إلى القوادسية والنضّافة، والزبّالة، والكنّافة، والحجّامة[43].

هل غاب الكرّاب في فاس زمن إعداد بروسبير ريكار لهذه الدراسة؟ أم انه أقصاها عمدا لعدم اعتباره إياها حرفة كباقي الحرف؟ أم هناك أسباب أخرى حالت دون ذكره إياها ضمن لائحة الحرف اليدوية بفاس؟

لا نستطيع الإجابة عن السؤالين الثاني والثالث، لكنننا متأكدون من كون الكرّاب كان موجودا بفاس قبل إعداد ريكار لدراسته المشار إليها أعلاه[44]. ودليلنا على ذلك هو بعض الصور الفوتوغرافية الملتقطة للكرّابة بالمدينة سنة 1915، والمحفوظة بأرشيف "دار الصورة" بمراكش.

JPEG - 35.5 كيليبايت
ساقي ماء

في المقابل نجد المُستعرب جورج سان كولان يشير في إحدى دراساته إلى حضور الكرّاب بمدينة مراكش خلال ثلاثينات القرن العشرين، وهي شهادة تدعمها هي الأخرى الصُّور الفوتوغرافية الملتقطة بالمدينة خلال الفترة نفسها. لكنه وللأسف لا يقدم أية تفاصيل حوله، بل يقتصر على القول أن الكرّاب هو حامل الماء[45].

لكن لحسن حظنا يستأنف كولان الحديث عن الكرّاب في إحدى كتاباته الاثنوغرافية اللاحقة في ثلاثينات القرن العشرين، مُخَصِّصًا فيها حيزا لا بأس به للكرّاب. فما جاء فيها عن هذا الحرفي المُهمّش اسطوغرافيا؟

"الكرّاب هو اللي كايرفد الما فالكربة ويبيعو. أو هاد الكرّابة، كثرتهم ضراوة أو فيلالة. كاتشوفهوم دايزين فالزنقة، محرفين واحد الكربة كبيرة على ضهورهوم، أو دايرين ليها، تحت منها، واحد الرفّادة د جلد باش يتفزكو ليهومشي حوايجهوم. كا ينوض الكرّاب فالصباح ويعمر الكربة ويدور على الديور اللي كايسكي ليهوم كل نهار أو يعطيهوم اللي خاصهوم. عاد من تمَّ للقدام، كايعمر الكربة ثاني أو يركب ليها العنبوب ويدير فيْدُّو الناقوس أو الطاسات د شريب، ويبدا كايدور فالسواق ويطرنن بالناقوس، أو جميع اللي جاه العطش، كايعيط عليه: كايشرب ويعطيه الصولدي للطاسة"[46].

تتجلى وظيفة الكرّاب من خلال النص في نقل الماء ثم تقديمه لمن يريد الشرب مقابل ثمن غالبا ما يكون رمزيا، ومن المثير للاهتمام، الأصل الجُغرافي للكرّابة بالمغرب، فجورج كولان يؤكد أن أغلبيتهم خلال فترة الحماية الفرنسية من أصل ضراوي أو فيلالي، أي من منطقة درعة وتافيلالت بالخصوص، وهو تخصيص غريب لأهل هذا المجال بحرفة تاكرابت.

ومما يؤكد عراقة هذا التخصص، شهادة الصور الفوتوغرافية الملتقطة من طرف بعض الأوربيين سواء بالمدن الشاطئية الشمالية كطنجة في بداية التصوير الفوتوغرافي بالمغرب، أو بالمدن الداخلية كفاس ومراكش وغيرها من المدن التي عرفت هذه الحرفة، فهي صور تُقدّم في عدد كبير منها رجالا ذوي بشرة سمراء أو سوداء، يُؤدُّون حرفة الكرّاب. فلما هذا التعيين لهم دون غيرهم؟

JPEG - 42.9 كيليبايت
ساقي ماء

هل للأمر صلة بالتقاليد الدرعية المتصلة بالماء؟ هل نشأت الحرفة بدرعة ثم انتشرت في باقي المدن المغربية؟ هل هؤلاء الكرّابة الذين تحدث عنهم كولان من أصل ضراوي أو فيلالي حقيقة؟ أم أن لون بشرتهم جعله يتسرع بالحكم بانتمائهم لمجال درعة؟

إلى جانب ما تقدم، يبرز لنا كولان من خلال نصه، المسار اليومي للكرّاب من الصباح إلى المساء، وهو مسار ينقسم إلى شطرين: شطر أول يخصصه الكرّاب منذ الصباح لجلب الماء للمنازل المتعاقِد معها، حسب سياق النص، على جلب الماء بشكل يومي ومنتظم.

هذا عمل يُقدمه الكرّاب على كل عمل آخر لأن المنازل تحتاج منذ الصباح الباكر للماء لمباشرة الأعمال المنزلية الضرورية أو للشرب طيلة اليوم. ولا يمكنه لهذا السبب تأخير جلب الماء لهذه المنازل إلى المساء لان هذا سيتسبب لا محالة في اختلال وتيرة عمل المُقيمين بالمنازل المذكورة.

وللأسف لم يُحدد كولان طبيعة المياه المجلوبة لهذه المنازل. هل هي للشرب فقط؟ أم للاستعمال في أعمال أخرى كالتنظيف مثلا؟

على العموم لا يمكننا التكهن بمآل هذه المياه بعد ولوجها للمنزل، لكننا نقف هنا عند عبارة دالة أوردها كولان وهي كون الكرّاب "يعطيهوم اللي خاصهوم"، أي أن الكميات المجلوبة من المياه لكل منزل تتفاوت حسب حاجة كل منزل من هذه المادة.

ويحدد النص بعد ذلك المجالات التي يتردد عليها الكرّابة بعد مُهمتهم الصباحية الأولى، وهي الأسواق الحضرية، أي الشطر الثاني من عمله اليومي. فهي فضاءات مكتظة بالتجار والحرفيين وساكنة المدينة المترددة على هذه الأسواق لاقتناء حاجياتها من المنتوجات الحرفية أو المواد الغذائية. ولهذا فالسوق أفضل مجال للكرّاب لبيع الماء المحمُول في قربته.

يتبين لنا من خلال النص تنوع مهام الكرّاب، فهو يقوم بتوفير الماء الضروري للمنازل، ثم ينطلق بعد ذلك، للتجول في الأسواق بحثا عمن يريد شرب الماء. وهو ما ينفي التقسيم الذي تقدّم به محمد حجاج الطويل للكرّابة، فقد اقترح هذا الأخير التمييز فيهم بين صِنفين: صِنف يبيع الماء للمنازل والدور والمحلات التجارية والمقاهي وغيرها ممن ليس له معين ماء، وصِنف يطوف بقربته في الأسواق والمواسم وأماكن التجمعات البشرية ليسقي العطشى من المارة أو المتفرجين[47].

عند الانتقال إلى عقد المقارنة بين كرّاب المنطقة الخليفية (تطوان نموذجا) وكرّاب المنطقة السلطانية، يتبين لنا أن نقاط الشبه بين كرّاب المنطقة الخليفية الخاضعة للحماية الإسبانية وبين كرّاب المنطقة السلطانية الخاضعة للحماية الفرنسية، كثيرة، بل يمكن التحدث عن تطابق بينهما مع وُجود اختلافات بسيطة، خاصة على مستوى الأصول الجغرافية أو الاجتماعية.

وتمكن الباحث لويس ماسينيون من الكشف عن عناصر أخرى لم يلتفت إليها كولان وجولي، إذ اعتمد في دراسته حول الطوائف الحرفية بالمغرب[48] سنة 1924 على وثائق جهاز الحسبة بالعديد من المدن المغربية، وهي وثائق لم يستغلها جولي وكولان بسبب طبيعة بحثهما وغياب الهَمّ الإحصائي فيهما.

يمكن أن نلخص المادة المتعلقة بالكرّاب والمتناثرة في دراسة لويس ماسينيون في الجدول التالي:

جدول ضمن بحث الكرّاب

ومن المسائل التي أثار ماسينيون الانتباه إليها في دراسته، توفر حنطة الكرّابة على أولياء صالحين (أضرحة) يقدمون الرِّعاية لأفراد الطائفة الحرفية. ففي الجديدة يتجه الكرّابة صوب سيدي المُخْفي. أما الولي الأكثر شهرة برعايته للكرّابة فهو مولاي يعقوب[49]، الذي تحول طواعية من ملك إلى كرّاب تواضعا لله تعالى، وكان جرابه بالتالي مثقوبا عمداً حتى تسقط منه حصيلته كلها[50].

ويشير محمد الأخضر إلى اجتماع الكرّابة في يوم محدد من السنة لإقامة موسم مولاي يعقوب، فيجمعون مساهمات أفراد الحنطة، وينطلقون من فاس صوب قرية مولاي يعقوب[51] راجلين، ذهابا وإيابا، وبعد قضاء يوم في الغناء والرقص، يذبحون القربان (ثور) ولا يأخذون منه كنصيب لهم، سوى الفخذ، تاركين البقية للفقراء وذوي العاهات[52].

ومن العناصر الإضافية التي جاء بها ماسينيون في دراسته، عقود الضمانة الحرفية، وهي عقود وجدنا إحداها متعلقة بحنطة الكرّابة بمدينة سلا، هذا نصها باللغة الفرنسية كما جاءت في دراسة ماسينيون:

«Gloire a dieu, le chérif S. Hadj Taher ben Abdalkarim alaoui atteste qu’il cautionne, devant le fqih Mohtasib M., le S. Mohammed Taha ben Hocein Raqraqi, membre de la corporation dite « taqarrabt » a Salé, la bien gardée. Au cas ou le cautionné perdrait des biens appartenant a ses clients, il l’aiderait de ses biens propres. Devant Omar Marrakochi, naib du Mohtasib, pour l’acceptation de cette caution. La pièce a été lue et le témoignage parfaitement reconnu, etc.» 10 Moharrem 1326 = 13 février 1908. [53].

الكرّاب والزمن الراهن

هل يمكننا اليوم الحديث عن كرّاب؟ سؤال أردنا طرحه انطلاقا من معاينتنا للتحولات السريعة التي مست المشهد الحِرفي بالمغرب، والتي أدت إلى تطور بعض الحرف وزوال حِرف أخرى. فماذا عن الكرّاب؟

نلاحظ أن الكرّاب فقدَ دورا أساسيا التصق به منذ العصر الوسيط على الأقل حسب الشهادات التاريخية الواردة في الفصول السابقة، وهو توفير الماء للمنازل، فبعد ربطها بشبكة توزيع الماء أمست في غنى عن الكرّاب الذي بات عمله مقصورا على سقي الناس في الفضاءات العمومية. بل وجدنا أن هذا العمل الأخير أخذ هو الآخر في التراجع.

لقد بات "الكرّاب" مرادفا للفقر والتهميش. وأمسى ماؤه غير مرغوب فيه من طرف الذين يتحرّون جودة ونقاء المياه التي يشربونها. وهو ما جعله مجرد مكون جامد من مكونات التراث اللامادي بالمغرب، كما أكدت على ذلك المقالات الصُحفية العديدة الورقية والإلكترونية.

خاتـمة

لا سبيل كما يقول الدكتور إبراهيم القادري بوتشيش لإنكار موقع التاريخ الاجتماعي والاقتصادي في أي دراسة تطمح إلى الإلمام بالعناصر الفاعلة في حركية التاريخ، وريادته في تأسيس تاريخ شمولي يتجاوز مستوى التاريخ التقريري الحدثي، ويسعى إلى نسج خيوط منظور جديد يتوخى تحرير الكتابة التاريخية من طابعها الرسمي ونصّها السلطوي المهيمن[54].

مثّل الكرّاب في دراستنا نقطة ارتكاز انطلقنا منها في مسائلتنا لبقايا الماضي التي شاء لها بعض الكُتّاب أن تبقى محفوظة بين دفوف كتبهم، لكنهم وانطلاقا من موقعهم الاجتماعي أو السياسي أو رتبتهم العلمية تعمدوا تفادي الحديث عن حنطة لم يشتغل بها إلا ضراوة وفيلالة من ذوي البشرة السوداء وبالتالي كان الازدراء المُسبق للحرفة وأصحابها سببا في غياب أخبارها عبر تاريخ المغرب.

إذا كان التهميش قد طال الكرّاب من جانب كل مُمارس لعلمية التأريخ سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فان ارتباط هذا الحرفي بالماء، جعله رهينا بوفرته، وبالتالي محكوما بالتقلبات المناخية خاصة فترات القحط والجدب التي همت المغرب عبر تاريخه والتي أثرت بدون شك على عمله ونشاطه داخل المجال.

كما أنه تأثر كما هو الحال بالنسبة لمختلف الحرف بالاضطرابات السياسية والحروب التي كان من بين نتائجها تراجع النشاط الحرفي، فتطور هذه الأخيرة ومن بينها حرفة تكرابت رهين بتوفر عنصر الأمن والاستقرار، وغيابهما كان سببا لخراب الديار ونهب الأموال وتوالي تخريب الأوراش الحرفية.

وحسبنا دليلا على تأثر نشاط الكرّاب بهذه الحروب أن كثيرا من المُدن آل وضعها إلى الخراب فتراجعت كثافة النشاط وتقلص عدد المتعاطين له بسبب الهجرة إلى المجالات الآمنة، والموت أثناء النزاعات المسلحة بين القوى السياسية[55].

نستنتج أن المحنة والتهميش عاملان أساسيان لعبا دورا مهما في تغييب الكرّاب عن المشهد الاجتماعي والاقتصادي بالمغرب، لكن ولحسن الحظ احتفظ لنا المستكشفون والرحالة والباحثون الأوربيون منذ القرن التاسع عشر بأوصاف ونصوص مهمة حول الكرّاب. كان أهمها على مستوى التوثيق الصُّورة الفوتوغرافية التي قدّمت شهادتها حول هذه الحرفة منذ القرن التاسع عشر.

مُلــحَـق: شهادة شفهية حول حرفة تاكرابت بمراكش[56]

حرفة القراب أو السقاء تعد من الحرف القديمة ولولا السياحة لانقرضت هذه الحرفة وكانت هذه الحرفة تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول من الكرّابة كانوا كرّابة خاصين بأحياء مراكش. منهم من كان يحمل القربة على جانبه الأيمن. ومنهم من كان يحملها على الحمير. كانوا موجودين بجانب السقايات المراكشية مثلا كالسقاية حومة المواسين وسقاية حومة أسول المعروفة بسقاية اشرب وشوف.

والقسم الثاني من هؤلاء الكرّابة كانوا يطوفون بالأسواق لإسقاء الناس وكانوا يعملون القطران بقربهم. هذه الفرقة كانت لا تملأ قربها من السقايات بل كانت تملأها من العيون كعين العباسية وينادون في الأسواق وجامع الفناء ويصيحون في الناس أن هذا الماء ماء العباسية والماء لله ومن أعطى شيئا لله.

وأصل هؤلاء القرابة من قبيلة "تدغى" من الصحراء الشرقية وهم يرجع نسبهم إلى أهل الصحراء لأن أول معلم صانع الخطارات يرجع نسبه إلى أهل تُدغى. والظاهر هو أن حيَّهُم في حاضرة مراكش وهو دَشْرْ تُدغى الموجود بحومة الموقف، وهو قائم على الدّوام، ووليهم هو سيدي احمد الكامل، دفين باب الصالحة.

وقد قيل إن الولي الصالح مولاي يعقوب دفين نواحي فاس كان قرّابا وكذلك الولي الصالح الصوفي ابن عجيبة دفين تطاون قد امتهن حرفة كرّاب. وهذه الحرفة كما سبق لنا أن قلنا إنها حرفة قديمة والدّالُ على ذلك هو قوله تعالى "أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر".

أما الصنف الآخر من الكرّابة فهؤلاء خاصين بالأحياء والدروب والمنازل يزودون المنازل بالماء الشروب ويرشون أبواب القصور وكان لهم أمين ويرشون كذلك الأسواق كسوق السمارين.

ما كان هؤلاء السقائين قديما يحملون القرب، بل كانوا يحملون القِلل جمعُ قُلّة وإذا تكسّرت لأحدهم قلته يذهب إلى إدارة الأوقاف وتُعوضه بقلة أخرى.وفي المغرب وفي المشرق على السواء يُعد حسنة من الحسنات سقّاء الأناسم والبهائم. وقد جاء في المأثور عن النبي محمد (ص) أن سقاية الظمأ إحدى الصدقات المُحتسبة.

= = = = =

الإحالات

الصور من متحف "دار الصورة" الكائن بزنقة أهل فاس بمراكش.

[41] بنحمادة سعيد، المرجع السابق، ص. 109.

[42] Joly. A., « L’industrie a Tétouan », in Archives Marocaines, volume XVIII, 1912. P.249-250.

[43] Ricard, P., « Les métiers manuels à Fès », in Hespéris, Tome IV, 2e Trimestre, Année 1924. pp.205-224.

[44] لم نتمكن للأسف من الاطلاع على دراسة مهمة هي: أحمد الأديب، الحرف والحرفيون بفاس خلال القرن 19، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في التاريخ، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز بفاس، السنة الجامعية 1995 – 1996.

[45] Colin. G.S., « Noms d’Artisans et de Commerçants a Marrakech », in Hespéris, Tome XII, fascicule II, Année 1931. p.238.

[46] Colin, G.-S., Chrestomathie Marocaine, Libraire d’Amérique et D’Orient, Adrien-Maisonneuve, Paris, 1939. Tome second, p. 184-185.

[47] الطويل محمد حجاج، المرجع السابق، الجزء 20. ص.6787- 6788. صحيح أن لويس ماسينيون أشار إلى وجود الصنفين بمدينة مراكش خلال عشرينات القرن العشرين، لكنها ظلت حال معزولة كما يبدوا من الجدول أدناه.

[48] Massignon, L.,« Enquête sur les corporations musulmans d’artisans et de commerçants au Maroc (1923-1924) d’après les réponses a la circulaire résidentielle du 15 nov. 1923. Sous le timbre de la direction des affaires indigènes et du service des renseignements ». in Revue du Monde Musulman, Tome LVIII, 1924, 2e section, pp.1-250.

[49] Massignon, L., op.cit., p.148.

[50] ربما كانت هذه هي القصة وراء المقطوعة الشفهية الشعبية " ا مولاي يعقوب سروالو مثقوب".

[51] تقع شمال غرب مدينة فاس على بعد حوالي 21 كلم، وتنتمي حاليا إلى الجماعة القروية سبع رواضي.

[52] الأخضر محمد، المرجع السابق، الجزء 2، ص. 609.

[53] Massignon, L., op.cit., p.218.

[54] بوتشيش إبراهيم القادري، مباحث في التاريخ الاجتماعي للمغرب والأندلس خلال عصر المرابطين، دار الطليعة، بيروت، الطبعة الأولى، 1998. ص.5.

[55] لمعرفة اثر الحروب على الأنشطة الحرفية بالمغرب زمن حكم بني مرين كنموذج، راجع:
تيتاو حميد، الحرب والمجتمع بالمغرب خلال العصر المريني، مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية، سلسلة أبحاث: 1، الدار البيضاء. 2009.

[56] استقينا هذه الرواية الشفهية من السيد احمد النيس المؤذن بمسجد الكتبيين بمراكش (من مواليد خمسينات القرن العشرين). يوم الجمعة 29 نونبر 2013. وقد سجل شهادته بنفسه على ورقة قمنا بإعادة رقنها هنا دون إدخال أي تغييرات عليها أو تصحيح ألفاظها وذلك سيرا على طريقة المستشرق الفرنسي مكسيم رودنسون في تسجيل النصوص المماثلة ونشرها، فقد ارتأى الإبقاء على أسلوب وتراكيب النص المكتوب من طرف الشخص المُستجوَب. فربما يتيح ذلك فرصة لدراسة مهمة حول الطريقة التي يتم بها تمثل العربية المكتوبة، الخاضعة لتأثير العربية المنطوقة، لدى من حظوا بتعليم متواضع. واقتصر نتيجة لذلك على مراجعة متأنية للتأكد من تطابق النص المطبوع مع ما دوّنه المُستجوَب[عود الند استخدمت بعض علامات الترقيم عند نشر النص]. للمزيد انظر:

M. Rodinson, Autobiographies de possédées égyptiennes, in Mélanges Louis Massignon, Institut Français de Damas, Damas, 1957, Tome III, pp.259-269.

D 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2015     A سمير آيت أومغار     C 0 تعليقات