الفن النظيف والعالمية وقضايا أخرى
مقابلة ج2: الفنان علي الرفاعي
(*) علي الرفاعي: فنان مصري يعيش ويعمل في لندن منذ حوالي ثلاثين عاما. يشارك من حين لآخر في أعمال فنية عربية. شارك في العامين الأخيرين في مسلسلين هما "تلك الليلة" الذي عرض في شهر رمضان الماضي على قناة النيل دراما، وقبله مسلسل "السائرون نياما". عمل سنوات في ميدان الإعلام كمقدم ومنتج للبرامج المنوعة والسياسية. شارك أيضا في عدد من الأفلام العالمية . عدلي الهواري حاوره في العدد الماضي حول أوضاع الفن في مصر بعد الثورة. أدناه الجزء الثاني من أسئلة المقابلة.
للإطلاع على الجزء الأول اضغط هنا.
ع هـ: شاركت في أدوار في بعض الأفلام الأجنبية، كفيلم بلنتي (Plenty) – (بطولة ميريل ستريب). ما أوجه الشبة والاختلاف في أسلوب العمل على فيلم في مصر وفي بريطانيا؟
ع ر: صحيح أنني عملت في أعمال أجنبية كثيرة، في واقع الأمر، أكثر الأعمال التي شاركت فيها والتي أذكرها في سيرتي الموجزة (سي في) هي أعمال أجنبية، أغلبها بريطاني وأميركي وبعضها أسترالي وكندي، أي أن الغالبية العظمي من جهات الإنتاج التي علمت معها كانت من شركات الدول الناطقة باللغة الإنجليزية، وإن لم يكن جميعها كذلك. تستطيع أن تقول دون أن تبعد كثيرا عن الحقيقية سوى في بعض التفاصيل، إن الفرق بين العمل في أعمال جهات إنتاجها أجنبية وأعمال جهات إنتاجها عربية، هو تقريبا الفرق بين العمل في الدول الأجنبية والدول العربية. إن الفارق أوضح بكثير ليس في القمة أو في الرؤية وإنما في المناطق الواقعة بين القمة والقاعدة. أي ليس على مستوي المخرج أو مدير الإضاءة إنما فيما يأتي بعد ذلك. تلاحظ من الوهلة الأولي الفرق في درجة العناية، الدقة، التفاني، المهارات، بذل الجهد عن طيب خاطر، حب العمل، السعادة، الفخر بجودة الأداء، وحب الإرضاء عوضا عن التحدي ومحاولة الأداء بأقل درجة من الجهد.
ع هـ: ما هي العقبات التي تعترض الفنان الأجنبي لدى محاولته دخول ميدان الفن في بريطانيا وأميركا؟
ع ر: العقبات التي تواجه الممثل البريطاني والأميركي أكثر وأكبر مما يتخيلها الممثل العربي، أو على الأقل أكثر مما كنت أتخيلها قبل مجيئي إلى الغرب. يعود هذا إلى أسباب كثيرة منها أن حجم الإنتاج والصناعة أكبر بكثير مما يمكن لشخص أن يستوعبه ويتعامل معه. منها أن عجلة الإنتاج كبيرة ومنظمة ودورتها طويلة، فليس من غير المعتاد أن تتعاقد معك شركة إنتاج على عمل سيبدأ بعد تسعة أشهر أو سنه. ولكن أهم العقبات التي تواجه الممثل الناطق باللغة الإنجليزية هي الارتفاع المبهر لمستوى المواهب والمهارات. فالممثل العادي جدا الذي يجري التنافس معه ليس فقط موهوبا في التمثيل وإنما هو يجيد الغناء، الرقص، الفروسية، السحر، المبارزة، يجيد العزف على الأقل على آلة موسيقية بدرجة عالية من الجودة، ويمارس عددا كبيرا من أنواع الرياضة المختلفة. أمام أصحاب الأعمال عدد هائل من أصحاب المواهب العالية.
ع هـ: هناك هوس في شأن صفة "العالمية" في الوسط الفني العربي. إذا كانت هناك صفة "العالمي"، كيف يحققها الفنان؟
ع ر: أفضل طريقة من وجهة نظري للوصول إلى العالمية هي عدم محاولة الوصول إلى العالمية. ربما تكون هذه هي السمة الوحيدة التي وجدتها مشتركة بين الأعمال التي وُصفت بأنها "عالمية" . على الفنان أن يكون صادقا مع نفسه وعمله، يعمل في الاتجاه الذي يري أنه يتناسب مع العمل ويخدمه بغض النظر عن النتائج. وهذه هي أفضل وسيلة للتوصل إلى العمل الصادق الذي من شأنه أن يدفع العمل في طريق النجاح. الإغراق في المحلية من شأنه في كثير من الأحيان أن يضع العمل في دائرة العالمية.
ع هـ: كما تعلم الأفلام في الغرب تصنف للمشاهدة حسب العمر، وحتى في الدول الأكثر تحررا، يتم منع بعض الأفلام من العرض، أو تحذف منها مشاهد تمجد العنف مثلا. هل تؤيد الرأي الذي يدعو إلى وجود فن نظيف؟
ع ر: بشكل عام أنا شخصيا لا أميل إلى تصنيف الأعمال الفنية على أنها نظيفة أو غير نظيفة. أفضل أن أصنفها على أنها جيده أم غير جيده، أصيلة أم غير أصيلة، مؤثرة أم غير مؤثرة، جذابة أو غير جذابة، ممتعة أم غير ممتعة. تفاصيلها طبيعية وتلقائية، أم مقحمة ومفتعلة. لأنني بشكل عام ضد الرقابة، ليس لأني أدعو إلى الإباحية، على الإطلاق لا، ولكن لأنني أفضل أن أتمتع بالفن المنبثق عن الفنان الحر الطليق، مدركا أن هناك ثمنا لهذا ربما يتمثل في بعض الأعمال الهزيلة أو الرخيصة وما إلى ذلك، ولا أفضل أن يكون هناك رقيب وصي علينا يقيم الأعمال الفنية نيابة عنا ويصنفها "نظيفة وغير نظيفة".
ع هـ: يحدث دائما أن يتحدث جيل عن "عصر ذهبي" عايشه، وحصل تدهور بعده. هل لكل جيل عصر ذهبي، أم أن هناك فعلا مراحل تتميز عن أخري بمستويات أرقي؟
ع ر: هذا سؤال يصعب الإجابة عليه . لأن العصور الذهبية دائما ما تكون في الماضي. فكيف يمكن معرفة تقييم الأجيال القادمة للفترة المعاصرة؟ وكيف يمكن التنبؤ بمدى ذهبية أو فضية أو صفيحية الفترة القادمة؟ ولكن لا جدال في أن هناك قياسات نسبية مبنية على افتراضات مسبقة، بناء عليها يمكن الحكم على العصور الذهبية. على سبيل المثال: إذا كنت لا تحب الموسيقي والأغاني العصرية، وإذا كنت تري أنها سطحية، وأن الفنانين الحاليين لا يبذلون من الجهد ما يرضي مزاجك، وكنت تحب منهاج أم كلثوم على سبيل المثال، فلا شك في أنك ستكون على يقين أن الفترة التي جمعت بين أم كلثوم وفريد الأطرش وفيروز ووديع الصافي وعبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب وصباح وفايزة أحمد ووردة وعليا ومحمد فوزي وشادية ومحمد عبد المطلب وكثيرين آخرين هي فترة ذهبية أو ربما حتى بلاتينية.
ع هـ: مع أي جيل من الممثلين المصريين درست التمثيل في القاهرة في السبعينات؟
ع ر: لا شك أن أهم أبناء جيلي ممن درست معهم التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية في القاهرة هو المرحوم أحمد زكي. وهناك أيضا عدد من الممثلين الذين درست معهم في لندن أصبح يتمتع بدرجة كبيرة من الشعبية في بريطانيا.
ع هـ: عملت في الميدان الإعلامي أيضا في لندن. ماذا قدم لك العمل الإعلامي؟ وماذا قدمت له؟
ع ر: هناك أوجه تشابه وأوجه اختلاف بين العمل الفني والعمل الإعلامي. أهم أوجه التشابه بين العمل الإعلامي الجيد والعمل الفني الجيد هو عملية الإعداد والدراسة والبحث والاستذكار. كذلك ينسى كثيرون ممن يعملون في مجال الإعلام أنه نوع من "فنون الأداء" يجب على الإعلامي أن يهتم بطريقة تقديمة لمادته مهما كان نوعها، لأن من شأن هذا أن يحقق جزءا من إثارة اهتمام المتلقي، على الأقل من حيث الشكل، وإن كان للشكل تأثير على المضمون، والعكس صحيح. أما أهم أوجه الخلاف فهي حتمية توفر الموهبة لدى الممثل. يمكن للإعلامي أن يعوض بعضا من ضعف أو انعدام الموهبة بالعمل الجاد والاهتمام والدأب والحرص والانتباه وبذل الجهد المضنى والالتزام وما إلى ذلك. من أهم أوجه الخلاف الأخرى هي الإدارة. الإدارة في العمل الفني لديها القدرة على تقييم وتقدير الموهبة والتعامل معها، وهذا هو عماد رأسمالها. أما الإدارة في العمل الإعلامي، على الأقل العربي، فلها حسابات أخرى. ربما لأن مستوى الجودة في العمل الإعلامي لم يحتل بعد مركز الصدارة في قائمة الأولويات، ربما يعود ذلك إلى الحداثة النسبية لمجال الإعلام في عالمنا العربي. وربما أيضا لأن مستوى الموهبة لدى إدارة العمل الفني على مستوى يتناسب مع المهمة الموكلة إليها.
ع هـ: أعرف شخصيا أنك صاحب روح مرحة، وقادر على إضحاك من تحدثه، هل تعتبر نفسك قادرا على أداء أدوار كوميدية؟
ع ر: الطريف في الأمر أنني منعت في وقت من الأوقات من تقديم برامج جادة في مجال الإعلام بسبب "ارتباط اسمي بالكوميديا" ، والآن لا أحد ممن أعمل معهم في مجال التمثيل في مصر يتخيل أنني أستطيع أن أقوم بمعمل كوميدي. السبب؟ أنني أقوم حاليا بتجسيد شخصيات جادة، ربما شريرة، أو حتى إجرامية، فلا أحد يتخيل أنني أستطيع أن أقوم بدور كوميدي. ولكن من يدري؟
ع هـ: هل سيراك المشاهدون في مسلسل جديد قريبا؟
ع ر: الأعمال بيد الله. هناك كلام كثير واتصالات مكثفه واستفسارات متكررة. ولكن هناك مثل يتبادله الممثلون في مصر يقول "ربنا عرفوه بالعقد."
1 مشاركة منتدى
مقابلة ج2: الفنان علي الرفاعي , زهرة زيراوي | 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 - 15:51 1
رائع أن يحتفي الغرب بقامات عربية أكدت وجودها في الساحات الفكرية ثقافة أو فنا هذا يمد الجسر نحو تواصل أفضل ، و طبعا للفنان علي الرفاعي يد في مد هذا التواصل مع الآخر ، و ذلك بالاقتراب من فكره و فنه ، لا ننسى أن بيت الحكمة احتفى بالترجمات و لا يمكننا نسيان ما تلقحت به الحضارة العربية من الحضارة الفارسية ، لقد كانت إحدى عناصر مقومات الحضارة العربيةو حاملا من حمولتها العامة
شكرا لعود الندإذ تمنحنا دارا للسكن الفكري نأتيه للحوار و للاطلاع على تجارب إبداعية عامة عبرأطراف الأرض