عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 
أنت في : الغلاف » أرشيف أعداد عـود الـنـد » الأعداد الشهرية: 01-120 » السنة 7: 72-83 » العدد 78: 2012/12 » حوار مع المسرحي عبد الجبار خمران

زهرة زيراوي - المغرب

حوار مع المسرحي عبد الجبار خمران


عبد الجبار خمران: أديب مسرحي مغربي مقيم بباريس. حاصل على دبلوم المعهد العالي للفن المسرحي بالرباط. أخرج مسرحية "بنادق الأم كرار" لبرتولد بريخت (Berthold Brecht) ، وقدمها بشراكة مع معهد غوتة بمناسبة الذكرى المئوية لميلاد بريخت عام 1998. عضو مؤسس لفرقة "قطرة الذهب" المسرحية بباريس. أخرج مسرحية "أنتيغون بغداد" التي تستحضر مأساة العراق، وعرضت المسرحية في مسرح لافوار مودرن بباريس. يكتب عن المسرح في الصحف العربية، ويشرف على قسم المسرح في موقع فوانيس.

س: ماذا عنيت بقولك أنا من جيل حلقة المسرحيين المفقودين؟

عبد الجبار خمرانج: قصدت بحلقة المسرحيين المفقودين، ثلة من المخرجين والممثلين والسينوغرافيين الشباب الذين غادروا المغرب في بدايات عطاءاتهم (خاصة خريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي) واتخذت تجربتهم في المهجر مسارات مختلفة. منهم من استمر في المجال المسرحي (الفني عامة) ومنهم من شغلته الهجرة وأدخلته في سراديب الإكراهات اليومية: أوراق إقامة؛ الشغل؛ تحقيق التوازن بين الفني والمعيشي، إلى آخره. منهم من شقّ منفذا خارج الحلقة وعاد بزخم فني وثقافي حقق من خلاله ذاته ومشروعه الفني مساهما في إثراء الساحة المسرحية والفنية المغربية. ومنهم من انضم إلى دائرة الفقدان في السنوات الأخيرة القليلة، عندما تعثر مسيره بعد توهج ومثابرة، ليغادر المغرب محاولا البحث عن أفق آخر من شأنه إغناء مساره الفني والثقافي.

س: لماذا اخترت أوروبا، باريس تحديدا، لتمارس بها شغفك المسرحي؟ هل تجد هناك الذائقة؟

ج: ليس اختيارا بقدر ما كانت صدفة. لم يخطر في بالي يوما أنه يمكنني أن أعيش في بلد أوربي ما. كان المسرح بمثابة المقود الذي حدد كثيرا من اختياراتي في الحياة، فبعد الأشهر الثمانية التي قضيتها في مدينة براطو المحاذية لمدينة فلورانس الإيطالية، وبعد اشتغالي مع المخرج الإيطالي أرموندو بونزو رفقة مجموعة من الممثلين والممثلات المغاربة، وجدت نفسي داخل حلقة فقدان أخرى من شأنها أن تسيج أي محاولة لممارسة مسرحية حقيقية، فلم يكن أمامي إلا أن "هاجرت" مرة أخرى إلى باريس والتي أحسست فيها بألفة اكثر. تعدد الجنسيات والأعراق والهويات في باريس يذيب الإحساس بالغربة. كما أن المدينة تعج بالمسارح وتأتيها العروض المسرحية من كل فج عميق. وطبعا شاهدت من العروض والفرجات ما لم تر عيني ولم يخطر على قلبي. حالفني الحظ في أن أحضر عروضا مسرحية لمخرجين عالميين كبار من حجم بروك ومنوشكين وبلانشو وشيرو.

س: ما سر تأثرك ببريخت؟

ج: برتولد بريخت واحد من المسرحيين الأكثر تجسيدا، نظريا وتطبيقيا، عبر التاريخ المسرحي كله، لجوهر العملية المسرحية في كل مراحلها، انطلاقا من النص الدرامي إلى لحظة عرضه مرورا بالتمارين وطريقة الأداء والاشتغال على الشخصية وانفعالات الجمهور، إلى آخره. يقف بريخت في تاريخ المسرح بنظريته حول المسرح الملحمي ندا لأرسطو، متجاوزا تنظيراته حول الدراما. ولا يمكن لأي ممارس مسرحي، كما يجزم بيتر بروك، أن يتمتع بفكر مسرحي عميق ما لم يطلع على نظرية بريخت المبتكرة حول المسرح الملحمي. ولأن بحث تخرجي من المعهد العالي للفن المسرحي كان مشروع إخراج مسرحية برتولد بريخت "بنادق الأم كرار"، ولأنني أيضا أخرجت مسرحية "انتيغون" بصيغتها البريختية، توفرت لي فرصة للاطلاع على نظرية المسرح الملحمي والوقوف على مهارة بريخت وقدرته على تحويل معرفته الفكرية والفلسفية إلى مسرح ينشد زرع بذرة التغيير والرقي بالمجتمع إلى ما هو أفضل عن طريق تحليل كيمياء العلاقات الاجتماعية على خشبة المسرح. ما ينشده مسرح بريخت الجدلي هو تحفيز المتفرج، من خلال تقنيات فرجوية ناجعة، على طرح السؤال تلو السؤال جاعلا منه كائنا يقظا وناقدا. فبالنسبة لبرتولد بريخت ومن سار في ركاب ما بعد نظريته: الأمة التي لا تناقش مشاكلها على الخشبة لا حاجة لها بالمسرح.

زهرة زيراويما العمل الذي تفكر في تقديمه؟

أشتغل حاليا على نص الكاتب والشاعر طه عدنان "باي باي جلو" والذي يعالج مشاكل مهاجر مغربي يقيم في بلجيكا بطريقة غير شرعية. النص رصد للمعيش اليومي الذي تفرزه تداعيات حالة الهجرة السرية. أبناء الوطن الذين يغامرون بإلقاء أجسادهم وأرواحهم في "جحيم العبور" إلى الضفة الأخرى/الجنة الموعودة ليجدوا أنفسهم عرضة للتهميش والإقصاء، فالبحث عن الذات والشغل والأوراق ثم الترحيل القسري، كل ذلك وغيره، تعالجه مونودراما "باي باي جيلو" داخل حبكة مسرحية لا تخلو من السخرية والتهكم على واقع شاحب، عصبه صراع داخلي من أجل إثبات الذات والبحث عن أفق أفضل، وصراع خارجي مع الآخر المغاير، وكذا الأقارب والحبيبة، إلى آخره. وبالمناسبة مسرحية "باي باي جلو" حائزة على جائزة المونودراما بالفجيرة.

س: ما علاقتك الآن بكتابة القصة؟ هل باعد المسرح بينها وبينك، أم هي أحد لبناته؟

ج: عند القيام بمقاربة دراماتورجية لأي نص مسرحي تجد نفسك، إلى جانب استنباط كل مفردات الركح، مجبر على سرد الحكاية المطمورة في ثنايا الحوارات والإرشادات المسرحية. إننا لا نفعل شيئا على الخشبة سوى أننا نسرد قصة ما داخل الشكل التعبيري الذي نسميه المسرح، فالمسرح هو الذي قربني من القصة، بل وكل أشكال التعبير الأخرى. والقاص داخلي ليس إلا راويا نزل عن الخشبة ليكتب كل ما كان من الممكن أن يرتجله، لكن بتقنيات أخرى وداخل شكل تعبيري آخر قد يكون قصة أو قصيدة.

س: كيف ترى المسرح بالمغرب الآن مقارنة بما كان عليه في السبعينات مع الطيب الصديق وغيره من رواد المرحلة؟

ج: المسرح المغربي الآن يعرف نوعا من البحث عن صيغ فرجوية جديدة تعكس مزاج وملامح مغرب بداية الألفية الثالثة. هناك حديث عن ما بعد الدراما، وهناك كوكبة من "الإزداكيينْ" خريجي المعهد العالي أوجدوا لتجاربهم موطئ قدم وبصموا الساحة المسرحية بمختبرات جادة. جيل الرواد عمل على تكريس الفعل المسرحي كممارسة وكفاعلية ثقافية لكن انعدام الدعم ومحاصرة التجارب الجادة في مرحلة السبعينات وما تلاها قوض تلك التجارب، وحال دون تجذر فعالية المسرح داخل المجتمع. لكن رغم ذلك، استطاعت بعض التجارب سواء من الهواة أو المحترفين أن تغني الساحة بعروض وتجارب مسرحية مهمة. الآن يجب دعم الفرق المسرحية التي تثابر وتجتهد في ابتكار عروض مسرحية جادة، وتبلور المفهوم الحقيقي للممارسة المسرحية. العروض التجارية من حقها أن تتواجد وتنافس. لكن أن تدعم أجهزة الإعلام والمنصات المسرحية الرسمية هذا النوع من العروض فحسب لأجل تنميط الذائقة المسرحية لدى الجمهور المغربي فليس من النزاهة الثقافية والمسرحية في شيء. أن نغمض العين عن ذلك سنخسر الكثير من الوقت والجهد لأجل ترميم ما يتم إفساده اليوم.

= = = = =

لقطتان من مسرحية "انتغون بغداد"

اضغط على الصورة لمشاهدتها بحجم أكبر

لقطة من مسرحية انتيغون بغداد لعبد الجبار خرمان لقطة من مسرحية انتيغون بغداد لعبد الجبار خرمان
D 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012     A زهرة زيراوي, عبد الجبار خرمان     C 1 تعليقات