داليا الحاج - فلسطين
وردتـان لأمـي
لم يكن يعني لي عيد الأم شيئا قبل أن أجد أختي ذات يوم تـنسحب لغرفة أخي، وتطلب منه أن يصطحبها للسوق حتى تتمكن من شراء هدية لأمي دون أن تعلم.
كطفلة أعجبتُ بعدم معرفة أمي بالمفاجئة، وكطفلة أكثر نضجا مني أعلمتني أختي بأن هنالك يوما مميزا سيحل علينا خلال أيام وهو عيد الأم، سألتها حينها: "أتقصدين عيد ميلادها؟" فأجابت: "بل هو عيد لكل الأمهات."
اكتفيت بأنهم سوف يعتبروني مساهمة بهدية أمي لمجرد ذهابي للسوق معهم فلم أكثر من الأسئلة. كنت سعيدة حيث عقدت صفقة رابحة، وأعترف بأنني لو علمت حينها أنهم كانوا يشترون سكوتي كطفلة شقية لأفشلت لهم خطة مفاجئتها.
كان هذا منذ خمسة عشر عاما. لا زالت تلك القطعة الكريستالية "المتواضعة" تزين إحدى زوايا المنزل برغبة أمي، تحافظ عليها كدليل قاطع على محبة أبنائها واهتمامهم رغم حداثة سنهم.
لا زلت أنظر لها وأتذكر إنجازي الجماعي الأول والأقيم. ولا زلت أنظر لأمي بنفس الانبهار بتلك الصبية الحسناء التي كنت أحلم بأن أصبح هي عندما أكبر. ولا زلت أسمع صوتها بنفس الحنين وأذكر حين كنت أقترب منها وألصق أذني على صدرها لأسمع صوتها بعمق أكبر وأذوب ولها برائحتها.
اليوم لا أعرف ماذا أقول لأمي بعيدها، لم أكن يوما ممن يتقنون فن القول. كل ما بيدي الآن وردتان:
وردة عرفان أمتن بها لمن تماسكت لتمنحنا التماسك، من تقوّت لتمنحنا القوة، من جمعت تناقضات الكون لتبدد تناقضنا، من اعتبرت أن حياتنا امتداد لحياتها. ومن عايشت أمزجتنا المختلفة واحتوت جميع مواقفنا.
وردة أسف أعتذر بها عن كل لحظة سخف يمر بها الأبناء حين يعتبرون عطاء الأم فرضا لا سخاء، ويقذفونها بالتقصير ليبرروا لأنفسهم فشلهم ببعض الأمور الحياتية، وعلى كل عذر واهٍ يواجهون به تقصيرهم تجاهها، وعلى كل خيبة أمل تعرضت لها.
لكِ أمي، كل عام وأنتِ بركة عمري.
لكِ أمي، ولكل أم لم تتحقق أمومتها، كل عام وأنتن أمهاتنا بخير.
= = =
استمع إلى مقطع من أغنية فيروز "أمي يا ملاكي". الكلمات للشاعر اللبناني سعيد عقل. اللحن للأخوين رحباني. طول المقطع: 18 ثانية. اضغط على زر التشغيل للاستماع إلى المقطع. تأكد أن السماعات التي تستخدمها تعمل.