إبراهيم يوسف - لبنان
حامل الهوى تعب
نشر في العدد الماضي موضوع للكاتب إبراهيم يوسف بعنوان "غفلة إلى جانب أمّ العيال". أحد التعليقات كان من الكاتبة في "عود الند"، أشواق مليباري، اعترضت في جزئه الأول على اغفال حق المرأة في اختيار ارتداء النقاب. أدناه الفقرة التي أثارت الاعتراض، ثم نص التعليق، فرد الكاتب على التعليق.
اعترضتْ "أمُّ العيال"؛ كما يقولُ المستبدُّون بنسائِهم؛ المغالون في الخوفِ على المرأة في بعض الدِّيار، وما ينطوي عليهِ التعبير من الخجلِ والاحترام المزيَّف أوِ النفاق. ألخوفُ من أن تفتحَ عينيها على حاضر لن يعودَ القهقرى إلى الوراء. أبو العيال "نَقَّبَها" وأنْكَرَ عليها وجهَها، أهم ما حباها الله في شكلها وشخصِيَّتِها.
من يحترم الآخرين يا أستاذي الفاضل، ويقدس دياناتهم، ومعتقداتهم، وعاداتهم، يجب ألا يتحدث عن شيء منها وكأنه خطأ يجب تغييره. لا أفهم لماذا يطالب من يطالب بحقوق المرأة، ويسردها في قائمة طويلة، ويغفل عن حقها في الاختيار؟ مضحك ومبك أن صديقة لزوجة أخي، كندية، مسيحية، تنادي بحقها في تغطية وجهها عن الرجال! أياً كان، إن كنت ترى أن من حق المرأة أن تختار، وأن تكون لها الحرية في ارتداء ما يناسبها، فما بال الدول التي تقول بأنها أنصفت المرأة لا ترى ذلك؟! ما بالهم يهتمون بالقشرة و يتركون اللب في ما يتعلق بالملابس؟
وكي لا أنظر فقط إلى الجزء الفارغ من الكأس، أريد أن أبدي إعجابي الشديد بالوصف الدقيق، والتفاصيل التي تغنيني عن الصور، من اللباس الأنيق، إلى المطعم، وجبال الصوان، مرورا بالمائدة اللبنانية العامرة التي اصطفيت منها البوظه! (الرجال يا أستاذي غالبا لا يعانون من نقص الحديد، فهم يأخذون ما يكفيهم من أجساد أمهاتهم). ثم الرحلة الجميلة، التي استمتعنا بها من البحر ونوارسه، للحديقة ومساكبها، والبيوت المتشابهة، وشعب يحترم القانون، قبل أن يطبقه. فعلاً هي رحلة خلابة ماتعة، فشكرا لك.
النص الجديد/الرد
يمكنكِ يا صديقتي، أن تقولي كل ما تريدين تعليقاً على النص دون تحفظٍ أو اعتراضٍ مِن قبلي، فهناكَ من قالَ عنه ما لم يقلْه مالكٌ في الخمرة، والقول بصراحة لم يشكلْ إساءةً لي؟ بل ربَّما كانَ العكسُ صحيحاً ليأتي ما قِيْلَ في مصلحتي.
أنا يا صديقتي أحترمُكِ وأحترمُ قناعاتِك، وأراهنُ بل واثقٌ أنك ستنجحين يوماً لتحققي ما ترغبين. وبعد.. ترددتُ طويلاً في اتخاذِ القرار بالرد، لكنني بكاملِ إرادتي وسُلطتي على نفسي وحرَّيَتي ورغبتي أيضاً، ارتضيتُ "للهوى أن يُتْعِبني" كما أتْعَبَ مِنْ قَبْلي "الحسنَ بن هانىء"، فجئتُ أؤدي دور"دونكيشوت" مرةً أخرى وأترحَّمُ على روحِ"سرڤانتس"!؟
أحببتُ هذه الشخصِيَّة، فأنا مِثْلهُ أبتغي الموتَ خليَّ البالِ، مطمئنَ الخاطر وعاقلاً كما فعلَ الرجل، بعيداً عن أسبابِ الجهلِ والحيرةِ والجنون، وعن أسبابِ التعالي والصلف.. قريباً من الناسِ ومن نفسي، قريباً من الله والعقلِ والمعرفةِ والمنطق، وحِمَى الأصدقاء.. بناءً على هذا كلِّه قررتُ الإجابة.
ألم تكتشفي يا صديقتي بعد؟ أنني لا أحترمُ الآخرين فحسب! بل أقدِّسُ حقّهم في قناعاتِهم ومعتقداتِهم وعاداتِهم وردودِهم أيضاً، ولطالما راقني "ڨولتير"، ورأيَه في الديموقراطية وحريةِ القولِ والمعتقد؟ لكنني من بابِ "الفضيلة" أعترفُ أنني مُهْمِلٌ في عبادتي، ولو أنني لم أنقطعْ يوماً عن محبةِ الفقراء وأنا الأفقر، وعن حمدِ اللهِ، والتمجيدِ باسمِه وشكرِه لأنّه خلاصي وخلاصكِ وخلاص البشرِ جميعاً.. إنَّه الرحمةُ المطلقة والحَقُّ المطلق، وأنا لا أقدِّمُ كشفاً عن حسابي لأحد.
إذا كنتِ يا صديقتي، واستناداً إلى تعبيركِ؟ لم "تَفْهمي" بعد من يطالبُ بحقوقِ المرأة.. لِمَ لا يَتْرُكُ لها حرِّية الاختيار؟ فأنا أيضاً أفهمُ أن يدافعَ الرجلُ عن"حقِّه" في تعدُّدِ الزوجات، ما دامَ "منْتَفِعاً" في تحقيقِ أنانيتِه ورغباتِه وغرورِه! لكنني لا أفهمُ أن تتبرعَ المرأةُ نفسها، وتُجَنِّدَ طاقاتِها لتدافعَ عن هذا "الحق"، وتبرِّرَ نيابةً عن الرجل كيف يَعْدلُ بين زوجاتٍ أربعة، هي واحدةٌ منهن!؟ أهي معادلةٌ سليمة في رأيك، أنتِ أستاذةُ المنطقِ والرياضيات!؟ أليسَ هو السبب المباشر الذي دفعَ بواحدةٍ من أولئكَ النسوة أو أكثر، لتطالبَ هي الأخرى بتعدُّدِ الأزواج؟ ألا تمارسُ هذه المرأةُ أيضاً حقَّها في الاختيار؟! أليستْ هذه أيضاً " ديموقراطية" وحرية في الرأي والتعبير؟
لا؛ لا تجزعي على المرأة يا سيدتي فبعضُ النساء؟ يولدنَ ويعشنَ ثمَّ يمتنَ دونَ أن "تعرفَ الواحدةُ منهن رجلاَ أو اثنين إذا حالفَها الحظ" (*). ألمرأةُ في بلدي تموتُ عذراء إن لم يسعفْها حظُّها بالزواج! تموتُ وتزُفُها الملائكة عروساً للسماء.
نداء.. نداء.. نداء.
أليستْ تلكَ التَّجارب المُرَّة قادتْنا إلى هذه النتيجة؟ أرأيتِ يا صديقتي" كُنَّا بإيه وصَبَحْنا بإيه"!؟ لستُ أدري على أيِّ بَرٍ سَنَرسو؟ وهل نتوقعُ مزيداً من الفتاوى والاجتهادات، التي تُمْعِنُ في الإساءَة إلى المرأةِ والدِّين، ومنها ما لم تَنْتَهِ أصداؤها بعد. لولا الخجل والخوف أن أخدشَ حياءَ الناس؟ لوضعتُ النقاطَ على الحروف، وبُحْتُ لكِ بما لا يجهلُه الجميع! إلى أنَّ الجانبَ المشار إليه ليس "طوباوياً" كما تتصورين، بل ينتحرُ بفعلِ التّطرفِ والإصرار!؟ إن كان لا ينبغي أن يموتَ الذئب فمن حقّ الغنم أيضاً أن يعيش.
أنا مدينٌ للمرأةِ التي أرضعتْني "وَكَفَتْني مؤونةَ الحاجةِ إلى الحديد"؟ فكيفَ سأخونُها أو أغدرُ بها وأتنكرُ لحليبِها؟ أنا أدافعُ عن المرأة يا عزيزتي لأنها أمي! و"أمي" مصرَّةٌ أن تبقي مرتهنةً لهذا الرجل المِسخ.!.! لا أحِبُّكِ أن تضحكي فأنا لا أمزح، ولستُ أبداً رجلاً بهذا المعنى!؟
أرجو أن تسمعي جيداً يا صديقتي ما أقول؟ وهو قرارُ ابنتي قبلَ أن يكونَ قراري، وابنتي ملتزمةٌ بدينِها تصومُ وتصلي.. لو أرادَ زوجُها أن يتزوجَ منِ امرأةٍ أخرى فليفعلْ؟ لكنني كنتُ لأقتُلهُ وأتخلى عن مَدَنِيَّتي كلِّها إن لم يطلقْها قبلَ أن يتزوجَ من جديد.. ثم أختُمُ حياتي سجيناً مؤبدا، كما حالُ المرأةِ حينَ يقولُ عنها أحدُ "جهابذة" الفقهاء: ألمرأةُ تخرجُ من البيتِ مرتين، مرةً إلى دارِ الزوجية، ومرةً إلى دارِ الفناء! أرأيتِ يا سيدتي القبر الذي أعدُّوه للمرأة؟
وَجْهُ المرأةِ يا عزيزتي نعمةٌ حباها الله بها دونَ سائرِ المخلوقات، لو لم يكنِ الأمرُ كذلك؟ لكانَ اللهُ جلَّ جلالُه "مَسَخَها" على صورةِ السعدان أو المعزاة!؟ أرجو المعذرة يا صديقتي، بل أتوسّلُ إليكِ أن تسامحيني على خِسَّتي في التعبير.. فأنا مُرْبكٌ ومرهقٌ.. يُمَزِّقُني وَجَعي على "أمِّي" وعلى نفسي.
لا ينبغي للمرأة أن تحجبَ وجهها عمّنْ تتحدثُ إليه، وقد اجتهدَ اللهُ وأحسنَ صُنعَه فيها.
وجهُها جزءٌ لا ينفصلُ عن شخصيتِها، وجهُها مرآةٌ تعكسُ إنسانيتَها في الرفضِ والقبول، وكلما أظهرنا جمالَ الخلقِ في وجوهِنا؟ كلما اقتربنا أكثر مِنَ اللهِ سبحانه. ألمرأة مخلوقٌ مسالمٌ ووديع، إن تظاهَرَتْ أوِ احْتَجَّتْ؟ فأنَّها لا تُشاركُ في القتلِ والتفجير.
ألنساءُ ناقصاتٌ في الفرصةِ والحظوظ، وغيرُ ناقصاتٍ في الإيمانِ ولا العقول، فعقلُ المرأة راجحٍ محترم؟ بتعبيرِ الحاضر: "هارْدْ دِيْسْك" من أعلى المواصفات. كلُّ ذلك من نِعَمِ الله عليها، وعلى رجالٍ أساؤوا نواياهم كثيراً، وقلّما أحسنوا عِشْرَتَها..
ماذا لو اشْتَهَتِ المرأةُ رجلاً؟ أينبغي أن يَحْجُبَ وجهَهُ هو الآخر!؟ ألم يحدُثْ ذاتَ مرَّة حينَ أذهلَ حُسْنُ "يوسف" امرأةَ العزيز فَتدَلَّهَتْ به وعشقتْهُ؟ أكان ينبغي أن يَسْتُرَ وجهَه عنها لكيلا تغررَ به أو تشتهيه؟
حتى الأخطاء يا صديقتي جزءٌ من إنسانيتنا.! فسبحانَ من لا عيبَ فيه. ألربُ.. مَنْ على العرشِ استوى.. برَّرَ موقفَها وعَذَرَها على ضَعْفِها وهو خالقُها، حينما انبهرتْ به النساءُ العاشقات وقطعنَ أيديهنَ في حكايةِ "الأترج" والسكاكين.. فلولا الضّعف البشري لما وُلدتِ الأفكارُ الإنسانيةُ الجميلة.
ويُسْألُ في الحوادثِ ذو صوابٍ — فهلْ تَرَكَ الجمالُ له صوابا؟
ألم يُقْسِمِ الله بالتينِ والزيتون؟ أنَّهُ خلقَ الإنسانَ في أحسنِ تقويم؟ أليسَ الجمالُ من صناعةِ الله وإبداعِه؟ فَلِمَ لَمْ يُقفلْ على المرأةِ ويحشرْها في شرنقةٍ أو قمقمٍ أو قوقعةٍ كما السلحفاة، فيكفِها مؤونةَ القناعِ، ويكفِنا أسبابَ الجدل!؟ أعتذرُ منكِ يا سيدتي على وضاعةِ التعبيرِ مرةً أخرى.
هل رأيتِ يا صديقتي الإنسانَ "الروبو" في بعضِ البلادِ؟ كيفَ يُعِدُّ ويُوَضِّبُ "السندويشات" بمهارةٍ ويناولُها للزبائن؟ لكنَّه يبتسمُ لهم أيضاً!؟ ألم تَكْفِنا الآلةُ المُدَمِّرةُ التي قتلتِ الإنسانَ في أعماقِ عقولِنا وقلوبِنا ومَسَخَتْ وجوهَنا؟ حتى نقتلَ أنفسَنا مرةً أخرى بأيدينا؟ "وفق هذه المعايير ينبغي للكتابةِ أن تبدأ"؟ وليسَ من أيّ مكانٍ آخر.
تعالي نتصَوَّر معاً مُعَلِّمَةً "مُنَقبَّة" تتولى تدريسَ الرياضيات، أو علمِ الأحياء، أو أيةِ مادةٍ أخرى، كيفَ سيتفاعلُ طلابُها معها ما لم تُعَبِّرُ بوجهِها وعينيها؟
يا قومُ أذني لبعضِ الحيِّ عاشقة — والأذنُ تعشقُ قبلَ العينِ أحيانا
هل تتصورينَ لو كانَ بصيراً.. أكانَ ليعشقَ بسمعِه لا بعينِه أو قلبِه!؟ هذه بعضُ أسرارِ اللهِ في العينِ والخلق؟ وتلكَ هي قناعتي التي لا أبدِّلُها.. لا أمليها؛ ولا سلطةَ لديّ لأفرضَها على أحد.. لكنني؛ لن أعبدَ ما يعبدون، ولا هم عابدون ما أعبد.. ولا أنا عابدٌ ما عبدوا، لهم دينُهم ولي دين.
رَاهَنَّا على الرجلِ ما يكفي من الزمان، راهنَّا عليه عقوداً طويلة، كادَ الزّمنُ يأفلُ إلى زوال، ولم يُحَرِّرِ الرجلُ أرضَه أو يَصُنْ عرضَه! لِمَ لا نراهنُ على المرأةِ مرةً واحدة؟ فلنعطِها الفرصةَ المقبلة؟ إذا نحنُ لم نربحْ؟ فلن نخسرَ أكثرَ مما خسرناه!؟ ألقدسُ والأرضُ المغتصبة والإرادةُ المغتصبة، ورخصةُ القيادة، كلها لن تتحررَ يا صديقتي إلاَّ بالمشاركةِ مَعَ المرأة! ولكن ليس قبلَ أن تحرِّرَ نفسَها.
أن نؤمن ونعمل؟ إنِّه المثلُ الأعلى. أن نؤمن ولا نعمل؟ هزيمةٌ وعجزٌ وتقصير. أن نعمل ولا نؤمن؟ هوالعمى يصيبُ القلوبَ قبلَ العيون. أن لا نؤمن ولا نعمل؟ ذلك هو الضياعُ بعينِه.
قلتُ بعضَ ما في خاطري، واستغفرتُ الله ربي لي ولكِ، واستغفرتُه للمؤمنين والكافرين وأنهيتُ كلامي.. فهل رأيتِ يا صديقتي كم أنا مؤمنٌ باللهِ نورِ السماواتِ والأرض
ٱللَّهُ لَآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَىُّ ٱلۡقَيُّومُۚ لَا تَأۡخُذُهُ ۥ سِنَةٌ۬ وَلَا نَوۡمٌ۬ۚ لَّهُ ۥ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَمَا فِى ٱلۡأَرۡضِۗ مَن ذَا ٱلَّذِى يَشۡفَعُ عِندَهُ ۥۤ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۚ يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَىۡءٍ۬ مِّنۡ عِلۡمِهِۦۤ إِلَّا بِمَا شَآءَۚ وَسِعَ كُرۡسِيُّهُ ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَٱلۡأَرۡضَۖ وَلَا يَـُٔودُهُ ۥ حِفۡظُهُمَاۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِىُّ ٱلۡعَظِيمُ. (سورة البقرة، الآية 255).
كانَ ينبغي أن أشكركِ في البداية؛ حينما لم تهملي النصفَ الثاني من "الكوب".. كلُّ عامٍ وأنتِ بخير يا سيِّدتي.. لن أعودَ إلى البحث في الموضوع مرةً أخرى، فإن كُتبتْ لنا الحياةُ سنةً جديدة؟ سنلتقي في العام المقبل. انتبهي جيداً لنفسك، وربما احتجتُكِ يوماً.. لكي تُصَلِّي صلاةَ الغائبِ من أجلي، فيهَبْكِ اللهُ في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنة، وَيَقكِ عذابَ النار؟
= = = = =
(*): إنعام كجة جي.
◄ إبراهيم يوسف
▼ موضوعاتي
3 مشاركة منتدى
بداية أرجو أن يعذرني أخي وصديقي إبراهيم على صراحتي في الرد على رد الرد، وليجد لي عذراً كما وجد للأخت الفاضلة أشواق مليباري، وأطنه لا يعجز عن ذلك ...
كنت أود أن لا نقحم الدين في الأدب، ولا نتاول قضايا جدلية أشبعت نقاشاً وحواراً، وما زادها ذلك إلا تعقيداًَ، وضياع الوقت والجهد دون طائل، اللهم إلا متعة المناظرة والمحاورة والجدال.
يرفض الأدب عموماً أي تفسير ديني لنصوصه، ويحارب أي نقد على أساس عقائدي، بزعم أن النصوص الأدبية خلقت من طينة سحرية لا ينطبق عليها من ينطبق على النصوص الأخرى من فكر وفلسفة وتأريخ وغير ذلك من ألوان السرد التي لا حصر لها، وأنا شخصياً أتفق مع هذا الرفض بشرط أن لا نتخذ من هذا الزعم (خصوصية النص الأدبي) ذريعة للتطاول ونسف المحرمات والعقائد والأصول المتعارف عليها بشكل سافر ومكشوف لا يقبل التأويل. وإذا كنا نتفق على ذلك فمن الجانب الآخر لا يحق لمن يكتب نصاً أدبياً أن يوظف الدين أو يتطاول على الدين أو يلمز من قضايا دينية تحت أي ذريعة كانت، وليلتزم كل جانب بميدانه ولا يقحم نفسه في قضايا الجانب الآخر وإلا فليتلقى سهام النقد من كل جهة، وعلى نفسها جنت براقش.
لا أريد أن أفصّل في الأمور التي تعرض لها أخي وعزيزي إبراهيم في رده، وأظن أنه جانب الصواب في معظمها، لأنه لا يجب أن يكون لنا رأي في أمر فصل الله فيه ورسوله، مع يقيني التام أن أخي إبراهيم لا يقصد ما فهمنا، ولكننا نحاكم نصوصاً بين أيدينا انفصلت عنه لا مجال لحسن النية فيها!
وأخيراً لا أملُّ من التأكيد دائماً أن متعتي بقراءة نصوص أخي وصديقي إبراهيم متعة لا يدانيها إلا الجلوس معه والتتلمذ على يديه، فهو مبدع يمتلك ناصية السرد، وهو إلى الرواية أقرب، وكلنا أمل وشوق أن نرى له رواية في القريب العاجل.
بسم الله الرحمن الرحيم
اسمح لي في البداية يا أستاذي أن أعبر عن السعادة التي غمرتني عند صدور العدد الجديد، أن يخصني الأستاذ إبراهيم يوسف بسطر أو سطرين في نصٍ كان حلما، أما أن يكتب نصاً كاملاً من صفحات يرد فيه على تعليق كتبته! فهو شيء لم أكن أحلم به..
أنا متأكدة يا سيدي أنك تحترم الآخرين، وتقدس دياناتهم و معتقداتهم، هذا ما جعلني أكتب إليك
إن كنت سأعلق فهناك الكثير لأكتبه رداً على مسألة تعدد الزوجات، ونقصان العقل والدين، والرهان على المرأة مستقبلاً ، وكشف الوجه( هناك أقوال صحيحة تبيحه وأنا مؤمنة بها تماماً) وتحرير المرأة، وقيادتها للسيارة و غض البصر...
لكنني لا أريد!
لا أريد أن تحول نصوصك الجميلة إلى حلقات من الجدال، والحوارات.
لا أريد لعود الند أن تصبح ( الإتجاه المعاكس).
ولا أريد أن أخسر أصدقائي في نقاشات لا طائل منها.
((اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)) الشورى- آية ١٥.
أسأل الله العظيم، أن ينير بصائرنا وقلوبنا، أن يرينا الحق حقاً، ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً، ويرزقنا اجتنابه، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أشكر عود الند التي سمحت لقلمي المتواضع رؤية طريقة بين أقلام كبيرة.
.
يشرفني يامعلمي أني حظيت بمقعد في الصف، أتمنى أن أكون عند حسن ظنك.
أشكرك يا أستاذ القلم والفكرة، على النص الجميل الممتع.
عبارة مثل (أن نؤمن ونعمل؟ إنِّه المثلُ الأعلى. أن نؤمن ولا نعمل؟ هزيمةٌ وعجزٌ وتقصير. أن نعمل ولا نؤمن؟ هوالعمى يصيبُ القلوبَ قبلَ العيون. أن لا نؤمن ولا نعمل؟ ذلك هو الضياعُ بعينِه)
هي منتهى الجمال وفيض من الحكمة، أقف أمامها عاجزة عن التعليق..!
شكراً جزيلاً
لك تقديري واحترامي
ألصديق الأستاذ موسى أبو رياش
"يْطَوِّلْ عمرك يا صديقي"، فما أحلى وأغزر القصص الأدبية التي رواها القرآن الكريم، بواقعية تاريخية، وجاذبية في العرض والبيان، وشمول في الغايةِ والعبرة والموضوع.. ومن قصص القرآن الكريم كما تعرف.. قصة يوسف ، وقصة موسى وأهل الكهف وحكاية الهدهد والنملة.. والكثير مما تحيطُ به أكثر مني، وأما سورة مريم فقد لجأ الله فيها إلى الشعر يخاطب به عواطف الخلق.
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا
فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا
قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا
قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا
قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا
ما بالك يا صديقي إذا كان القرآن نفسه لم يفصل بين الدين والأدب في القصة والشعر عندما يقول: نحن نقص عليكَ أحسن القصص.والقصص تستمد بناءها من التاريخ أيضاً في ثلاثية رائعة قوامها ألدين والأدب والتاريخ.
"ألدين والأدب توأمان متلازمان في قرارة النفس وعمق الشعور يا صديقي، وأشد القصص تأثيراً في العقل والقلب، ما عرض بأسلوب قصصي ممتع يحمل على المشاركة الوجدانية والتأثر بالأحداث والانفعال معها والاندماج فيها"، كقصص القرآن.
لا يمكن للحياة أن تستمر إلا من خلال التوازن بين اليقين والغيب.. والإيمان كالحب: "بعضٌ من تَصَوِّرِنا، لو لم نَجِدْهُ عليها لاخترعناه"، ونهضة الأمم تبقى قاصرة إن لم تكن شاملة في مختلف مرافق الحياة ومناحيها. فإذا كنا لا نفصل بين الفكر والقول، وبين العاطفة واللحن ، وإذا كنا نوائم بين الدين والدولة، وبين السياسة والإقتصاد والمال والمصالح الأخرى، وإذا كنا ندرسُ السوائل والغازات معاً، وإذا كنا نقحم الرياضيات بالفيزياء، والكيمياء في علم الأحياء، وعلم النفس بالطب، ونقحم الزراعة والصناعة بالتجارة..
وإذا كان الطيب صالح نفسه، طيب الله ثراه يقول في سياق عمل أدبي رائع هو "موسم الهجرة إلى الشمال":.. "وأنا الآن تحت هذه السماء الجميلة الرحيمة، أحس أننا جميعاً أخوة، الذي يسكر والذي يصلي والذي يسرق والذي يزني، والذي يقاتل والذي يقتل، ألينبوع نفسه. ولا أحد يعلم ماذا يدور في خلد الإله، لعله لا يبالي، لعله ليس غاضباً".. و إذا كان الله يغضب ولا يبالي..؟ أو يثيب من يصلي ويحاسب من يقتل ويزني يسكر..؟
وإذا كان ألجدل الفكري بين ما أملته السماء من تعاليم الدين وبين رغبات البشر وغرائزهم قائمة منذ الأزل، ومطروحة في كل تراث أدبي أو محفل.. وإن كان الفكر عاجزاً أو قاصراً عن إدراك ماهية الدين التي لا تتفق دائماً مع العقل.
إذا كان كل ما تقدم مسموح به ومألوف.. فَلِمَ تنكر علي وأنت صديقي أن أتناول مسألة عقائدية أو دينية في موضوع أدبي، اقتصر في كليته على عبارات قليلة ليس إلاّ، بالسماح لنفسي أن أتطرق إلى مسألة النقاب وليس الحجاب الذي لا تقول به كل مذاهب الإسلام. صدقتم والله؛ "إن ضيق العين بُخْلُ"..!
مهما يكن الأمر ولكي لا ندخل في متاهة، تقتضي أيضاَ أن يتحول الرد إلى موضوع في"الاتجاه المعاكس"، كما أحبتْ أن تسميه أشواق.. وقبل أن أتوقف عن الكلام أود أن أشير إلى أنك ربما لا تجهل يا صديقي من تكون "براقش" تلك..!؟ لكنني مؤمن أنها سقطت منك سهواً ولا تعنيها، ولستُ عاتباً عليك أبداً ما دمت أخي وصديقي، بل وأعتذر منكَ لعدم قدرتي اعتماد المنهجية في الرد، والمنهجية بالإضافة إلى التنظيم وأسباب أخرى جوهرية في رأيِ، هي التي تحول بيني وبين الرواية المقترحة.
1. حامل الهوى تعب, 3 شباط (فبراير) 2012, 10:12, ::::: موسى أبو رياش - الأردن
يا أبا عبد الله عداك ذم، وبرقش الله كل شانئيك ومبغضيك. وكيف تتصور أن أبرقشك وأنت من أنت بمكانتك في قلبي ووجداني، فمهما اختلفنا فهو من فرط المودة والمحبة، فنحن نختلف مع من نحب ونعادي من نبغض. وتوضيحاً لقولي "على نفسها جنت براقش" فلست أنت المقصود بذلك، راجياً أن تأخذ القول في سياقه الأصلي، فعبارتي التي أوردتها حرفياً هي: ((يرفض الأدب عموماً أي تفسير ديني لنصوصه، ويحارب أي نقد على أساس عقائدي، بزعم أن النصوص الأدبية خلقت من طينة سحرية لا ينطبق عليها من ينطبق على النصوص الأخرى من فكر وفلسفة وتأريخ وغير ذلك من ألوان السرد التي لا حصر لها، وأنا شخصياً أتفق مع هذا الرفض بشرط أن لا نتخذ من هذا الزعم (خصوصية النص الأدبي) ذريعة للتطاول ونسف المحرمات والعقائد والأصول المتعارف عليها بشكل سافر ومكشوف لا يقبل التأويل. وإذا كنا نتفق على ذلك فمن الجانب الآخر لا يحق لمن يكتب نصاً أدبياً أن يوظف الدين أو يتطاول على الدين أو يلمز من قضايا دينية تحت أي ذريعة كانت، وليلتزم كل جانب بميدانه ولا يقحم نفسه في قضايا الجانب الآخر وإلا فليتلقى سهام النقد من كل جهة، وعلى نفسها جنت براقش. )) وهي تهدف إلى تأصيل ما أود الذهاب إليه بمعزل عنك وعما كتبت، أي أردت أن أوضح قاعدة أستند إليها في خطابي، ويؤكد ذلك عبارتي التالية التي ابتدأت: "لا أريد أن أفصّل في الأمور التي تعرض لها أخي وعزيزي إبراهيم في رده" لتوضح انفصال الخطاب في العبارتين، وعلى كل حال إن ظننت أن اللبس ما زال حاصلاً فأنا أعتذر منك أخي وصديقي وأستاذي.
وعودة إلى ردك الجميل، فأؤكد للمرة المائة أنه يكفيني متعة القراءة لك، فأنت سيد من سادات السرد الجميل الأنيق، لك نكهتك الخاصة وأسلوبك الممتع، ولغتك المتميزة الفاتنة.
ويبدو أن عجزي وقلة حيلتي في ردي الأول لم توصل ما قصدته إلى أخي إبراهيم، فأنا لم أقصد ما ذهبت إليه، فالموضوع ليس استفادة الأدب من الدين أو العكس، بل هذه سمة من سمات الأدب التي تسمو به وتخلده، وكان حديثي حول النقد بالذات، فلا ننتقد الدين وقواعده وقضاياه، مقابل أن يعفينا الدين من التفسير الديني للنص الأدبي. مع خالص المودة.