كتاب: بيروت 1982: اليوم ي
اتصالات نبيل شعث في واشنطن
د. عدلي الهواري
لتعدد القنوات الموازية تفسير آخر، وهو أن عرفات كان شديد التوق لفتح قناة اتصال مع الولايات المتحدة، والمسألة ليست مرتبطة بالتأكد من دقة المعلومات. هذا تبسيط شديد للأمر. انظر/ي نص تلكس من جواد جورج إلى عرفات عن الاجتماع مع مسؤوليْن من الخارجية الأميركية وتذكر فيه خمس قنوات: المغرب والسعودية والأردن ومصر ووليد الخالدي. هناك قنوات أخرى قبل وبعد زيارة شعث أشرت إليها أكثر من مرة أعلاه.
أثناء فترة الحصار الإسرائيلي لبيروت عام 1982، أي الفترة التي يعنى بها هذا الكتاب، حضر إلى العاصمة الأميركية نبيل شعث بتكليف من عرفات. وقد أجرى اتصالات مع سياسيين أميركيين. يروي شعث تفاصيل تكليفه بالرحلة والاتصالات التي أجراها في واشنطن (ص 493-540). أدناه مقتطفات من روايته. أضفت أرقاما ضمن المقتطفات. كل رقم يعني أن لدي تعليقا على هذا الجزء من المقتطف.
مهمتي في واشنطن
عندما أرسل الرئيس الأمريكي ريغان مبعوثه الشخصي اللبناني الأصل «فيليب حبيب» للتفاوض مع أبو عمّار[1] واللبنانيين والسوريين والإسرائيليين، قرر أبو عمّار أن يفتح قناة موازية[2] بإرسالي مبعوثا شخصيا له في واشنطن. أصدر لي تعليماته، وبدأت فورا في الإعداد للسفر. لم يكن طلب أبو عمّار صعب التحقيق، فقد تطور الموقف الأمريكي تدريجيا[3] أثناء الحرب، وأقيل ألكسندر هيج وزير الخارجية المتواطئ مع مناحم بيغن في نهاية حزيران (يونية)، واكتشف الأمريكان كذب الإسرائيليين وخداعهم بادعائهم بأن الحرب سوف تتوقف عند خط [نهر] الليطاني، وأن هدفها هو فقط إبعاد الصواريخ الفلسطينية عن الحدود الإسرائيلية. تصاعد دور شولتز الذي حل محل «هيج» ودور جيمس بيكر في البيت الأبيض وكاسبر واينبرغر وزير الدفاع المنتقد الأول للدور الإسرائيلي، وبات من الممكن إحداث تأثير على الساحة الأمريكية[4] (ص 511).
[...]
في 4 آب (أغسطس) [1982] سافرت إلى واشنطن حيث صانعو القرار الأميركي. كان هناك مكتب لنا في واشنطن يرأسه الدكتور حاتم الحسيني ثم انتقلت إدارته إلى الأخ حسن عبد الرحمن[5]، ولكن فاعليته كانت محدودة واتصاله بالمقر في بيروت كان صعبا وميزانيته محدودة (ص 513).
سارعت إلى الاتصال بالأصدقاء وأبناء الحركة في أمريكا: أخي نديم وأختي نهى وزينب ويوسف كنعان ابن خالتي المخلص والنشيط الذي صاحبني في رحلاتي السابقة في الولايات المتحدة وفرج صيام وحاتم الحسيني وعمرو أرمنازي وأبناء تنظيمينا كافة[6]. كنت أستعين بهم في تنظيم لقاءات بأبناء التنظيم والجالية الفلسطينية لكي أضعهم في صورة التطورات في بيروت وفي الولايات المتحدة، ولكي أستقطب حراكهم واتصالاتهم في أمريكا وكان دورهم إيجابيا[7] (ص 513).
[...]
اتضحت لي قواعد اللعبة بمجرد وصولي إلى واشنطن[8]: أمريكا ليست مستعدة للاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية والتعامل معها طالما هي لم تعترف بحق إسرائيل في الوجود ولا تنبذ العنف ولا تعترف بالقرار 242. ولذلك لن يكون هناك اتصال مباشر بالمسؤولين الأمريكيين. فيليب حبيب في لبنان لا يلتقي بأبو عمّار إلا من خلال شفيق الوزان رئيس الوزراء اللبناني، وأنا لا ألتقي بالخارجية إلا من خلال سفير عربي في واشنطن. اتصالي اليومي سيكون من خلال هذا السفير بالسيد نيكولاس فليوتس، مدير دائرة الشرق الأوسط والأدنى بالخارجية، وهو شخص متعاطف إلى حد ما مع العرب والفلسطينيين[9] (ص 514).
الاتصال اليومي بالخارجية الأمريكية (ص 522):
كان الاتصال اليومي بوزارة الخارجية الأمريكية، والذي كان يتم من خلال السفير السعودي فيصل الحجيلان، هو الجزء الأهم من مهمتي بالنسبة للأخ أبو عمّار، فهو كان يريد قناة مباشرة معهم تتوازى مع قناة حبيب في بيروت من خلال رئيس الوزراء اللبناني[10]. كانت الرسائل المتبادلة عبر قناة بيروت بطيئة، ولم تكن الأوضاع الرئيسية في بيروت تسمح أحيانا بتحقيق ذلك الاتصال الذي كان يجب أن يتم وجها لوجه وليس عبر الهاتف، وكان أبو عمّار يريد التأكد من دقة ما يصله عبر الوسيط الأمريكي ورئيس الوزراء اللبناني[11]. كانت رسائل فيليب حبيب ترسل إلى أبو عمّار مكتوبة بالإنجليزية على الآلة الكاتبة، وعلى ورقة بيضاء دون «ترويسة» أو شعار الولايات المتحدة أو توقيع حبيب[12]، ولم تكن موجهة لأحد، أي بدون التزام رسمي بها، ما دعا أبو عمّار لاستخدامي كقناة موازية، وكان أبو عمّار يحب دائما التعامل من خلال قنوات متعددة بما يعطيه معلومات أكثر وتدقيق وثقة بما يصله منها[13] (ص 522).
لم يكن الأمريكان أقل رغبة في هذه القناة، فكانت رسائل حبيب في البداية لا تصل إلا من خلال الخارجية وكان هيج يؤخرها ويعدلها، مما اضطر الرئيس ريغان للإصرار على اتصال مباشر بينه وبين فيليب حبيب. ولكن الأمريكان أيضا كانوا يدركون أن هناك وسيطا لبنانيا بين حبيب وأبو عمّار، وكانوا يريدون التأكد من دقة المعلومات التي تصلهم من خلال الوزّان، كما كانوا يريدون «الإحساس» بمشاعر أبو عمّار وخططه وأفكاره. وفي كثير من الأحيان كانت الرسائل التي أنقلها بين أبو عمّار والأمريكان تصل بشكل أسرع وأدق مما كان يمر عبر قناة حبيب والوزان[14] (ص 522).
المقابل السياسي
بدأ الخروج الفلسطيني من بيروت يوم 21 آب (أغسطس)، واستمر بعد ذلك التفاوض حول «المقابل السياسي» للخروج[15]، أي المشروع السياسي الذي سوف يتم الإعلان عنه «فور خروج» الأخ أبو عمّار وقواته من بيروت. كان الربط السياسي والزمني مهما بالنسبة لي. وكان مشروع ريغان هو ما عرضته أمريكا «للثمن السياسي». كنت أصر على مشروع واضح الأهداف هدفه عودة أبو عمّار قائد منظمة التحرير ورجاله إلى فلسطين لإقامة الدولة الفلسطينية «على الأرض التي سيتم انسحاب الإسرائيليين منها» من خلال مفاوضات مرجعتيها الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة جميعا بما فيها القرار 194 عن حق العودة. كانت إدارة ريغان تريد الانطلاق من اتفاقيات كامب ديفيد مع السادات وبالأخص الجزء الخاص بالحكم الذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، واستمرت المباحثات بعد بدء الخروج الفلسطيني من بيروت[16] (ص 334-335).
تعليقات على رواية شعث واتصالاته
[1] التفاوض مع أبو عمّار
يلاحظ على أسلوب شعث اختزاله الموقف الفلسطيني في شخص عرفات. أسلوبيا، كان من الأنسب أن يتحدث بالعمومية التي تحدث بها عند إشارته إلى اللبنانيين والسوريين والإسرائيليين، ولذا وجب أن يقول الفلسطينيين وليس أبو عمّار. صحيح أنه كان لعرفات دور رئيسي أثناء الحرب بحكم موقعه الرسمي كرئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ولكن شخصنة الموضوع إلى هذه الدرجة من عيوب السياسة الفلسطينية والعربية. سياسيا، هذه الشخصنة مجحفة بحق الآخرين من القياديين السياسيين والعسكريين في مختلف الفصائل والحركة الوطنية اللبنانية، ومجحفة أيضا بحق عموم الفلسطينيين واللبنانيين الذين كانوا مصدر الصمود وقدموا التضحيات الجسام.
[2] القناة الموازية - 1
أكثر من قناة موازية كانت مفتوحة قبل مجيء شعت إلى واشنطن. على سبيل المثال، كان جواد جورج «قناة موازية» خلفية. انظر/ي نص تلكس من جواد جورج إلى عرفات عن الاجتماع مع مسؤوليْن من الخارجية الأميركية وتُذكر فيه خمس قنوات: المغرب والسعودية والأردن ومصر ووليد الخالدي. من غير المستبعد أن تكون هناك قنوات أخرى، فاسم هشام شرابي يرد في تلكس منشور في الكتاب. انظر/ي أيضا الملاحظة التاسعة أدناه عن شخص أميركي كان قناة تواصل غير رسمية بين الخارجية الأميركية وعرفات.
[3] تطور الموقف الأميركي أثناء الغزو
حصل تطور في الموقف الأميركي، ولكنه تطور شكلي، فاستبدال وزير خارجية بآخر لم يؤد مثلا إلى تغيير الشروط الأميركية للاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية. والتصور الأميركي للحل ظل محكوما بسقف اتفاقيات كامب ديفيد. انظر/ي نص التلكس المتعلق باجتماع فيليوتس مع ممثلي المنظمات العربية الأميركية أثناء حصار بيروت، والتلكس المتعلق باجتماع وزير الخارجية شولتز مع ممثلي الجمعيات العربية الأميركية بعد خروج م ت ف من بيروت.
[4] محاولة التأثير على السياسة الأميركية
أول مؤشر على أن شعث أتى مسلحا بوهم وسوء فهم بشأن إمكانية إحداث تغيير في الموقف الأميركي تجاه القضية الفلسطينية عموما أو م ت ف.
[5] مكتب الإعلام الفلسطيني، واشنطن
كان حاتم الحسيني مديرا لمكتب الإعلام الفلسطيني في واشنطن. انظر/ي تلكس خالد الحسن الذي يذكر فيه أن تفاهمات سابقة توصل إليها مع سعود الفيصل أثناء وجوده في واشنطن تعثرت نتيجة مقابلة للحسيني على التلفزيون الأميركي ذكر فيها أنه يلتقي مسؤولين أميركيين.
[6ٍ] دور الجمعيات الفلسطينية في الولايات المتحدة أثناء الغزو - 1
قال شعث إنه وصل إلى واشنطن يوم 4 آب 1982، أي بعد شهرين تماما من بدء الاجتياح الإسرائيلي للبنان. خلال هذين الشهرين لم تكن الجمعيات الأهلية الفلسطينية ومؤيدو الفصائل في سبات. أسلوب شعث يوحي بأن له الفضل في تحريك الجالية. هناك عدم اعتراف من شعث بالأدوار المختلفة التي قامت بها الهيئات الفلسطينية المختلفة ومؤيدو الفصائل الفلسطينية. كانت الجمعيات تعقد الندوات وتنظم مظاهرات وتجمع التبرعات. وكان مقر المجلس الفلسطيني في أميركا الشمالية مركزا لتوزيع المعلومات. ومقابل الأسماء القليلة التي يذكرها شعث، كان هناك الكثير من المتطوعين في مقر المجلس من واشنطن وضواحيها، وولايات أخرى. ونظرا لضخامة الحدث، كان هناك قدر لا بأس به من التغطية الإخبارية في القنوات التلفزيونية الرئيسية.
[7] دور الجمعيات الفلسطينية في الولايات المتحدة أثناء الغزو - 2
يختزل شعث وضعا مليئا بالتفاصيل والتطورات والأشخاص في شخصه ويضيف أسماء بعض الأشخاص. ساحة الولايات المتحدة أكبر من أن يتمكن عدد قليل من الأفراد من تنظيم لقاءات لشعث مع الجالية الفلسطينية التي لها تجمعات في مناطق مختلفة، مثل نيويورك ونيو جيرزي وشيكاغو وديترويت ولوس أنجلوس وسان فرانسيسكو وهيوستن وواشنطن العاصمة والمناطق المجاورة لها.
كانت هناك جمعيات أهلية، فلسطينية ولبنانية، عاملة في أوساط الجالية. ومؤيدو الفصائل كانوا نشطين في أوساط الجالية الفلسطينية. على سبيل المثال لا الحصر، الاتحاد العام لطلبة فلسطين في الولايات المتحدة تأسس في عام 1980، وكان له فروع في مختلف الولايات الأميركية.
يخلط شعث هنا بين الاجتماع مع أبناء التنظيم، أي المنتمين لحركة فتح، واللقاء مع أفراد الجالية. في الحالتين حديث شعث يفتقر إلى الدقة. عقد لقاء عام للجالية في منطقة نيو يورك/نيو جيرزي مثلا كان يتم بدعوة من الجمعيات المؤيدة لفصيل واحد، إذا كانت المناسبة تهم الفصيل فقط كذكرى انطلاقته، أو بالتعاون بين جمعيات مؤيدة لفصائل مختلفة، كما في حالة انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني. بعض الاجتماعات كان يتم بالتعاون مع مؤيدي الحركة الوطنية اللبنانية. أما اللقاء مع منتمين لفصيل بعينه فيتم وفق قواعد العمل التنظيمي للفصيل المعني.
الوضع في لبنان كان جللا، والجمعيات الأهلية تحركت مبكرا وجمعت تبرعات ونظمت مظاهرات وغير ذلك من نشاطات للاحتجاج على الغزو. ينظر مثلا تلكس عن محتوى لقاء ممثلي الجمعيات العربية مع فيليوتس، المسؤول في الخارجية الأميركية. الجمعيات كانت نشطة على أكثر من صعيد قبل مجيء شعث لواشنطن.
[8] الشروط الأميركية للتعامل مع م ت ف
من الغريب ألا يكون شعث على دراية قبل مجيئه إلى واشنطن يوم 4 آب 1982 بأن للولايات المتحدة شروطا قديمة للتعامل مع م ت ف. فإذا كان أدرك «قواعد اللعبة» بعد وصوله إلى واشنطن فهو أدركها متأخرا جدا، ومن غير الجائز لمن تولى مناصب رفيعة عدة ألا يكون على علم بها. الشروط الأميركية للتعامل مع م ت ف تنسب إلى هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأميركية في السبعينيات.
[9] تعاطف مسؤول أميركي ما مع القضية الفلسطينية
بصرف النظر عن مدى تعاطف مسؤول أميركي مع القضية الفلسطينية، لا يقدم هذا التعاطف أو يؤخر كثيرا، فالمسؤول في وزارة الخارجية موظف يقدم المشورة للوزير أو الرئيس، ولكنه يلتزم بالتعليمات التي تصدر له. يروي فيليوتس في شهادة متوفرة في الإنترنت أنه حصل قبل غزو لبنان على موافقة من وزير الخارجية، الكسندر هيغ، لإقامة حوار غير رسمي مع عرفات يهدف إلى جعله يعترف بالقرار 242 وبحق إسرائيل في الوجود. وكان الاتصال مع عرفات يجري من خلال شخص أميركي رشحه عرفات لهذا الدور وهو جون مروز (John Mroz)، من معهد التفاهم بين الشرق والغرب في نيويورك. ويقول فيليوتس إنه اقترب من تحقيق هدفه، ولكن الاجتياح الإسرائيلي للبنان أفسد هذا المسار.
[10] القناة الموازية - 2
يكرر شعث حديثه عن كونه القناة الموازية التي أراد عرفات فتحها، ولكن القناة كانت مفتوحة من خلال جواد جورج قبل مجيء شعث لواشنطن وبعد مغادرته لها. التلكسات المتبادلة بين جواد جورج وعرفات تظهر ذلك. وجود خالد الحسن في واشنطن كان يهدف أيضا إلى فتح قناة مع المسؤولين الأميركيين، ولكن شروط التواصل مع م ت ف لم تمكّـنه من الاجتماع مع مسؤولين في إدارة ريغان. انظر/ي أيضا النقطة السابقة عن القناة المفتوحة من خلال جون مروز.
[11] الهدف الأهم من فتح قناة موازية
كانت غاية عرفات أكبر من التأكد من دقة المعلومات. كان الهدف فتح قناة تواصل مباشرة، ولكن ديفيد ماك الذي تواصل معه جواد جورج كان يؤكد على رفض فتح قناة اتصال. الخارجية الأميركية كانت تسمع من جواد جورج رأي المنظمة قبل مجيء نبيل شعث. انظر/ي نص تلكس من جواد جورج إلى عرفات يذكر فيه شعث، ويظهر من التلكس أن شعث نفسه كان بحاجة إلى معلومات من الخارجية الأميركية مع أنه وفق روايته كان يجري معها اتصالات من خلال السفير السعودي.
[12] الوثائق الأميركية المرسلة إلى م ت ف في بيروت
وصف شعث للوثائق يؤكد ما ذكرته عنها في الصفحات التمهيدية للكتاب.
[13] تعدد القنوات الموازية
لتعدد القنوات الموازية تفسير آخر، وهو أن عرفات كان شديد التوق لفتح قناة اتصال مع الولايات المتحدة، والمسألة ليست مرتبطة بالتأكد من دقة المعلومات. هذا تبسيط شديد للأمر. انظر/ي نص تلكس من جواد جورج إلى عرفات عن الاجتماع مع مسؤوليْن من الخارجية الأميركية وتذكر فيه خمس قنوات: المغرب والسعودية والأردن ومصر ووليد الخالدي. هناك قنوات أخرى قبل وبعد زيارة شعث أشرت إليها أكثر من مرة أعلاه.
[14] شعث والرسائل المنقولة من عرفات إلى الخارجية الأميركية
لا يقدم شعث مثالا على رسالة نقلها من عرفات للإدارة الأميركية. في حين أن التلكسات تعطينا فكرة واضحة عن الرسائل التي نقلها جواد جورج من عرفات إلى الخارجية الأميركية وبالعكس.
[15] مفهوم التفاوض
التفاوض يكون بين طرفين راغبين في الوصول إلى اتفاق تقرره موازين القوى. لم يكن هناك تفاوض، بل كانت هناك نية أميركية لطرح مبادرة أساسها اتفاقيات كامب ديفيد. انظر/ي نص مبادرة ريغان في الكتاب. يشطح شعث في خياله عندما يقول إنه أراد مشروعا يتضمن «عودة أبو عمّار» ... «لإقامة الدولة الفلسطينية».
[16] ما أراد شعث تحقيقه وما حصل في الواقع
يقدم الكتاب صورة أوضح عن تصورات المسؤولين الأميركيين لحل ما بعد خروج م ت ف من بيروت. الفرق شاسع بين ما قال شعث إنه أراد تحقيقه وبين ما حصل على أرض الواقع منذ بدء خروج م ت ف من بيروت، ثم بعد ذلك سنوات. عاد أبو عمّار ورجاله على أساس اتفاقية حكم ذاتي محدود لا يزال الشعب الفلسطيني يدفع ثمنا باهظا بسببه.
أخيرا، تستحق فقرة قصيرة في مذكرات شعث إشارة إليها وتعليقا عليها: «كان أبو عمّار يظهر على الشاشات الأمريكية كافة وكان متألقا ومقنعا، وكنت أكمل عمله في أمريكا بمعرفتي بالعقل الأمريكي وبتمكني من اللغة الإنجليزية وبدراستي في إحدى أشهر جامعاتها» (ص 521).
صحيح أن عرفات كان يظهر في وسائل الإعلام كثيرا. ولم يكن هذا مقتصرا على فترة حصار بيروت، فشغفه بالظهور الإعلامي واضح. هل كان متألقا؟ لشعث الحق في أن يراه كذلك. تحسنت صورة عرفات في أذهان الشعب الفلسطيني أثناء الحصار نتيجة زيارة المواقع ولهجة التحدي التي استخدمها مثل «لن نخرج من هنا إلا لفلسطين». ولكن الموقف العلني غير متوافق مع ما كان يجري في الكواليس كما يتضح في الاتصالات السرية. هل كان عرفات مقنعا في ظهوره التلفزيوني؟ لا أحد يستطيع قياس مدى اقتناع ملايين الناس بما يقوله شخص ما على شاشات التلفزيون. كان عرفات يصر على الحديث بالإنجليزية، وغير قادر على التعبير بها بسلاسة، وكان أحيانا يستعين بمترجم يكون قريبا منه دون أن يظهر في الصورة (الناطق باسم م ت ف، محمود اللبدي).
أما معرفة شعث بـ «العقل الأميركي» فهي مقولة إشكالية. لو كان لإتقان اللغة الإنجليزية، والدراسة أو التدريس في أشهر جامعات الولايات المتحدة، ومعرفة «العقلية» الأميركية تأثير على السياسة لنجح في التأثير أساتذة جامعيون مثل وليد الخالدي وإبراهيم أبو لغد وإدوارد سعيد وهشام شرابي ونصير عاروري وسميح فرسون وغيرهم. إضافة إلى هؤلاء، هناك عشرات الألوف من الفلسطينيين والعرب الذي ولدوا في الولايات المتحدة، وتعلّموا فيها، ويعيشون ويعملون فيها حتى يومنا هذا. بالتالي هم يعرفون «العقلية» الأميركية أكثر من شعث. وهم حتى هذا الوقت غير قادرين على التأثير على السياسة الأميركية رغم ما يبذلون من جهود منذ زمن طويل.
= = =
توثيق المقتطفات من الكتاب في الهوامش (أسلوب شيكاغو):
النسخة الورقية:
1. عدلي الهواري، بيروت 1982: اليوم ي (لندن: عود الند، 2018)، ص - -.
توثيق النقل من الموقع:
يحذف من التفاصيل أعلاه رقم الصفحة، ويضاف إليها رابط الصفحة المنقول منها.
توثيق الكتاب في قائمة المراجع:
الهواري، عدلي. بيروت 1982: اليوم ي. الاتصالات الفلسطينية-الأميركية أثناء الحصار الإسرائيلي لبيروت. لندن: عود الند، 2018.
عنوان الكتاب يكتب بخط مائل أو يوضع تحته خط.
- بيروت 1982: اليوم ي
- غلاف كتاب بيروت 1982: اليوم ي. المؤلف: د. عدلي الهواري