كتاب فتح 1983: بيانات الانشقاق/الانتفاضة
بيان إعلان المطالبة بتصحيح مسار حركة فتح
1. التعميم 1: إعلان المطالب بتصحيح المسار
تعميم إلى كافة الوحدات والأجهزة والأقاليم «1»
أخي يا ابن فتح، أيها المناضلون في قوات العاصفة
لا شك أن سؤالا هاما ومشروعا يطرح نفسه في هذه الساعات: ما الذي يجري داخل فتح؟ وما الذي يجري فوق الساحة اللبنانية؟ ولماذا اضطررنا للإقدام عليه؟
إن المشروع الأميركي-الصهيوني-الرجعي لتصفية قضية فلسطين، وإقامة منطقة الإجماع الاستراتيجي على أرض وطننا العربي، وإخضاعه نهائيا للهيمنة الأميركية الصهيونية، لم يكن ممكنا إلا إذا جرى تصفية الثورة الفلسطينية وإسقاط البندقية الفلسطينية المقاتلة. ومن هنا كان الاجتياح الصهيوني للبنان ذروة المؤامرة التي كان هدفها إخراج الثورة الفلسطينية من لبنان لكي تكون الطريق مفتوحة لتصفية قضية فلسطين في عمّان.
وبعد أن خرجت الثورة من بيروت، بعد صمودها الأسطوري، وجدت نفسها في مواجهة سلسلة متلاحقة من المشاريع المشبوهة التي جاءت استكمالا لاجتياح لبنان (مشروع ريغان، مشروع فهد، مشروع الملك حسين). وبدلا من أن تلتفت قيادة الحركة لتقييم ما جرى في لبنان، وتعقد اللقاءات اللازمة لكوادر الحركة وقياداتها لاستيعاب الدروس المستفادة من الحرب وما سبقها وما لحقها، فوجئنا بانخراط مريب في دوامة المشاريع المطروحة، رافقها استعداد للاعتراف المتبادل بالعدو، وبلقاءات مدانة مع قوى ومنظمات تعلن اعتدادها بصهيونيتها، وبتفسيرات مشبوهة تحاول أن تجعل من الصهيونية صهيونيتين، وباتصالات واتفاقات مع نظام مصر كامب ديفيد، وبعلاقات حميمة مع الأنظمة العربية التي لا تخفي نشاطها وسمسرتها على حساب قضية فلسطين، وبإصرار غير مفهوم على إبقاء قواتنا مشتتة وموزّعة، وبإصرار مماثل على قيادة الحركة من المنافي، بكل ما رافق ذلك من تبذير وتبديد لأموال الحركة تكفي لحل مشاكل شعبنا في لبنان، ومشاكل أبناء الحركة، من أجل عقد مهرجان هنا أو اجتماعات لا جدوى منها هناك.
في مقابل هذا الذي كانت تمارسه قيادة الحركة، كنا نرى أننا نستطيع أن نمنع العدو من تحقيق الأهداف السياسية لعدوانه، وأننا نستطيع التشبث بالبقاع والشمال، والمساهمة مع القوى الوطنية اللبنانية في التصدي للاحتلال ومقاومته، والذي أصبح جنوده في متناول أيدي ثوارنا أكثر من أيّ وقت مضى، وأننا نستطيع من خلال التلاحم الفلسطيني الوطني اللبناني السوري أن نحبط مخططات العدو الأميركي-الصهيوني في لبنان، وأن نمنع مخطط التصفية السياسية لثورتنا وقضيتنا التي يشكل النظام الأردني حلقته الرئيسية.
إلا أن بعض الرموز في قيادة الحركة كانت ترى ضرورة الانسحاب من البقاع والشمال، وكانت تعمل على سحب المقاتلين من البقاع والشمال بالتدريج، وبأعذار متعـددة، إلى المنافي البعيدة التي ألقت ثوارنا فيها، وكانت تحول دون عودة المقاتلين إلى الساحة اللبنانية من خلال قطع مخصصاتهم، وكانت تتعمد الإساءة إلى القوى العربية الوطنية، والتشكيك بكل إمكانية لإقامة تحالفات ثورية عربية ودولية تتمكن من مواجهة الجبهة الإمبريالية-الصهيونية-الرجعية التي تستهدف قضيتنا وتركيع أمتنا.
ولعل نتيجة الحوار الأردني-الفلسطيني الذي أعلن مؤخرا تشير إلى الهاوية التي كانت تساق إليها الثورة والقضية، فلقد أصبح معروفا أن الحوار كان يجري على أرضية مشروع ريغان، وأن الكنفدرالية كانت ستعلن قبل تحرير ذرة من تراب الوطن، ليكون إعلانها مدخلا لتجاوز عقبة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعقبة حق تقرير المصير، وعقبة شكل الوفد المفاوض مع العدو الصهيوني، وأصبح معروفا أن موافقة فلسطينية تمت مع الملك حسين على التفاوض على أساس مشروع ريغان وقرار 242، وأن التوقيع كان مفروغا منه، لولا تعليقه في آخر لحظة، لأنه من غير الممكن الدخول في المفاوضات مع العدو طالما لم يتحقق هدف تصفية الثورة الفلسطينية وإخراجها من لبنان، ولأن القوى الثورية داخل الساحة الفلسطينية، وخاصة داخل حركة فتح، استردت توازنها في الوقت المناسب لتعرقل تنفيذ المشاريع المشبوهة المطروحة لتصفية قضية فلسطين، وهي النتيجة التي أغضبت الرئيس ريغان، وقرر دون أن ينسى امتداح المعتدلين الفلسطينيين، أنه لن يسمح للراديكاليين (الوطنيين الفلسطينيين) أن يعرقلوا مسيرة «السلام» الأميركية. وكانت واضحة أبعاد قرار الرئيس ريغان وهي أن الوطنيين الفلسطينيين الملتزمين بالثورة والتحرير يجب أن يشطبوا، وأن تنتهي أية قدرة لهم على عرقلة مسيرة (السلام) الأميركية.
لذلك، فنحن لم نفاجأ بالقرارات الأخيرة التي صدرت والتي تتم على أرضية تمرير الحلقات التالية للتسوية والتي تمثل انقلابا عسكريا وتنظيميا داخل حركة فتح، والتي يستهدف من خلالها السيطرة على الحركة تمهيدا لترويض الساحة الفلسطينية والقضاء على أيّ تأثير للوطنيين الفلسطينيين في مواجهة مسيرة التسوية الأميركية. ولذلك فإننا نعلن وقوفنا في وجه هذه القرارات استنادا إلى ما يلي:
1) إن هذه القرارات تستند إلى البعد السياسي الذي ذكرناه، وتستهدف إبعاد كل من يستطيع المساهمة في لجم اندفاعة التسوية الأميركية عن موقع التأثير المباشر.
2) جاءت هذه القرارات مستغلة الأجواء المتوترة في المنطقة عامة وفي البقاع خاصة نتيجة تحشدات العدو الصهيوني وتزايد الحديث عن احتمالات العدوان على البقاع والمواجهة المحتملة معه بما يعنيه من عزوف عن المشاركة في تدعيم خط القتال.
3) إن هذه القرارات مؤشر على نية إحكام فئة معينة سيطرتها على فتح وعلى قواتها (العاصفة) تمهيدا للانسحاب من لبنان، وبالتالي إزالة العراقيل التي حالت دون التمكن من التوقيع على الاتفاق الأردني-الفلسطيني الذي صيغ على أرضية مشروع ريغان.
4) إن استعراض اسم العقيد أبو هاجم (شقيق أبو الزعيم) على رأس قائمة القرارات المتخذة (إضافة إلى بعض الأسماء الأخرى) وتسليمه قيادة جيش التحرير الوطني الفلسطيني في الساحة اللبنانية، وهي تمثل أخطر ساحات النضال الفلسطيني، يستفز المشاعر الوطنية داخل الحركة وداخل الساحتين الفلسطينية واللبنانية، ويؤكد الإصرار على إبقاء المنحرفين والمهزومين والمطلوبين للمحاكمة على رأس قواتنا، والإصرار على إبقاء من كانوا عنوانا للاقتتال الفلسطيني ورمزا للإساءة إلى شعبنا الفلسطيني-اللبناني في مواقع القيادة والتأثير.
5) إن هذه القرارات شكلت إقصاء واضحا وصريحا لعـدد كبير من خيرة الضباط والكوادر عن مواقعهم النضالية، تمهيدا لمنع تأثيرهم المعرقل للتسوية الأميركية وإرسالهم إلى المنافي الجديدة التي قررت القيادة إلقاءهم فيها، وذلك إضافة إلى إقصاءات سابقة أخرى تعرّض لها العديد من الكوادر الطليعية المناضلة. ولن يغير هذه الحقيقة إسناد بعض المهمات السياسية لضباط وطنيين.
6) إن هذه القرارات جاءت بمثابة تمزيق متعمد لوحدة فتح، استهدفت فريقا يمتاز بمواقفه الوطنية الواضحة، وشكلت انسجاما مع المخطط الرامي إلى تصفية فتح وقواتها (العاصفة).
7) إن هذه القرارات تنكرت لكل مقولات الوحدة الوطنية، وخاصة في جيش التحرير الوطني الفلسطيني، حيث لم تشمل القائمة التي تضمنتها القرارات المذكورة أيّ اسم، ولو في أيّ موقع، له علاقة بأي فصيل من فصائل الثورة الفلسطينية.
أخي يا ابن فتح، أيها المناضلون في قوات العاصفة
نحن ندعوكم لوقفة مع الذات لتسألوا:
= أين أصبحت حركة فتح التي قادت ثورتنا الفلسطينية المعاصرة؟
= أين برنامجها السياسي ونظامها الأساسي؟
= إلى متى تختلط الاستراتيجية بالتكتيك، وتزول الحواجز بين العدو والصديق، وتنعدم الفوارق بين ما هو وطني وما هو عميل؟
= إلى أين تسير حركتنا؟ وما هي الضوابط التي تحكم مسيرتها؟
إننا نخاطب ضميرك الثوري، وندعوك إلى حماية فتح من خلال الوقوف في وجه التفريط والانحراف والتصدي للفردية وسياسة تعطيل الأطر التنظيمية وحتى لا يستوي الشجاع والجبان، واللص والأمين، والمناضل والمشبوه، والبطل والجاسوس.
أخي يا ابن فتح
إننا لا نخشى حملات التشكيك والاتهام، ولا يبتزنا إرهاب العبثية أو العدمية، فنحن مطالبون بأن نتمسك بمبادئنا وبالإصرار على الوفاء لدماء الشهداء. لذلك فإننا ندعوك إلى النضال من أجل تحقيق المطالب التالية:
أولا: إلغاء القرارات العسكرية التي صدرت، وكافة القرارات التنظيمية الأخيرة التي استهدفت إقصاء فريق معين من مواقعه النضالية.
ثانيا: إعلان قرار بعزل العقيد أبو هاجم وكافة الذين تخاذلوا وتواطأوا في الحرب الأخيرة من كافة مناصبهم وتقديمهم للمحاكمة أمام محكمة الثورة.
ثالثا: إصدار قرار يقضي بالتصدي الصريح والواضح للمشروع الأميركي-الصهيوني-الرجعي الرامي إلى ضرب الثورة الفلسطينية، وتصفية قضية فلسطين والمتمثل في مشروع ريغان، وقرارات فاس ومشروع الكنفدرالية.
رابعا: الإعلان الواضح والصريح عن التشبث بالبقاع والشمال، ومعارضة اتفاق التسوية اللبناني-(الإسرائيلي)-الأميركي رسميا، وتصعيد الكفاح المسلح إلى أن يتم دحر الاحتلال الصهيوني لأرض لبنان بشكل نهائي.
خامسا: وضع برنامجنا السياسي موضع التنفيذ.
سادسا: الإعلان الصريح عن الوقوف الجاد في جبهة المواجهة العربية الوطنية للمشروع الأميركي في منطقتنا، كجزء أساسي منها، والتأكيد على تحالفنا الواضح مع الدول الاشتراكية وفي طليعتها الاتحاد السوفيتي.
أخي يا ابن فتح
لنقف صفا واحدا لوقف الإجراءات الرامية إلى حل فتح وقواتها (العاصفة)، ولنعاهد الشهداء أن نستمر على الدرب الذي استشهدوا من أجله. وثورة حتى النصر.
القيادة العامة لقوات العاصفة
= = =
المصدر: مجلة «الحقيقة». العدد الأول: 9/1983.
توثيق المقتطفات من الكتاب في الهوامش (أسلوب شيكاغو):
النسخة الورقية:
1. عدلي الهواري (محرِّر)، حركة فتح 1983: الانتفاضة/الانشقاق: التعاميم والبيانات الأولى (لندن: عود الند، 2023)، ص - -.
توثيق النقل من الموقع:
يحذف من التفاصيل أعلاه رقم الصفحة، ويضاف إليها رابط الصفحة المنقول منها.
توثيق الكتاب في قائمة المراجع:
الهواري، عدلي (محرِّر). حركة فتح 1983: الانتفاضة/الانشقاق: التعاميم والبيانات الأولى. لندن: عود الند، 2023.
عنوان الكتاب يكتب بخط مائل أو يوضع تحته خط.