زهرة يبرم - الجزائر + زينب عودة - فلسطين
غزة: رسائل من قلب النار-ج2
أثناء العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة تم تبادل الرسائل الإلكترونية بين الكاتبتين في «عود الند» والصديقتين زهرة يبرم من الجزائر وزينب عودة من غزة. أدناه الجزء الثاني والأخير من نص يعتمد على الرسائل المتبادلة. تم تمييز كلمات الكاتبتين بلون مختلف.
رسائل عديدة سارت في الطريق إلى غزة يائسة لا تنتظر ردا. ونفسي ملئت بشعور رمادي كئيب. في إحدى الأمسيات وجدت رسالة منها، ظهرت كالمنعطف فجأة لتلون مسائي بالسعادة، فزينب لا تزال على قيد الحياة:
نجلس والعائلة حول طاولة عليها الأكل بانتظار آذان المغرب. وبالكاد نسمع الآذان حتى يبدأ الطيران الصهيوني بالقصف، حيث لاحظنا أن شهيته للقتل ترتفع وقت الآذان خاصة، لغاية في نفسه الحاقدة علينا وعلى احترامنا لصيامنا وانشغالنا بالإفطار. وربما يتوقع الصهاينة أن المقاومين يتركون مواقعهم لنفس السبب.
كل يوم نحاول أن ندبر أمرنا مع الكهرباء والماء. الكهرباء نراها ثماني ساعات فقط وفق جدول. نحاول أن نعمل كل ما نقدر عليه في هذه الساعات واللحظات خوفا من أن تقصف محطة الكهرباء تماما. صلاة التراويح أصبحت غير ممكنة حتى في المسجد القريب من بيتنا. فقد اتخذ الاحتلال الصهيوني أهدافا جديدة للقصف، هي المساجد والمؤسسات الخيرية".
صديقتي زينب: صباح التفاؤل بالنصر وبإشراق فجر جديد. ستبنى غزة من جديد بعد النصر وسترفع فوقها أعلام البشائر. وهؤلاء الشهداء من حولك هم مهر للحرية، فالحرية كما تعلمين حمراء. ولا يحق لشعب أن ينتسب لأرض لا موتى له فيها ولا شهداء. اكتبوا تاريخكم بأنفسكم فهناك من يحترف تزوير الحقائق والتاريخ. كان الله معكم وسدد خطاكم.
أختي زينب، ما زال العز فيكم؛ في رجالكم ونسائكم وأطفالك؛ في مقاوميكم الأشاوس وهم يؤدون البطولات بكفاءة عالية. لا تيأسي ولا تحزني يا زينب، أنت غالية على قلوبنا جميعا. كلنا نريدك بخير وستكونين بخير إن شاء الله. ستواصلين الكتابة لي بنفس الوتيرة، وستراسلين الصحف والمجلات كالعادة بالكلمة والصورة.
واشتدت المحنة على أهل غزة، فكتبت زينب تقول:
لم أعرف كيف أحمل عنك بعضا من همومك وأنت في قلب النار. تحية إكبار لشعب غزة الصامد. من هناك حيث أنتم، علمتمونا نحن الأموات معنى الحياة.
صبرا أهل غزة إن موعدكم مع النصر المبين إن شاء الله. أنتم يا أحرار غزة علمتمونا معنى الصبر والصمود، ومعنى الصوم. نحن معكم حتى النصر. حدثيني يا زينب كيف تعيشون؟ هل الغذاء والماء متوفران؟
من الممكن أن يفطر البعض على أقل القليل، ممكن أن يكون خبزا وزعترا. المرأة هنا عظيمة. في الغالب هي من تجازف وتخرج إلى الأسواق لجلب الأغذية والخضار لفطور رمضان، حماية لزوجها وأولادها. فالخروج محفوف بالخطر نتيجة القصف المتواصل، وكل من يخرج هو مشروع شهيد. الماء والكهرباء في جدول واحد. إن قطعت الكهرباء فلا ماء. لم نر الماء من يومين نظرا لانقطاع الكهرباء طول الوقت ما عدا ساعة أو ساعتين. وهناك أماكن لم تر الكهرباء من خمسة أيام، والماء من أيام عديدة".
لعدة أيام صارت رسائلي إلى زينب لا تصلها وانقطعت عني أخبارها. عزوت ذلك إلى انقطاع الكهرباء، فالقصف على غزة مكثف والشهداء يسقطون بالعشرات، والدماء تسيل غزيرة، والقلق عليها لم يرحمني. وأخيرا جاءتني رسالة منها:
الحمد لله على كرمه، زينب ما زالت حية ترزق هي وكل أفراد أسرتها. أسرة العم خليل عودة، والد زينب، هي عينة من الأسر الفلسطينية في غزة التي تعيش لعدة أيام تحت القصف تصارع العدوان والحصار.
وحل عيد الفطر علينا وعلى غزة. ولكن وكما قال المتنبي: عيد بأية حال عدت يا عيد، بما مضى أم بأمر فيك تجديد. إليك زينب وإلى أسرتك وكل أهلنا في غزة تهاني بالعيد. تقبل الله جهادكم وشهداءكم وصمودكم وصبركم وصومكم. كل عام وأنتم الأعزاء الأحرار على أرضكم. إن شاء الله العام القادم تكونون في ظروف أفضل. لكم مني كل الأمنيات الجميلة. كل كلمة تقولينها يا زينب وكل صورة تلتقطينها لها قيمة. فهي شهادة حية منك كشاهدة عيان على ما يحصل في غزة.
نحن من هنا يا زينب نتتبع أخباركم أولا بأول ونهتم لشأنكم تماما كما لو أن غزة في الجزائر. أنتم جزء منا كما العضو من الجسد. والله العيد ما هو عيد هذا العام.
لن أتخلى عنك. أنا معك دوما. لو انقطعت خدمة الإنترنت سنتواصل عبر الهاتف. دعائي لكم بالنصر والنجاة والخروج من المحنة على خير.
وعاد القصف على غزة، وما زالت زينب عودة هناك على تراب وطنها تواجه قدرها مع شعبها الصامد حتى النصر.
= = = = =
= = = = =
اضغط/ي على الصورة المصغرة لمشاهدتها بحجم أكبر. التصوير: زينب عودة.
◄ زهرة يبرم
▼ موضوعاتي