عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

مليكة سعدي - الجزائر

تحليل سيميائي للمسار السردي

في راوية التبر لإبراهيم الكوني


إبراهيم الكوني: روائي ليبي يعيش في سويسرا. له مجموعة من الروايات منها رواية التبر موضوع التحليل.

.

الجزء الأول: مقدمة منهجية

=1= مفهوم السيميائية

انبثقت السيميائية عن ميراث مركب من "اللسانيات البنيوية، ودراسة الفولكلور والميثولوجيا" [1]، فالسيميائية تركيبية الطبيعة، فهي تتركب من " مفاهيم بيولوجية، ومفاهيم فيزيائية، ومفاهيم الذكاء الاصطناعي...فهاجس التركيب موجود عالميا، ولكنه ينبني على توحيد ابستمولوجي"[2]. وتهدف السيميائية إلى الكشف عن البنيات العميقة المستترة وراء البنيات السطحية، وهي تعمل بالتفكيك والتركيب، وتتحرك عبر مستويين، مستوى سطحي ومستوى عميق، وتبحث في كليهما عن الدلالة. والدلالة هي شكل وليست مادة، وتقوم على مبدأ العلاقات.

تنطلق السيميائية من أن كل نص له شكل ومضمون، والنتيجة التي تريد الوصول إليها هي الكشف عن شكل المضمون. فالسيميائية دراسة شكلانية للمضمون، تمر عبر الشكل لمساءلة الدوال من أجل معرفة دقيقة وحقيقية للمعنى. وتمر السيميائية بالتحليل المحايث، وهو قريب من الآني، أي التحليل الذي يأخذ النص في حالته التي هو عليها. ومن ثم يتطلب الاستقراء الداخلي للوظائف النصية التي تساهم في توليد الدلالة، أو البحث عن شكل الوظائف الدلالية داخل النص، أي كل ما هو حيثيات سوسيوتاريخية. ولا يهمه نفسية المبدع، فهو يشتغل على العلاقات المولدة، أي إن الدلالة لا توجد قبل القراءة وإنما تصطنع أثناء القراءة.

وتبحث السيميائية عن شكل المضمون عبر العلاقات التشاكلية والتضادية الموجودية عبر العناصر داخل العمل الأدبي. وإن المتتبع لتطور الدرس السيميائي يصل إلى أن منحدراته العلمية ظهرت في بعض جوانبه وبشكل واضح في الدراسات اللسانية وبوجه أخص في كتاب دروس في اللسانيات العامة لصاحبه فارديناند دي سوسير، بحيث" تمت الولادة الفعلية للسيميولوجية وهي ولادة سبقت التنظير الفعلي لهذا العلم على يد عالم المنطق الأمريكي بيرس بصفته السابق في المحاولة وتكرر المشهد مع هيلمسيلف ضمن مؤلفه مقدمات في نظرية الكلام، ثم تلاه بحوث الشكلانيين الروس"[3]

السيميائية في منطلقها عند سوسير هي السيميولوجية أي العلم الذي يبحث في أنظمة العلامات، في حين أن اللسانيات تدرس الأنظمة اللغوية. وحصر سوسير هذا العلم في دراسة العلامات الدالة ولكن دلالتها اجتماعية. أما بيرس فيرى أن هذا العلم يسمى السيميوطيقا ويدرس العلامات العامة، ويراها مدخلا ضروريا للمنطق والفلسفة. وترى السيميائية أن النص هو منجز مغلق يتشكل من علاقات داخلية غير مرئية تقوم على مبدأين: مبدأ تشاكلي (أي تشابه) ومبدأ تضادي، ومن هنا تبنى على مبدأ كبير هو الاختلاف، وهو المبدأ الذي كان سببا في تطور البنيوية واللسانيات.

=2= بين البنيوية والسيميائية:

عند الحديث عن المنهج البنيوي، نذكر ثلاثة أمور: النسق أو النظام، السنكرونية، العلاقات. وهدف السيميائية هو الكشف عن العلاقات القائمة وراء البنيات السطحية. فهي تنطلق من آخر مرحلة وصلها التحليل اللساني، لأن هدفه الأسمى هو المستوى الأفقي للجملة. الوظيفة اللسانية توزيعية أفقية في حين أن السيميائية تشتغل بشكل أشمل أي تبحث عن المعنى الشامل كما يسميه بنفنيست، أي البحث عن الدلالات الكبرى. وبالتالي فإن فضاء السيميائية هو الخطاب، وهنا يظهر الاختلاف في الأهداف.

السيميائية تفسر المعطيات ثم تؤول العلاقات الترابطية بين الدلالات، ثم تتجاوز البنية اللغوية الداخلية لتربط بينها وبين مرجعيات الثقافة، ومن هنا تسعى للوصول إلى الملابسات التأويلية المختلفة للخطاب. ونتيجة لذلك أحصت ثلاثة اتجاهات:

1= السيميائية دراسة الأنظمة الدالة من خلال الظواهر الاجتماعية الملابسة للنص من منظور أنها جزء من اللسانيات (بارث، غريماس، كورتيس).

2= تنحصر السيميائية في دراسة أنظمة الاتصال والإبلاغ.

3= أما الاتجاه الثالث فهو توفيقي، أي أن السيميائية إبلاغية ودلالية (أمبرتو إيكو، جوليا كريستيفا، محمد مفتاح، رشيد بن مالك).

=3= السيميائية السردية:

يتمثل موضوع بحث السيميائيين في المحتوى انطلاقا من العلاقة السردية للعلامة اللسانية المشكلة من دال (تعبير) ومدلول (محتوى)[4] باختيارهم للمدلول (المحتوى) يلغون وبشكل آلي الدال (التعبير) من دائرة اهتمامهم. ويؤكد ذلك شميث في قوله: "إن المهمة الأساسية للسرديات هي تحليل المحتوى بصفة عامة".[5] ويؤكد غريماس في مختلف دراساته الفكرة نفسها موضحا الهدف الذي تنشده السيميوطيقا وهو الإمساك بالمعنى أو الدلالة، بغض النظر عن المظاهر الأخرى التي يتخذها هذا السرد.[6]

ويظهر هذا الاتجاه المنهجي للسيميائيين في التركيز على المحتوى من خلال التعريف الذي تقترحه جماعة "أنتروفرن" لمصطلح الحكاية، فهو" تتابع الحالات والتحولات المسجل في الخطاب والضامن لإنتاج المعنى".[7] وكان من نتائج السيميائيات بحسب الوجهة الدياكرونية أن جنحت إلى تفسير القصة فعدتها " بنية سردية، أي شبكة من العلاقات الواسعة تكون على أساس البنية السطحية التي لا يظهر منها إلا جزء."[8] ويرى كورتيس ارتباط الحكي ارتباطا وثيقا بالحكاية، وما يحددهما هو أن الحكي يتعلق بالانتقال من حالة إلى حالة أخرى، وهذا من شأنه إحداث تحول من وضعية أو حالة إلى وضعية جديدة عن طريق التتابع.[9]

وإذا كان السيميائيون يركزون على المحتوى باعتباره الماهية التي تدور حولها الدراسات ويشتغل عليها تحليل الخطاب، فإن السرديين يهتمون بالتعبير أو الخطاب الذي يستخدم كمقابل للقصة باعتباره الصورة التي يتجلى أو يتحقق من خلالها المحتوى، وبالتالي يمكن أن يقدم محتوى واحد من خلال خطابات متعددة لكل منها خصوصيته.[10] فالخلاف بين الرؤيتين واضح وعميق، حيث يعتبر السرديون الخطاب عنصرا جماليا يصل المادة الحكائية بالأدبية، في حين تخالف نظرة السيميائيين ذلك.

ويشير جيرار جينيت إلى الفرق الجوهري بين السرديين والسيميوطيقيين في قوله: "توجد الخاصية الأساسية في التركيز على الصيغة، وليس على المحتوى إذ لا وجود للمحتويات الحكائية، فهناك تسلسل أفعال أو أحداث قابلة لأن تجسد من خلال أية صيغة تمثيلية"[11]

يعتبر غريماس، وهو أحد المنظرين لعلم الدلالة البنيوي، المقصوص أو الحكي جملة هائلة، حيث يمكن أن نجد فيها كل الوظائف الكبرى التي نراها في الجملة حيث ثنائيان وأربعة حدود، فأما الثنائي الأول فهو:

فاعل ===========> موضوع، يربط بينهما التقابل على مستوى الرغبة أو البحث. ففي كل قصة هناك من يرغب في شخص أو شيء أو يبحث عنه.

وأما الثنائي الثاني فهو مساند ===========> معارض، ينوبان على المستوى السردي عن الأول، وعن الصفات في المستوى النحوي ويربط بينهما التقابل على مستوى الاختبارات، لأن أحدهما يساند الفاعل في بحثه، والآخر يعارضه.[12]

يتطلب البحث المنهجي في بنية العمل السردي الروائي التمييز نظريا بين العمل السردي الروائي من حيث هو حكاية وخطاب. فهو حكاية باعتباره يثير واقعة، وبالتالي يفترض أشخاصا يفعلون الأحداث ويختلطون بصورهم المروية مع الحياة الواقعية.[13] والعمل الروائي السردي هو خطاب باعتباره يحتاج إلى صيغة تروى بها أفعال الأشخاص وترتب بها الأحداث.

وتستوجب الحكاية بواسطة الكتابة راويا يرويها، كما تستوجب قارئا يقرا ما يروي الراوي، وبذلك لا تصبح مجموعة الأحداث التي وقعت هي الأهم في العمل السردي الروائي بل كيفية الرواية، أي كيف يروي الراوي الحكاية. وهذا لا يجعل العمل الروائي حكاية وحسب، بل هو خطاب أيضا. على أن النظر في العمل الروائي من حيث هو خطاب أو حكاية لا يعني الفصل بينهما، إنما هو منهج تقيمه الدراسة على المستوى النظري، إذ لا وجود للحكاية إلا في خطاب ولا لخطاب سردي إلا في حكاية.[14]

وتتحقق الحكاية من خلال وجود العناصر الآتية في الإنتاج الأدبي:

1= فعل أو حدث قابل للحكي.

2= فاعل أو عامل يقوم بدور في الفعل.

3= زمان الفعل.

4= فضاؤه أو مكانه.

ويمكننا النظر إلى كل عنصر من عناصر الحكائية في ذاته باعتباره بنية كلية تضم بنيات جزئية في مستوى من التحليل، ويمكن أن يبحث في مستوى آخر عن العلاقات التي تربط بين مختلف هذه البنيات.[15] وغالبا ما استعمل النموذج العاملي الذي عرضه غريماس في تحليل الحكايات وكان له أهمية كبرى في الدراسات السيميائية. وقد حدد العالم اللساني تانيار فواعل ثلاثة: من يقوم بالفعل أي الفاعل في النحو التقليدي، من يتحمل الفعل أو الموضوع، وأخيرا من يستفيد من الفعل أو من يضر به وهو من يعبر عنه بالفاعل الثالث.[16] أما الفضلة فتشير إلى الزمان والمكان والحال.

وتخلى غريماس عن مفهوم الضحية، وأخذ مفهوم المستفيد، وقد سمى هذا الثنائي من العوامل: مرسلا ومرسلا إليه، وهما العبارتان اللتان استعارهما من جاكوبسون.[17] ويتكون النموذج العاملي لغريماس من الذات، الموضوع، المرسل، المرسل إليه، المساعد، الضديد وهو عبارة عن تعديل لنموذج بروب (الشخصيات الخرافية) وشخصيات المسرح سوريو ويتجلى من خلال قراءة عناصر نموذج غريماس أن التواصل والرغبة هما المحوران اللذان يدور حولهما الثنائيان: مرسل/مرسل إليه (التواصل)، وذات/موضوع (الرغبة). أما الفاعلان الجديدان فهما يوجدان عن طريق صلتهما برغبة الذات، فالمساعد يسهل رغبة الذات، والضديد يحول دون ذلك.[18]

الجزء الثاني: تحليل سيميائي للمسار السردي في رواية التبر:

سنعتمد في تحليل المسار السردي وبناء الحدث على تحديد أهم البرامج السردية المنجزة من قبل الذات الفاعلة. ومفهوم البرنامج السردي هو: "تتابع الحالات وتحولاتها المتسلسلة على أساس العلاقة بين الفاعل والموضوع وتحولها، إنه التحقيق الخصوصي للمقطوعة السردية في حكاية معطاة"[19]

إبراهيم الكونييفتتح نص الرواية بهذه الفقرة: "عندما تلقاه هدية من زعيم قبائل آهجار وهو لا يزال مهرا صغيرا، يطيب له أن يفاخر به بين أقرانه في الأمسيات المقمرة ويتلذذ بمحاورة نفسه في صورة السائل والمجيب: هل سبق لأحدكم أن شاهد مهريا أبلق؟ ويجيب نفسه: لا. هل سبق لأحدكم أن رأى مهريا في رشاقته وخفته وتناسق قوامه؟ لا. هل سبق لأحدكم أن رأى مهريا ينافسه في الكبرياء والشجاعة والوفاء؟ لا. هل سبق لأحدكم أن رأى غزالا في صورة مهري؟ لا. هل رأيتم أجمل وأنبل؟ لا لا لا. اعترفوا أنكم لم تروه ولن تروه."[20]

تتضمن هذه الافتتاحية بالتعبير السردي السيميائي وظيفة اتصال.

اتصال: أوخيد/المهري الأبلق

وتنشأ علاقة صداقة وثيقة بين أوخيد وهذا المهري. وتقوم الذات الفاعلة (أوخيد) ببرنامج سردي جزئي ليعبر من خلاله عن حبه للمهري وانبهاره به. وموضوع قيمته هو طلب قصيدة مديح للمهري من الشاعرة.

اتصال: أوخيد/الشاعرة

النتيجة: رفض الشاعرة وتأجيل الأمر إلى أن يشتهر المهري في معركة أو في حفلات الرقص.
وينتهي هذا البرنامج بفصلة بين الذات الفاعلة وموضوع القيمة.

وتبدأ الذات الفاعلة في إعداد الوسيلة للحصول على موضوع القيمة، ويكون المساعد هم الفرسان الذين أوكل لهم مهمة ترويض المهري وتدريبه، أما التدريب على الرقص فاعتنى به بنفسه.

وتقوم الذات الفاعلة (أوخيد) ببرنامج سردي جزئي آخر سعيا للوصول إلى موضوع القيمة السابق وهو اشتهار المهري ليحظى بقصيدة المديح.
المساعد: "السرج صنعه أمهر الحدادة في غات، والفرش كليمة مزركشة جاء بها التجار من توات، والشكيمة ظفرتها عجائز قبيلة ايفوغاس في غدامس، والجراب طرزته أنامل حسناوات تامنغاست" (الرواية ص 9).

وتؤدي هذه الأدوات وظيفة سيميائية تتمثل في التعريف بقيمة المهري عند صاحبه وأهمية الدور الموكل إليه في حلقة الرقص.

المعوق: "أما السوط فهو قطعة نادرة مغطاة بخيوط الجلد التي نقشت عليها تمائم السحرة في كانو. ويعتقد الحكماء في القبيلة أن السوط دسه له الحساد من أقرانه، فلعب دوره في التخريب والترتيب للفضيحة" (الرواية ص 9).

وتتضمن هذه الفقرة سابقة فهي تعرف بالنتيجة قبل الوصول إليها في الحكي.

لم تصل الذات إلى موضوع قيمتها (شهرة المهري) بل انتهت بفضيحة المهري وصاحبه في حلقة الرقص.

ويستمر أوخيد في صداقته مع المهري الأبلق، ويتابعان حياة اللهو معا إلى اليوم الذي يصاب فيه المهري بالجرب.

استقرار ===========> فقدان التوازن

وضع ابتدائي ===========> مرض المهري

ولاسترجاع التوازن تقوم الذات الفاعلة (أوخيد) ببرنامج سردي موضوع قيمته هو علاج المهري وإنقاذه من الموت.

الرغبة: علاج المهري

التحيين: الاتصال بالحكماء للبحث عن علاج.

اتصال: أوخيد/الشيخ موسى، تكون نتيجته الإفصاح عن سر علاج المهري، وهو نبتة آسيار، ولكن يحذره المساند (الشيخ موسى) من احتمال جنون المهري.

ولا تصل الذات في هذه المرحلة الأولى إلى موضوع قيمتها (شفاء المهري) لصعوبة العلاج ومخاطره.

وتستمر الذات الفاعلة في البحث عن موضوع قيمتها، وتكون الوسائل المساعدة في هذه المرحلة: زيت غريان ثم مرهما من الأعشاب، ولكن النتيجة دائما هي عدم الوصول لموضوع القيمة، فلم يتحقق شفاء المهري بل ازدادت حالته سوءا.

وتبين هذه الحركات السردية وظيفة (خروج) الذات الفاعلة من مرحلة حياتية إلى مرحلة أخرى، من مرحلة المغامرات والاستمتاع والتباهي بالمهري إلى مرحلة المعاناة في سبيل إنقاذه وتحمل كل التجارب القاسية ونظرات الشفقة، فقد تحول المهري إلى رمادي مبقع بالظلمة. كما تبين هذه الحركات دخول الذات الفاعلة (أوخيد) في اختبار. اختبار حبه وصداقته للمهري وقدراته على إنقاذه والحفاظ عليه.

تقوم الذات الفاعلة بوظيفة (خروج) إلى الحمادة الحمراء، وهو عبارة عن اتصال مكاني هدفه تنفيذ العلاج الذي وصفه الشيخ موسى في المرحلة الأولى وهو نبتة آسيار المهددة بالجنون، فهي إذن موضوع القيمة الابتدائي للوصول إلى موضوع القيمة الأساسي.

وفي طريقه قصد أوخيد النصب الوثني ونذر له جملا سمينا كي يشفي مهريه الأبلق ويحميه من جنون آسيار، ثم واصل الرحلة إلى قرعات ميمون حيث تنبت آسيار.

واتصلت الذات الفاعلة (أوخيد) بموضوع قيمتها (نبتة آسيار). ربط الجمل وتركه يرتع في حقل من آسيار.

وتقود هذه الحركة إلى برنامج سردي آخر هو مطاردة المهري الأبلق بعد أكله لنبتة آسيار وتفاعلها مع مرضه، حيث ظهرت عليه حركات جنونية من الألم قابلها أوخيد بالصبر والمواساة والحزم. ويتمكن من الحفاظ على رفقته بعد رحلة شاقة.

الذات الفاعلة: أوخيد

موضوع القيمة: الإمساك بالمهري والحفاظ عليه.

المعيق: قوة المهري ووعورة الطريق التي يسلكها.

المساند: الصبر والدعاء والشجاعة والأساطير المضادة للعار.

النتيجة: وصلة بين الذات الفاعلة والموضوع.

وتقيم الذات الفاعلة عقدا يتمثل في عهد الأخوة والوفاء الأبدي بين أوخيد ومهريه الأبلق الذي فقد لونه أثناء العلاج.

JPEG - 22.5 كيليبايت
تحليل سيميائي

وتعود الذات الفاعلة إلى الرغبة في موضوع القيمة الأول وهو شهرة الأبلق في حلقات الرقص ليحظى بقصيدة مديح.

ولا تصل الذات لموضوع قيمتها بل ينتهي البرنامج بفصلة ويحصل عكس رغبة الذات، إذ يقابل الأبلق بقصيدة هجاء لأنه انتقم من صاحبه بفضحه في حلقة الرقص.

وتقوم الذات الفاعلة بوظيفة اتصال، وهي أيضا وظيفة خروج من مرحلة حياتية إلى مرحلة أخرى هي الزواج.

JPEG - 27 كيليبايت
تحليل سيميائي

وبزواج أوخيد يتخلى عن الوفاء بنذره للولي الصالح، فيذبح الجمل المحجوز كقربان ليلة عرسه.

وتكون نتيجة هذا البرنامج الذي اتصلت فيه الذات (أوخيد) بموضوع قيمتها (الزواج بالحسناء) أن يتبرأ الوالد منه ويحرمه من الميراث، فيقوم بوظيفة انفصال مكاني، فيغادر القبيلة إلى حدود فزان.

وترغب الذات الفاعلة (أوخيد) في موضوع قيمة جديد هو المشاركة مع الأبلق في مقاومة غزو الطليان، ولا يتصل بموضوع القيمة هذا، فقد انكسرت المقاومة في الحمادة وانتشر الجدب والفقر.

اتصال: أوخيد/قريب زوجته التاجر دودو

النتيجة: يترك له التاجر الضيف كيسين من تمر وشعير يسرقان منه ويترك له السارق رمز مثلث تانيت الذي يذكره بحنثه لنذره إلى النصب الوثني الآلهة تانيت.

وتقوم الذات الفاعلة (أوخيد) بمجموعة من البرامج السردية موضوع قيمتها هو إنقاذ العائلة الصغيرة من الجوع سنوات الجدب والحرب.

اتصال: أوخيد/بائع الزيت، النتيجة رفض إقراضه.

اتصال: أوخيد/أحد الفلاحين، النتيجة اقتراح حل صعب.

JPEG - 24.8 كيليبايت
تحليل سيميائي

ترغب الذات الفاعلة في موضوع قيمة هو سد حاجيات الأسرة والمساند هو رهن المهري الأبلق مقابل استدانة جملين من التاجر دودو. وبهذا تؤدي الذات وظيفة انفصال. ينفصل أوخيد عن المهري الأبلق الذي يأخذه التاجر رهنا.

ويحصل اتصال يضع الذات في اختبار.

اتصال: أوخيد/راعي التاجر دودو قريب الزوجة أيور.

JPEG - 15.4 كيليبايت
تحليل سيميائي

وتقوم الذات الفاعلة بوظيفة خروج أو انفصال تتمثل في الهروب من المهري الأبلق تفاديا للعار. وبذلك تحصل الفصلة بين الذات الفاعلة (أوخيد) وموضوع القيمة الأساسي (الحفاظ على الأبلق). ولا يحافظ أوخيد على العقد أيضا.

ولا تلبث الذات الفاعلة أن تقوم بحركة سردية معاكسة يكون موضوع قيمتها استرجاع المهري الأبلق وفك رهنه، والمساند هو طلاق الزوجة والتنازل عن الولد، وبذلك تجدد العقد السابق. وينتهي البرنامج بوصلة.

اتصال: أوخيد/أحد الرعاة، تكون نتيجته وصول شائعة تقول ببيعه لزوجته وابنه مقابل حفنة تبر.

وترغب الذات الفاعلة (أوخيد) في موضوع قيمة جديد هو تصحيح الخطأ والقضاء على الشائعة، فيقوم بوظيفة خروج إلى واحة التاجر دودو. ولا تصل الذات الفاعلة إلى موضوع قيمتها بقتل الذات الضديدة (التاجر دودو) لأن العار لا يمحوه الدم.

وترغب الذات الفاعلة في التحول إلى حياة أخرى هي الاعتزال مع الأبلق. ولكن الذات الضديدة (أقارب القتيل) يقومون ببرنامج سردي موضوع قيمته الثأر من القاتل أوخيد ومساند الضديد هو الذهب الذي استعملوه في رشوة الخبراء للوصول إليه.

ويكون موضوع قيمة الذات الفاعلة هو الهروب والمحافظة على الحياة، والمساند هو الصبر والمعارض هو التبر الذي يسعى المنتقمون للظفر به. وفي محاولات هروب أوخيد يجدد عقده مع الأبلق بأنهما لن يفترقا أبدا بعد مرور هذه المحنة "عندما ينقشع الهم سنلتقي مرة أخرى" (الرواية ص 145).

وينجو أوخيد من المطاردين بفضل ودان الجبل الذي ضللهم وقتل بدلا منه. ويمكن شكلنة هذا البرنامج كالآتي:

JPEG - 8.3 كيليبايت
تحليل سيميائي

وبوصول الذات الفاعلة لموضوع قيمتها (النجاة) تنفصل الذات الضديدة عن موضوع قيمتها (الثأر والثروة).

وتقوم الذات الضديدة بحركة سردية جديدة موضوع قيمتها الوصول للغريم أوخيد ويكون المساند تعذيب الأبلق. فتقوم الذات الفاعلة (أوخيد) بوظيفة (خروج)، الخروج من المخبأ لافتداء صديقه الأبلق (موضوع قيمته الدائم).

وبهذا البرنامج تصل الذات الفاعلة (أوخيد) إلى موضوع قيمتها (الحفاظ على حياة الأبلق)، ويكون المساند التضحية بالنفس ولقاء الموت.

ويمكن اختزال البرنامج السردي العام كالآتي:

JPEG - 11.1 كيليبايت
تحليل سيميائي

والملاحظ أن أغلب البرامج السردية التي قامت بها الذات الفاعلة (أوخيد) كان موضوع قيمتها متعلقا بالمهري الأبلق: شهرته، علاجه، شفاؤه، حمايته...أما البرامج والحركات التي قام بها أوخيد لحياته الخاصة فهي قليلة جدا مما يدل على أن الرواية تريد أن تؤكد على قيمة الحيوان في حياة البدوي الصحراوي وارتباطهما الوثيق بعلاقة تصل إلى الصداقة والأخوة وفداء كل منها للآخر. كما تدافع عن التضحية بالمادي لصالح الرمزي وانتصار الحياة الروحية الصوفية على المادية الاجتماعية.

وسميت هذه الرواية بالتبر وهو برادة الذهب على الرغم من أن ذكره لا يأتي إلا في آخر الرواية-والذهب في عرف الصحراويين معدن منحوس ملعون تصيب اللعنة كل من يتعامل به. وسميت الرواية بالتبر لأنه يؤدي الدور الهام في تحويل مسار الحكاية ونهاية شخصياتها، وتتمثل بؤرة السرد في لحظة استلام أوخيد حفنة التبر هدية من غريمه، فيكتب الموت لكليهما.

= = =

الهوامش

[1] Gréimas et Landowski: introduction à l’analyse du discours en s .sociales, Gallimard, 1980, p05

[2] محمد مفتاح مجلة دراسات سيميائية، العدد 1، 1987، ص 15

[3] بوخاتم مولاي علي: مصطلحات النقد العربي السيماءوي الإشكالية والأصول والامتداد، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2005، عن موقع اتحاد الكتاب العرب الإلكتروني

[4] Luis Hjelmslev: Essais linguistiques, les éditions de Minuits, Paris, 1971, p. 35

[5] يقطين سعيد: قال الراوي، البنيات الحكائية في السيرة الشعبية، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1997، ص 14

[6] Gréimas: Du sens, essais sémiotiques, Seuil, Paris, 1970, p. 158

[7] Groupe d’entre vernes: Analyse sémiotique des textes, presses universitaires de Lion, 1984, p. 14

[8] بوحوش رابح: الأسلوبيات و تحليل الخطاب، منشورات جامعة باجي مختار، عنابة، ص 42-43

[9] Courtes: Analyse sémiotique des discours, Hachette, Paris, 1990, pp. 70-72

[10] سعيد يقطين: قال الراوي، ص 16

[11] G. Génette: Nouveau discours du récit, Seuil, Paris,1983, p. 12

[12] Greimas: Sémantique structurale, recherche de méthode, Librairie Larousse, Paris,1966, p.180

[13] يمنى العيد: تقنيات السرد الروائي في ضوء المنهج البنيوي، سلسلة دراسات نقدية، الفارابي، 1990، ص 27

[14] شرشار عبد القادر: تحليل الخطاب الأدبي و قضايا النص، منشورات دار الأديب، وهران، ص 57

[15] سعيد يقطين: قال الراوي، ص 19-20

[16] رومان غودور: تحديد النموذج الفاعلي، ترجمة أحمد السمادين مجلة دراسات مغاربية، العدد8، الدار البيضاء، 1998، ص 24

[17] Greimas, Courtes: Sémiotique, dictionnaire raisonné de la théorie du langage, Hachette, 1979, p. 49

[18] Greimas: Sémantique structurale du récit, p. 180

[19] رشيد بن مالك: قاموس مصطلحات التحليل السيميائي للنصوص، دار الحكمة، 2000، ص 148

[20] إبراهيم الكوني: التبر، دار التنوير للطباعة و النشر، ط3، بيروت، 1992

= = =

غلاف الرواية

الناشر: دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت،

JPEG - 28.3 كيليبايت
غلاف رواية التبر
D 1 حزيران (يونيو) 2010     A مليكة سعدي     C 0 تعليقات