إبراهيم يوسف - لبنان
فتى الأحلام
عيوننا إليك ترحل كلّ يوم
تدور في أروقة المعابد
تعانق الكنائس القديمة
وتمسح الحزن عن المساجد
لن يقفل باب مدينتنا
فأنا ذاهبة لأصلي
سأدقّ على الأبواب
وسأفتحها الأبواب
وستغسل يا نهر الأردن
وجهي بمياه قدسية
وستمحو يا نهر الأردن
آثار القدم الهمجيّة (*)
يقتلك الحنين أو تقتله، لا فرْق. في الحالين أنْت القتيل. ستون عاما من الخيبة والهزيمة والهجْرة والانتظار، ومن الحنين. ستون عاما من التشهير والسمعة المستباحة. ستون عاما تجوب الآفاق، تحْلم وتكْتب وتبكي. ستون عاما انْتظرتْه أمام أبواب مقفلة صلْدة. انْتظرتْه على الشواطئ والموانئ والمطارات، وانتظرتْه عند المفارق والمنعطفات.
تعبتْ، وأعياها الجري والتفتيش. أضناها البحث ولفّها صمت موجع. شرّدها الهوى، وأتعبها طول الإنتظار. قتلتها المرارة والهزائم والأحزان. جفّت عواطفها، فانتظرته طيرا أبابيل، يرميهم بحجارة من سجيل.
كم زارها طيفه في اليقظة والمنام! حذوة حصانه "تشرْقط" نارا منْ ذهب. كم راودها رجاء! كم تمنتْ في سرّها لو صادفتْه! لو استفزّتْ كرامته بساقيها ونهديها العاريين ليثأر لنوّار. أختها نوّار "الهتيكة الإزار، على ربى الرّمْلة والخليل" (**).
تريده خيلا وليلا وبيداء، تريده نسرا وأرْزا، جبلا وسيفا قاطعا. أغنية حبّ أو طعنة في القلب. نجما يسطع في السماء، فارسا يموت فداء لمنْديل وعذراءْ، أو أميرا تفيء إلى سنى عينيه، ترتاح برأسها على زنديه، وعلى الشعر النابت في الصّدْر، أو شاعرا يخزن في داخله مجد الأنبياء. هذا النصر معقود على جبينك. المجد لك والحنين يا أشرف الناس، وأطهر الناس وأكرم الناس.
في عرْنينه شمم، في قلبه عزْم وتأكيد، في خلقه عز وشرف، وكرامته من الله الشهادة. إذا وعد وفى. وإن صام أو صلّى اتّقى. منْ أجلها يموت، وتغلي دماؤه في العروق عندما يغار أو يغضب، ويعتريه في حبّها مس منْ جنون.
فتى سيّدا لا يدانيه في القوم سائر الفتيان. يدْرك قيمة الأوطان، يحْميها بأشفار العين، يحفظها في حنايا القلب، يصلي لها ويصونها في حرب أو سلام. تريده إله في الأرض، أو بعض إلهْ، أو تريده بشرا لم يولدْ بعْدْ، أو مقاوما في فلسطين ولبنان، وفي بغداد، وبعْدْ...
= = =
(*) من قصيدة/أغنية "زهرة المدائن"، تأليف وتلحين الأخوين رحباني وغناء فيروز.
(**) من قصيدة للشاعر السوري الراحل، نزار قباني، بعنوان "قصة راشيل."
◄ إبراهيم يوسف
▼ موضوعاتي