عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

عمر الفاروق نور الدائم - السودان

قـارعة الـذات: مقتطف


أدناه مقتطف من رواية عنوانها "قــارعـة الــذات" لعمر الفاروق نو الدائم، وهي قيد الطبع، ومن المتوقع صدورها في شهر نيسان/أبريل 2013.

عمر نور الدائمضحكنا من غير أن نكترث لدواعي أن هناك الآلاف من الشرطيين يحاصرون مبنانا الذي نرتهن فيه ذواتنا هروبا عن عالمٍ يتدهور بصورة مريعة في الخارج. تحديات عجيبة ستواجهنا إن خرجنا، أولا سنسأل عن سر بقائنا لسنوات خلت في عزلة طبائعنا، وثانيا سنواجه حتما، بسؤال ماذا كنا نفعل، وهكذا سيتعفر كل الذي بنيناه، وستسقط احجبتنا العازلة، وعلى الأرجح سيلهونا عن كل شيء كنا قد صنعناه. سيتشتت شمل غموضنا، وربما تنجلي سحابتنا الداكنة السواد، تقدمت بمقترح عد وجيها، إلا أنه أتى بجلبة الضحك هذه، إذ قلت:

إن علينا فضح كل شيء، والتحفظ الوحيد الذي أبديته هو حول تعلقنا ببعضنا البعض، وعلى وجه الخصوص، أحقيتنا بأن نكون كما نريد. ومضيت أرسم تلك اللوحة أو هي بحديث اكثر وضوحا أيقونة أن تنتمي ولا تعجز أن تدافع عن انتمائك مهما كلفك الأمر من ثمن.

إذن سنساق وستجري محاكمتنا ولا مفر من ذلك. الشرطيون الآن وجدوا ضالتهم، وبالتأكيد سيقتحمون عوالمنا، وسيوجه لنا القاضي أسئلة خاسئة، وسيبدي امتعاضا بائنا، لكنه لا يدري أن الحياة تسير هكذا. لو ابعد نفسه عن الغضب والتشنج، ورأى بعضا من الحقائق لتمسك بالقانون وحده وليس شيئا آخر سواه.

احد العارفين لا تمسه ذرة شك في أننا شعبة من شعب الدنيا الأشد ظلاما وإيلاما؛ وأكثرها قسوة وتعبيراً عن معنى الغباء الوجداني، لكنه يقول مهما افترضنا وافترضنا، فلن نستطيع أن ندرك سر عار الرجولة هذا الذي يلاحق النوع الذكوري. ومهما قيل، وسيقال فإن الأمر عسير عسير، ولا نهاية واضحة له. يتجادل كثيرون كيف يحدث هذا بالرجال ويقتص منهم كبرياءهم ونبراتهم، ومن ثم يصير جحيما مستعرا لا تطفئه حتى محيطات الأرض الهادئة.

انفجرت الحقائق قبل أن تحتشد واحدة تلو أخرى، وتجمع الناس العاديون، لمتابعة قصتنا. سمعنا أن الرئيس ذات نفسه افتى بخصوص امرنا، وأنه الآن يستشيط غضبا ويرتجف بلا هوادة، وكذلك علمنا بأن محاكمتنا ستكون علنية وسننال عقوبات رادعة وقاسية تجعلنا عظة وعبرة لأجيال ربما تريد أن تتخذنا قدوة وتسير في هذا المنحدر المبكي والمفجع، هذا النزف الموجع والمؤلم.

مات "شرف" وها هي (أم حقين تبكيه)، واقترحت (بت خميس) تأبينه وتخليد ذكراه. هم بالطبع يؤمنون بالله، لكنهم حسب اعتقادي لا يربطون أمور الدنيا بالآخرة، فالموضوع لا يتعدى عندهم سوى أن من مات، تجمعهم معه ذكريات حبيبة، وصداقة عمر وعِشرة سنوات وصحبة سوق فريدة، بالإضافة إلى شخصيته الوديعة وحلو مؤانسته وظرف طبيعته. عاد الجميع إلى صوابهم، والمقصود هنا كيف تحيى ذكراه، وأين.

بعض من الأسئلة توجد لها إجابات بالطبع، خاصة عندما تكون غزير العلم وعميق المعرفة، وتدري كيف تعبر عن نفسك، وملما بالتراث، والغالب هنا أن الحديث عن "أم حقين"، وبالطبع ميزتها هي تخصصيتها الفريدة والنادرة.

كانت حفلة "الزار" التي أقيمت بمنزلها وحضرها مائة وعشرون مدعوا اختيروا بدقة شديدة، آخر محطات "شرف" المشهودة. وقيل إن الحزن بلغ مداه في تلك الليلة القمرية، وتزعم عفريتا من الجنة ليلة التأبين، وابلغ الحاضرين أن أخيهم ودرة أصدقائهم الراحل، لهو بالفقد الجلل، وأنه يطوي بموته صفحة نادرة قل أن يجود بها زمان، حتى في عالمهم – كما قال.

وعددت مآثره ولم يتم التطرق أبدا للخصوصيات، التي هي من شأنه لوحده ولا علاقة لهم بخاصة نفسه، التي هي حاضرة بينهم الآن. قدمت سيجارات البنقو وتهافت كثيرون على كؤوس العرقي، ونال آخرون نصيبهم من القهوة ومن الاستمتاع، وهنا خلدت المغنية البارعة وتدعى "الخالة" ليلة تأبين "شرف".

حينا القديم يا ليته توارى، يا ليت لو ابتلعته الأرض، ولم يعد مذكوراً، لماذا يظل موجودا، وكل شيء تحطم بدءا بأفكارنا وليس انتهاء باغتيال صديقنا المحبب إلينا ومن اكثر الناس صدقا وعدلا.

دهمتنا الأمطار والأوبئة والجراد وفتك بنا النمل، وغزتنا الجيوش البشرية المستعمرة من اقصى وأواسط أفريقية، صرنا كتلة بشرية جامدة، متصلبة. لنا عشرون لغة واكثر من ثلاثين لهجة ولكنة، والانفجار وشيك، كيف اجتمعنا هاهنا، وإلى أين ستمضي أيامنا، ومن سيكتب لنا النجاة، من هذا المخلص الذي سوف يجود علينا ويفتَّكنا من هذا العذاب الشديد، عذاب التاريخ والجغرافية، ويلات الفوضى والسحر.

تبدو الحكاية الآن عصية وذات عمق، تبدو كأنها، الآخيرة بحينا القديم، عشرات السنوات وقد كنا صامدين، لم نتزحزح عن حياة هادئة وإيقاعها ثابت، لا تهزه أية ريح، ولا تدانيه ثمة عوائق. يولد لنا فجر كل يوم جديد طفل أو طفلان، وندفن موتانا كل ستة اشهر، ولنا أفراح تمتد على مدار العام. ست مدارس: ثلاث للأولاد واثنتان للبنات، والسادسة قيد التشييد، يقول القائمون عليها إنها ستكون مختلطة، بالإضافة إلى مشفى متواضع نداوي فيه مرضانا قوامه ثلاثة أطباء مقتدرين وممرضين اثنين وثلاث دايات مدربات، وخفير يضطلع بحراسته.

بالمقابل، يرزح الآلاف منا تحت وطأة انخفاض الموارد وتعجل اتخاذ القرارات الاجتماعية. ولد الحي فتيا وذا عنفوان ضارب في التماسك والتكافل، نجيد كل شيء تقريبا، من اغلى الأشياء إلى أدناها. بوسط حينا يوجد ميدان واسع باسم الحرية، تحاصره غابة شجرية ونهر اصطناعي أجبرتنا الظروف على ابتداعه، في خريف ضرب حينا قديما.

والآن نغوص في وحل غرائبي، يتحدى كثيرون منا ماضينا، تنصِّب "معروفة" شقيقتي نفسها، قوادة وشارفت على فتح معهد لتدريب الدعارة وتعلم مهاراتها كافة. هوسنا بالجنس اصبح قاتلا وفتاكا، هي تقود كل العمليات القاتلة بالحي. تستطيع تكبير حجم النهدين وجعلهما جاذبين لكل ذي حاجة، وتقدر على زيادة حجم المؤخرة بما يتواءم مع الذوق العام، وبارعة في فسخ اللون، وتملك قدرة مدهشة في جعل جسد الفتاة متناسقا ومثيرا للعاب الشهوة.

تعرف معنى الانسجام جيدا وما تحتاجه العاهرة من أدوات تمكنها من لفت انتباه الباحثين عن متعة الجنس ولعبة الجسد وتقودها في النهاية إلى تبوؤ مركز محترم في هذه العوالم. جلبت لنا أسوأ مما كنا نتخيله، تنشط وسط الصبايا اللائي لم يتجاوزن الخامسة عشرة، تطرز لهن الأوهام حتى يسقطن في أسر الاحتراف، وتضربهن عبثية الحياة في مقتل.

صباح اليوم بالتحديد أنجبت إحدى تلميذات معروفة، وكانت قد سبقتها بالأمس، اثنتان. يعمل مع معروفة شرطيون مرتشون، تنحصر مهامهم في اخذ "مجهولي الأبوين" إلى قارعة الطرقات، ومن ثم ابتزاز حينا جنسيا لدرجة وحشية وقاتلة.

قالت "رانيا العجيبة" لي إنها دعت الله بكل ما أوتيت من قوة وخشوع لينتقم مني على خيانتي لها، بعدما فررت بجلدي من معتقلاتها الجنسية والشبقية، عندما فارقت جسدها ونهديها، لحظة غادرت أنوثتها الضاربة بعمق سحيق في دنيا الإثارة واللذة، لكني اعترف، بكل شفافية الآن حبيبتي أنك دفعتني عن عمد لمغادرة حيك وسكونك المعذب بالخوف والمهجس بالماضي، دفعتني خارج دائرة آلامك بكل عنف، رميتني بعيدا عن إطار إنسانيتك، تعلمين تمام العلم زجك إياي في وحل الفحولة، دونا عن لواعج القلب، ودونا عنما اسميه شخصي.

سلبتني وجذبتني لغمار الجسد، ولغته، وما عاد يجدي لعني وسبي، ولا حتى تذكري، فما أنا سوى شبق وقد تلاشى في سديم جسدك وذهبت به ليالي العاصمة إلى تاريخها المخفي والذي يُحكى همسا، فالطرقات ما عادت هي، ولم أعد أدري إن كنا أنت وأنا حقيقة، أم تُرانا التقينا وتلاحمنا عشرات المرات، من دون أن نتفق على وداع، يعيدنا كرة أخرى لتخسأ أعيننا بالتلاقي.

تجوب الآن طرق نجاة جديدة اختلقها لها القدر، وآخر ما ورد من أخبارها إليّ، أنها تسير بمحاذاة الموت، وتتمسك بتاريخها وماضيها على حد سواء، وقيل لي أنها تعيش حاليا بأحد أحياء العاصمة الحديثة في عزلة تامة، ولا تستقبل أحدا في بيتها، سواء أكان بشرا أو من الجنة، وهي التي جمعتها صداقات عزيزة معهم، في أيام شبابها السالفة، أيام ركبنا أمواج المتعة وحلمنا بالخلود على رحيقها.

تتمسك "حلة قدام" بمر التقاليد وحلوها، وتعيش الناس على أفكارها دون سواها، وتنتعش لياليها بصخب وضجيج لافتين. ويحكى في هذا الصدد عن أن المعلم "كرار"، قام ذات ليلة بشرب اكثر من ثلاثين زجاجة عرقي، وتلك هي المرة الأولى التي فقد فيها توازنه وغابت عنه أشياؤه وثبات انفعاله، وراح يشتم حتى نفسه، بألفاظ جارحة، وبكى كما النسوة حينما يفقدن فلذات أكبادهن.

والمعلم يقدم ويعرف على أنه احد ابرز وجوه حلة قدام الناجحة على الإطلاق، وصاحب مواقف لا تحصى ولا تنسى. يبلغ طوله مترين بالتمام والكمال، وعرضه اقل من المتر بسينتمرات محدودة، ذو لون مائل إلى السواد، وعيناه واسعتان تشعان بأشياء غريبة وإن تغلب عليهما الحدة فيما يبدو. لم يتلق أي تعليم نظامي كان أم أهليا. وانخرط منذ نعومة اظفراه في سلك "الجزّارين" حتى عرف بأركان العاصمة كلها كرجل شديد الهيبة عبقري المزاج موتور النفس واسع الثراء والنفوذ.

يوم أطلق صرخته الأولى انتابت حلة قدام حالة ذعر شديد لم يألفوه قبلاً، هاجت كل كلاب الحي بنباح مجنون، وخرجت الطيور من اأكارها، حتى الحمام غادر صفائحه والنمل خرج من مساكنه، وانطفأت شموع العاصمة المتباعدة والتي لا يفصلنا عنها سوى النيل بضفته الأخرى. المهم في امر الرجل –كرار- تلك الشخصية المتقنة والتي أجاد استلهامها، وكأنما هي شخصية آتية من قلب الأساطير الكوشية أو المروية، أو ربما نبعت من قوم ملتقى النيلين مسقط رأس السحر بقلب العاصمة كما يُشاع.

وتواردت أقاويل وأقاويل حول ما يتعلق بعدم إنجابه طيلة فترة زواجه التي ناهزت الثلاثين عاما، إذ هنالك من يقول، وهؤلاء طيبون –أن الله لم يرزقه، وهذا مفهوم- في حين تجد البعض الآخر قد عبث بأسرار المعلم، وهؤلاء يتحدثون بمعلومات حقيقية حسب زعمهم، وأخطر هذه المعلومات والتي نسبوها إلى زوجته نقلا عن خالتها التي جزمت -حسب الرواية- أنها استقتها شخصيا من السيدة "العاجبة" زوجته، وذكرت أن المعلم يعاني عجزا، ولا عيب في ابنة شقيقتها كما يشيع موالو الرجل.

وكان المعلم قد توفي إثر حادث سير أليم، بعدما انفجر اطار سيارته الأمامي لتنقلب عربته لأكثر من خمس مرات ما أودى بحياته في الحال.

مدرستنا والتي تقع اقصى الناحية الشرقية الشمالية، وتفتح بوابتها قبالة الشمال، وتتكون من ثمانية فصول، وبها ستة مكاتب تخص مدرسينا، من بينها مكتب المدير الأستاذ حسين عبد الصمد، والذي يدرسنا مادة التاريخ وهو رجل بارع في إيصال المعلومات، ويتميز بشخصية عنيدة وروح كبيرة، ويدير مدرستنا بكل ما أوتي من حنكة.

لكن ما جرى بمكتب المعلمات لا يزال يلقي بظلاله على أجواء المدرسة، فالطريقة التي تم تناول الموضوع على أساسها أثبتت أن الأستاذ راشد، وهو نائب المدير قد احدث شرخا بين المعلمين والمعلمات وما عاد مجديا أن تستمر الأمور هكذا. فلا بد من حل عاجل إن كانوا يريدون تجاوز حادثة "أستاذ أيوب وأستاذة هاجر".

وقال زميلنا في الصف عبد الحكم، وهو مقرب من المدير، إن أستاذ عبد الصمد يعتقد أن الاتهام الذي طال أستاذ أيوب صحيح مائة في المائة بحسب استيثاقه من الموضوع، لأن الأستاذ مهدي والذي لم يثبت عليه يوما ما اجتراحه الكذب، اكد وقوع الحادثة. ويتحدر الأستاذ أيوب من عرق نقي – حسبما نتكلم في حياتنا- وهو متزوج من ابنة عمته، ولديه ولدان ويبلغ من العمر ثلاثة وثلاثين عاما.

ويرى عبد المجيد وعلاء الدين وهما زميلان لنا يتصفان بالمشاكسة والفوضى، أن كل الاتهامات التي ووجه بها أستاذ أيوب باطلة تماما، وحكيا قصة ادعيا أنها حقيقية، وهي أنهما كانا قد ضبطا أستاذة هاجر وهي تتودد لأستاذ أيوب وهو يتمنع عليها قبل أن تراهما، ولفتا نظرنا لما يلقياه من معاملة متسامحة من أستاذة هاجر منذ مطلع العام الدراسي الحالي، وألمحا إلى أنهما قد يتدخلان في الموضوع اذا ما تصاعدت الأمور.

وتبدو أستاذة هاجر فائقة الجمال، وتبلغ من العمر خمسة وعشرين عاما، ولم تتعد خبرتها في التدريس عامين بعد، وهي عزباء وتنتمي إلى أسرة غنية تتمتع بالجاه والحظوة وتسكن جنوبي حلة قدام في حي سبعة بيوت، الراقي. أيام هذه الحادثة شددت علينا القيود ومورست تجاهنا ضغوطا عنيفة وكان الهدف منها ربما الهائنا عما يدور داخل مدرستنا.

قاد التحقيق مستشارون من وزارة التربية، وكشفت نتائجه حسب التسريبات التي وصلتنا، أن لا أدلة حقيقية تثبت تحرش الأستاذ أيوب بالأستاذة هاجر. وعليه يعتبر بريئا من التهمة التي وجهت إليه وتقرر نقله إلى مدرسة البنات المجاورة لنا، بينما اعتبرت تصرفات الأستاذة هاجر –طبقاً للتحقيق- مثيرة للشكوك والريبة وتقرر إيقافها عن التدريس نهائيا، وتم خصم راتب أسبوع من مديرنا أستاذ عبد الصمد، وعلل المستشارون ذلك بفشله في إدارة أزمات مدرسته، وتم توجيه تحذيرات شديدة اللهجة لنا، تعتبر كل من يتحدث بخصوص الحادثة مفصولا، وجندت شرطة سرية من زملائنا مهمتها ضبط أي حديث بهذا الخصوص وإخطار إدارة المدرسة به على الفور.

لم تزل حياة السوق كما كانت هي عليه في السابق، غير أن بعضا من تلك الأمور تغير، واستبدل بعض الذي هو أدنى بالذي هو أدنى منه، فبعد تلك الموجة من الوفيات التي ضربت بأرواح رجال ونساء السوق، برز أصحاب الصف الثاني لا دارة النشاط. وكانت حينها ما تزال تلك الموجة تضرب بعنف، وتحصد ما تحصد من أرواحنا، وتقلل من حظوظ الاستمرارية. وتنبأ كثيرون منا بسقوط كل شيء وتوقف أمد الحياة؛ إذ ارتفعت حدة ورطتنا خاصة في ما يتعلق بسبل دخولنا وخروجنا والصعد التي مضينا، وما اذا كنا قد نجونا، أم هي محض آمال نسقي منها أرواحنا العطشى.

وأيما حقيقة كانت فهي بنهاية المطاف بحاجة إلى من يزودها بقدرتها على الإفصاح والنطق، ويعطيها نكهتها لئلا تسقط وتنغمس في وعورة المسالك. كان الليل قد ارخى سدوله وقبض بإحكام على مفاصل حينا القديم، ولم تعد شعلة ضوء واحدة تنير ما به من ظلام رهيب، وفي الغالب فإن ذاك الظلام يخيم بنفس الدرجة على نفوسنا.

أشجار اللالوب والتبلدي والقصص التي تنسج عن أنها اكبر حاضنة لعدد غير محدود من الجنة والشياطين لا تغري اللصوص وتمنعهم المجازفة خوفا من مخاطر السرقات الليلية المتعددة بحينا القديم. أضف إلى ذلك فقرنا بحد ذاته، إذا ستثنينا أولئك التجار وكبار الموظفين، وطبعا هنالك مخاطر أخرى لا تشجع اللصوص على اقتحام بيوتنا ليلا، وتتمثل في أننا مستعدون بلا مواربة أن نلصق به تهمة أنه أب لأحد مولودينا غير الشرعيين، والذين يتوزعون على كل البيوت تقريبا.

هنا في حينا تبدو الحياة عجيبة، وغريبة، تبدو وكأنها لا حياة، بل هي عذابات مستمرة ولا فكاك منها، حتى النهاية، هذا إن كانت لنا نهاية. فالوعورة هي طريق كل منّا سواء كان رجلا أو امرأة، سواء كان لك ذنبا جنيته أو لم تجنه، فنحن بالنهاية لزجون ولا فكاك من سوائلنا التي تغزو بعضنا بعضا.

D 25 شباط (فبراير) 2013     A عمر نور الدائم: مقتطف     C 3 تعليقات

3 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

عن مبدع الغلاف

كلمة العدد 81: الفيلم الصامت والنشر الورقي

تأثر العبرية بالعربية

تعليم الشعر الجاهلي للناشئة

تأثير الشخصيات الكرتونية على الأطفال

بحث



5 مختارات عشوائية

1.  وردة لفادي والجنوب

2.  رحيل الإذاعيين عبد الرزاق السيد وحسن أبو العلا

3.  10 سنوات من عود الند قريبا

4.  خمسة إصدارات لنوزاد جعدان

5.  ثقافة صحية: هل أصبحت البدانة وباء؟

send_material


microphone image linked to podcast



linked image to oudnad.net pdf_xive
linked image to oudnad.net/dox