عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

مادونا عسكر - لبنان

محور الأدب


محور الأدب من وجهة نظر ميخائيل نعيمة

"وما شرف الأديب إلّا أنّه أبداً يشاطر العالم اكتشافاته في عوالم نفسه. حتّى إذا ما وجد آخر بعضاً من نفسه في تلك الاكتشافات، كان في ذلك للأديب أطيب تعزية وأكبر ثواب. إذن فالأدب الّذي هو أدب، ليس إلّا رسولاً بين نفس الكاتب ونفس سواه"(1). كذا يمنح الأديب اللّبنانيّ، ميخائيل نعيمة، الأدب رتبة الرّسوليّة، إذ إنّ الأديب رسول يشاطر الآخر ما يجول في نفسه من تأمّلات وخواطر ومشاعر. وكلمة رسول تعني اصطلاحاً، الموفد بمهمة عليه تأديتها مكتوبة أو شفهية.

ولا بدّ أنّ ميخائيل نعيمه يرفع الأديب إلى هذا المقام لأنّه مؤتمن على الكلمة الّتي يخرجها للنّاس ويبثّها في نفوسهم وعقولهم، ومهمّته طرح بذورها في الذّات الإنسانيّة لتنبت فكراً أصيلاً يرتقي إلى كمال الإنسانيّة. والأديب في إبداعه يؤسّس لفكر متجدّد وخاص يترك من خلاله بصمة في عالم الإبداع والفنّ.

ميخائيل نعيمةكما يعتبر ميخائيل نعيمة الإنسان محور الأدب، فحوله تدور علومه وفلسفته وتجارته وصناعته وفنونه وآدابه. فالإنسان في رحلة بحث عن نفسه في شتّى مراحل حياته، وفي كلّ حالة يمرّ بها من حزن أو فرح، انتصار أو انكسار. كما يضيف أنّه لا قيمة لأيّ عمل إلّا بمقدار ما يدنيه ذاك العمل من معرفة نفسه أو يقصيه عنها. وبالتّالي فإنّ أي عمل يقوم به الإنسان لا بدّ أن يدلّه على ذاته بشكل أو بآخر، ومن هنا أهميّة الأديب والأدب في أن يكون الإنسان محورهما.

الأديب، وفي غوصه في جوهر الحياة، يتأمّل ذاته أوّلاً من خلال هذا الجوهر، فهو يبحث عن ذاته بالدّرجة الأولى. كما أنّه يضع ذاته في أدبه، فإن كتب رواية جسّد بعضاً من خبرته أو حلمه. وإن نظم شعراً لامس الأنا المستترة في داخله وأظهرها للقارئ، فيوقظ فيه مشاعر لم يكن يدركها من قبل. وإن كتب مقالة فجّر القوى الكامنة في النّفس. وكلّما ارتقى سلّم النّفس وانكشف له سرّها منح الإنسان فرصة أن يدنو من ذاته أكثر ليسافر فيها ويتواصل معها ويتعرّف إليها.

ولمّا كان محور الأدب الإنسان، أغنى فكره وساهم في ترتيبه وصقله، ورفع النّفس من أودية الجهل إلى جبال المعرفة. وتبدأ المعرفة من حسن إيصال الكلمة وذلك باستخدامها بشكل فنّيّ وأخلاقيّ، لترفع القارئ إلى مستوى الإنسانيّة، فتدفعه للتّفكير والتّأمّل. ولا تصيب الكلمة أهدافها بالابتذال وإنّما بالرّقيّ. فلا يجوز الاستخفاف والاستهانة بها، كما لا يجوز طرحها كيفما كان كي لا تقلّل من مستوى من يتلقّفها. فالقارئ أشبه بالأرض يبذر فيها الأديب بذور الكلمة لتطرح أشجار فكر عميق ينير الإنسانيّة.

إنّ حضور الكلمة في حضرة الرّسول، أي الأديب، قويّ وفاعل وهو مؤتمن عليها كما هو مؤتمن على الإنسان الّذي يتلقّاها، فإن كان الزّرع طيّباً نتج عنه حصاد غنيّ ووافر. ولا يستحقّ الأديب لقبه ما لم ينحت في صخرة الإنسانيّة تمثالاً ناطقاً وما لم يبدع من خفايا النّفس لوحة تترجم العمق الإنسانيّ، وما لم ينقّب في مناجمها ليفجّر كلّ طاقاتها في سبيل التفاتة إلى "سرّ الأسرار ولغز الألغاز"، على حدّ قول ميخائيل نعيمة، ألا وهو الإنسان.

= = = =

(1) ميخائيل نعيمة، الغربال ط 17. (بيروت: دار نوفل، 2009)، ص 23.

في كتاب الغربال فصل عنوانه "محور الأدب"، وهو مقدمة كتبها نعيمة لكتاب آخر عنوانه "مجموعة الرابطة القلمية"، أي الرابطة التي تأسست في الولايات المتحدة عام 1920، وكان أحد أعمدتها.

D 25 آذار (مارس) 2013     A مادونا عسكر     C 6 تعليقات

3 مشاركة منتدى

  • تماما ككل كتابات مادونا عسكر فهي هنا تعلمنا فنون الكتابة الابداعية دون وعظ وارشاد وباعتماد نموذج مشرق بالكتابة الادبية ...نص توجيهي رائع ويفضل قراءته أكثر من مرة لترسيخ الفكرة والاستمتاع بالجوهر والمضمون ...أعجبني تأكيدها على مسؤولية الكتابة : فالقارئ أشبه بالأرض يبذر فيها الأديب بذور الكلمة لتطرح أشجار فكر عميق ينير الإنسانيّة.


  • أعظم موهبةٍ ليست الكتابة بل القراءة٠
    الكثرة ليست القرّاء بل الكتّاب. القرّاء أقليّة٠
    ما يقتل الكاتب هو القارئ الذي لا يسمعه. القارئ الذي يقول له: قرأتُ ولم أفهم. قارئٌ لا يقرأ٠
    أكذوبةٌ ساذجة ادّعاءُ الكاتب أنّه لا يكتب لأحد بل لنفسه. مثل قول حسناء إنّها لا تتبرّج لإعجاب أحد بل إرضاءً لنفسها٠
    نفسُهُ مؤلّفةٌ من الآخرين. كذلك نفسها٠
    نفسه ونفسها هما صورتهما عن الآخر٠
    لو عرف القارئ حجم مسؤوليّته عن الكاتب لما قرأ. لو عرف الكاتب مدى ارتهانه للقارئ لصَمَت. لو عرفت الحسناء مدى ارتباط وجودها بنظرة الآخر لبقيت في حماية رغوة الحمّام٠
    مَن هو القارئ؟ جمهور؟ ضمير؟ لا، القارئ هو الحبّ. والكاتب لا يبحث عن الحقيقة بل عن الحبّ٠
    كذلك الممثّل والمغنّي والأستاذ والشحّاذ. والرضيع والعجوز. والمرأة دائماً، وحيثما كان هناك امرأة٠

    من كلمات الشاعر والأديب أنسي الحاج


    • الأستاذ مهنّد النابلسي
      الحقيقة العظمة هي الحبّ وكلّ من يبحث عنها يبحث عن الحبّ، وليس الحبّ بالمعنى المحصور بكلمات منمّقة ورومانسيّة، بل الحبّ المطلق والأسمى.
      كلّ ما نفعله نفعله من أجل الحبّ، فيه حياتنا وكرامتنا وإنسانيّتنا.
      هو منذ البدء وإلى الأزل الحقيقة الوحيدة التي نتوق لملامستها، ومتى لامسناها دخلنا سرّ الأسرار.

      سعيدة بحضورك أستاذي وصديقي
      خالص محبتي وتقديري

  • مادونا عسكر

    "بالأمسِ كنتَ إذا سمعتَ تنهُّدِي وتوجُّعِي!

    تبكي ، وها أبكي أنا وحدي، ولا تبكي معي"!

    كنتُ محظوظاً يوم التقيت ميخائيل نعيمة، وأنا ضمن وفد طلابي زرناه في بسكنتا. كان يقيم في بيت أخيه، بيت متواضع. قدَّموا لنا يومئذٍ ضيافة كريمة من الكرز، ولكن من سوء حظي كذلك أن ينكسر المقعد الذي جلستُ عليه، ويبدو أنه كان متهالكاً لأنني لم أكن بديناً أبداً. ارتبكتُ وأحسست بكثير من الخجل، فطيَّبَ خاطري قائلاً للجميع.. هكذا؛ نجدُ المزيدَ من الأمور التي ينبغي إصلاحها.

    أنسي الحاج الأديب المرموق، والشاعر الأنقى، والصحافي المتمرس طال عمره.. ومهند النابلسي الكاتب الموفق والصياد الماهر والصديق.. ومادونا عسكر..؟ حمَّالة الشموع ومطلقة التراتيل.

    الشكر لك يا سيدتي على هذه الإضاءة، وطيب الله ثرى ناسك "الشخروب". الأديب الشاعر.. والناقد الفيلسوف الذي أضاء على أنسي ومهند ومادونا وعلى الجميع.


    • أحسدك أستاذ ابراهيم أنّك التقيت "ناسك الشّخروب" مع أنّ طيفه يزورنا دائماً. فالنّساك ذوو القلوب المتواضعة والنّقيّة يرثون الأرض ويخلدون أبداً.
      كما أشكر حضورك الّذي أحترمه جدّاً، وأرجو أن أكون دائماً عند حسن الظّنّ.
      خالص محبتي وتقديري أستاذي وصديقي

في العدد نفسه

عن مبدعة الغلاف

كلمة العدد 82: هل الأدب العربي (لا يزال) محظور(ا)؟

زهرة زيراوي: تكريم في المغرب

فاتن الليل: مساءلة الوعي الوجودي

تحديد النسب بالبصمة الوراثية