مكتبة وأرشيف

د عدلي الهواري

للمساهمة في التراكم المعرفي وتعزيز التفكير النقدي

ORCID iD icon https://orcid.org/0000-0003-4420-3590
 
أنت في : الغلاف » كتب الهواري بالعربية » الحقيقة وأخواتها » المقدمة + معلومات أساسية

كتاب: الحقيقة وأخواتها. المجـلات السياسية الفـلـسطـينيـة في الولايات المتحدة

المقدمة + معلومات أساسية

د. عدلي الهواري


تؤكد هذه المجلات الحاجة الماسة لتعدد الأصوات في كل الأوقات، فليس هناك أسوأ من أن يقال إن الشعب الفلسطيني تصرف كالقطيع، ففي كل المراحل كانت هناك نقاشات ومعارضة للتوجهات الخاطئة. ولكن تيار القيادة الفلسطينية كان شرسا وفرض نهجه الذي كان واضحا أنه لن يوصل إلى ما فيه مصلحة الشعب الفلسطيني. وكانت نتيجة هذا الإصرار على السير على هذا الدرب الخطير التوصل إلى اتفاقية على حكم ذاتي كان معروضا على الشعب الفلسطيني أفضل منه قبل ذلك بعشرين عاما تقريبا.

د عدلي الهواريتـوطـئــة

لعبت النشرات الصادرة في سياق نضالي دورا مهما في التواصل مع الجماهير. ومن الأمثلة على ذلك جريدة «فتح» التي صدرت في الأردن بعد حرب عام 1967، إذ كانت توزع من الأعداد أكثر من الصحف اليومية في ذلك الحين كجريدة «الدفاع» التي كانت في الأصل تصدر في فلسطين. وأثناء حصار بيروت عام 1982، كان للصحف والنشرات دور مهم في رفع المعنويات وتعزيز الإرادة على الصمود، واثنتان منها صدرتا أثناء فترة الحصار وهما «المتراس» و«المعركة».

ولأن العرب والفلسطينيين المغتربين قاموا بنشاطات مختلفة دعما للقضية الفلسطينية، من الطبيعي أن تشمل النشاطات إصدار نشرات قد تكون واحدة منها على الأقل دورية، وأخرى تصدر حسب الحاجة. بحكم الإقامة في الولايات المتحدة عددا من السنوات، عايشت تجربة صدور نشرات فلسطينية، تكمن أهميتها في أنها لعبت دورا سياسيا مناصرا للقضية الفلسطينية، فساعدت على التذكير بالانتماء وتعزيزه، ومتابعة شؤون الوطن وتطورات الأوضاع فيه والمتعلقة به. وكانت أيضا وسيلة للبقاء على صلة مع اللغة العربية.

يوثق هذا الكتاب سبع مجلات فلسطينية صدرت في الولايات المتحدة خلال الأعوام 1980-1984، وهي المجلات التي لدي منها عدد واحد على الأقل. التوثيق جزئي ويشمل معلومات أساسية عن كل عدد، إضافة إلى مادة أو أكثر من مواده. وبوسع الراغبات والراغبين في الاطلاع على المحتوى الكامل الذهاب إلى موقع أرشيفي الرقمي (adli.uk) الذي يمكن تصفحه بدون قيود، والحصول على نسخة من كل المجلات ووثائق أخرى منشورة فيه.

وحرصا على إطالة عمر هذه المجلات بصيغتها الورقية، بحثت لها عن مكتبة جامعية تهتم بالاحتفاظ بمنشورات ذات علاقة بالعرب الأميركيين. وقد أبدت جامعة شيكاغو وجامعة ميتشغان اهتماما بالحصول على هذه المجلات. ونظرا لوجود أكثر من نسخة من بعضها، أمكنني تلبية رغبة الجامعتين. ولذا، من الممكن معاينة النسخ الورقية في هاتين الجامعتين.

تجدر الإشارة إلى أن فترة صدور المجلات التي يعنى بها هذا الكتاب قد شهدت رغم قصرها تمايزا في المشهد السياسي الفلسطيني، بحيث يمكن اعتبار السنوات الخمس مرحلتين سياسيتين. ولذا تبرز سمات مختلفة في المجلات حسب مرحلة الصدور. المرحلة الأولى تشمل الأعوام 1980-1982، والثانية 1983-1984. نشأ التمايز نتيجة الانتفاضة في حركة فتح عام 1983، التي انتقلت تفاعلاتها إلى الهيئات الفلسطينية في الولايات المتحدة.

في المرحلة الثانية، لعبت اثنتان من المجلات المذكورة في الكتاب دورا ناقدا للقيادة الفلسطينية التي اختارت بعد الخروج من بيروت أن تسعى إلى الانخراط في مبادرات سلام لا تلبي الحد الأدنى من حقوق ومصالح الشعب الفلسطيني، وغير متوافقة مع ما كانت هذه القيادة تعد الشعب الفلسطيني به عندما انطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة في الستينيات، وقدم الشعب من أجلها تضحيات جسيمة.

ينضم هذا الكتاب إلى اثنين آخرين، وثقت في أحدهما تجربة تأسيس وانهيار فرع الاتحاد العام لطلبة فلسطين في الولايات المتحدة. ووثقت في الثاني الاتصالات الفلسطينية الأميركية أثناء فترة الحصار الإسرائيلي لبيروت عام 1982. في يقيني أن الكتب الثلاثة تساهم في توفير سجل ذي علاقة بتجربة سياسية شارك فيها الآلاف من أفراد الجالية والطلبة الفلسطينيين في الولايات المتحدة. وأعتز بلا شك بأني شاركت في هذه التجربة التي كرست لها الكثير من وقتي وجهدي.

عدلي الهواري

تشرين الثاني 2017

لندن

= = =

معلومات أساسية

تتردد في الكتاب كثيرا أسماء شهور السنة كما هي مستخدمة في بلاد الشام. ولأن للشهور أسماء مختلفة في الدول العربية، فيما يلي الاسم كما هو مستخدم في دول أخرى وكعـدد:

كانون الثاني = يناير (1). شباط = فبراير (2). آذار = مارس (3). نيسان = أبريل (4). أيار = مايو (5). حزيران = يونيو (6). تموز = يوليو (7). آب = أغسطس (8). أيلول = سبتمبر (9). تشرين الأول = أكتوبر (10). تشرين الثاني = نوفمبر (11). كانون الأول = ديسمبر (12).

وتترد أيضا الإشارة إلى منظمات فلسطينية باسمها الكامل أو بالحرف الأول من كل كلمة في اسمها. فيما يلي معلومات موجزة عن المنظمات التي تذكر كثيرا في محتويات الكتاب.

1. منظمة التحرير الفلسطينية (م ت ف): تأسست م ت ف في عام 1964. وكان أحمد الشقيري أول رئيس للجنتها التنفيذية. في عام 1974 حصلت على قرار من القمة العربية المنعقدة في الرباط يعترف بها ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني. كانت م ت ف بمثابة ائتلاف بين عدد من منظمات المقاومة الفلسطينية، واحتفظت كل منظمة بهيكل تنظيمي مستقل وقيادة سياسية وعسكرية مستقلة.

2. اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية: الهيئة القيادية التي تدير شؤون المنظمة. انتخب عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، ياسر عرفات، رئيسا لها في عام 1969، وظل رئيسها حتى وفاته في عام 2004.

3. المجلس الوطني الفلسطيني: هيئة يمكن اعتبارها في منزلة برلمان فلسطيني، ولكن العضوية فيه لم تكن عن طريق الانتخاب، بل من خلال حصة مخصصة لمنظمات المقاومة حسب حجمها، وللمنظمات الجماهيرية، مثل اتحاد المرأة والطلبة وغيرهما، إضافة إلى عدد كبير من فئة «مستقلين»، وهم في العادة من المؤيدين لياسر عرفات.

4. المجلس المركزي: مجلس وسيط بين اللجنة التنفيذية والمجلس الوطني الفلسطيني.

5. حركة فتح: أكبر فصائل المقاومة الفلسطينية. ونتيجة لذلك، كان رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير منذ عام 1969 ياسر عرفات، وهو من قادة ومؤسسي فتح. اللجنة المركزية أعلى هيئة قيادية في الحركة، ثم المجلس الثوري.

6. منظمات المقاومة الأعضاء في م ت ف التي كانت تتمتع بتأييد كاف للتنافس على الفوز بالأغلبية في انتخابات تجريها الهيئات الفلسطينية العاملة في الولايات المتحدة: حركة فتح (زعيمها ياسر عرفات)؛ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (زعيمها جورج حبش)؛ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين (زعيمها نايف حواتمة).

7. المجلس الفلسطيني في أميركا الشمالية: ائتلاف مكون من العديد من جمعيات الجاليات الفلسطينية في مختلف أنحاء الولايات المتحدة وكندا. الجمعيات التي كان لها فروع في مختلف أنحاء الولايات المتحدة أو كندا كانت تمثل في اللجنة التنفيذية للمجلس، مثل الاتحاد الأميركي لرام الله فلسطين والاتحاد العام لطلبة فلسطين. كان يسمى أحيانا الكونغرس الفلسطيني في أميركا الشمالية، أي دون ترجمة «كونغرس» في اسمه بالإنجليزية.

وتتردد في الكتاب كثيرا إشارات إلى الاتحاد العام لطلبة فلسطين وأسماء هيئاته المختلفة وبعض المصطلحات الخاصة به.

1. الاتحاد العام لطلبة فلسطين: منظمة طلابية تأسست في عام 1959. وصار له فروع في مختلف أنحاء العام. فرع الاتحاد في الولايات المتحدة تأسس في عام 1980. قبل ذلك، كان الطلبة الفلسطينيون يقومون بنشاطات دعم القضية الفلسطينية من خلال منظمة الطلبة العرب في الولايات المتحدة التي تأسست في عام 1952.

2. المؤتمر الوطني: مؤتمر يشارك فيه مندوبون عن جميع فروع الاتحاد في العالم. على سبيل المثال، المؤتمر الوطني التاسع الذي عقد في الجزائر في عام 1983.

3. المؤتمر القطري: مؤتمر خاص بفرع الاتحاد في دولة واحدة. على سبيل المثال، المؤتمر القطري (السنوي) الثالث للاتحاد العام لطلبة فلسطين في الولايات المتحدة.

4. وحدة: فرع محلي لفرع الاتحاد في دولة ما. مثلا، وحدة مدينة شيكاغو، هي فرع محلي لفرع الاتحاد في الولايات المتحدة الأميركية. حسب نظام الاتحاد، تقام الوحدة في المدينة وليس في الجامعة الواحدة، فإذا كان في المدينة مجموعة من الجامعات فإن طلبتها يشاركون في وحدة واحدة.

5. الهيئة التنفيذية: الهيئة المسؤولة عن جميع فروع الاتحاد في العالم.

6. المجلس الإداري: مجلس وسيط بين الهيئة التنفيذية والمؤتمر الوطني.

7. الهيئة الإدارية: الهيئة المسؤولة عن فرع للاتحاد في دولة واحدة.

8. لجنة الوحدة: الهيئة المسؤولة عن فرع للاتحاد في مدينة واحدة.

9. التنسيب: تسجيل الأعضاء في الاتحاد (يشمل ذلك تجديد العضوية).

10. التمثيل النسبي: نظام انتخابي يقسّم المقاعد المتعددة التي يتنافس عليها أكثر من طرف وفق النسبة المئوية التي يحصل عليها من الأصوات. إذا تنافس طرفان على أربعة مقاعد وحصل طرف على 75% من الأصوات والآخر على 25% يحصل طرف على ثلاثة مقاعد، والآخر على مقعد واحد. في نظام التنافس الحر، يفوز الطرف الذي يحصل على العدد الأكبر من الأصوات بكل المقاعد.

= = =

الـمـقـدمـة

يوثق هذا الكتاب توثيقا جزئيا مجلات صدرت باللغة العربية في الولايات المتحدة الأميركية خلال خمس سنوات: 1980-1984. المجلات المشمولة بالتوثيق هي: «فلسطيننا» (أربعة أعداد)؛ «فلسطين الديمقراطية» (عدد واحد)؛ «فلسطين» (عدد واحد)؛ «الاتحاد» (اثنا عشر عددا)؛ «صدى المعركة» (عددان)؛ «الحقيقة» (عشرة أعداد)؛ «فتح» (أربعة أعداد).

لماذا هذه الفترة تحديدا؟ انتقلت في عام 1980 من ولاية أوكلاهوما إلى مدينة نيويورك لإكمال دراستي فيها، وغادرت الولايات المتحدة في صيف عام 1985. بدأت في نيويورك علاقتي بمجلة «فلسطيننا»، وصرت أشارك في إصدارها بمراجعة المواد التي تطبع لها وبالكتابة أحيانا وبعملية التوزيع التي كانت تشمل ربط مجموعة من الأعداد وإرسالها بالبريد البطيء إلى قائمة العناوين البريدية التي لدى المجلة.

اكتسبت من خلال «فلسطيننا» المهارات اللازمة لإصدار مجلة. ونتيجة لذلك تمكنت من إصدار مجلة «الاتحاد» بعد أن توليت مسؤولية الإعلام في فرع الاتحاد العام لطلبة فلسطين في الولايات المتحدة، وكان ذلك بعد انتخابي عضوا في الهيئة الإدارية للفرع في المؤتمر الثاني الذي عقد مدينة ايمز (ولاية أيوا) في صيف عام 1981.

تركز صدور المجلات في نيويورك وواشنطن العاصمة نظرا لتوفر مواد إعلامية عربية نتيجة وجود بعثات دبلوماسية عربية تصل إليها نسخ من صحف بلادها اليومية. والمجلات الصادرة عن م ت ف وفصائلها كانت تصل بالبريد إلى الهيئات المؤيدة للمنظمة وفصائلها. على سبيل المثال، كان يصل إلى فرع الاتحاد العام لطلبة فلسطين في الولايات المتحدة نسخ من مجلة «فلسطين الثورة»، التي تعتبر المجلة الرسمية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

كان من عادتي أن أحتفظ بما أحصل عليه من نشرات وبيانات، إضافة إلى احتفاظي بنسخة أو أكثر مما أتولى إصداره. ولكن للأسف، ما لدي من أعداد أقل مما كنت أظن أنه بحوزتي، إذ توقعت أن يكون لدي من «فلسطيننا» أعداد أكثر من الأربعة الموثقة في الكتاب؛ وأن يكون لدي كل أعداد مجلة «الاتحاد» حتى نهاية عام 1984، وكذلك مجلة «فتح». المجلة الوحيدة التي لدي سلسلة غير منقطعة منها (1-10) هي مجلة «الحقيقة».

يشمل توثيق المجلات الرقم التسلسلي للأعداد، وتاريخ الصدور المكتوب على العدد، وعدد الصفحات، وحجمها، ثم قائمة بأهم الموضوعات التي نشرت في العدد. بعد هذه المعلومات الأساسية، يشمل التوثيق نشر موضوع أو أكثر من كل عدد. وسأشير أدناه إلى معايير اختيار هذه المواد للنشر هنا.

كانت المجلات في تلك الفترة تعتمد على إعادة نشر مواد منشورة في صحف عربية أو مجلات تصدرها م ت ف وفصائلها، وخاصة فتح، والجبهتين الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين، مثل مجلة «فلسطين الثورة» ومجلة «الهدف». لم يكن ذلك العصر عصر إنترنت. ولذا كانت المواد تقص من الصحف والمجلات المتوفرة ليعاد نشرها في المجلات. ومع أن «القص واللصق» عمل غير مستحب في عصر الإنترنت، إلا أن عملية إعادة النشر في تلك المرحلة كانت أمرا لا مفر منه، وقدمت خدمة إعلامية مهمة للجالية والطلبة، فالحصول على عدد من الصحف والمجلات يكفي للتوزيع في مختلف أنحاء الولايات المتحدة غير ممكن.

رغم اعتماد المجلات على إعادة النشر، كان كل عدد يتضمن مادة أصلية أو أكثر، أي كتبت خصيصا للعدد، من بينها الافتتاحية. وكانت المواد تنشر بدون أسماء في العادة. ولكن قد توقع بعض المقالات باسم مستعار، وهذا كان يحدث في مجلة «فلسطيننا».

أول معايير اختيار مواد من المجلات للنشر هنا أن تكون المادة من إعداد المجلة، وفي كثير من الحالات هذا يعني افتتاحية العدد التي سميت أسماء مختلفة مثل كلمة، أو رأينا، أو موقفنا. في بعض الحالات قد تكون الافتتاحية قصيرة، ولذا أعززها بمادة أخرى أو أكثر، حسب طول المادة. والمعيار الثاني اختيار مواد تعطي فكرة عن نشاطات الهيئات التي كانت تعمل في أوساط الجالية أو الطلبة. والمعيار الثالث اختيار المادة التي تعطي فكرة عن النقاشات التي كانت تجري في ذلك الحين حول الأوضاع الفلسطينية والمواقف السياسية في تلك المرحلة. للتأكيد، المواد المختارة ليست من المواد التي أعادت هذه المجلات نشرها من صحف أو مجلات أخرى، باستثناء حالة واحدة، وهي الأعداد الأولى من مجلة «الحقيقة»، فسبب صدورها كان نشر بيانات صادرة عن الانتفاضة في حركة فتح، التي كانت أخبارها خاضعة للتعتيم والتكتم.

أستخدم في هذا الكتاب تعبير «مجلة» حتى لو لم تصف النشرة نفسها بذلك. والسبب أن استخدام سبعة أوصاف مختلفة لسبع نشرات لا مبرر له. حتى النشرة التي تصف نفسها بأنها «جريدة» لا تختلف عن النشرات الأخرى: جميعها كان يصدر في معظم الحالات باستخدام ورق الجرائد بالحجم الذي يعرف بـ«تابلويد» القريب من الصفحة التي تعرف خارج الولايات المتحدة بـ ايه 3. وجميعها يتشابه في رسالته ومضمونه.

مرحلة السنوات الخمس التي يعنى بها الكتاب كانت من الناحية السياسية مرحلتين مختلفتين، الأولى قبل الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، فحتى ذلك الحين كانت المجلات تسعى إلى تعزيز الهوية الفلسطينية ودعم م ت ف بحشد التأييد لها كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني. أثناء هذه المرحلة، كان مؤيدو الفصائل الفلسطينية يشتركون في هذا الموقف، رغم أن الفصائل كانت توجه الانتقادات لبعضها البعض في سياق تنافسها على كسب التأييد لها في أوساط الجالية والطلبة الفلسطينيين.

كان لخروج م ت ف من بيروت ووقوع مجزرة صبرا وشاتيلا وقع صادم على الجالية الفلسطينية ومؤسساتها. وكان فرع الاتحاد العام لطلبة فلسطين أول الهيئات الفلسطينية التي تنهض من حالة الإحباط التي سادت. وعقد الفرع مؤتمره السنوي الثالث الذي تأجل مرتين في شيكاغو في الأيام الأخيرة من عام 1982. ظهرت في هذا المؤتمر خلافات في الرأي بين مؤيدي تيار فتح، فالتقرير السياسي المقترح من أعضاء الهيئة الإدارية المؤيدين لهذا التيار لم يكن مجرد صدى لما تعبر عنه القيادة الفلسطينية، بل حدد موقفا من القضايا المختلفة وعلى رأسها رفض مبادرات السلام المطروحة في ذلك الحين، مثل مبادرة ريغان وأخرى تبنتها القمة العربية التي عقدت في فاس.

المرحلة السياسية الثانية هي التي تلت خروج قوات م ت ف من بيروت. أصبح الاختلاف في المرحلتين شديد الوضوح بعد الانتفاضة في حركة فتح التي انطلقت في أيار 1983. بعد حوالي أربعة شهور من هذا الحدث، أي في أيلول 1983، صدرت مجلة «الحقيقة» لتنقل المعلومات عن الانتفاضة (الانشقاق) في حركة فتح، من خلال نشر البيانات الصادرة عن هذا التحرك الذي سعى إلى إعادة فتح إلى مسارها النضالي القديم وإصلاح أوضاعها. وهكذا، بعد شهور قليلة من مرحلة رمادية بعد الانتفاضة في حركة فتح، بدأ يحصل الفرز في المواقف بين مؤيدي تيار فتح في الولايات المتحدة.

نشرت «الحقيقة» صوت الانتفاضة في حركة فتح داخل الولايات المتحدة. وصارت تعبر عن موقف معارض لتوجهات القيادة الفلسطينية، أو للدقة في التعبير، مواقف ياسر عرفات، فهو قبل الخروج من بيروت كان يحصل على معظم ما يريد، وبعد الخروج أصبح لا يحتمل أي اختلاف مع توجهاته التي قادت الشعب الفلسطيني إلى كارثة ممثلة باتفاقية أوسلو.

يتبين من الموضوعات الناقدة للقيادة الفلسطينية في مجلتي «الحقيقة» و «فتح» أنها كانت تعي مبكرا أن الدرب الذي سارت عليه القيادة هو الطريق إلى الهاوية، ولذا المواقف التي اعترضت على اتفاقية أوسلو بعد التوقيع عليها مواقف متأخرة كثيرا، وصحوة بعد فوات الأوان، فالمؤشرات قبل الخروج من بيروت كانت واضحة على رغبة القيادة الفلسطينية في الانخراط في مشاريع تسوية لا تحقق للشعب الفلسطيني الحد الأدنى من حقوقه. وازدادت المؤشرات وضوحا بعد الخروج.

بعد حدوث الانتفاضة في حركة فتح في عام 1983، اتسعت شقة الاختلاف في المواقف بين من كانوا مؤيدين لتيار فتح. كانت الهيئة الإدارية لفرع الاتحاد المنتخبة في المؤتمر الثالث مكونة من تسعة أعضاء. ستة منهم مؤيدون لتيار فتح، واثنان مؤيدان للجبهة الشعبية، وواحد للجبهة الديمقراطية. تصادف أن أربعة من الأعضاء الستة كانوا مؤيدين لمحاولة العودة بفتح لمسارها النضالي السابق. هؤلاء الأربعة مع زملائهم الثلاثة المؤيدين للجبهتين الشعبية والديمقراطية أصبحوا أغلبية جعلت فرع الاتحاد في الولايات المتحدة غير خاضع لأشخاص مؤيدين للقيادة الفلسطينية. ولذا تمت محاولة السيطرة عليه من خلال استهدافه بادعاءات عن وجود مخالفات، وطلبت الهيئة التنفيذية في تونس تجميد تسجيل الأعضاء وإجراء انتخابات في الوحدات تمهيدا لعقد المؤتمر الرابع للفرع.

لم تنجح محاولات التوصل إلى صيغة توافقية لا تقوم على استبعاد مؤيدي الانتفاضة في فتح من الهيئة الإدارية أو الاتحاد. كذلك أخفقت خطة مؤيدي القيادة للسيطرة على الفرع. وكانت النتيجة انشقاق فرع الاتحاد في الولايات المتحدة إلى فرعين، عقد كل منهما مؤتمرا وانتخب هيئة إدارية خاصة به. قبل الانشقاق الفعلي، صدرت مجلة «فتح» ليتم التعبير فيها بصراحة عن وجهات نظر مؤيدي الانتفاضة في حركة فتح. وصدر منها خمسة أعداد فقط، وكانت و«الحقيقة» تصدران معا لبعض الوقت.

حافزي لهذا العمل هو إيماني بأهمية التوثيق لحماية الذاكرة والمساهمة في حدوث تراكم معرفي، ومن أجل أن يكون هناك تعدد في الأصوات والروايات بشأن الأحداث الصغيرة والكبيرة في النضال الفلسطيني، ولكيلا تهيمن سردية واحدة رسمية تعظم شخصا واحدا أو عددا قليلا من الأشخاص وتنسب لهم كل الإنجازات وتعفيهم من المسؤولية عن الأخطاء.

ومن دوافعي أيضا إيماني بضرورة توثيق التجارب المحلية حتى لو كانت صغيرة، فالنهر الكبير يحصل على مياهه من روافد صغيرة، ومفهوم القيادة المتمثل بوجود قائد ملهِم (بكسر الهاء) وملهَم (بفتح الهاء) مجرد وهم، فلا يوجد أحد يحقق بقدرته الشخصية إنجازات كبرى. ولحسن الحظ أن بعض هذه المجلات ظل موجودا كل هذه السنوات ليمكن الكتابة عنها، ومن خلالها عن تجربة من تجارب فلسطينية عديدة شارك فيها فلسطينيون مهاجرون وطلبة كانوا يدرسون في الولايات المتحدة. ووجود سجل ولو جزئي متعلق بالعمل في أوساط الجالية والطلبة الفلسطينيين في الولايات المتحدة له عمر أطول من ذاكرة الأشخاص، فهؤلاء سيرحلون عن هذه الدنيا.

تؤكد هذه المجلات الحاجة الماسة لتعدد الأصوات في كل الأوقات، فليس هناك أسوأ من أن يقال إن الشعب الفلسطيني تصرف كالقطيع، ففي كل المراحل كانت هناك نقاشات ومعارضة للتوجهات الخاطئة. ولكن تيار القيادة الفلسطينية كان شرسا وفرض نهجه الذي كان واضحا أنه لن يوصل إلى ما فيه مصلحة الشعب الفلسطيني. وكانت نتيجة هذا الإصرار على السير على هذا الدرب الخطير التوصل إلى اتفاقية على حكم ذاتي كان معروضا على الشعب الفلسطيني أفضل منه قبل ذلك بعشرين عاما تقريبا.

قسمت الكتاب إلى ثلاثة أقسام. القسم الأول، الأصغر، يضم أعدادا متفرقة من مجلات «فلسطيننا» و«فلسطين» و«فلسطين الديمقراطية». وقد صدر معظمها قبل الانتفاضة (الانشقاق) في فتح. ولم يكتسب العدد الصادر من «فلسطيننا» بعد هذا الحدث سمات تجعله يختلف جوهريا عن أعداد المجلة قبل هذا الحدث. القسم الثاني مخصص لمجلة «الاتحاد» بالنظر إلى صدورها عن جهة واحدة، وتوفر الأغلبية من الأعداد ضمن فترة السنوات الخمس. أما القسم الثالث فيضم أعداد مجلتي «الحقيقة» و«فتح». ووضعهما في قسم واحد يعود إلى أنهما صدرتا بعد وبسبب الانتفاضة في حركة فتح عام 1983.

كانت المجلات تصدر بدون كادر صحفي يضم مختصا بالتدقيق اللغوي، لذا نجد في الموضوعات المنشورة بعض الأخطاء النحوية أو الإملائية. ولكن هذا لا يقلل من قيمة ما نشر، الذي كان في المجمل جيد المستوى. في حالتين وجدت أن المادة المنشورة هنا كان يمكن أن تصاغ بشكل أفضل. الموضوعات التي اخترتها لإعادة النشر هنا لا تختلف عن الأصل إلا بتصحيح الأخطاء الإملائية والنحوية، وإضافة فاصلة أو استبدالها بنقطة في بعض الأماكن لتسهيل القراءة.

قد يبدو للقارئ المتمكن من اللغة العربية أن الموضوعات المعاد نشرها لا تزال غير خالية من الأخطاء اللغوية. إن تغيير كل ما يمكن اعتباره خطأ سوف يؤثر على السمة التوثيقية للكتاب، فالتوثيق يجب أن يشمل أسلوب الكتابة المستخدم في الأصل. سيمكن مثلا ملاحظة اتباع الأسلوب المعروف باللغة الإنجليزية الذي يضع فاصلة بدل واو العطف بين ثلاث كلمات أو أكثر، والاكتفاء بواو عطف واحدة قبل الكلمة الأخيرة. أبقيت مثل هذه الحالات كما هي.

من الاختلافات الطفيفة التي لا تتدخل بالمعنى كتابة الحروف م ت ف (أي منظمة التحرير الفلسطينية) بدون نقطة بعد كل حرف. كذلك، كان شائعا في ذلك الحين اختتام المواد بعبارة «ثورة حتى النصر»، وهي في منزلة إعلان انتهاء الموضوع. لذلك، لم أختم بها المواد المنشورة هنا، إلا إذا كانت، مثلا، ضمن رسالة رسمية. وقد يرد في المواد المعاد نشرها هنا نوعان من الأقواس: القوسان المستقيمان [—] وهذان يعنيان أن الكلمات بينهما إضافة مني؛ أما القوسان المنحنيان (—) فهما وما بينهما موجودان في الأصل. في ختام بعض المواد قد أضع معلومة إضافية عن أمر ورد فيها، أو أكتب تعليقا لمزيد من المعلومات أو الوضوح.

= = =

أعداد المجلات وتواريخ صدورها

JPEG - 101.1 كيليبايت
مجلات فلسطينية صدرت في و م أ

= = =

التصميم اليدوي للمجلات

في عصر الحواسيب والإنترنت، أصبح تصميم الصحف والمجلات والكتب يتم باستخدام برامج متخصصة. أما في النصف الأول من الثمانينيات، الفترة التي يعنى بها هذا الكتاب، فقد كان تصميم المجلات يتم يدويا باستخدام أدوات ولوازم بسيطة. ثم تؤخذ الصفحات إلى المطبعة.

المواد الأساسية لتصميم مجلة: ورق مسطّر أفقيا وعاموديا بلون أزرق فاتح. صمغ. مسطرة. أقلام حبر أسود. مقص. شفرة. سائل أبيض لاستخدامه في تصحيح أخطاء الطباعة أو إخفاء كلمات. يجب أن يكون للصفحة هامش على الجوانب الأربعة لا يمكن الطباعة عليها. مسافة الهامش تحددها لك جهة الطباعة. كان من الدارج رسم إطار ليكون محتوى الصفحة داخله. بعد ذلك يمكن تقسيم الصفحة إلى العدد الذي تراه مناسبا من الأعمدة، أو إلى مساحات مختلفة الأحجام، ويعتمد ذلك على ذوقك في التصميم.

في حال توفر آلة كاتبة، تطبع المواد بعرض العامود المحدد في المجلة. وبعد ذلك، تقص المادة وتلصق في المكان المحدد لها. الصمغ الجاف الذي يأتي على شكل أسطوانة مختلفة الأحجام كان النوع الشائع آنذاك. تبين لي لاحقا أن الشمع الذائب بديل لاستخدام الصمغ. لا يزال الصمغ ممسكا بما ألصق به من أوراق في بعض المسودات التي لدي لدعوات إلى نشاطات.

عند لصق المواد المطبوعة، يجب أن يحسب حساب عنوان المادة في حال استخدام عناوين كبيرة. كان يُعتمد على الصحف والمجلات العربية كثيرا ليس فقط في إعادة نشر مواد منها، بل واختيار عناوين مناسبة لمواد من إعداد المجلة، أو يتم تركيب عنوان جديد من عناوين مختلفة. أصبح من الممكن تقليل الاعتماد على العناوين المقصوصة من الصحف بعد ظهور حروف عربية مصمّغة يمكن نقلها إلى صحفة التصميم، وكانت البديل للتخطيط اليدوي والاعتماد الكامل على عناوين من الصحف.

كان عدد صفحات المجلة الواحدة يتكون من أربع صفحات أو مضاعفات العدد 4، أي 8، 12، 16، إلى آخره. وكان من غير الممكن طبع أقل من ألف نسخة في تلك الأيام. أبعاد الصفحة المستخدمة في إصدار المجلات أصغر قليلا من أبعاد صفحة ايه 3. وكانت الصفحات ترتب لشركة الطباعة بحيث يخرج ترتيبها بعد الطباعة من اليمين إلى اليسار، أي عكس المتعارف عليه في الطباعة بالإنجليزية. بعد طباعة المجلة تجمع الصفحات وتطوى مرة واحدة من المنتصف.

كان يتم أحيانا تصميم الصفحة بحيث تظهر صفحة العدد معادلة لأبعاد الصفحة ايه 4، وهي تعادل نصف ايه 3. أبعاد الصفحات تتبع نظاما مختلفا في الولايات المتحدة. حجم الصفحة المتداول كثيرا هو 8.5 بوصة عرض، 11 بوصة ارتفاع، وهو أعرض وأقصر قليلا من صفحة ايه 4. تم استخدام ايه 4 وايه 3 في الكتاب لأن هذا النظام منتشر في العالم.

الخدمة البريدية في الولايات المتحدة كانت تقدم سعرا خاصا للمواد المطبوعة، وخدمة بريدية أرخص في حال إرسال المطبوعات بأعداد كبيرة (Bulk Mail). وكانت هذه الخدمة تشترط فرز المجلات، وربط النسخ المرسلة إلى ولاية واحدة، وطبعا لصق العناوين على أعداد الحزمة.


توثيق المقتطفات من الكتاب في الهوامش (أسلوب شيكاغو):

النسخة الورقية:

1. عدلي الهواري، الحقيقة وأخواتها. المجـلات السياسية الفـلـسطـينيـة في الولايات المتحدة: 1980-1984 (لندن: عود الند، 2018)، ص - -.

توثيق النقل من الموقع:

يحذف من التفاصيل أعلاه رقم الصفحة، ويضاف إليها رابط الصفحة المنقول منها.

توثيق الكتاب في قائمة المراجع:

الهواري، عدلي. الحقيقة وأخواتها. المجـلات السياسية الفـلـسطـينيـة في الولايات المتحدة: 1980-1984. لندن: عود الند، 2017.

عنوان الكتاب يكتب بخط مائل أو يوضع تحته خط.

JPEG - 22.4 كيليبايت
الحقيقة وأخواتها: المجلات السياسية الفلسطينية
غلاف كتاب الحقيقة وأخواتها. المؤلف: د. عدلي الهواري

بحث