عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

أمة الله الحجي - اليمن

مفارقات الحياة


قريبا من زجاج العرض السميك، يجلس متشرد صغير يبحث عن الدفء بعيون صغيرة تتمنى أن تلوذ من برد الشتاء بدفء متجر اللحم ذاك. يتضور جوعا. فمه جاف. ويشعر بالظمأ.

رغم البرد، لا يستطيع البكاء لأن دموعه تجمدت. فكه يتحرك بسرعة، ربما من البرد، أو لأنه يتخيل أنه يقضم قطع اللحم الشهية تلك.

الوقت متأخر وما زال ينظر إلى البائع الجشع يعد مبالغ النقود بسرور.

بسرعة فائقة أتت سيارة جميلة. أنوارها تذكره بشمس الربيع. رحبت به إطاراتها بأن رشت عليه بعض الماء الذي يملأ الطريق، فازداد شعوره بالبرد وتهيأت ملابسه الخفيفة المتهرئة للتجمد.

توقفت السيارة، وبخفة نزل من يقودها. فتح الباب الآخر لتنزل السيدة الثرية. ألقى سترته على الأرض الموحلة لكيلا توسخ حذائها الثمين. نزلت تتحرك بترنح وهي تحمل بين ذراعيها كلبا سمينا أبيض. إنه ذات الكلب الذي كان يشاركه التشرد وأزقة المدينة؛ أصبح نظيفا وسمينا، ورائحة العطر تنبعث من شعره.

وقف المتشرد ينظر. أصبح كالتمثال يرقبها، لا يحرك حتى أنفاسه. أسنانه ما تزال تفرقع. نفسه تحدثه: يا له من كلب محظوظ! تحمله من تدوس على سترة الرجل.

بدأ يسترق السمع بالقرب من باب ذاك المتجر:

"انظري يا سيدتي. هذه أجود قطعة لحم بقر في المتجر. إنها مستوردة من نيوزيلندا".

"لا. لا. كلبي لا يحب لحم البقر؛ وأنا لم آت إلى هنا إلا لكي اختار بنفسي ما سيأكله "أورو" فـهو لا يأكل إلا لحم خروف".

ظل المتشرد يفكر في كلماتها: "أنا لم آت إلى هنا إلا لكي اختار بنفسي ما سيأكله أورو".

مرت بضع دقائق. بعدها خرجت السيدة تحمل كلبها، والمتشرد ينظر إليها بعينين تملأهما الدهشة. نظرت إليه بازدراء: فتى هزيل يكاد يموت من البرد والجوع. جسده يرتعش، وذراعاه تطوقان جسده.

سألته باحتقار: "إلى ماذا تنظر؟"

لم يترك لها فرصة كي تكمل حديثها. اندهشت حين أجابها: "هاو. هاو".

D 30 أيار (مايو) 2014     A أمة الله الحجي     C 1 تعليقات