عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

د. عبد الحميد صيام - الولايات المتحدة

بقرة حسين


عبد الحميد صيامتجمعت النساء في وسط الحارة مع ساعات الغروب. عشرون امرأة أو أكثر ومعهن أطفالهن. الليلة سيتوجهن إلى مقام سيدي «الدوير» يتضرعن إلى الله لعله ينزل غيثه على الأرض العطشى. القناعة لدى أهل القرية أن أهازيج الاستسقاء والدعاء في مقام سيدنا «الدوير» جنوبي القرية مستجاب بوجود الأطفال الذين لا ذنب لهم في هذا الجفاف والقحل والمحل الذي يهدد الزرع والشجر والموسم الزراعي بكامله.

مر شهر كانون الأول وكانون الثاني وشباط «الخبّاط الذي يحل البقر من الرباط» دون نقطة مطر واحدة. بدأت سيقان الزرع في أوائل آذار تفقد خضرتها وتصفر وتميل نحو السقوط. علامات الجفاف واضحة. الآبار المنتشرة داخل القرية وحولها جفت أو تكاد. الناس في حيرة. ماذا يمكن أن يفعلوا في هذه القرية المنعزلة بين الجبال. معظم سكان القرية يعتاشون على الزراعة وتربية الماعز أو الخراف والقلة من اختار أن يقتني بقرة أو بقرتين.

هناك نوع من الاكتفاء الذاتي. البلدة تنتج قمحها وشعيرها وحبوبها وخضارها. في الصيف يقطفون العدس والفول والحمص والخيار والكوسى والباذنجان. ولدى القرية من أشجار الزيتون ما يكفي الاستهلاك المحلي طوال العام. التين ركن أساسي من حياة الناس في شهور الصيف ويقل استخدام الخبز في الموسم. أصحاب الغنم يأخذون ألبانهم ليبيعوها على أهل البيرة ورام الله، وقلة تورد منتوجاتها لبعض عائلات القدس. كل صاحب غنم له زبائنه. يوزع عليهم اللبن والزبدة أسبوعيا والكشك أحيانا. حاجة البلد للفلوس قليلة لا تتعدى احتياجات الأطفال للملابس والأحذية ومستلزمات المدارس وبعض الأدوية.

مساجد البلاد، بما فيها الأقصى المبارك، بدأت تصلي بعد الانتهاء من صلاة العشاء ركعتين لله تعالى تدعى صلاة الاستسقاء ليليا. يفتح الإمام يديه عاليا نحو السماء ويردد عدة مرات بصوت المستغيث: «اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين»، والمصلون يعيدون من ورائه بصوت عال: «آمين».

وبدأ رجال القرية أيضا يصلون صلاة الاستسقاء بعد العشاء في مسجد القرية الصغير. لكن فرج السماء لم يأت لغاية الآن.

في مقهى القرية يردد الرجال مقولة إن الله يعاقب الناس لأنهم ابتعدوا عن نهجه وأصبح الرجال يلبسون البناطيل ويصففون شعورهم كالأجانب ونساء المدينة يلبسن التنانير ويضعن على وجوههن كل مستحضرات التجميل.

علق سليم، أحد المهرجين في البلدة، أمام زبائن المقهى: «يعني لبس القمباز للرجال والثوب المطرز للنساء من ملابس الرحمن والبنطال والفستان من ملابس الشيطان؟ وهل لبس الدشاديش الشفافة في الحجاز التي تظهر ما تحتها من لباس أهل الجنة؟»

ظلت النساء ينتظرن كي تصل «فرحة» أم علي التي ستحضر معها الديك. فلا يجوز، كما سمعنا من أكثر من إمرأة، الذهاب إلى مقام سيدي «الدوير» دون ديك، فإذا صاح بعد نهاية أناشيد «الشوربنة» فهي بشارة أن المطر قادم وإن ظل صامتا فمعنى أن الجفاف مستمر.

سارت النساء من وسط البلدة ألى مقام «الدوير» ومع بعضهن مصابيح يدوية لكشف الطريق الضيقة، فالانزلاق من تلك الطريق قد تعني التدحرج في رميان المنصير وصولا إلى وادي السوانيط.

بدأت مجموعة من النساء في الصفوف الأولى بقيادة فرحانة وجليلة ووضحة يرددن والنساء يعدن من ورائهن:

يم (يا أم) الغيث غيثينا = = واسقي زرع أهالينا، فتردد النساء: «شوربنة».

يم الغيث يا ربي = = واسقي زرعنا الغربي: «شوربنة».

يا رب الغيث يا دايم = = واسقي زرعنا النايم: «شوربنة».

عملت النساء حلقة كبيرة عند وصول ساحة مقام «الدوير» وبقين يرددن أغاني الاستسقاء والسماء من فوقهن صافية كأنها صحن البلور تزينها النجوم من كل الاتجاهات.

يا ربي مطر مطر = = حتى نسقي هالبقر: «شوربنة»

يا ربي مطر رشراش = = حتى نسقي هالجحاش: «شوربنة»

كان الأطفال الصغار يمسكون بذيول أثواب أمهاتهم المطرزات بالحرير ويدورون معهن في الحركة المستديرة. يسمعون ولا يدركون قيمة هذا الحداء. والنساء يرددن مزيدا من الأهازيج والعيون كلها على ديك أم علي.

اقترب الليل من نصفه وكان الأمل أن يصيح الديك قرب مقام سيدنا «الدوير» وأن تظهر غيوم سوداء من الأفق الغربي قرب جبال القدس. عملت النساء سربا طويلا في طريق العودة في الطريق الضيق وأضواء المصابيح اليدوية تكشف الطريق كي لا يتعثر أحد. وعندما وصلن قرب مدرسة البلدة الوحيدة في منطقة التعامير المحاذية لأول البيوت من الجهة الجنوبية، والتي كانت تدرس البنات والأولاد معا، فجأة صاح الديك أول صيحة وألحقها بثانية وثالثة، وإذا بالنساء يطلقن الزغاريد المتلاحقة كأنه عرس لعزيز.

عمّت البهجة الوجوه العابسة وهنأت النساء بعضهن بعضا وتجمعن حول فرحة، صاحبة الديك، يباركن لها في ديكها المحترم الذي لم يخذل أهل بلده وحذرنها من ذبحه لأنه ديك «مكاشف».

رجال البلدة كانوا ينتظرون عودة النساء من رحلة الاستسقاء. انتقلت البهجة إلى الرجال. والأولاد راحوا يصفرون عن طريق ليّ ألسنتهم بطريقة معقدة فيخرج من الفم صفرة حادة يسمع صداها من مسافات بعيدة. دبت الحياة في القرية مع منتصف الليل وعادت كل عائلة إلى بيتها الصغير بانتظار فرج قريب من عند الله.

* * *

الغيوم السوداء تنتشر في السماء وتتجمع فوق التلال والقرى وتتحرك بسرعة في كل الاتجاهات كأن شيئا يحركها فتقترب من الأرض وينتشر السواد والعتمة كأن الدنيا ليل. الرؤية أصبحت محصورة تكاد لا ترى إلا المناطق القريبة جدا منك. استبشر الناس خيرا عندما دبت الحياة في القرية مع ساعات الصباح.

بكّر الرجال في تجمعهم المعتاد تحت شجرة التوت في مقهى «البلد» العريقة. الابتسامات كانت تعلو وجوه الرجال. يدخنون الهيشي مبكرا. كل رجل يصل إلى المقهى يدعو أحد الجالسين صاحب المقهى لتقديم القهوة أو الشاي له. وعادة يتعازم الحاضرون على من يدفع القرش الواحد ثمن قهوة الشخص الذي وصل للتو. وهكذا كلما وصل شخص تطلب له القهوة أو الشاي ويتعازم الموجودون على من يدفع. الحديث بين الحضور متواصل ومفعوم بالأمل.

أثنى الحاضرون على ما قامت به نساء القرية، وديك فرحة بالتحديد، الذي بشّر بالخير. «ديك فرحة بده يفرح البلد»، قال أحدهم.

يبدو أن الغيث في طريقه إلى البلاد العطشى. وأوصى بعضهم بعضا بأخذ الاحتياطات اللازمة وخاصة حماية الحلال (الماشية) من العواصف المطرية إن وقعت. وقال الحاج موسى أمامهم: «تأكدوا أن أغنامكم قريبة من الكهوف التي تهجع فيها ليلا كي تصلها بسرعة إن قويت العاصفة».

زادت الغيوم السوداء تلبدا. وبدأت نسمات هواء رطبة تهب من الغرب كأنها تبشر بما هو آت. انفض الرجال من المقهى، وأدخل «القهوجي» كراسي القش داخل المقهى ثم أغلق الباب الخشبي وتوجه إلى بيته. ومع منتصف الصباح بدأ الناس يسمعون هزيم الرعد ويرون شعبا نورانية تنفلش بين الغيوم كالصواعق. وما أن ينتهي لمعان البرق حتى يتلوه صوت الرعد المخيف. الطيور تملأ السماء في حركات عصبية كأنها تبحث عن مكان آمن تختبئ فيه قبل العاصفة.

تعاظم صوت الرعد واختلط بلمعات البرق الآتية من كل اتجاه. بدأ الرذاذ يسقط قويا قبل ساعات الظهر وفي كل دقيقة وثانية يزداد هطول المطر والرياح العاتية تدفعه بقوة كأنه يريد أن يحطم الأبواب. اختبأ الناس جميعا في بيوتهم المهلهلة. تسمع صوت الريح تعوي بقوة من ثقوب الشباك والباب. تخترق المياه أحيانا الشبابيك وترش أرضية البيت المكون من غرفة واحدة يتكوّم فيها ستة أطفال مع والديهم. وفي جزء صغير اقتطع من البيت يسمى «الرواية» خلف الخابية المخصصة للحبوب يخبئون فيها البقرة في حالات مثل هذه.

يتكوّم الأطفال تحت اللحاف خوفا من قصف الرعد الذي بدا وكأنه ينفجر داخل الغرفة الصغيرة. اندلقت شآبيب السماء كلها مرة واحدة. جرار ماء عملاقة معلقة في السماء قلبت رأسا على عقب فتلتقي مياهها في شلالات عظيمة تحفر لمجاريها قنوات عميقة تجرف معها التراب والقش والحجارة الصغيرة. المطر عندما يصدم الأرض تتلقاه المياه الجارية فتنتـثر حباته في كل اتجاه كأنها البخار.

لم تمض ساعة أو ساعتان حتى عامت الأرض بالمياه. انحدرت السيول من أعالى الجبال تحمل مياها غزيرة حمراء لكثرة ما جرفت من تراب. سمع صوت وادي السوانيط الهادر عن بعد الذي تغذيه عدة قنوات وسيول وأهمها وادي الناطوف القادم من أراضي البالوع في البيرة. لا أحد يتحرك في البلدة. بعض الدواب تركت في العراء وبحثت لنفسها عن شجرة أو مغارة تحتمي فيها من شدة المطر. الرياح فاقمت من مأساة المياه العاصفة. البرق يأتي من كل اتجاه كأنه شرار متفجرات من حقل ألغام، يتسلل من ثقوب الباب وشقوق النوافذ المغطاة من الداخل بأقمشة بالية كي تحد من تسّرب المياه وتكسر هدير الرياح.

بعد لمعات البرق المخيفة يدوي هدير الرعد العظيم والمتواصل الذي يشعرك بأن لا حصانة لبيت في القرية. رعب من السيول والبرق والرعد والرياح. الخوف أيضا من احتمالات الدلف من السقوف البالية أو انفجار نبع من تحت مصاطب البيوت العتيقة.

«الله يستر. يا رب، طلبنا الغيث لمواجهة المحْل لكن نتوسل إليك ألا تتحول الأمطار إلى كارثة»، قال الحاج أبو محمد على مسمع من أولاده الستة وعجوزته التي تكورت كقطة صغيرة ترتعش خوفا وتدعو الله أن يحمي بيتها وأولادها من دخول السيول إلى البيت أو انهيار السقف. كلماتها غير مفهومة لكنها ظلت تمتمتم وتسمع من حين لآخر كلمة يا الله.

* * *

خرج الناس يتفقدون أشياءهم في اليوم الثالث وبعد توقف العواصف. صفا الجو لكن روائح المياه وأصوات الشلالات والوديان مسموعة عن بعد. تزاور الجيران ليطمئنوا عن بعضهم وبدأت الحكايات تنتشر في البلدة. كثير من السقائف الخارجية انهارت. وتناقل الناس ما حدث لدجاجات أم أحمد التي نفقت كلها إلا ديكا واحدا. أبو صبحي فقد غنمة واحدة رمت بها العواصف من فوق صخرة عالية. المزارع ما زالت غارقة بالماء وكثير من الأشجار الصغيرة إما تكسرت أم خلعت من جذورها أو انحنت على الأرض.

ومع ساعات الظهر انتشر خبر في القرية عن موت بقرة حسين الزابط التي لا يملك غيرها وتعتبر ثروة العائلة التي تقيهم من جوع أو عوز. انتشرت الإشاعات كيف ماتت. قالت جارة لنا إن السقيفة التي كانت تحتمي بها انهارت فوقها وقتلتها. وتردد كذلك أن صاعقة برق ضربتها مباشرة وقتلتها على الفور كأنها تيار كهربائي قوي. وقال آخرون إنها ماتت من المياه التي كانت تنصب فوقها لثلاثة أيام متتالية.

تجمع الرجال في مضافة البلدة بدون موعد. الاجتماع في المضافة كان للأمور الهامة بعكس المقهى. كانت الوجوه عابسة تماما. كل يحكي لجاره أو صديقه عن معاناة عائلته أو مواشيه أو الخوف الذي ألم بالأطفال. حسين لم يصل بعد. الرجال بانتظاره ليعرفوا ماذا حدث، وكيف نفقت بقرته المعروفة باسم «صبحة» لبياض جميل في محياها خرج عن الأسود الذي يغطي بقية جسدها.

قال المختار أبو العبد: «يا شباب. ممكن واحد يروح ينده لنا حسين الزابط «أبو عبد الله» من بيته في الحارة الشرقية حتى نفهم شو صار معه».

تطوع شاب وانسحب بسرعة من المضافة، لكن المختار طلب منه أن يأخذ شابا ثانيا معه لعله يحتاج المساعدة في اصطحاب المسكين صاحب البقرة إذا كانت سقيفته ما زالت غارقة في الماء والطين.

عاد الشابان بعد نحو نصف ساعة، يمسكان بذراعي حسين. أجلساه في منتصف المضافة على يمين المختار. خيم جو من الصمت والحزن داخل المضافة. قدم له فنجان قهوة سادة. لا أحد يريد أن يبدأ الحديث. الجميع ينتظر ما يقوله حسين حول الأسباب التي أدت بصبحة إلى الموت. كل أبناء وبنات البلد يعرفونها، ويعرفون قيمتها ويعرفون حجم الكارثة التي حلت. قيل إن حليبها يعادل حليب عشرين نعجة أو ثلاثين ماعزا. كان الناس يقولون: «الله طب البركة في درتها». كانت تطعم أهل البيت ويزيد من حليبها لبيعه لعدد من الزبائن.

قطع المختار الصمت وقال موجها كلامه لحسين: «اسمع يا أبو عبد الله. نحن هنا أهلك وناسك. مصيبتك هي مصيبتنا. نحن ولاد بلد واحدة. أبونا واحد وكلنا قرايب ونسايب وجيران وأهل. لا تهتم. إن شاء الله ما بنطلع من هالمضافة اليوم إلا وقد جمعنا ثمن بقرة زيها وأحسن. توكل على الله. قل لنا شو اللي صار».

يبدو أن كلمات المختار هدأت من حزن حسين. أحس أن الناس كلهم يشعرون بمأساته وأنهم لن يتخلوا عنه. وهذه ليست المرة الأولى التي يقف فيها أبناء البلد مع المصابين أو من هم بحاجة إلى «عونة»، سواء في وقت الحصيدة أو قطف الزيتون أو بناء بيت جديد.

بقرةجال حسين بنظره في الوجوه التي يعرفها جيدا ووجه كلامه للمختار والحاضرين: «والله يا أبو العبد إنكم بتشدوا العزم وبترفعوا المعنويات. وبتسندوا المكسور. بقرتي ماتت من صاعقة برق. لقينا أثر حريق شوى جلدها من عند راسها لذنبها وعلى طول ظهرها. كأن واحد جاب مشهاب نار وحزّ في لحمها الحي. البقرة الظاهر ماتت في الساعات الأولى لصباح اليوم الثالث للعاصفة. كنا نسمع همهمات منها تشكو من دلف المطر فوقها في السقيفة اللي مش مغطاة مليح. بس ما توقعناها تموت. على كل حال بديش أوجع روسكم. ماتت وانتهى أمرها. ولازم تساعدونا أولا نحملها بعيد عن بيوت البلد خوفا من الضباع والوحوش اللي هلا ميتة من الجوع».

= «ولا يهمك يا أبو عبد الله. كل شي بيتعوض إن شاء الله»، قال المختار.

وقف المختار على رجليه وقال: «أنا يا أهل مخماس الكرام بفتح باب التبرعات لتعويض أبو عبد الله عن بقرته بنص دينار. واللي بيقدر يقدم ولو قرش أو عشرة قروش يتفضل يعلن. واللي ما عنده قدرة ما يشعر بالحرج. واللي مش حامل فلوس ممكن يعلن قديش بحب يتبرع ويجيب المصاري بعدين. نحن أولاد بلد وبنعرف قدراتنا».

وضع المختار منديله في وسط الجلسة وطال نصف الليرة وحطها. وقال لإمام الجامع الذي كان يعرف القراءة والكتابة وذا سمعته طيبة أن يسجل أسماء المتبرعين حتى الذي يتعهد بأي مبلغ. بدأ الرجال يعلنون عن تبرعاتهم. قرش. خمسة قروش. عشرة. الحاج درويش أعلن عن تبرعه بدينار لأن أحواله أحسن بسبب سفر أخيه إلى بلاد برة. كان الشيخ يسجل كل فلس يعلن عنه، حتى توقفت التبرعات.

وقف الحاج أبو موسى وقال: «والله لا أملك ولا فلس، لكن بتبرع بتراكي (حلق) مرتي».

فقال له المختار: «بارك الله فيك وفي مرتك. قدها والله».

أعلن الأمام أن مجموع التبرعات وصلت لستة دنانير وخمسة وسبعين قرشا [ثلاثة أرباع دينار]، تكفي لشراء بقرة وشوية علف معها ورسن.

صفق الحاضرون جميعا وحمدوا ربهم على هذا الموقف. ووقف أبو عبد الله وشكر الناس جميعا وقال: «الله يكثر خيركم ويقدرنا على معروفكم. اللهم احم بلدنا من كل فتنة ونظل واقفين مع بعضنا يد واحدة».

* * *

عاد الولد الصغير الذي عاش القصة طفلا وكاد ينساها تماما إلى البلدة بعد غربة في بلاد الله الواسعة استمرت خمسين عاما. تذاكر تفاصيل القصة مع الحاج إسماعيل، أكبر الرجال سنا في القرية فروى له تفاصيلها، وفي النهاية قال له: «شوف بلدنا قديش تغيرت. كثرت المضايف وتقسمت الناس حمايل وعشاير وشوف الفلل والسيارات». ثم تنهد وقال: «سقى الله على تلك الأيام. ذلك الزمان ولّى إلى غير رجعة يا عزيزي».

= = =

* كاتب وأستاذ علوم سياسية في جامعة رتغرز بولاية نيوجرسي الأميركية، وصحفي معتمد لدى الأمم المتحدة، وينشر مقال رأي أسبوعيا في صحيفة «القدس العربي».

D 1 أيلول (سبتمبر) 2023     A عبد الحميد صيام     C 0 تعليقات