عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

نادية شيخة - فلسطين

أم الأسير


نادية شيخةفي أحد الأيام، كنت عائدة إلى المنزل بعد يوم مرهق من العمل. استقللت الحافلة مثل العادة، ودفعت للسائق الأجرة وذهبت لأجلس.

جلست بالقرب من امرأة كبيرة السن، في ملامحها علامات من الصمود والصبر والقوة. نظرت لي بعينيها المرهقتين وقالت لي: اجلسي يا بنتي.

طرحت التحية وجلست. سألتها: ما بالك يا خالة؟ لماذا عينيك حزينتين لهذه الدرجة؟ ألست سعيدة بقدوم العيد؟"

قالت لي: أي عيد وابني عني بعيد؟

سألتها: أين هو؟ هل هو مسافر أم ماذا؟

قالت لي: ليته كان مسافرا أو حتى مريضا. ابني خلف القضبان أسير. أراه مرة كل أسبوع ساعة، وهذه لا تكفيني، فلذة كبدي بعيد عن عيني. عن أي عيد يا ابنتي تتكلمين؟ كيف أشعر بحلاوة هذا العيد وابني خلف قضبان الحديد؟ زرته البارحة. أعلم أنه ليس بخير وأن الوضع صعب عليه. قال لي: يا أماه، اشتقت لك، اشتقت لحنانك. أشعر بالغربة دونك، ساعة معك لا تكفيني. أمي أرجوك سامحيني.

قلت له: يا بني إن الفرج لقريب، كلها أشهر وتمضي، لا تحزن، ولا تخاف، فقط اصبر واحتسب، يا ولدي أقم صلاتك ولا تنسى الدعاء، كن مع الله يكن معك.

دمعت عيناه. قال لي: أمي العيد قريب. هذه أول مرة أقضيه وأنا عن عينيك بعيد، سأفتقد الذهاب إلى المسجد مع أبي وإخوتي، والذهاب معهم لنعيّد. سأفتقدكم في هذا العيد.

أجهشت في البكاء، وقلت له: بني لا تقل هذا فالأعياد تأتي من جديد، وعيدي الأكبر حين تخرج من هذا المكان السقيم. افرح في هذا العيد وتذكر الأحبة والمخلصين، عش يومك من جديد.

قال: وكعك العيد الذي ليس له مثيل لأنه من تحت يديك أين سأجده؟

قلت: بني، سوف أرسل بعضا منه لك ولإخوتك الأسرى. عيدي هو أنت، أملي هو انتظارك، وفرحي يوم ألقاك.

وإذ بالحارس يعلن عن انتهاء وقت الزيارة. تماسكت نفسي وابتسمت لولدي المكسور، وقلت له: الله معك. خرجت من هناك، وها أنا هنا، ولا تفارق خيالي صورة وجه ابني الحزين. كيف يكون عيدي سعيد وابني بعيد؟

قلت لها : يا خالة غدا يوم جميل، وبإذن الله إن الفرج لقريب. ابتسمت لها، ولكن قلبي كان يتمزق لألمها الشديد. استأذنتها لأن الحافلة وصلت إلى مكان نزولي، وقلت لها: "عيد سعيد يا أماه".

D 25 تموز (يوليو) 2014     A نادية شيخة     C 0 تعليقات

نادية شيخة

موضوعاتي