محمد صالح البحر - مصر
محمد خميس يكتب على صفحة روحه
الروح هي ما يهب الإنسان الحياة، عطية الله لجسد آدم الطيني ليكون بشرا تنقل الحياة من خلاله إلى الأبناء. غير أن المفهوم الصوفي للروح يتسع ليجعل منها جوهر الحياة، وطريق خلاص للإنسان يتخلص بالقُرب منها من أثقال النفس، وينتقل بها من دونية البشرية إلى السمو الإلهي، ليكون روحا خالصة تمشي على الأرض، وتُعلم البشرية الحب والتسامح والأخلاق والتأمل والسمو.
هذه الروح هي التي فككها محمد خميس في ديوانه الجميل "ب أكتب على صفحة روحي" إلى مكوناتها الأساسية، وراح يكتب على كل مكون حكاية انتقاله الروحي حتى أصبح جزءا منها، متسقا مع ذاته، ومتسقا أيضا مع المكونات الأخرى التي تضافرت إلى جواره لتشكل هيئة الروح السامية التي هو عليها الآن.
يبدأ محمد خميس حكايته الشعرية بحالة من التوحد بينه وبين روحه، يُقر ويعترف خلالها أنهما شيء واحد غير منفصم، يتبادلان الحديث في حالة كاملة من الاتساق والتماهي، تسمح لهما بتبادل الأدوار حتى ليظنهما القارئ/المشاهد كيانا يهمس إلى ذاته.
لذا كان من الطبيعي أن يأتي هذا الإقرار إهداء منه لها، وكأنما يهب نفسه إلى روحه. أليس الإنسان هو مَنْ يتحرك باتجاه روحه بعد أن يُخلصها من أثقالها، بحيث لا يبقي له منها سوى عبيرها، الذي ربما يشكل هو أيضا الجزء الذي يخص الروح في الأساس؟
أنا إنتِ
فضا ساكن في غيم
سارق عبير الذات
والسرقة هنا ليست فعلا ذميما، بقدر ما تدل على حجم المعاناة والعنت الذي خاضه لتخليص الجسد من دونيته.
وكما تبدأ الحكاية الشعرية بالاعتراف بحالة التوحد تنتهي بها أيضا، وكأن الديوان الذي امتد على مساحة 144 صفحة لم يكن سوى تعريف بحكاية توحد الشاعر مع روحه لإثبات حقيقتها وكينونتها:
مكتوب وكاتب
ولا مكتوب لكِ
الله في قلبكِ
هو اللي يكتب لكِ
إنه حتى لا يدري إذا ما كان هو الذي كتب الحكاية، أم أنها هي التي كتبته، لكنه على يقين تام بأن الله، الذي في قلبها قلبه وقلبها، هو مَنْ يكتبهما معا. أليس الصوفي روحا خالصة تمشي على الأرض؟
وما بين البداية والنهاية يمتد الديوان بلا عناوين، ليشكل قصيدة واحدة تتخذ الروح عبرها أشكالا متعددة لمكوناتها الصغيرة: الحبيبة، الوطن، الأم، القصيدة، البحر، الذات، الكلمة. أجزاء يتعمد الخطاب الشعري إكسابها صفات الروح التي هي جزء منها، حتى لتظنه في النهاية خطابا واحدا لمخاطب واحد لم يتجزأ أبدا.
صورة تتكشف فيها أبعاد الروح، وأيضا أبعاد علاقة التوحد بينه وبينها، وأسبابها الوجودية الغارقة في قِدَم قد يتجاوز تاريخهما، ليكشف عن حقيقة الحقائق التي تخبرنا بأن هذا التوحد إنما هو طريق لتوحد آخر، أكبر وأكثر ثقلا.
هكذا تُروي الحكاية شعرا عاميا كأنما ليبسط تفسيرها وروايتها، بحيث نكون قريبين جدا من هذه الروح التي تكتب حكايتها على صفحتها، وهو ما يعني أن نكون قريبين أيضا، وبذات الدرجة، من الله.
◄ محمد صالح البحر
▼ موضوعاتي
1 مشاركة منتدى
محمد خميس يكتب على صفحة روحه, هدى الكناني من العراق | 29 تموز (يوليو) 2014 - 14:59 1
ياسيدي
وهل هناك من لايهمس لنفسه كلاما ام كتابة او حتى غناءا او قراءة لمقاطع شعرية ،حكمة او نص مقتطع من قصة او مقالة قراهاأو غيرها من الكتابات؟
الكل يهمس بطريقته العفوية لكنه يستدرك حتى لا يسمعه احدهم ويصمه بالجنون.
السنا حين نكتب نترجم همسا على اوراقنا اجزاءا من ارواحنا ؟
اليس الله محبة ؟
والحب انواع، حب الوطن، الحبيبةالأم وكل ماهو جميل في الحياة
كل الحب مصدره ينبوع واحد، الروح محتواه والقلب بيت الله الذي لا يغادرنا الى الممات؛ بابه
لقد قدمت لنا موضوعا عميقا، يطول شرحه، بطريقة بسيطة وسلسة.
بالتوفيق
هدى الكناني