عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

ليلى زخريا - فلسطين

القارب والمرجيحة: مسرحية


ليلى زخريامقدمة

جاءت فكرة هذا النص، أو هذه المسرحة، كثورة ونقد وتعليق على وضع العالم العربي بما يعانيه من مشاكل وحصار نفسي ومعنوي وفكري قبل أن يتجسد بحصار واقعي.

شاهدنا في مسرحية "الغرفة" للكاتب هارولد بنتر شخصية بيرت الذي لا يتكلم ولا يعبر عن واقع الحياة بعد الحرب العالمية الأولى والثانية. وفي هذا الوقت، نحن نشهد نفس الحوادث ولكن بطريقة أخرى، فكثير منا يتكلم ولكن في الواقع لا يفهم ما يحدث. والكثير يحلل وينقد ويفسر، والحقيقة لا يمكنها أن تظهر بوجه واحد. تختلف الطرق، ولكن واقعنا لا يبدو أنه يختلف بأنانية حكامه وبدماء الشعوب.

الشعور بالخوف، تحديدا من المستقبل ومن الحاضر، يجعلنا نخوض في دوامة المشاعر التي "لا" يمكننا إلا أن نتكلم عنها فقط، وفقط نتكلم.

الفصل الأول

غريبان في سفينة متجهة إلى المجهول، كل منهما كانت له أحلامه وأمانيه ومدينته وأصدقاؤه وعائلته، والآن هما في هذه السفينة المهربة يتحدثون.

هو: أترين؟ هذا الهواء النقي، نقي إلى درجة تجعلني أكرة الكمال، البحر رائع بهدوئه، وهذه السماء نقية بصفائها و طيورها، المنظر خلاب جداً، ألا ترين؟

هي: من أنت؟ نعم، أرى ذلك جيداً، ولا أحتاج إلى دفعة إيجابية أخرى، تكفي الدفعات الإيجابية التي نحن محاصران بها الآن.

هو: من أنا؟ أنا مثلك أنتِ، لا شيء. أتعتقدين أنه مهم من أكون أنا؟ وما هو المكان الذي جئت منه؟ وما هي ثروتي؟ فكل شيء أصبح لا شيء، كاسمي مثلا. ألا تتفقين؟

هي: وكيف لي ألّا أتفق؟ هل أنت خائف؟

هو: خائف؟ الذي يخسر كل شيء، لا يمكنه أن يكون خائفاً على شيء.

هي: أعني، إلى أين نحنُ متجهان؟ وأي مستقبل ينتظرنا؟ هل سننجو حقاً، وسيكون لنا مستقبل ينتظرنا؟ هل سنكمل دراستنا الجامعية ونحقق أحلامنا؟ وهل سنتمكن من الرجوع إلى وطننا؟

هو: أنتِ تثرثرين كثيراً، أي مستقبل تحلمين به وأنتِ لا تملكين طعاما الآن؟ فكري كيف سنتخطى هذه الأيام ومن ثم أحلمي أن نرجع إلى الشيء الذي كنتِ تحلمين عليه.

هي: وهل وصلت حياتنا أن نحلم فقط باسترجاعها؟ أنا لا أٌثرثر، أنتَ الذي منذ بدأت وأنت تتكلم، وتتكلم، وتتكلم. أساساً لا معنى لكل هذا الكلام في هذا الوقت.

هو: أعتذر، فقط التفكير في أسئلتكِ يجعلني أنسى روعة المنظر.

هي: لا أعرف كيف لكَ قلب لتنظر بإيجابية تجاه هذا الوضع.

هو: الناس يختلفون، فحتى الأحلام يمكنها أن تصبح واقع حياة عندما نتخيلها.

هي: غريب أنت، وترى أنه يوجد مكان للأحلام في هذا الواقع. أجبني: أي واقع كنتَ تعيشه لتقول عن هذا الواقع أحلام؟

هو: انظري، انظري، سرب من الطيور متجمع ولا يعرف إلى أين يذهب، مثلنا تماما. ألا يشعرك ذلك بقليل من الأمل؟

هي: لا، فأنا خائفة من المجهول، من غد، من بعد ساعة، من بعد دقيقة، أريد أن أفيق من هذا الكابوس وينتهي كل شيء، ذلك ما أريده الآن وفقط.

هو: هل تمنيتِ يوماً أن تكوني طائراً؟

هي: أتمنى ذلك الآن.

هو: يقولون إننا سنحط في إيطاليا.

هي: كنتُ أحلم مسبقاً أن أزور بلاد العالم، ولكن لم أتخيل يوماً أنني سأبدأ طريقي بزيارة العالم هكذا، وأول دولة إيطاليا.

هو: (يقهقه بصوت مرتفع) أصبحتِ مضحكة.

هي: كواقعنا. ماذا عنك أنت؟ تجعلني أثرثر بلا معنى وفقط تسأل. أخبرني عنك ما هي أحلامك؟

هو: قلت لكِ منذ البداية إنني لا شيء، فكيف أحلم بشيء؟

هي: أعني بحياتك السابقة، هل كنت تحلم أن تصبح شيئا؟

هو: بالطبع، كنت أحلم أن أصبح مخرجا.

هي: أعتقد أن أنسب وقت لكتابة سيناريو هو الآن، فهذا أجمل سيناريو يمكن أن ينجح على الإطلاق.

هو: أصبحتِ إيجابية إذا.

هي: في حالة العدم، الإيجابية والسلبية والشعور وعدم الشعور تصبح متساوية، كما طريقنا الآن، لا يتغير.

هو: بل سيتغير، وسوف تصلين إلى ما تريدين يوما، إلى ما تتمنين، ولن نبقى لا شيء. يوما ما سوف نصبح شيئا، شيئا كبيرا يستطيع أن يغير هذا العالم الذي لا يمكننا أن نطلق عليه سوى لقب العالم.

هي: أحلامك كبيرة.

هو: كواقعنا الكبير.

هي: إنهم ينادون، لربما وصلنا.

هو: ولربما نصل.

هي: إلى اللقاء، أتمنى لكَ واقعا به شيء جميل.

هو: التحدث إليكِ كان شيئا جميل. إلى اللقاء.

هي: انتظر قليلا. ما هو اسمك؟

= = = = =

الفصل الثاني

الشعور بالفرحة لا يكتمل إلا بالخوف من الذي سياتي ومن الذي آتى، ويمكنك أن ترى ضجة الإنسانية تعلو في الأرقام التي لا تحسب، وفي الحسابات التي لم تجمع عند الإنسان.

أطفال يلتقون في أول أيام العيد.

هي: هيييه اليوم هو أيام أول يوم بالعيد أنا سعيدة جدا.

هو: وأنا أيضا، ولكنني حزين أيضا.

هي: حزين؟ لماذا؟ لماذا؟ لا تقل بسبب القصف، يجب علينا أن نكون أقوياء كالرجال الكبار كما خبرتني أمي.

هو: لست خائفا من القصف.

هي: إذا من ماذا؟ هل أنت خائف من أن يقصف بيتك كما قصف بيت جيرانك؟

هو: لا لست خائف من هذا أيضا.

هي: إذا من ماذا، ها؟

هو: صديقي استشهد.

هي: كيف استشهد؟

هو: كان ذاهبا إلى الصلاة مع أبيه، وجاء صاروخ واستشهد هو وأبوه.

هي: الله يرحمه، ولكنك لا يجب عليك أن تحزن فقد قالت لي أمي إننا عندما نموت نكون بالجنة، فيا بخته هو بالجنة الآن!

هو: أعلم، ولكنني أفتقده كثيرا، ولا أعرف مع من سألعب الكورة بعد ذلك.

هي: أتعلم؟ أنا سأفعل، سألعب معك الكورة.

هو: هههه أنتِ؟

هي: لا تستخف بي، فأنا جدعة.

هو: حسنا، هي لنذهب ونلعب.

هي: هيا إذا.

هو: أنظري، أنظري، هناك يوجد مرجحية جميلة، هل يوجد معك شيكل لندور بها؟

هي: معي أربعة، فأمي أعطتني العيدية مبكرا جدا، أعطتني 8 شيكل، وتركتُ الأربعة الباقيين في البيت.

هو: أنا أبي لم يعطني العيدية اليوم، ولكنه وعدني عندما تنتهي الحرب، سيشتري بعيديتي شوكولاتات كثيرة لي فقط.

هي: إذا أنظر سأعطيك 2 شيكل لنركب مرتين، وأنت سوف تعدني أنك ستقاسمني الشوكولاتات.

هو: إذا اتفقنا، هيا بنا.

هي: ما أحلى المرجيحة!

هو: نعم، نعم، ولكنني بدأت أشعر بالدوار.

هي: أنتَ لست جدعا مثلي هاها.

هو: لا، لا. أنا جدع جدا.

هي: ستثبت لي هذا إن ركبت معي مرة أخرى.

هو: حسنا.

هي: حسنا.

هو: يا الله لم يبق مكان لي، أخذو مني مكاني.

هي: ليست بمشكلة. سندور مرة أخرى وسأنتظرك.

هو: لا تنتظريني، سأدور بعد هذه المرة لوحدي لأثبت لكِ أنني جدع. ليست بمشكلة هي خذي مكانكِ الآن.

هي: حسنا.

هو: لاااا، ماذا حدث؟ أتركوني. هيا قومي أقول لكِ، قومي أقول لكِ، لا يمكنكِ أن تموتي. هل تسمعيني، قومي، لقد وعدتكِ بتقاسم الشوكولاتات معكِ، وكنتُ سأنتظرك لأدور مرة أخرى، ولقد وعدتني أن تلعبي الكورة معي، لماذا لم تقومي؟ مع من سألعب أنا الآن؟

المسعف: يا ولد، تعال معي، سوف أضمد لكَ جرحك، ما هو أسمكَ؟

هو: لماذا ضربوا صاروخا علينا؟ هل صديقتي ماتت؟ هي أصغر مني بسنتين فقط، عمرها فقط خمس سنوات، وكنت سأقاسمها الشوكولاتات. هل ماتت؟

المسعف: ما كان اسمها؟

هو: وماذا يهم، فلقد ماتت الآن؟ فها هم ينقلونها، لماذا يأخذونها؟ قل لهم إنها لم تمت، قل لهم إنها ما زالت حية، قل لهم أرجوك؛ قل لهم!

D 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014     A ليلى زخريا     C 2 تعليقات

ليلى زخريا

موضوعاتي

2 مشاركة منتدى

  • رائعة جدا وتعبر عن واقعنا المرير الذي لا يفرق فيه الاحتلال بين بشر وحجر بين طفل وشيخ بين امرأة حامل ومقاوم .. واقع حق المقاومة والاعتراض على الاحتلال مرفوض .. بل محرم بالقانون الدولي الأعمى الذي يعترف بعدم شرعية الاحتلال ومع ذلك لا يوقفه!
    بانتظار روائع أخرى من كتاباتك..


  • ﻻ اعلم من اين ابدا والى ماذا اشير مسرحية رائعة جدا وصفت واقعنا الكبير المضحك المرير وحياة ﻻ ضمان لها ففي لحظة ربما نكون في عداد الموتى .. ما جذبني هو اسم المسرحية القارب والمرجيحة فكﻻهما ﻻ يعرف الثبات وهذا هو واقعنا المتغير ومجاراته صعبة جدا .. المرجيحة لن تتوقف الا عندما تضع ركابها والقارب لن يثبت الا بغرقه او بجفاف البحر وفي جميع الحالات سيكون ركاب القارب والمرجيحة موتى اذا اعتبرنا ان المرجيحة والقارب وجهان لعملة واحدة وهى الحياة .. احييك على هذا النص المعبر الجميل الرائع وبالتوفيق وبانتظار كتاباتك الجديدة.


في العدد نفسه

كلمة العدد 102: المكتبات الرقمية ضرورة

العولمة والحفاظ على اللهجات الجزائرية

قراءة في ديوان البسي شالك

سوف تلهو بنا الحياة: رحيل جورج جرداق

الجاحظ: رائد الثّقافة العربيّة