د. إبراهيم دشيري - المغرب
العودة إلى الوطن
ودع أصدقاءه جميعا إلا روبرتو الذي وجه إليه بالأمس شتيمة تخص المقدسات الدينية بسبب خلاف بسيط، بعد أن كان متفقا معه على أن يوصله بسيارته إلى المطار. اتصل بابن عمه فؤاد الذي اشترى سيارة في الأسبوع الفارط. لم يجد سوى العلبة الصوتية في استقباله، عاود الاتصال ثلاث مرات أخرى لكن دون جدوى.
قرر أن يأخذ طاكسي لكنه فكر كيف يمكنه نقل الحقائب المحملة بالهدايا والأغراض إلى رصيف الشارع. تذكر أن مذكرته تحتوي على رقم هاتف سائق طاكسي إسباني. قرر الاتصال به من أجل أن يأتي ليقله من قدام المنزل الذي يسكنه. سعد بالفكرة، وبعد نصف ساعة كانت الطاكسي تقطع الطريق إلى المطار وهو مغتبط بالدردشة مع السائق الإسباني حول أسباب عدم احترام بعض الإسبانيين لعقيدة المسلمين. فرح بتسامح هذا السائق وبمستواه الأخلاقي الذي ينم عن شخصيته القوية.
في الطائرة استرجع شريط الاتصالات الهاتفية التي انهالت عليه بالأمس، فقد اتصلت به أخته لتسأله عن موعد قدومه إلى المغرب, اتصل به أخوه ومجموعة من الأصدقاء. كان الجميع يسألونه نفس السؤال ويعلنون أنهم سينتظرونه بمطار البيضاء التي تبعد عن قريته الصغيرة مائتي كيلومتر. أما والدته فاكتفت بالسؤال عن أحواله وأمطرته بوابل من الأدعية.
أخذ يتساءل كيف أصبحت له هذه المكانة وهو الذي قبل ان يهاجر لم يكن يعبأ به أحد؟ ماذا تغير إذن؟ أأنا الذي تغيرت أم الآخرون هم الذين تغيروا. كيف يتجشمون قطع كل تلك المسافة ذهابا وإيابا من أجلي ، هل الإنسان إذا ابتعد عن أهله يصبح موضوع شوق وحنين إلى هذا الحد؟
لكن ألم يسبق له أن ارتحل إلى مدن الشمال للعمل هناك ومكث مدة عام كامل، لكن أحدا من هؤلاء لم يسأل عنه ولم يقم له وزنا ، فما هذا السحر الذي يضفي على المهاجر كل هذه الهيبة والقيمة؟ ولماذا يتصل بي فؤاد هو الآخر ولم تكن بيني وبينه علاقة تذكر؟ ألم يكن بيننا سوى التحية من بعيد؟ فمن أعطاه رقم هاتفي؟ أو هل كان يكن لي بعض المودة والاحترام ولم تسنح له الفرصة ليربط معي علاقة صداقة وبعد غيابي أصابته وحشة أم أن هناك شيئا آخر؟
لأول مرة في حياته يعيش أسبوعا كاملا في أوج الاحتفاء والترحيب والتقدير، كأنه شخصية سياسية كبيرة. كل الأقارب والأصدقاء أبدوا له كثيرا من الحفاوة والترحيب والاحترام وكلهم أبدوا رغبتهم الملحة في الجلوس معه في المقهى والركوب في سيارته البيضاء. حتى غير الأقارب والأصدقاء كانوا ينظرون إليه نظرة تقدير واحترام ويتمنون لو أعارهم بعض الاهتمام.
كان يشعر بسعادة كبيرة لم يشعر بها من قبل رغم ما كان ينغصها من كثرة طلبات أولئك الذين يريدون منه نقلهم في سيارته إلى أماكن قريبة أو بعيدة لقضاء بعض الأغراض، وأولئك الذين سألوه قروضا أو مساعدات مالية، أو الآخرون الذين سألوه أن يأتيهم بعقود عمل في إسبانيا، أو مساعدتهم للحصول على فيزا إلى إيطاليا، ومن بينهم فؤاد، ولكونه لا يستطيع الاستجابة لهذه الطلبات الكبيرة.
كان يحس بحرج شديد سرعان ما تحول إلى انزعاج صار مصدر توتر وقلق لديه، وفي الأسبوع الثاني كان كل أولئك الذين لم يستجب لطلباتهم وعروضهم يتفادون لقاءه، وإذا لقي بعضهم بعضا قالوا عنه متكبر وبخيل، فلم يعد يسأل عنه أحد.
وفي الأسبوع الثالث جلس في المقهى وحيدا. وبين الفينة والأخرى كان يحتسي فنجان القهوة الموضوع على الطاولة وهو يتأمل الأشجار الباسقة التي كانت إزاءه وكان الريح يراقص أغصانها الخضراء، وكان يتساءل لماذا يجلس وحيدا في المقهى وهو الذي كان يجالسه أكثر من عشرة أصدقاء في الأسبوع الأول.
◄ إبراهيم دشيري
▼ موضوعاتي
6 مشاركة منتدى
العودة إلى الوطن, إبراهيم يوسف - لبنان | 30 آب (أغسطس) 2015 - 12:19 1
أهمية الحكاية تكمن في بساطتها المباشرة وعفويتها، وفي عبرتها أيضاً من أن الدنيا محكومة بالمصالح. أما المبادىء يا صديقي ففي طريقها للأسف إلى مزيد من الانحسار. حينما يضيع الخير من ضمائر كل الناس، تبلغ المأساة مداها فتقوم الساعة وينتصب الميزان، ليأتي أحد المخلصين الموعودين فيحكم الأرض بالعدل والقسطاس.
أتمنى أن لا تصاب بالخيبة بسبب هذا الصنف من الناس.
لك مني كل المودة والاحترام.
1. العودة إلى الوطن, 7 أيلول (سبتمبر) 2015, 18:59, ::::: ابراهيم دشيري المغرب
شكرا على التعليق
العودة إلى الوطن, فنار عبد الغني - لبنان | 2 أيلول (سبتمبر) 2015 - 17:14 2
د.ابراهيم دشيري
تحياتي
بات واضحا ما يجمع البشر، انها المصلحة والمصلحة فقط ، يقول لاروشفوكو:ان الصداقة ماهي الا تجارة تهدف انانيتنامن ورائها الى كسب ما".المهم ان الانسان يجد ذاته.
1. العودة إلى الوطن, 7 أيلول (سبتمبر) 2015, 19:01, ::::: ابراهيم دشيري المغرب
شكرا على التعليق
العودة إلى الوطن, dcheri mustapha maroc | 3 أيلول (سبتمبر) 2015 - 14:09 3
قصة تعبر عن الواقع الذي نعيشه فالناس صارت تحكمهم المصالح المادية وبالاضافة الى ذلك فالقصة تكشف عن جانب من معاناة بعض المهاجرين
1. العودة إلى الوطن, 7 أيلول (سبتمبر) 2015, 19:00, ::::: ابراهيم دشيري المغرب
شكرا على اتعليق
العودة إلى الوطن, الزياني عمر المغرب | 7 أيلول (سبتمبر) 2015 - 18:57 4
القصة تلامس الواقع الذي نعيشه في علاقاتنا الاجتماعية لكنها تفتقر الى العمق والتحليل كي تفيد القارئ اكثر بالاضافة الى اهمالها تاثيت الفضاء بالشكل الكافي فلم تهتم كثيرا بوصف الشخصيات والامكنة والازمنة ومع ذلك تبقى قصة لها قيمتها الفنية التي تجعل القارئ يعيد قراءتها اكثر من مرة
العودة إلى الوطن, عمر ريحان المغرب | 10 أيلول (سبتمبر) 2015 - 02:48 5
تحية طيبة اخي الدكتور ابراهيم
من اجل التعبير عن هموم ثقافية مشتركة اقول بأني قرأت قصتك أكثر من مرة فوجدتها تعكس معاناة المهاجر من جراء الميز العنصري خارج بلده ،كما يعاني من الانتهازية داخل بلده ،كما تعكس القصة تجليات النزعة المادية التي صارت متحكمة في معظم الناس وكل ذلك تم في اطار فني جميل قائم على السرد المختزل الذي لايهتم بذكر التفاصيل وارى ان القصة على الرغم من بساطتها فهي غنية بالميكانيزمات الفنية وتدخل في اطار السهل الممتنع .
اتمنى لك التوفيق في مسارك الابداعي .
العودة إلى الوطن, بوافية محمد المغرب | 10 أيلول (سبتمبر) 2015 - 17:04 6
بادئ ذي بدء احييك دكتور تحية ثقافية ابداعية وبدون مجاملة او تصنع لقد اعجبت بقصتك هذه نظرا لاسلوبها الفني المتميز واعتمادها على اختزال الاحداث والمسافات والفضاءات وهذا الاختزال لايستطيعه كثير من القصاصين وهو مايعطي القصة ادبيتها ويجعل القارئ عنصرا مشاركا في الابداع يملأ المساحات التي تعرضت للاختزال ويقرأ مابين السطور .فسر على ذات الدرب وايقن ان القصاصين الكبار لم يولدوا كبارا .
وفي انتظار طبع مجموعتك القصصية الاولى اتمنى لك المزيد من التوفيق والنجاح في مشوارك الابداعي .