عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

إيمان الشافعي - مصر

في مدينة الألعاب


إيمان الشافعيفي مدينة الألعاب حيث يتجمع عدد كبير من قطع الشطرنج وآخر من الطاولة والدومينو فضلا عن العرائس الملونة بألوان الطيف السبعة والتي تتخذ أشكال حيوانات عدة، تجمع الأطفال والكبار طالبين الدخول لتحقيق المتعة والتسلية، فمنعهم الحراس بشدة، فأصيب الناس بحالة من الغضب الشديد واعتصموا خلف أسوار المدينة منددين بهذا التعنت الغاشم، وحرمانهم من حقهم في الاستمتاع الذي تحققه لهم المدينة بما فيها وبمن عليها، فاضطر الحراس لاستخدام بنادق المياه لتشتيت الجموع وتحقق ما أرادوا.

غير أن شرذمة قليلة منهم لم يتفرقوا، فقام الحراس باستخدام الفقاعات الناتجة عن اختلاط الماء بالصابون وتوجيهها صوب أعينهم فحققت الغرض المرجو منها، وساد الهرج والمرج خلف أسوار المدينة. أما داخلها فكانت الثورة العارمة.

ذهب الحراس بعدما تفرق المتظاهرون ليخبروا الألعاب بخطورة الموقف وضرورة تنازلهم عن فكرة الانقلاب رضوخا لطلبات المتظاهرين خلف الأسوار. لكنهم أبوا وقالوا معترضين: "لن نستمر كما كنا لعبة في يد كل من أراد، يحركنا كيفما شاء وقتما يشاء."

طال الجدال ولم يتغير من الأمر شيء. بالرغم من مجهودات الحراس المضنية إلا أن الناس استطاعوا اختراق أسوار المدينة، ودخلوا بشكل هجومي ليتخطفوا قطع الشطرنج والدومينو والطاولة وبدؤوا اللعب. لم تتحرك أي من الألعاب حسبما اتفق. يرمي اللاعب بالزهر فيأتيه الرقم ستة، ويبدأ في ترتيب القطع فتغير مسارها. يراوغها، تراوغه. ينتهي الأمر بخسارته فتعلن الألعاب انتصارها.

لاعب آخر أكثر مهارة يرمي النرد فيأتيه ذات الرقم فيحرك قطع الطاولة على نفس الرقم التي تحركت عليه قطع زميله فترضخ القطع فيضحك ويعاود الكرة. هذه المرة لم تنصع الألعاب له فقد راوغته بأن أضافت للنرد أرقاما جديدة لم يكن متفقا عليها من قبل، كالرقم ثمانية فيتحير اللاعب، وتعلن الألعاب انتصارها مرة أخرى.

على خشبة الشطرنج يحرك اللاعبون العسكري فيعلن احتجاجه. عليه أن يرى وزيره يتقدم للأمام ليسير هو من خلفه. ويقول معترضا: "لماذا على دائما خوض المخاطر؟ لن أتحمل بعد اليوم دونك نتائج المعركة." فيرضخ الوزير، ويصرخ اللاعب.

يحاول تحريك الحصان الأبيض ليقفز قفزتين في المربعات البيضاء فيأبى إلا أن يقفز في المربعات السوداء فيصرخ اللاعب: "إنك تلعب لصالحي، أنا فكيف تقفز على حدود غيري؟" فيجيبه الحصان: "ما فعلته سيحقق لك الأمان وما تريده من التزامي بالحدود لن يحقق لي إلا مزيدا من إحكام القمع والخوف."

ينهار اللاعب تماما، ويبكي زميله صاحب الطابية السوداء حين يجدها تتحرك في الاتجاه المعاكس وبنفس الحماس. يعلن الملكان رضوخهما عندما يهددهما العساكر بالقتل إن لم يجيبا مطالبهم بفتح الحدود. ويتقدم الملكان صفوف المعركة وبموتهما تعلن باقي القطع انتصارها.

ينهار اللاعبون في إعياء تام. كيف لتلك القطع أن تتمرد رغم ذكاءها المحدود لتتحكم في مصير الملك وتشاركهم اللعب؟

يذهب الجميع إلى حيث تتراص الألعاب على حسب ما كانت في دعة وسكينة، فيجدون أن القرد قفز ليخطف موزة من أيدي أحد اللاعبين، فيثور اللاعب: يا لهذه الدمية الحقيرة، فيصارعها على الموزة ويخطفها منها، فتجيء طفلته الصغيرة في غير حاجة إليها لتأخذها وتقوم بهرسها بين راحتيها، فلا هي وصلت إليه ولم يتركها للدمية التي كانت في حاجة ماسة إليها، فهي ولو كانت دمى لكنها من جنس يقال إن قوته الأساسي هو الموز.

ذهب الأطفال لدمية تتخذ شكل حمار خشبي ليركبوها، فشرعت في الطلب منهم أن يسمحوا لها باعتلاء ظهورهم. فبكى الأطفال، فأجابتهم الدمية عندما اعتليتموني لم تكلفوا أنفسكم عناء السؤال عن مدي تقبلي لبقائكم على ظهري وإلى أي مدة، أما أنا فحينما هممت باعتلاء ظهوركم أبيتم بالرغم من السؤال قبل أن أقوم بفعلي.

يذهب الأطفال ليحركوا العرائس بعدما يزينونها بالشرائط الملونة والثياب الزاهية المصنوعة من الدانتيل الأبيض. لا تنصاع لهم قائلة في إباء: "لا نحتاج زينتكم، اتركونا نتحرك كيف نشاء. هذا فقط ما نريده."

قامت طفلة بوضع عروسة بجانب إحدى العرائس التي تناسبها في الشكل ولون الملابس، فبدلت العروسة مكانها ووقفت جانب إحدى العرائس التي لا تبدو مناسبة لها بالمرة، ولكنها أعجبتها. همّت البنت بإعادتها كما كانت، فلم تنصع قائلة:

"هذا يعجبني أكثر. ولو لم يكن يروقك، دعيني وشأني."

فبكت البنت وهرولت لأبيها في أرض ألعاب الذكاء لتشكو له حال الدمى. قال الأب إن الأمر لا يمكن السكوت عليه، وأخذها وباقي اللاعبين من كبار وصغار لأرض ألعاب القوى: البنادق ومسدسات المياه والخرز، وقرروا تهديد الألعاب بالفناء أو البقاء على الخشبة والرفوف المخصصة لها.

وجهت المسدسات طلقاتها لهم مهددة: إن لم يتعاملوا معهم في ظل القواعد الجديدة التي قاموا بوضعها فسيغامرون بترك أماكنهم المخصصة لهم في المدينة.

أجابهم أحد المعترضين: "جئنا لنلعب ونتسلى بكم. لم نأت لنلعب معكم."

العدم ليس مطروحا للنقاش. إذا كنا نريد سعادة العودة للموت فلماذا تمردنا من قبل؟ كنا نظنكم ستناقشون كيف نحيا لا كيف نموت.

أحد الحراس قال في حماس زائد: "لا تتشنجوا واهدؤوا. ما رأيكم في أن تتظاهروا بالموت وأنتم أحياء، لتضحكوا آخر اللعبة؟ ربما كانت متعتكم في صراع اللاعبين والصراع المستتر معهم أيضا."

طأطأ اللاعبون رؤوسهم موافقين على هذا الاقتراح المعجزة، بينما كانت الدمى تفكر على نحو مغاير لتفكير الحراس واللاعبين على حد سواء: كانت تفكر في الانسحاب من على الخشبة.

D 1 تشرين الثاني (نوفمبر) 2008     A إيمان الشافعي     C 0 تعليقات

إيمان الشافعي

موضوعاتي