سليم الموسى - الأردن
دعوة للحياة: ح 7
تتطلب الحياة أن يتخذ كل فرد قرارات مختلفة في شؤون مختلفة كل يوم، وتختلف هذه القرارات في أهميتها وعواقبها، فقد تكون العواقب بسيطة، وقد تصل إلى تقرير المصير وتغيير مجرى الحياة، وإن العجز عن اتخاذ القرار في حالة معينة أو التردد في ذلك هو السبب في حالات عديدة من الفشل.
إن قوة الابتكار تصبح عاجزة ومشلولة إن لم يصاحبها القطع برأي فالعقل الواعي حين يكون في حالة تشوش، فإنه يعكس نفس الحال على العقل الباطن الذي يتفاعل مع هذه الحالة ويعمل أن تستمر في الحياة العادية. إن عقلك الباطن أشبه بقطعة من المغناطيس تجذب إليها الأشياء التي تتصورها، وأنت تنزع هذه المغناطيسية عندما تعجز عن اتخاذ القرار، أو توجيه فكرك وعقلك نحو غاية أو هدف. ولذلك أنجز ما بدأت، وتمم ما أخذت على عاتقك القيام به، وليكن لديك شعور بأنك مشدود إلى الغاية التي أمامك، ولا فرق إن واجهتك عقبات، أو إذا كانت المهمة ميسرة، أو حتى لديك متسع كاف من الوقت لإنجازها.
إن القدرة على تحليل قيمة عمل ما لدى القيام به تحتاج لوقت طويل، وحتى تبلغ هذه القدرة، عليك أن تثق بنفسك وبما تقدم عليه. فالثقة في النفس تمنح تفكيرك وتصرفك حيوية وفعالية، ويملأ صورك الذهنية المتعلقة بالنجاح والصحة والسعادة قوة واقتناعا، أما الشعور بالنقص فهو يدمر الحيوية تماما. ولعل الشعور بالنقص يأتي من مقارنة أنفسنا بسوانا، فقد تعتقد أن الشخصية التي تقارن نفسك بها هي أعلى مرتبة أو مركزا أو جاها، أو أكثر مالا، ولكنك بالمقابل قد تكون تملك مهارة أعظم، وقدرة على النجاح والتفوق أكبر، ولكن عجزك عن استغلال ذلك يشعرك بالنقص والاستهانة بقيمتك الذاتية.
وفي كثير من الأحيان لا يكون لديك ما يبرر شكواك وتذمرك والتوتر الذي تبديه بالتفكير في مشاكلك ومتاعبك الحقيقية منها والخيالية، والتي قد تضخمها أحيانا وتبالغ في أهميتها حتى أنك لا تستطيع التهرب منها. وإذا اعتقدت أن مشاكلك اليومية الشخصية هي محور الكون فأنت مخلوق تستحق الرثاء. وفي ظلمة هذا الرثاء يتولد لديك الشك والخوف، وإن استسلمت لها ستتعثر في كل خطوة، مع أنه بوسعك أن تنهض وتحقق ما تصبو إليه برفع أفكارك بعيدا عن نفسك، والتوقف عن التذمر من الظروف، والبدء باستخدامها من أجل التطور والتقدم والنجاح، عندئذ فقط ستكتشف القوى والإمكانات المخبوءة في داخلك.
نحن نعيش اليوم في عالم مضطرب في كل شيء، وعدم استقرارنا الشخصي يزيد الطين بلة. ويوما بعد يوم نرى أنفسنا مضطرين للعمل في ظروف غير ملائمة لحصر أفكارنا وصورنا الذهنية لتأمين النجاح. وحصر الفكر ضروري للعمل ولإغناء حياتنا من الداخل. وإن الفكر البشري إذا ما حصر كليا بموضوع ما، فإنه يتكشف عن فعالية لا تضاهى، فحين سئل غوته مرة كيف أنتج كل تلك الروائع الأدبية، أجاب بهدوء: "الأمر بسيط جدا. لقد شمرت عن ساعدي." وهكذا إذا أردت أن تتعلم كيف تحصر فكرك، تعلم كيف تستغرق في عملك مهما كان عاديا وبعيدا عن كل إغراء. ولنتذكر دائما "أن نحيا الدقيقة التي نحن فيها، أن نعمل عملا واحدا." وهذا هو التصرف الفكري الذي يجب أن نكتسبه، وبدونه نفسد أعمالنا وأوقات فراغنا ومتعنا.
إن المشكلات الصغيرة، والأزمات العادية في حياتنا اليومية هي التي يجب أن تقلقنا، فهي الأحداث التي تجعلنا نبدو أقل مستوى في عيون الآخرين من طريقة معالجتنا لها معالجة سيئة، وغالبا ما نقول تحت ضغط الظروف أشياء تختلف عما نقصد وننوي، ثم نندم على ذلك فيما بعد. لذا علينا أن نسيطر على أنفسنا وهدوء أعصابنا في اللحظات الدقيقة والحرجة للتخفيف من خطورة هذه الحالات والتوتر الزائد الذي يصاحبها.
وعليك أن تلجأ للمرح للتخفيف من التوتر وتحطيمه، وتتذكر دائما أن الأمر كان يمكن أن يكون أسوأ بكثير مما هو عليه الآن، وتمهل ولا تتسرع تحت ضغط الظروف، فالتمهل يجنبك التوتر وارتكاب الحماقات وقد يذكرك بشيء قد ينقذ الموقف.
ولا تحاول فرض وجهة نظرك لترضي نفسك عبر انتصار رأيك أو إرادتك، فقد يخلق ذلك مشكلات لا نهاية لها، وحاول دائما أن تفهم الأسباب الحقيقية قبل الجواب أو اتخاذ القرار، وكن صريحا مع نفسك فإذا تولاك القلق أو الخوف والتوتر في موقف ما فاعترف بذلك، وسرعان ما تشعر بالراحة.
وكن دائما مستعدا وبعيد النظر، ورابط الجأش، فذلك يؤثر في الصحة والنجاح والتفوق والانسجام، والترب على الصراحة، واللجوء إلى المرح والهدوء والاسترخاء، وتفهم الآخرين ومواقفهم. وبذلك تحقق ذاتك وتترب من سكون البال عندما يعمل العقل والروح معا، وهذه الحالة إن لم تكن السعادة والنجاح، فهي بلا ريب أقرب جاراتها. وفكر في أن الطمأنينة والهدوء والاسترخاء تجعلك تتمتع بإجازة فكرية، وبالانتقال إلى مكان يسيطر عليه الهدوء والسلام، ففي الهدوء والإيمان تكون قوتك.
إن الروح المرحة والفكاهة في هذا الزمن الصعب، تمنحنا التوازن الصحيح، لأن القدرة على الاسترخاء والتخفيف من حالة ضخمت نفسها كثيرا في تفكيرنا، يساعدنا على اجتيازها، فإن شيئا ما سيحدث في اللحظة التي ندع فيها الأمور تجري، قائلين لأنفسنا:
"لقد بذلت كل ما في وسع بشر أن يبذل، الآن ينبغي لهذه الحالة أن تهتم بنفسها."
وهذه الحالة الذهنية تمنحنا الشعور بالانفصال المبكر والمؤقت عن القلق والاضطراب، وتتيح للعقل الباطن أن يقترح التخلص مما نعاني، ولنتذكر أن كل شيء في الحياة حركة، كل شيء في تحرك وتغير، وتطور وتقدم، وكل شيء في الحياة نستخدمه ثم ننقله إلى غيرنا، فلا يمكننا الاحتفاظ بشيء لمجرد تمسكنا به.
هل بإمكانك أن توقف نهرا عن الجريان نحو البحر؟ فإذا ما فعلت، فإن مياه النهر ستفيض من فوق ضفتيه، محدثة الهلاك والدمار والخراب، وليكن بمقدورك الاحتفاظ بالتفاؤل وأنت تواجه خيبة الأمل والفشل، فلن تلبث طويلا في حالتك الحاضرة، حتى ترى نفسك تتغلب عليها وتقهرها، عارفا أن الأمور الحسنة يجب أن تأتيك استجابة لتصورك الحي لها.
إن الشيء الوحيد المطلوب لتحقيق أمر مهم في الحياة هو التركيز في القدرة على التصور والرغبة في هذا الأمر ورسم صورة ذهنية له، وتدعيم هذه الصورة ببذل كل جهد في سبيل بلوغها. فإذا كان بوسع الواحد منا رؤية إمكانيات نفسه، بغض النظر عن آراء الآخرين فلا شيء يمكن أن يقعده عن بلوغ هدفه في النهاية. ففي كل مكان يوجد شخص يحقق النجاح لم يعتقد أحد أن لديه أدنى فرصة للنجاح، ولم تكن هذه الفرصة إلا أن هذا الشخص آمن بنفسه إيمانا مطلقا، ولا شيء يمكن أن يزعزع ذلك الإيمان مهما بلغت الصعوبات والعقبات والهزائم فالطاقة الخلاقة في داخل هذا الشخص حملته إلى النجاح.
نكرر مرة بعد مرة، إنك لا تحتاج إلى المال مثلا لكي تبدأ سيرك على الطريق المؤدي إلى النجاح، وكل ما تحتاج إليه هو حالة ذهنية صحيحة مناسبة عما ترغب بلوغه في الحياة، ومعرفتك لنفسك والسيطرة عليها، والتركيز وحصر الفكر، وتمعن بكل هذا بعين فكــــــرك، لبلوغ العقل الباطن الذي يتكفل بكل شيء. وبقدر ما تزيد قدرتك على تصور ما تريد بوضوح، فإنه سيقترب منك شيئا فشيئا، وستجد ما كنت ترغب فيه تحت إمرتك، وفي متناول يدك.
ومن الضروري لدى تحليلك لنفسك، أن تنسحب حين تشعر بالتحرر من كل شيء، وتجعل جسدك يسترخي، والأهم أن تجعل عقلك الواعي سلبيا. حوّل أفكارك إلى الداخل، ولا تسمح له أن يتدخل في تأملاتك، فقد يجرك إلى الخوف والقلق وعقد النقص التي يمكن أن تكون فيك. اصغ فقط إلى ذاتك الداخلية، وبأذنك الداخلية إلى ما لدى عقلك الباطن من أقوال، فهو الجزء الذي يحتوي كل شيء تود أن تكونه، وهو المجموع اٌلإجمالي لكل ما كنته حتى اللحظة.
ولدى هذه النفس الداخلية [العقل الباطن] الجواب الصحيح لكل مشكلة، وهو الذي ينقل هذا الجواب إلى العقل الواعي على شكل فكرة، أو حس باطني، أو شعور قوي باتجاه ما. إن حياتك هي ملكك لتصنع منها ما تريد وتشتهي، ولكن تجرأ أن تكون أنت نفسك في كل وقت، ولا تدع أي قوة أو أي شخص يحولان دون قيامك بما تود القيام به أكثر من سواه، لأن في ذلك تكمن أكبر إمكانيات النجاح والتفوق.
إن البشرية لم تتعلم حتى اليوم كيف تفكر، وإن رجلا واحدا في كل مكان يقوم بالتفكير ويصنع عقول الملايين، فإذا كان تفكيره ملتويا فمثله سيكون الآخرون. إن التفكير الخاطئ هو الذي يحل الآن بشعوب العالم في هذه الظروف المقلقة التي تتميز بالفوضى. ووحده التفكير الصحيح يتبعه العمل الصحيح، وهو الذي يمكن أن يحرر البشرية من الحالة المخيفة التي أوجدتها مشاعر الحق والخوف والشهوة والطمع المتزايدة.
وكثيرا منا عملوا على تدمير أنفسهم عن طريق التفكير الخاطئ، لقد فعلنا ذلك بالتفكير الخاطئ في بيوتنا، وبالتفكير الخاطئ في أعمالنا، وبالتفكير الخاطئ تجاه إخواننا من البشر. إن الوقت قصير جدا، فإذا شئت أن تحقق التأهب الذهني الضروري لمجابهة هذه التغييرات الجانحة المخيفة، فابدأ بتوجيه اهتمامك ورغبتك وجهدك من أجل بلوغ النجاح الحقيقي في الحياة، وعلى الأصعدة الثلاثة لكيانك: الجسدي، والذهني، والروحي.
ولكي تصل للنجاح:
= انظر إلى الحياة على أنها هادفة، وتقبل ظروفها ببشاشة، ولا تعتقد أن كل شيء ينبغي أن يسير على ما يرام، وأحب كل كائن بشري، فوفق نظرتك للآخرين وموقفك منهم، ستكون نظرتهم إليك وموقفهم منك.
= كن مقداما ولكن صبورا، قاوم إغراء الاستسلام في معركة قد تبدو يائسة وليكن الإيمان في أن النجاح صنع دائما من الفشل وأن السعادة لا بد أن تتبع المحنة.
= ابذل أفضل ما عندك في كل وقت، اصنع الخير لأنه خير، وليس انتظارا للشكر والمكافأة.
= إن الفرصة موجودة دائما للتقدم والنجاح، وتتوقف على الإرادة واستخدام ما في متناول اليد استخداما صحيحا، ولا تعتقد أن كل شيء تفعله يجب أن يكون كاملا، ولا تدع عملا ما حتى آخر لحظة، فذلك يجعلك مضطربا قلقا، فاسمح بالوقت الكافي للعمل وقم بكل الترتيبات المناسبة.
= تعرف إلى ذاتك الداخلية، فذلك يفتح الباب أمام إنجازات لم تكن تحلم بها. وقدر أن ما يجب أن تهتم به هو ليس فقط ما أنت، ولكن ما باستطاعتك أن تصبح، وقيم الواقع والحياة تقييما صحيحا، ولا تهدر الوقت على أهواء زائلة.
= احتفظ بقواك الجسدية والعقلية والأخلاقية، بحيث يمكن أن توجه هذه القوى لصالحك وللفائدة العامة، ساعد الضعيف ما أمكن وأولئك الذين يتخبطون في اليأس رافعا إياهم مما هم فيه لكي يصبحوا أفضل مما هم عليه. وليكن لك الجلد والثبات على استخلاص الدروس والعبر في اختبارات الحياة في سياق مسيرتك استعدادا لمواجهة المستقبل.
= كن صديقا لمجرد لذة الصداقة، وكن أنت نفسك دائما، وركز انتباهك وتفكيرك في نفسك، حينها ستمنحك الحياة ماهو أثمن من كل شيء: ستمنحك نفسك، وذلك هو النجاح.
= = =
مراجع السلسلة منشورة في الحلقة الأولى.
◄ سليم الموسى
▼ موضوعاتي