عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

سليم الموسى - الأردن

صديقتي النحلة: قصة للصغار


سليم الموسىتعيش عائلة سلوى في المدينة، وسلوى طفلة صغيرة في العاشرة من عمرها، ولعائلتها بيتٌ كبيرٌ جميل، يقعُ فوق تلة عالية، وله حديقة جميلة، مزروعة بأنواع كثيرة من الأشجار المثمرة، بالإضافة إلى الكثير من الورود والأزهار، ذات الروائح الزكية العطرة، والتي تزيدُ المكان جمالا وروعة.

وفي الحديقة بركة للسباحة، تتوسّط دائرة من الأشجار التي تكاد تخْفيها. وفي ساحة هذه البركة، التي يزيّنها بلاط ذو ألوان متناسقة، وأشكال بديعة، توجد مجموعة من الطاولات والكراسي للاستراحة، واستقبال ضيوف العائلة في ليالي الصيف الجميلة، حيث يكون الجو معتدلا، والنسيم عليلا، والسماءُ صافية تتلألأ بقمرها ونجومها، وحيث يحلو السهر والسمر، في لقاءات الأهل والأصدقاء في هذا الجوّ الساحر.

يملك والد سلوى مزرعة كبيرة، لا تبعد عن المدينة كثيرا، وقد بنى فيها بيتا فخما. وبالقرب من البيت، بركة ُسباحة شبيهة بتلك التي في بيت المدينة، وفي تلك المزرعة، يعمل الكثير من العمال، في الأعمال الزراعية المختلفة، كحراثة الأرض وزراعتها بمختلف أنواع الخضروات والحبوب، والعناية بالأشجار، وجني المحصول وبيعه في المدينة.

وكان لهؤلاء العمال رئيسٌ يُشرف على أعمالهم، وهو مهندسٌ زراعي ذو خبرة طويلة، وكان هو المسؤول عن تأمين كل ما تحتاجه المزرعة من الأسمدة والبذور، وكل ما يتعلق بشؤونها الزراعية. وكان لهؤلاء العمال سكنٌ خاص في المزرعة، تتوفر فيه كل الحاجاتُ الضرورية، وينام فيه من تضطره ظروف العمل، أو بُعد السكن لذلك.

والكثير من أهالي المدينة، وحتى بعض أهالي القرى، كان لهم مزارع مماثلة، كان معظم سكان تلك البلاد ينعمون بالراحة والطمأنينة، والخير والسلام والمحبة. تملأهم القناعة، ورضا النفس، وراحة البال والضمير.

اعتادت الأسرة ُفي الصيف، أن تذهب في عطلة نهاية الأسبوع إلى المزرعة، وتقضي العطلة هناك. كانت سلوى تحبُ الذهاب إلى المزرعة كثيرا، فليس عليها هناك أن تحلّ الواجبات الدراسية، أو مراجعة دروسها، حيث كانت تحرص على إنهائها مساء اليوم الذي يسبق يوم التوجه إلى المزرعة، لذلك فإنها ستقضي الوقت كله في اللعب، وقطف الثمار، والتفرّج على ما في المزرعة من بيوت الدجاج والأرانب وأحواض البط والإوز، والسباحة في البركة.

ولكن أكثر ما كانت تحبه سلوى، هو متابعة النحل، وهو يقفُ على الأزهار، ويمتصّ الرحيق، ليصنع منه العسل. وكانت في جانب من المزرعة بيوت كثيرة لخلية كبيرة من النحل. وكان المهندس الزراعي، قد شرح لسلوى، كيف يجمعُ العمّال العسل، ويتركون جزءا منه للأكل، ويبيعون الباقي في المدينة، وأن العسل مادة غذائية ممتازة، وفيه شفاء للكثير من الأمراض.

اقتربت سلوى يوما من نحلة تقف على زهرة. وقفت إلى جانبها بهدوء وقالت بصوت ناعم رقيق:

"صباحُ الخير أيتها النحلة الجميلة، أنا أحبك، لأنك حشرة مفيدة، تصنعين العسل طعاما وشفاء للناس، ولا تعتدين على أحد إلاّ إذا اعتدى عليك، فهل يُمكن أن أصبح صديقة لك؟"

قالت النحلة: "صباح الخير يا حلوة، وأرحبُ بك صديقة رائعة، فنحن نحب الأطفال ولا نؤذيهم أبدا، كما نحب الخير لكل الناس، فما اسمك أيتها الصغيرة؟"

قالت الطفلة: "سأكون سعيدة جدا بهذه الصداقة، اسمي سلوى وأنا ابنة ُصاحب المزرعة."

قالت النحلة: "ستكونين يا سلوى صديقة كلّ النحلات في الخلية، سأنقلُ رغبتك للملكة، لتطلب من الجميع أن يكونوا أصدقاء لك."

قالت سلوى: وهل لديكم مملكة لتكون لكم ملكة؟

قالت النحلة: "لدينا مملكة منظمة جدا، نعمل فيها جميعا بجدّ ونشاط عدا الذكور، ولا تخالف نحلة نظام المملكة، وإن خالفتْ تعاقب، ولنا ملكة، والعسل الذي نصنعه لغذاء الملكة هو أفضلُ أنواع العسل، وكلّ نحلة فينا تعرف عملها، وتلتزمُ به، بمساعدة ومشاركة من الجميع."

قالت سلوى: "حين أعود إلى البيت، سأجلسُ إلى جهاز الحاسوب، وعن طريق شبكة الإنترنت، سأتعرّف إلى الكثير من المعلومات عن النحل."

قالت النحلة: "وما هو جهازُ الحاسوب هذا؟"

قالت سلوى: "إنه جهازٌ يحتوي شبكة معلومات حديثة متطورة، عن كلّ ما يطلبه الإنسان، إنه أحد الاختراعات العلمية المثيرة لإنسان هذا العصر."

ودّعت سلوى النحلة على أمل اللقاء في اليوم التالي في نفس المكان، وحين عادت سلوى إلى البيت، جلست إلى جهاز الحاسوب، وطلبت معلومات عن النحل. قرأت الكثير الكثير، فعرفت أن للنحلة اثنتين من العيون المركبة على جانبي الرأس، وتستخدم للرؤية من مسافات بعيدة، وأن لها ثلاث عيون بسيطة، وتحتل أعلى الرأس لرؤية الأشياء القريبة، وحاسة الإبصار عند النحلة قوية جدا، كما أنها تعرف طعم الأزهار وتميز بينها بواسطة حاسة الذوق. وحين تجد النحلة مصدرا للغذاء، تخبر زميلاتها عن طريق الرقص، بمكانه وبُعد مسافته.

وعرفتْ أن جميع النحلات في الخلية من الشغالات، تجمعُ الرحيق، وتصنعُ العسل، وتحرسُ الخلية، وتعمل على تهويتها بتحريك أجنحتها. أما الذكور فلا يعملون، ولا فائدة منهم، إلاّ انتظار أن يتزوج أحد منهم الملكة فقط. وعرفت سلوى كذلك، أن وظيفة الملكة هو وضع البيض فقط، لتعويض الخلية عن النحل الذي يموت، فعمر النحلة لا يتجاوز الأسابيع الستة.

ومع إشراقة الشمس في الصباح، توجّهت سلوى إلى حيث التقت بالنحلة أمس، وكانت النحلة تقف على زهرة أخرى من نفس الشجرة.

قالت سلوى: "صباح الخير يا صديقتي النحلة."

ردت النحلة: "صباح الخير يا سلوى."

قالت سلوى: "لقد قرأتُ الكثير بالأمس عن مملكة النحل، وهي مملكة للنظام والحب والخير، مملكة ُالعمل والتعاون والمشاركة، ما أجمل هذه المملكة الرائعة."

قالت النحلة: "وأنا نقلتُ رغبتك بصداقتنا للملكة، ورحبتْ بذلك، وطلبت من جميع أفراد الخلية أن يكونوا أصدقاء لك، يحبونك ويدافعون عنك إن تعرضْت لأي خطر، ويقدمون لك المساعدة في كل ما تطلبين."

جلست سلوى في ظل الشجرة، وكانت قد أحضرت معها إحدى قصص الأطفال، بدأت تقرأ فيها، وتستمتع بأحداثها الجميلة.

حطت ذبابة على ورقة من أوراق الشجرة، قريبة من الزهرة التي تقف عليها النحلة وقالت:

"يبدو أنك قد أصبحت صديقة لتلك الطفلة أيتها النحلة. لماذا لا تكونين مثلي عدوة للأطفال؟ تلسعينهم فيتألمون ويبكون ويمرضون، لماذا تصنعين العسل الذي يأخذه الناس بعد جهد وتعب كبير من جميع النحلات، ولا يقدمون لكنّ شيئا بالمقابل؟"

قالت النحلة: "هكذا خلقنا الله تعالى، نحبُ الخير للناس، ونصنعُ العسل طعاما وشفاء لهم، وهم يزرعون الأشجار والأزهار، كما نحب الأطفال كثيرا، لأنهم مثل الملائكة، وهم أحباب الله. انظري لتلك الطفلة، كم هي بريئة وجميلة، كيف لا أحبها؟"

قالت الذبابة: "أنا لا أحب الأطفال ولا الجمال، أحب الأوساخ والأمراض، وأحب إيذاء الآخرين ونقل المرض إليهم، سأريك ماذا سأفعل بهذه الصغيرة، سأطير نحوها، وأقع على عينها وأسبب لها المرض."

وقبل أن تقول النحلة شيئا، طارت الذبابة، وحاولت أن تقف على رموش عين سلوى، إلا أن سلوى هشتها بالكتاب الذي بيدها، فعاودت الذبابة الكرة، وعاودت سلوى طرْدها.

كانت النحلة تحوم حول رأس سلوى، تحاول أن تلسع الذبابة لتقتلها، ولكن اقتراب الذبابة من وجه سلوى منعها من ذلك، حتى لا تؤذيها.

وبقيت الذبابة تدور قريبة من وجه سلوى، والنحلة تحاول اصطيادها. وانتهزت سلوى فرصة مواتية، فحملت غصنا من الشجرة كان على الأرض، وضربت به الذبابة فوقعت على الأرض، فسارعت سلوى لدهسها بقدمها.

قالت النحلة: "ذكية ٌوقوية أنت يا سلوى، فقد استطعت التغلب على الذبابة بسهولة، لقد سارعتُ لمساعدتك، ولكنها بقيت قريبة من وجهك، فلم أتمكن من لسعها وقتلها."

قالت سلوى: "شكرا لك أيتها النحلة الطيّبة، أعرف أن الذبابة من الحشرات الضارة
التي تنقلُ الأمراض للناس، وخاصة الأطفال. وهي وأمثالها من الحشرات تستحق الموت."

قالت النحلة: "احذري من تلك الحشرات يا سلوى، وحافظي على النظافة دائما، ولا تقتربي من أماكن تجمع الأوساخ، أو المياه الراكدة، فهي الأماكن التي تتكاثر فيها هذه الحشرات."

قالت سلوى: "شكرا لنصيحتك، وأنا قد تعلمت ذلك في المدرسة. سأعود الآن إلى البيت، ونلتقي هنا صباح الغد."

وفي صباح اليوم التالي، وبينما كانت سلوى تسيرُ بين الأزهار، فرحة بحسنها وجمالها وألوانها، منتشية بعطر أريجها، رأت جرادتين تأكلان بعض المزروعات بنهم شديد. خافت سلوى كثيرا، فقد تذكرت ما تعلمته في المدرسة عن هذه الحشرة، وما قالته معلمة العلوم وقتها، من أن الجراد من أخطر الحشرات وأكثرها ضررا، فإذا وقع الجراد في بلد ما، فإنه يأكل الزرع والشجر، ولا يُبقي ولا يذر، يخرّب المزارع والبساتين، ويعيدها أرضا قاحلة كالصحراء. وبذلك فهو يدمر اقتصاد تلك البلد الزراعي، ويلحق بأهلها خسائر فادحة، وقد يمتد الخطر الداهم إلى البلدان المجاورة.

وتذكرت سلوى مما تعلمته كذلك، من أن مكافحة الجراد أمر صعب جدا، فأسرابهُ لا تعدّ ولا تحصى، وهو يحتاج آلات وطائرات لرش المبيدات، وطاقة بشرية هائلة، لا تتوفّر في بلدها. ماذا تفعل إذن؟ احتارت الصغيرة، هل تخبرُ والدها؟ وما الذي يستطيع فعله؟ سيخبرُ أصحاب المزارع من حوله، وسيخبر الجهات المختصة في الدولة، وقد تخبر الدولة جيرانها من الدول الأخرى، وسيضيع الوقت، وتقع الطامة، قبل أن يتفق الجميع على رأي واحد.

ماذا أفعلْ؟ قالت الصغيرة. ساعدني يا رب، واهدني إلى فكرة يمكن بواسطتها إنقاذ الوطن، وقبل أن تضيع الفرصة. فجأة، قفز إلى خاطر سلوى حل معقول. لماذا لا تستعين بصديقتها النحلة؟ ركضت الصغيرة نحو الشجرة التي تقف عليها النحلة عادة، وفي وجهها خوف، وفي عينيها دموع.

قالت النحلة: "ما بالك يا سلوى؟ ما الذي يخيفك يا صديقتي؟"

قالت سلوى: "لقد شاهدت "جرادتين" بين المزروعات، وأنت تعلمين أن الجراد إذا نزل بأرض جعلها خرابا، وأكل الأخضر واليابس، إنني أخاف على المزرعة. والمزارع المجاورة بل أخاف على البلد كله."

قالت النحلة: "لا تخافي يا سلوى، تعالي دُليني على مكانهما."

ركضت سلوى، والنحلة تتبعُها، حتى وصلتا إلى المكان، فوجدتا فيه جرادة واحدة، كانت تلتهمُ المزروعات بلا توقف.

قالت النحلة: "أيتها الجرادة، ارحلي من هنا."

قالت الجرادة: "ولماذا أرحلْ؟ وماذا يعنيك هذا؟ لقد أرسلني قائد السرْب الذي أتبع له، مع صديقة لي، لنبحث عن مزرعة مناسبة نرحل إليها، وقد وجدْنا هذه المزرعة الخضراء الواسعة، فبقيت أنا هنا، وعادت صديقتي، لتخبر القائد، وستصلُ أسرابٌ لا عدّ لها خلال ساعات."

قالت النحلة: "نحن معشر النحل لا نحب الضرر، ولا الذين يضرون، والجراد حشرات ضارة، تأكل الزرع والشجر الذي نمتصّ منه الرحيق، ونصنع العسل، فهيا ارحلي من هنا، وابتعدوا عن هذا المكان ولا تقربوه."

قالت الجرادة: "وإن لم أرحل، ماذا أنت فاعلة؟"

هاجمت النحلة الجرادة، فطارت هاربة، وتبعتْها النحلة، واستمرت المطاردة ُحتى تمكّنت النحلة من الجرادة فلسعتها فوقعت ميتة.

قالت النحلة: "لا تخافي يا سلوى، فلن يلحق المزرعة أي ضرر، عودي إلى البيت، واطمئني."

عادت النحلة إلى الخلية بسرعة، وأخبرت الملكة بما حدث، وما سيحدث إن جاء الجرادُ إلى هذه المزرعة.

قالت الملكة: "لا بد أن ندافع عن هذه المزرعة، إن فيها عيشنا وحياتنا، ولا بد أن ندافع عن جميع المزارع في هذا البلد، ففيه تعيشُ صديقاتنا، ويعيش أهله الطيبون."

واستدعت الملكة حالا مجموعة المستشارين، وقائدات مجموعة حراسة الخلية، وشرحت لهنّ خطورة الوضع، واستمعت لاقتراحاتهن، وتمت مناقشتها، حتى تم التوصل إلى خطة محكمة.

طارت فورا، مجموعة من النحلات، إلى خلايا النحل المجاورة، تشرح للملكات فيها خطورة الوضع، وخطة ملكتهن لمواجهة الموقف، لأنه لم يكن هناك وقت للاجتماعات والمناقشات والاتفاق على القرارات. وعادت الرسل إلى الملكة تبشرها بالخير، وباستعداد الجميع لمحاربة الجراد صفا واحدا، وتحت قيادتها.

وحين بدأت أسراب الجراد تقتربُ من الموقع، انطلقتُ أسرابُ النحل تملأ الفضاء، وأحاطت بالجراد من كل ناحية، وفق الخطة الموضوعة، وبدأت تلسعه فيتساقط ميتا، وبهذا استطاع النحلُ القضاء على جميع الجراد، وخلص البلاد من الخراب بوحدته وقوته، وإيمانه بالوطن.

D 1 أيار (مايو) 2009     A سليم الموسى     C 0 تعليقات