عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 
أنت في : الغلاف » أرشيف أعداد عـود الـنـد » الأعداد الشهرية: 01-120 » السنة 7: 72-83 » العدد 76: 2012/10 » مختارات: الديموقراطية والإسلام: متعارضان؟

عدلي الهواري

مختارات: الديموقراطية والإسلام: متعارضان؟


نشر الموضوع أدناه في العدد 39، ويعاد نشره تلبية لطلب بعض الأخوة والأخوات الحصول على ملخص لما احتوته رسالة بحثي المتعلق بالديموقراطية والإسلام، الذي منحت على أساسه درجة الدكتوراه من جامعة وستمنستر بلندن.

وصلة للموضوع في العدد 39

خبر مناقشة الرسالة

عدلي الهواري


الديموقراطية والإسلام: متعارضان؟

الديموقراطية كمصطلح تعني حكم الشعب، والمصطلح مكون من كلمتين إغريقيتين نظرا لممارسة الديموقراطية في المدن الإغريقية (اليونانية)، عندما كانت المدينة دولة أيضا. والديموقراطية آنذاك كانت مباشرة، بمعنى أن سكان المدينة يجتمعون ويقررون. أما في العصر الحديث، ونظرا لزيادة أعداد السكان واتساع مساحات الدول، لم يعد ممكنا جمع كل المعنيين في مكان واحد، ولذا استبدلت الديموقراطية المباشرة بأخرى غير مباشرة، أي اختيار السكان لممثلين عنهم في مجلس تتخذ فيه القرارات نيابة عنهم.

والانتخابات الدورية مظهر واحد من مظاهر الديموقراطية، ولا تكفي وحدها لاعتبار بلد ما ديموقراطيا، ففي كثير من الدول غير الديموقراطية قد تجرى انتخابات دورية لا يكون فيها سوى مرشح واحد، أو لا يحق للمؤهلين أن يرشحوا أنفسهم. ولذا لكي يكون بلد ما ديموقراطيا حقا، يجب توفر مجموعة من الأمور يلخصها روبرت دال (1971) بوجود مسؤولين منتخبين، ووجود انتخابات حرة ونزيهة، وحق شامل في الانتخاب (لا يستثنى السود مثلا كم حدث في الماضي في الولايات المتحدة)، والحق في الترشيح للمناصب المختلفة، وحرية التعبير، والحصول على معلومات بديلة، والاستقلال الذاتي للروابط.

وقد كُتب الكثير عن الديموقراطية وعملية الانتقال إليها. وعندما يتعلق الأمر بالعالمين العربي والإسلامي، نجد ادعاءات بأن الإسلام والديموقراطية لا يتوافقان. وعدم التوافق يستخدم كتفسير لغياب الديموقراطية في الدول العربية والمسلمة. في المقابل نجد من يرفض هذا الادعاء، ويقول إن الديموقراطية يمكن أن تنشأ وتترعرع في بيئات مختلفة.

ويلمس الباحث في هذا الموضوع وجود أربعة اتجاهات في مسألة توافق/عدم توافق الديموقراطية مع الإسلام. ثلاثة منها تحاجج بعدم التوافق من منطلقات مختلفة. أما الاتجاه الرابع فلا يرى تعارضا.

أبو الأعلى المودوديفي الاتجاه الأول الذي يقول إن الديموقراطية والإسلام غير متوافقين، نجد أفرادا وأحزابا. ويتم تبرير عدم التوافق من منطلق ديني والرجوع إلى آيات في القرآن الكريم. ومن الأفراد والأحزاب في هذا الاتجاه: أبو الأعلى المودودي (الهند/باكستان)، وسيد قطب (مصر) وحزب التحرير (فلسطين/الأردن).

في تبريره لعدم توافق الديموقراطية مع الإسلام يلجأ أبو الأعلى المودودي (1967) إلى آيات من القرآن وخاصة الآية 30 من سورة البقرة:

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ.

ويتحدث المودودي في اعتراضه على الديموقراطية عن مبدأ السيادة الإلهية ويقول إن جميع الأنبياء كانوا يطالبون بني البشر بالطاعة الخالصة لله، وإن وحدانية الله وسياديته كانتا أساس النظامين الاجتماعي والأخلاقي الذين جاء يهما الأنبياء (ص 158). وخلاصة حجج المودودي أن الإسلام نقيض الديموقراطية.

سيد قطبأما سيد قطب (1964)، فهو متفق مع المودودي في عدم التوافق بين الديموقراطية والإسلام، ويستشهد بأربـع كلمات هي "إن الحكم إلا لله" ترد في الآية 57 من سورة الأنعام:

قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ.

وقد ذهب سيد قطب إلى حد اعتبار المسلمين وغيرهم في حالة شبيهة بعصر الجاهلية. واعتبر الإسلام هو الحضارة بعينها.

حسن الهضيبيجدير بالذكر هنا ولو خارج السياق قليلا أن كثيرين يعتبرون سيد قطب المنظر الأيديولوجي لجماعات العنف التكفيرية التي برزت في السبعينيات في مصر. ولكن آخرين ردوا عليه في حينه من بينهم المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر، مأمون الهضيبي في كتاب بعنوان دعاة لا قضاة خطأ فيه تكفير المسلم.

أما حزب التحرير فإنه يكفي النظر إلى عنوان أحد منشوراته عن الديموقراطية، من تأليف عبد القديم زلوم (1990)، لتعرف موقف الحزب من هذه القضية: الديموقراطية نظام كفر. يحرم أخذها أو تطبيقها أو الدعوة إليها. وجاء في مطلع المنشور أن "الديموقراطية التي سوقها الغرب الكافر إلى بلاد المسلمين هي نظام كفر، لا علاقة لها بالإسلام، لا من قريب، ولا من بعيد. وهي تتناقض مع أحكام الإسلام تناقضاً كلياً في الكليات وفي الجزئيات، وفي المصدر الذي جاءت منه، والعقيدة التي انبثقت عنها، والأساس الذي قامت عليه، وفي الأفكار والأنظمة التي أتت بها. لذلك فانه يحرم على المسلمين أخذها، أو تطبيقها، أو الدعوة لها تحريماً جازماً." (ص 2).

في الاتجاه الثاني الذي يدعي أن الديموقراطية والإسلام غير متوافقين نجد غير مسلمين، وخاصة من الوسط الأكاديمي، من أبرزهم، ويعد عميد البقية، برنارد لويس (2001) الذي يفسر عدم التوافق بأنه لا يمكن فصل الدين عن الدولة في الإسلام، خلافا لما حدث في العالم المسيحي، وما لم يتم هذا الفصل لا يمكن للديموقراطية أن تنشأ وتترعرع. أكاديميون آخرون يتفقون مع برنارد لويس ومن بينهم صامويل هنتغنتون (1991) في كتابه الموجة الثالثة من الدمقرطة في أواخر القرن العشرين.

وثمة اتجاه ثالث يتحدث عن عدم توافق الديموقراطية مع الإسلام، ولكنه لا يلجأ إلى الدين لتفسير غيابها في العالمين العربي والإسلامي. وتفسير المنظرين في هذا الاتجاه يستند إلى نظريات التنمية، فالاعتقاد أنه لا يمكن للديموقراطية أن تنشأ إلا بعد الوصول إلى حد معين من التنمية وحد أدنى لدخل الفرد. وضمن هذا الاتجاه تجد تفسيرا يقول إن للديموقراطية متطلبات فكرية لا يمكن بدونها للديموقراطية أن تنشـأ (نزيه أيوبي 1995).

أما الاتجاه الرابع فلا يتفق مع الاتجاهات الثلاثة السابقة، ويقول كما أسلفنا إنه يمكن للديموقراطية أن تنشأ وتترعرع في بيئات مختلفة. ونجد ضمن هذا الاتجاه مسلمين وغير مسلمين، ومن هؤلاء حون ازبوسيتو (1995) الذي ألف كتبا عديدة دافع فيها عن الإسلام. وهناك أيضا وليام كوانت (2004) الذي يستشهد بمثال الهند كدليل على أن الديموقراطية ليست حكرا على العالم المسيحي.

من الواضح أن مشكلة الإسلاميين الكبرى مع الديموقراطية كانت تكمن في مسألة مصدر السلطات والتشريع، فعندما كان ينظر للديموقراطية على أساس أنها حكم الشعب، وأن الشعب هو مصدر السلطات، كان الإسلاميون يرفضون هذا المبدأ ويردون أن مصدر السلطات هو الشريعة، كما حاجج المودودي وقطب.

ولكن النظرة لطبيعة الديموقراطية تغيرت في أوساط دارسيها والمهتمين بها، وخاصة بعد أن حاجج جوزيف شومبيتر (1976) بأن الديموقراطية عملية إجرائية للتنافس بين الزعماء ومن بين أهدافها تجديد شرعية النخبة الحاكمة. ورغم أنها عملية إجرائية، إلا أنه لا يسمح للأغلبية بأن تفعل أي شيء تريده، كأن تصوت على إبادة أقلية ما.

ومع مرور الأيام أصبحت النظرية الإجرائية هي السائدة، ولذا يعتبر جون كين (1991) الديموقراطية عملية إجرائية يتقرر من خلالها من يخول بالحكم، وتنطوي على مجموعة من المبادئ منها المساواة وحق شامل في الانتخاب، وحكم أغلبية مع ضمانات للأقلية وحكم القانون وضمانات دستورية بخصوص الحريات (ص 168).

ومع أنه لا يزال بين المسلمين من يقول إن الديموقراطية والإسلام غير متوافقين، إلا أن الكفة رجحت نحو عدم وجود تعارض بدليل مشاركة جماعات إسلامية في الانتخابات التي جرت في بلادها، بدأت بحركة الاتجاه الإسلامي التونسية، بزعامة راشد الغنوشي، ثم جماعات الإخوان المسلمين في مصر والأردن وفلسطين والمغرب.

ويدل إقدام الحركات الإسلامية على المشاركة في الانتخابات على التراجع عن رأي تعارض الديموقراطية مع الإسلام. ولكن المشاركة أسفرت عن تولد شعورين متناقضين. فتجربة الجزائر عام 1991 و1992 وتجربة حركة حماس عام 2006 تعتبران بالنسبة للإسلاميين مثالا على أن الديموقراطية مرفوضة عندما تسفر عن نتائج غير متوقعة للحكام والسياسيين المنادين بفضائل الديموقراطية.

أما غير الإسلاميين فيتهمون الإسلاميين بأنهم غير ديموقراطيين، ولا يمكن ائتمانهم لأنهم سيغيرون طبيعة النظام بعد تولي الحكم، وبذا يكونون قد استخدموا الديموقراطية لتحقيق غاية منافية لها. وعلى هذا الأساس نجد أن الأحزاب الإسلامية في الدول العربية تعاني من هذا الشك، من خلال إجراءات حكومية إما تحظرها وتمنعها من المشاركة في الحياة السياسية، أو تهدف إلى الحد من نسبة تمثليها في المجالس النيابية. وفي حالة حركة حماس في فلسطين، كان أحد نتائج فوزها بالأغلبية حصارا عالميا لا يزال مستمرا، وأسفر أيضا عن انقسام فلسطيني لا تزال تفاعلاته مستمرة حتى الآن.

المراجع العربية

قطب، سيد. معالم في الطريق. عمان: دار عمار للنشر والتوزيع. 2009.

زلوم، عبد القديم. الديموقراطية نظام كفر. يحرم أخذها أو تطبيقها أو الدعوة إليها. منشورات حزب التحرير. 1990.

الهضيبي، مأمون. دعاة لا قضاة. القاهرة: دار التوزيع والنشر الإسلامية. 1900.

المراجع الإنجليزية

Al-Maududi, Abu Al-Ala, (1976). "Political Theory of Islam." In. Khurshid, Ahmad (ed). Islam: Its Meaning and Message. Leicester: Islamic Foundation.

Ayubi, Nazih (1995). Over-Stating the Arab State. London: Tauris.

Dahl, Robert (1971). Polyarchy: Participation and Opposition. New Haven: Yale University Press.

Esposito, John (1999). The Islamic Threat: Myth or Reality? (Third Edition), NYC, Oxford University Press.

Huntington, Samuel (1991). The Third Wave: Democratization in the Late Twentieth Century. Norman: University of Oklahoma Press.

Keane, John (1991). The Media and Democracy. Cambridge: Polity Press.

Lewis, Bernard (2001). What Went Wrong, Western Impact and Middle Eastern Response. New York: Oxford Univ. Press.

Quandt, William (2004). "Islam Isn’t the Problem." In Abou El-Fadl, Khaled (ed). Islam and the Challenge of Democracy. Princeton: Princeton University Press.

Schumpeter, Joseph (1976). Capitalism, Socialism and Democracy. London: Allen and Unwin.

D 25 أيلول (سبتمبر) 2012     A عدلي الهواري: بحوث ومقالات وقصص     C 2 تعليقات

2 مشاركة منتدى

  • كل الشكر للدكتور عدلي الهواري على اتحافنا بهذا الموضوع الجدلي الخلافي، والذي سيبقى محل اختلاف إلى ما شاء الله.
    مصدر الاختلاف -حسب ظني- يرتكز إلى سببين:
    أولهما: عدم وجود تعريف واحد للديمقراطية، فهناك أكثر من تعريف وأكثر من فهم، مما يولد إشكالات وتناقضات أحياناً.
    ثانيهما: أن الديمقراطية أداة لا تؤخذ عن قناعة وإيمان، وإنما وسيلة للوصول، يستوي في ذلك الإسلاميون وخصومهم، فكلهم يتخذها مطية ثم ينقلب عليها أو يعيد تشكيلها حسب مصالحه وبما يضمن له الاستمرار والسيطرة.
    أود الإشارة إلى قضية مفصلية تغيب عن معظم الإسلاميين، وهي أن الإسلام لا يُفرض بالقوة وإنما يطبق بالاقتناع والرضى والإيمان بأنه الأصلح والأقوم للحياة البشرية، وعليه فإن حكم الشعب للشعب وهو عماد الديمقراطية يصلح للإسلام أيضاً، فإذا كان الشعب مؤمناً بالإسلام كمنهج حياة وأنه لا بد أن يطبق فالديمقراطية هنا توصله إلى ما يريد. وإذا كان الشعب لا يريد الإسلام أو لم يصل بعد إلى درجة الاقتناع به، فما جدوى فرض الإسلام عنوة؟؟


  • دكتور عدلي الهواري:

    شكرا على هذا الموضوع المهم و الجريء.ففي سنوات خلت كانت كتب ابو الاعلى المودودي و سيد قطب و محمد قطب وحسن البنا و غيرها من كتب الاخوان من الممنوعات في وطني حيث تداهم( محاكم التفتيش) بيوتات الاسلاميين لتصادر مثل هذه الكتب وتعتقل اصحابها.

    ما زال الاسلام يصارع من اجل البقاء في العهود الاشتراكية ثم مع الديمقراطية. ففي انتخابات 1991-1992 بعد فوز الاسلامين صرح أحد المسؤولين الكبار بانها اول انتخابات حرة و نزيهه منذ عهد عمر بن عبد العزيز، ثم ما لبثوا ان انقلبوا على أعقابهم. النتيجة ان لا الاسلام يتسع للديمقراطية ولا الديمقراطية تتسع للاسلام.

    الطريف أن حُزيبا يدعي انه اسلاميا نصب نفسم معارضا للمعارضة الاسلامية، كان يتزلف للنظام فتبنى مبدا جديدا يجمع بين الشورى والديمقراطية سماه الشوروقراطية.


في العدد نفسه

عن مبدع الغلاف

كلمة العدد 76: الإعلام: عندما تكون الحقيقة بين الضحايا

خزانة شهرزاد: مقتطف

مصطلح ومفهوم التبئير

إبراهيم طوقان وهموم التعليم