عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

غانية الوناس - الجزائر

أحلام قيد الانتظار


غانية الوناسأكذبُ على نفسِي وأكذبُ عليك، أخنقُ شوقِي إليكَ باستهتارِي واستهزائِي ولا مبالاتِي، أمضِي في خيبتِي السريّةِ غيرَ آبهةٍ بالوجعِ الّذي صار يتدفقُ في روحِي، دون أن أعِي أنّي إنّما أنتحرُ ببطءٍ شديدٍ، كمدمنٍ يحاولُ إقناعَ نفسهِ في كلّ مرّة بأنّها الجرعةُ الأخيرة وبعدها سيتوقّفْ.

يخيّلُ إليّ وكأنّي مهرّجٌ طاعنٌ في الحزنِ، يعلّقُ أوجاعهُ قبلَ كلّ عرضٍ على مشجبِ الانتظارِ في الكواليسِ، يرسمُ بالألوانِ ابتسامةً صاخبةً على وجههِ الحزينِ ذاك، ويرتدِي سعادةً باذخةً ليخرجَ إلى النّاسِ بكاملِ أناقتهِ في الفرحْ، ليصنعَ لحظاتِ سعادتهمْ ويهديهمْ دهشةً على مقاسِ وجعه.

يا لحظّكَ يا صديقِي المهرّجْ، ويا لحظّي معكْ، ويا لهذا القدرِ المجنونِ الّذي يجمعنا بالحزنِ رفيقاً، وبالخيبةِ أنيساً، وكأنّنا آخرُ أهليهما فوق الأرض، آخرُ عرقٍ في سلالتهما الممتدةِ في الأسى زمناً، أقرباؤهُما الوحيدونَ المتبّقون، وورثةُ أسمالهِما من البؤسِ والشّقاءْ.

ها أنا أستيقظُ منْ نومٍ أوهمُ نفسِي به، وأنا أدري بينِي وبين ذاتِي بأنّي ما ذقتهُ إلاّ سراباً خلّفتهُ لِي بغيابكْ، أرتدِي ثياباً لا أعرفُ كيفَ اقتنيتها، وأضعُ فوق رأسي حجاباً لا أذكرُ كيفَ اقتنعت بارتدائه، أحملُ حقيبةَ يدٍ لا تتسّعُ سوى لهاتفٍ صامتٍ أخرسٍ لا يرنّ، مفاتيحٌ تفتحُ كلّ شيءٍ عدا قلبِي المقفلَ على ذكراك، وحافظة لا زالتْ تتزيّنُ بصورتك.

أخرجُ من بيتٍ أسكنهُ ظلاًّ وطيفاً، بينما روحِي هامتْ منذ زمنٍ تبحثُ عنك، لمْ أعد أعرفنِي ولا أذكرنِي ولا حتّى ألتقينِي صدفةً في شارعٍ أو طريقٍ أو محلّ، حتّى ذلك المكتبُ الّذي اقصدهُ للعملِ لمْ يعدْ يتعرفُ إليّ.

أنسى نفسِي في العملِ لساعاتٍ وساعات ولكنّي أذكرك، أغرقُ في الكتابةِ لأنسى فأجدنِي أكتبك، كطفلةٍ صغيرةٍ أصبحُ لحظاتٍ وأنا أستعيدُ كلّ حديثك وكلامك، أرددهُ خلفك كأنّي أتعلّم النطق من جديدٍ على يديك، أتوقّف طويلاً عند جملةٍ كنتَ تقُولها لِي: "أنتِ أنقى منْ عرفتْ". وأنتَ أنقى منْ عرفت، لذلك يصعبُ عليّ الاستمرارُ دونك.

لذلك لا زلتُ أصارعُ الحياةَ الظالمةَ وحيدةً. تلك الحدود والمسافات التي تفصلنا، ألعنُ كلّ تلك الجنسياتِ والعرقيات والدولِ والأممِ والشّعوبْ، ألعنُ السياسة والسّاسة وأكفرُ بكلّ ذلك علناً. لستُ أؤمنُ إلاّ بك. تُرانِي أكفرْ حين أقول هذا؟ لا، أنا فقطْ أؤمنُ بك فإيمانِي بالله شيءٌ دينيٌّ فطريٌّ عقائديٌّ روحيّ لا يُناقشُ، وإيمانِي بك إحساسُ يتمازجُ مع العاطفةِ والحبّ والحلمِ والبهجةِ والأملِ والانتظارْ.

آه كم اشتقتك، كم اشتقتُ إلى صوتك، يا لصوْتكَ الآتيَ منْ كواكبَ بعيدةٍ عن الأرضِ سنواتٍ منَ الضوءِ والنورِ والسحرْ، كمْ زمناً بعدُ سيمرُّ ليصبحَ ذلك الصوتُ رفيقَ صباحاتِي؟ يا وطنِي الأجملْ، أنتَ كوكبِي العصيّ على الاكتشافْ، قبلكَ لا جزراً عائمةً فوقَ السّرابْ، وبعدكَ كلّ محاولاتِ الإبحارِ جنونٌ وعبثْ.

أنا معَ كلّ غيمةٍ أنتظرُ هُطولكْ، ما سئمتُ الانتظارَ يوماً، ولا كذّبتُ لحظةً همسَ الغيومْ. أحبّك أردّدها بيني وبين نفسِي، أحبّك ولستُ أقوى على خنقها في قلبِي أكثر، لستُ أقوى على الاستمرارِ في الكذبِ على هذهِ الحياةِ نفسها ولا التظاهرُ بأني قوية.

هذهِ أنا وهذا حبّي لك يعيشُ في داخِلي يتغذّى على أوصالِي، يسكنُ الرّوحَ والنبضَ والفؤادْ، يجرِي في مجرى الدمِ ولا يُبقِي لشيءٍ آخر من تواجدٍ في داخلِي، يُزاحمُ كلّ شيءٍ في كيانِي، يحتلنّي، يستوطنُ فيّ يمنحنِي الحياة، ويُبقينِي حيّة.

هذهِ أنا وهذا حبّي لك، وبقيّةٌ من كتاباتٍ تحفظكَ عن ظهرِ عشقٍ وشوقٍ وانتظار، هي تحفظكْ. وبرغمَ كلّ البعدِ الفاصلِ ما بيننا، لا زلتُ أستعدُ بكاملِ أناقتِي في الحبّ، بكاملِ تبرجِي في العشقِ، بكاملِ حضورِي وخجلِي براءتِي وجرأتِي فقطْ لأستقبلكْ.

D 25 آذار (مارس) 2013     A غانية الوناس     C 20 تعليقات

9 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

عن مبدعة الغلاف

كلمة العدد 82: هل الأدب العربي (لا يزال) محظور(ا)؟

زهرة زيراوي: تكريم في المغرب

فاتن الليل: مساءلة الوعي الوجودي

تحديد النسب بالبصمة الوراثية