عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

غانية أحمد الوناس - الجزائر

امرأةٌ من حبر


غانية الوناسفي كفّك يحكي خط الحياة كيف أن امرأة الحبر، تلك الغريبة التي لا تعرف كيف تسنى لحبرها وعطرها وحرفها أن يتسلل إلى خبايا قلبك المتعب، هذه التي تأتيك شهية كلما غابت، كأنها لقمة تـتمنعُ عن فم الجائع حتى يوشك على الهلاك، فتأتيهِ كآخر رمق للحياة، وآخر طوق للنجاة.

كأنها غيمة لا يحلو لها الهطول إلا بعد أن يوغل الجفاف والقحط في كيانك، ويتسرب الأذى إلى الأعماق رويدا، هذه التي لا تأتيك إلا على صهوة الوجع، موسومة بكلّ ما له صلة بالحزنِ والألم.

أنت لا تعرفُ كيف تكتبها؛ كيف ترسمها؛ كيف تصنع لها في خيالك تمثالا من غيم وسحاب، أو تؤطر لها بأضلاعك إطارا تعلقه على جدران قلبك، لئلا تنسى ملامحها المؤذية.

هذه التي تؤذيك حين تكتب، ويؤذيها أن الحرف هو فقط ما تجيده، يؤلمها ذلك الصوتُ الجاف الذي كلما رافقته الموسيقى أصبح عاريا تماما، يتدفّق منها كمطر خفيف بداية الخريف، يغمرك فلا تعود تدري أين محلك من إعراب جملها.

هي لا تجيد الاختباء وراء صوتها، لأن نبراته تشي بكلّ ما فيها، فتراها أمامك كلمات لا تفهمها، لكنك تشعر بها داخلك.

تخذلها الذبذبات التي تأتي من أعمق نقطة في الروح، فتبدو الروح نفسها شاخصة بكلها، أمام كل ما تقوله وتبوح به، وحتى ما تخفيه وتتركه معلقا ما بين الصدر والحلق، يختنق مرارا، لا هو يريد أن يبقى حبيس القلب والروح، ولا هو قادر على الخروج إلى ما هو مجهول بالنسبة له.

يظل معلقا ما بين أرضِ وسماء، ما بين عالمين لا يجمع بينهما إلا طقوسِ تلك الغريبة الوحيدة الجالسة على أوجاعها، تخيط ما تسنى لها من جرح، وتسكب على ما تبقى منها ملحا لئلا تتفتح أكثر، ويتلوث المكان بقيحها.

هي تعتقد أن الملح ينظف الجروح، تفكر بالمزيد منه للجروح القادمة، تتهيأ في كل مرة لتختبر مزيدا من الألم، لتكتبه وتخبر جميع من يقرأ أنها تصنع معجزة صغيرة، هي تسميها خلق الحروف، والكثيرون غيرها يسمونها عبثا.

D 23 نيسان (أبريل) 2016     A غانية الوناس     C 1 تعليقات

1 مشاركة منتدى

  • رسمتِ للأنثى صورة مشرقة شفافة من خلال خطاب سردي راقٍ انسجم مع أشجان دواخلها، فانسابت أحرفا من حبر وعطر ينعش عبيرُهُ النفوسَ المريضة التي تحقر الأنثى الشامخة بعطائها وعطفها ولمساتها الحانية التي تداوي الجراح، بل تختار متى تمسح بكفها، فكانت هذه الصورة القريبة من نبض الشعر:

    "كأنها غيمة لا يحلو لها الهطول إلا بعد أن يوغل الجفاف والقحط في كيانك، ويتسرب الأذى إلى الأعماق رويدا، هذه التي لا تأتيك إلا على صهوة الوجع، موسومة بكلّ ما له صلة بالحزنِ والألم".

    كما رسمت صورة الأنثى المترفعة عن الصغائر بشموخها المتسللِ حبرُهُ/عطرُهُ/حرفُهُ إلى خبايا القلب كآخر رمق للحياة، وآخر طوق للنجاة، كما في جاء قولك:

    "في كفّك يحكي خط الحياة كيف أن امرأة الحبر، تلك الغريبة التي لا تعرف كيف تسنى لحبرها وعطرها وحرفها أن يتسلل إلى خبايا قلبك المتعب، هذه التي تأتيك شهية كلما غابت، كأنها لقمة تـتمنعُ عن فم الجائع حتى يوشك على الهلاك، فتأتيهِ كآخر رمق للحياة، وآخر طوق للنجاة".

    لقد عبق الخطاب السردي بصدق العاطفة وشفافية الروح وجمالية التعبير، وبلاغة الاستعارات التي تخطت الأوجاع لاعتقاد الساردة التي تقمصت ذكاء شهرزاد لتكسر شوكة شهريار أن:

    "الملح ينظف الجروح، تفكر بالمزيد منه للجروح القادمة، تتهيأ في كل مرة لتختبر مزيدا من الألم، لتكتبه وتخبر جميع من يقرأ أنها تصنع معجزة صغيرة، هي تسميها خلق الحروف، والكثيرون غيرها يسمونها عبثا".

    أحسنت وأبدعت ومتعت، وعطَّرتِ أحرفكِ بعطر الأنثى التي اختارها الله تعالى كي تكون رحم الحياة، الجنةُ تحت أقدامها، والسعادةُ في شفافيتها، والشفاء في كفها...

    لك مني كل التقدير والاحترام...


في العدد نفسه

كلمة العدد 120: عود الند تكمل 10 أعوام

ريادة شعر الإحياء: بين الأمير عبد القادر والبارودي

محمود سامي البارودي والشعر

شبح الفكرة

أعتذر من غراديفا