عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

راضية عشي - الجزائر

جنون دمعة


راضية عشيكان حلم الطفولة غيمة أنام عليها، أو نجمة هاربة تلقى حتفها في حديقة منزلنا فأصادقها، كان حلم طفولتي وهما بحجم خيالي الواسع. كبرت وكبرت أحلامي، وأدركت أن الدراما التي تقبع في مقلتيّ سببها أنني، غباء، قد أغلقت باب الفرح عن سابق الألم والتجربة.

ها أنا اليوم أجلس هنا كالطفلة أفرق بين أصابع يدي وأعد. أعدد خيباتي، فلا أجد غير خيبتي بك التي أكبرتني عشر سنين. حلم واحد، فرصة واحدة، وعد واحد، صدفة واحدة، قدر واحد، صدمة واحدة، لقاء واحد، حقيقة واحدة، وداع واحد، ونهاية واحدة. أوصلت العشرة أم ليس بعد؟ هات يديك إذن لأكمل العد.

أأخبرتك ذات جنون أن لأحلامنا علينا حقا؟ أخذ الحلم كل حقه مني وأخذك ورحل، فأين حقي أنا؟ خيبتي وبكلّ صراحة أنني أردت الحصول على الحب والصداقة في شخص واحد. لكن النهاية كانت بمصارحتك. بعض الرجال تلدغهم صراحتك فيتحتم عليهم الرحيل.

كان السؤال: أأبقى وفية لعشق مجنون يأكل من كبريائي، أم ألتصق بعقلي الذي غالبا ما يخون القلب والذاكرة معا؟ خوان عقلي حد الوفاء، يرغب أن يرتقي، لكن القلب أحمق ويرضى بالقليل.

باقة ياسمين واحدة. أتذكر؟ قلت: "ماذا يعني لك الياسمين؟" أجبتك: "أنت". لم يكن الياسمين يوما زهري المحبب، ولم تكن أنت من نوعية الرجال المفضلة لدي، لكنني تعلقت بحلمي، فأحببت أن أحبّك، علك تكون الغيمة الطرية التي ألقي عليها همومي.

أدركت حينها معنى الياسمين، ولهفته ودمعته، وتحول الياسمين من زهرة تعبر عن الحب إلى ذكرى تدعو إلى الموت الأحمق، ومن لون أبيض زاه إلى داكن لا يملك أكثر من ركن في صندوق عتيق.

الياسمين دعوة للجنون المحتم والانتظار. ما أقسى أن انتظرك في كل يوم، وساعة ودقيقة ولحظة، في كل المواعيد التي يحددها الياسمين ولم نوثقها بتوقيع!

صورة واحدة لم أستطع نسيانها. كانت لقطة عابرة كيومنا ذاك، وباتت الصورة مهترئة بتجاعيد الغياب، أكاد لا أعرفني، لكنني أراك جيدا، كنت مبتسما ولا فرحة في عينيك، أتلمس ملامحك، أسمع كلماتك، أستمع لأنفاسك، أموت قهرا، من حديثنا ذاك اليوم، وأنا الضحية والجلادة في صورتنا تلك.

حديث واحد بدأ بضحكة وشعر نزاري، وأختتم بنقاش حاد ودموع. قلت لك: "الحب رواية شرقية في بدايتها يتزوج الأبطال، وبخاتمتها ينعمان بالجنة". اتهمتني بأنني أقلص مفاهيم الحب في الزواج وفي ورقة وإمضاء. كم كنت غبية حين استمررت في مناقشتك في موضوع مفروغ منه، وقضية واضحة اجتماعيا ودينيا.

فرق بين أن تعيش تفاصيل حكاية وبين أن تسردها، فرق شاسع بين أن تشاهد الأحداث وبين أن تقرأ قصة عابرة، من المضحك جدا أن ترى حبيبين على قارعة الطريق يلوم أحدهما الآخر ويبكي الثاني بحرقة ثم يهم بالمغادرة، لماذا يبكي الحبيبين؟، لماذا يفترقان؟ لماذا يشتريان الألم مقابل راحة بالهما؟

موجعة رؤية الحكايا عن قرب، والأكثر وجعا أن تهم برسم تلك التفاصيل بيدك كأنك تعرف كل شيء عن أي قصة حدثت هنا وهناك، ولا يعرف عنك الناس إلا أنك عاشق ولهان جيد الأخلاق. ينسون أنك بشر قد تشتاق وتبكي وتهذي وتحترق، فتتصل بخائن عند ذروة الوجع لتعتذر منه. لكن من الجيد أيضا أن أكون فتاة صالحة عاهدت نفسها ألا تحب رجلا إلا في الحلال.

آخر كلمة: أحببتك للحد الذي توقفت فيه عن البكاء بجنون، عن سرد الخيبات وعن التمسك بالأحلام الهاربة، أحببتك حتى وفيت لقدري الذي وإن آلمني أؤمن أنه يخفي لي الأفضل، أحببتك أكثر، للحد الفاصل بين الهزيمة في الحكاية والانتصار مع ضميري.

سبحان الله! أحببتك لدرجة جعلتني أبدو أكثر أنوثة وأكثر طفولة، وحتى أعمق براءة رغم مبادئي الكبيرة جدا. أصبحت أمر بك كل صباح دون قلق وأرى عيونك تشتعل لهفة كلما اتسع طول ابتسامتي. كيف تنكر حبك لي وشوقك بين الزملاء؟ إنك أشبه بطفل صغير ملطخة شفاهه بالشوكلاتة، ويقسم مصرا أنه لم يسرق شيئا من الدرج. ما أبشع حماقات حب يهديك رؤية الحبيب ويمنعك من الاقتراب إليه!

D 25 آذار (مارس) 2013     A راضية عشي     C 6 تعليقات

3 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

عن مبدعة الغلاف

كلمة العدد 82: هل الأدب العربي (لا يزال) محظور(ا)؟

زهرة زيراوي: تكريم في المغرب

فاتن الليل: مساءلة الوعي الوجودي

تحديد النسب بالبصمة الوراثية