عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

راضية عشي - الجزائر

أكتفي بالكتابة حلما


راضية عشيعلى هامش النهاية:

لقد كان ممتعا أن أكتُبني في نصوص بدت جميلة، بالنسبة لي على الأقل. جربتُ وصفي بكل ما أوتيت من رفضكَ لطموحي وربما ستراني سيئة رغم كل محاولاتي، لكن صدقني؛ ما عاد يعنيني أبداً أن تلتفت لتقرأ وتعجب بأوجاعي.

أؤمن بوجود قصص كانت أشهى لو لم تحدث، وظلت أجمل قبل أن تُكتب... أما الطفلة الشقية بداخلي فترفض الاستسلام، لذلك فضَّلَتْ تشويه الذاكرة، علَّ النسيان يرافقها للمحطة.

أكتبُ لأن قطار السعادة تأخر كثيراً، وأنا بطبعي أكره الإنتظار.

***

أتعرف شعور أنثى تختارك بكل جوارحها؛ بقلبها ودمها وروحها وأنفاسها وشوقها وحيائها وأحلامها وذاكرتها ومستقبلها ودعائها، ثم ترفض أن تتعلق بك بعقلها؟ ليسَ لأنك سيء، ولكنها تخاف أن تصبح بعينك سيئة. مثلي كثيرات لا يَهمهن من الحُب إلا ما يقوله عقلك عنهن، فهل كنتُ سيئة حين قلت لكَ أختارُ نفسي؟ لا أظن.

أعتقد أن الذي يُحبك سيبقى يُحبك وإن أخطأت بحقه. لكن لن يغفر لك أبداً أن تخطئ بحق نفسك، فقط لأنك أغلى لديه من ذاته. الذي يحبك لا يريدك أن تتساقط رويدا رويدا عن سلم مبادئك.

جربتُ عدة مرات أن أضحكَ علناً على نقاشاتنا التي لا تنتهي، لكنك لا تعلم كم كانت تدميني في السر. ربما من السيء جداً أن أفضح رسائلنا على مرأى الجميع، لكن الأسوأ أننا سمحنا لها أن تكون بذلك السوء، كانت مميتة دون أن نشعر.

أرفض أن أكون المخدوعة التي تخيط لها تفاصيل أحلامها على مقاس رجولتك، لأصير أصغر من حجم عقلك. لا يروقني دور الضحية التي تُحدد لها تواريخ نهاياتها، أنا لا أحب أن أنتهي بك لأنك ببساطة كنت بداية الحياة، لا أريد أن أكون الطفلة البلهاء التي تبكي عند كل شجار ثم تطلب برجاء أن تسامحها (فالأطفال عادة يعلمون أننا نظلمهم لكنهم يعتذرون، فقط لأننا أكبر منهم).

لا أريد أن أكون السجينة في عش الحب دون أن أعيش تفاصيل الحياة الأخرى مهما كانت مملة. جربتُ مرة التحليق بعيداً عن السور الذي بنيته بداخلي، فكيف أقتنع أن حياة الأقفاص أكثر أمانا لأنفاسي وأدركت أنني ما كنتُ أتنفس؟ أنا ببساطة لا أريد أن أعيش معك قصة حبٍ مراهقٍ ثم أخذل نفسي وأهلي ومجتمعي حين أكبر.

فضلتُ حب ما قبل الاعتراف الأول، عشت كل لحظة معك دون أن تكون معي. بعد المرة الأولى يصبح كل شيء عاديا، عاجزا، وضيقا لا يسع حجم البدايات.

كل "لا" تفوه بها لسان عقلي آخر مرة، كانت كألف نعم يرددها القلب بألف غصة وأكثر. قلتَ: "لنكن صديقين، لنكن حبيبين، لنكن كل شيءٍ، لتتخلي عن كل شيءٍ لأجلي".

أجبتُ: "لا، لا أستطيع. يُرهقني الحُلم، وبجوارك تُمسح أحلامي، لم تعرف كيف تحبها وتحميها".

كان يعيبك أن ترى ظهري نصف منحن بسبب الكتابة، وعيني نصفها يرى الحقيقة والنصف الآخر أعمى لا يرى غيرك إن لم ألبس نظارة. ألا تحب نظارتي؟ يزعجك عندما تعرف أنني سهرت لوقت متأخر أدردش مع صديقة ولا أكلمك، أكتب خاطرة ليست عنك، فتقول لاحقا إنها تافهة. لن تفهم أنني كنت أحكي عنك، وأكتب إليك، بطريقة أو بأخرى.

كلمات النفي تلك أسعدتني لاحقاً، أسعدتني حين أخبرتُ صديقتي بفخرٍ أنني قوية رغم ضعف كل شيءٍ بداخلي، أسعدتني أكثر حين نظرت في عيني أمي وكل ما في من ثقة يردد: "أنا لا أخونك سراً"، وحين تحدثت مع أبي عن مبادئي دون خجلٍ فقال بين نقاش وآخر: "كم أنا فخور بابنتي، وكم تشبهين أمي".

أتفهم ماذا يعني أن يشبّهني أبي بجدتي؟ قلبي قديم جداً، خُلق من حجرٍ كريم قاس. أترى الآن تجاعيد الحكمة التي رآها أبي رغم تورد وجنتي؟ هل أدركت لما كان ظهري مقوساً؟ إنها وراثة لا ذنب لي فيها.

أذهلني الحلم جداً، وأنت تهمس: "أحبك كيفما تكونين"، وأوجعني الواقع حين قلت بقناعة ذكورية: "لا تخيرينني. حولي الكثير من الإناثْ".

أجبتكَ: "لن أختاركْ فحولي العذاب المتراكم، أشهى من كذبة عينيك المحيطة بقلبي". اخترتُ قلبي حين اختارني عقلي.

هل عرضت عليك إحدى إناثك اللاتي حسب وصفك يفقنني ذكاء وخبرة في الحب أن تطلب يدهن للزواج؟ سأجزم بقولي "طبعا لا". ليس لأنهن لا يرغبن بالعيش معك تحت سقف مشروع، لكن لأنهن لسن ذكيات كما اعتَقدتَ، بل لا يرغبن بغبائهن الأنوثي المتوارث أن يفقدنك.

الرزينة التي كانت أنا قالت: "لن أجتمع بك إلا في حال أصبحتُ فرداً من أسرتك". يؤذينا الانتصار كثيرا حين يؤدي لفقدنا من أحببنا. أترى كم كان مضحكا واقعي بك؟ وكم كان مؤذيا الحلم بعيدا عنك؟ لم تجرب يوما أن تنفست حلما فخنقك، ثم مات متسمما بك. كلانا آذى الآخر، ليس أنا وأنت بل أقصدني وحلمي بك.

سأذكرُني لأنتهي منك. لم أتركك حين كنتُ قادرة على ذلك. لم أتخل عنك حين كانت كرة الفراق بملعبي، وكل قوانين اللعب ضدك. لم أتخل عنك لأنني كاتبة وأعلم أن القصص الجميلة التي تُكتب لن تُشبه أبدا قصة أعيشها. جربت بجوارك موعدا مع الحياة، لكنك خذلتني عند منتصف الحلم ولم ترفعني درجة الملائكة. خذلتني بلطفٍ حين توقعت أنني لا أتقن غير قواعد اللغة.

سأجيبك الآن:

"التغزل والتدلل والدلع ورسم الفرحة على قلبك لتتمسَك بي أمور أتقنها عن ظهر أنوثةٍ، لكنني لا أمارسها، فهي لا تُشبه أخلاَقي. أنا لا أشاركُ في مارثونات الحب. أفضل البَقاء في صَف المُصفقين، لأحظى بالمتسابق الذي يَستحق قلبي".

فهل أنا مغرورة بعين قلمك الجاف مني الآن؟

D 25 أيار (مايو) 2013     A راضية عشي     C 2 تعليقات

2 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

كلمة العدد 84: "عود الند" تبدأ سنتها الثامنة

تراثنا الأدبي بين الوحدة والتنوع

قراءة في ديوان للهكواتي

خصوصية الإبداع الروائي لدى نجيب محفوظ

سينما: فيلم المجهول