عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

الصفحة الأخيرة - عدلي الهواري

انكسار الذاكرة: عرض موجز


.

تكتب القاصة الأردنية، ظلال عدنان عقلة، بعمق وذكاء عن موضوعات إنسانية ووطنية دون أن تفعل ذلك بأسلوب خطابي أو تقريري. والمرأة موضوع يتكرر في بعض نصوص المجموعة، إضافة إلى نقد ظواهر اجتماعية مختلفة. ونجد في مجموعة من النصوص حسا تهكميا ساخرا بنيّة النقد اللاذع. وسأشير أدناه إلى نصوص ترد فيها انطباعاتي العامة.

قصة "بسمة" (ص 13) مثال على الحس الإنساني الذي يحرّك القاصة، وهي قصة تحكيها طفلة مصابة بمتلازمة داون. تبدأ الحكاية وبسمة لا تزال جنينا، وبإشفاق الممرضة على الأم لأن الابنة مصابة بالمتلازمة، فترجو لها الارتياح بموت بسمة قبل أن تولد. ولكن الأم ترحب بميلاد بسمة وترعى ابنتها وترفض الصفات السلبية التي تطلق على المصابين بالمتلازمة وتصر على أنها ذات احتياجات خاصة لا أكثر، مقارنة بالأطفال الآخرين.

المرأة الكاتبة موضوع نص عنوانه "أمام كل امرأة عظيمة رجل" (ص 25). العنوان يقلب المقولة الشهيرة "وراء كل رجل عظيم امرأة"، والإيحاء في هذه المقولة أن المرأة عنصر في تحقيق الرجل العظمة، أما في عنوان النص فيوحى بأن الرجل عقبة في طريق المرأة. بطلة القصة امرأة كاتبة تقوم بالأعمال المنزلية العديدة التي تقوم بها ربات البيوت، وتصف لنا الكاتبة الأجواء في المنزل، والأعمال الكثيرة في البيت التي تشمل رعاية الزوج والأبناء.

الزوج في البيت قليل الكلام. تبلغه زوجته بأنه سيقام لها حفل توقيع على مجموعتها القصصية "أمام كل امرأة عظيمة رجل"، فكان رد فعله الأولي الرفض ويطالبها بالاهتمام بالبيت والأطفال. ولكنها بكلام معسول تنجح في إقناعه بتغيير موقفه، فهو كما قالت له ملهمها: "ولولاك لم أكتب قصصي، أنت الرجل العظيم الذي أقف خلفه" (ص 25). وتفلح هذه الكلمات، وكانت النتيجة أنه "انتشى وتمدد، وفرد ذراعيه، ثم أسبل جفنيه، ورفع قدميه وأصدر أمرا بالموافقة والمرافقة" (ص 25).

ورغم أن الكاتبة تنتقد مواقف بعض الرجال في بيوتهم، إلا أنها لا تتخذ موقفا عدائيا من الرجال في كل الحالات، ففي نص آخر عنوانه "مذكرات زوجة مسافر" (ص 27) على شكل رسالة من زوجة إلى زوجها، تختم الكاتبة النص بقول الزوجة:

"هي كلمات تدفقت في غيابك. أحببت أن أسطرها لك كي لا أنساها، فطبع النساء النسيان. وكي تقرأها أنت لتدرك عظمة وجودك في حياتنا فتهون أمامك صعاب الحياة وكدراتها" (ص 30).

يجب ألا أغفل ملاحظة أن الفقرة هذه تحتوى على نظرة نمطية للمرأة وأقصد "فطبع المرأة النسيان".

الموقف الانتهازي تجاه المرأة له نص عنوانه "لص" (ص 43) فالمرأة التي لا تعمل لم يكن يأتي أحد لخطبتها، ولكن بعد حصولها على وظيفة لا يتوقف الطرق على الباب من الآتين لطلب يدها "التي تجني المال" (ص 44).

تضم المجموعة القصصية 43 نصا من بينها مجموعة من القصص القصيرة جدا (ومضات)، ولا أخفى تفضيلي للقصص القصيرة على الومضات ليس في هذه المجموعة وحسب، بل بشكل عام أيضا، ففي القصة القصيرة هناك مجال أكبر لإظهار براعة الكاتب/ة في السرد واستخدام اللغة. ولكن بعض الومضات في المجموعة مؤثرة ومؤلمة كما في نص "متى؟" (ص 81): " قصت ضفيرتها وخبأتها، فلا خيل للمسلمين تسرجها بها ولا رجال".

وتظهر المجموعة القصصية امتلاك الكاتبة حسا تهكميا ساخرا. على سبيل المثال، يظهر حس السخرية في الومضات في نص عنوانه "حل" (ص 61): "أثقلتها هواجسها وطموحاتها وآلامها وأفكارها التي تعصف في رأسها فقصت شعرها".
وفي النص الأول في المجموعة "وهم الفيس" (ص 7) عن الإدمان على استخدام فيبسوك:

قبل دفنه [الأب] اجتمعوا يقتسمون تركته:

الابن الأكبر استولى على الحائط.

صوره المنثورة على حائطه من نصيب الابنة تبيعها في المزاد.

والآخر لملم أفكاره وجمع حروفه وأشعاره يحرقها لتدفأه.

أما زوجته، فقد انتقت صديقه على ذاك الـ"فيس".

تجدر الإشارة إلى أن "انكسار الذاكرة" هي المجموعة القصصية الثانية للكاتبة، وهي صادرة عن وزارة الثقافية الأردنية (2014). أما المجموعة الأولى فعنوانها "أنثى فوق الغيم" وصدرت في عام 2011.

غلاف انكسار الذاكرة لظلال عقلة

D 25 آب (أغسطس) 2015     A عدلي الهواري: بحوث ومقالات وقصص     C 0 تعليقات