عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

فتيحة المتشو - المغرب

ترتيب قلب


فتيحة المتشوبعدك، هنا بعد الفجر، وضعت يدي على أيامي، وفكرت في العالم الذي صادفني، في المملكة التي تحتويه أو يحتويها، فكرت في تعبي ورغبتي الملحة في البقاء على حال الكلمات زمنا أطول، فكرت في الواقع الذي يؤدبنا لنكون اجتماعيين جيدين، وفي مكان الضوء داخلي الذي لا يعبأ بالاجتماعي ويريد أن يظل ملء نفسه.

لم أتمدد على سريري، ولم أعم في أحلام جميلة، لكنني وضعت نفسي على رأسي أحمي انفلاته الذي مر وأرتب قلبي على أحلام محتملة.

بقيت هكذا مدة زمنية قصيرة، نهضت بعدها خائفة، ومرتعشة، وتعبة من تعب الكلمات وأثر الذاكرة. رتبت وجهي على ابتسامة العمل التي أشعرتني بالمرض والرغبة في بقاء الليل.

دخل أحد العاملين معي المكتب ووجدني تائهة، أظنه أحس بأنني قضيت الليل صاحية تماما بالمكتب، لكنه لم يسألني وأنا تعبت.

أثناء حديث الليل، كانت الكلمات طويلة ومنفلتة أثارت حساسيات في عوالمي غير المرئية، كان هو ذلك القادم الذي مضى، وذلك المضي القادم الذي حط على أسئلة النهار ليتولاها الليل بالبوح، لامست فيه خلال حديثي معه رقة لم أعهدها في الرجال عادة، ودفئا قلما تصادفه امرأة بحكم الترتيبات الاجتماعية للرجل والمرآة وضرورة الوهم للحفاظ على توازن اجتماعي مختل.

كلماته تنساب على الوقت، يعذبها الزمن حقيقة، ولكنها تستمر في الوجود، جذبتني، أحسست تقابلا ما يحدث بيننا، شعرت أنني ألامس اللامرئي في، وشعرت في لحظات كثيرة أنني أحدث نفسي بصوت مرتفع، وأهب قلبي زاده الضروري ليستمر على النبض.

يقول إنني استدرجته في لعبتي، ربما يتحدث عن لعبة جادة نعتقد جاهلين أننا لاعبوها، وحكايتي المليئة بالحكايات، وأنه لا يهاب اللحظة. لا أعرف هل يقصد اللحظة الماضية، أم الآنية، أم الآتية، أم لحظتي التي أوقدت شعلة بداخله، أم لحظته التي بعثت الدفء في شراييني الباردة مند زمن طويل.

كنت أشعر ونحن نتحدث وكأننا ننبش في صخر لامسه الكثيرون، ولكن لمستنا حدثت بإيقاع واحد واكتمال لغوي فريد جعلني أنتبه:

لفوضى الموت ومخلفاته التي سكنتني منذ أشهر، ولبكائي النفسي الذي هدأته الكلمات التي لا تشبه الكلمات، ولإيماني الصارخ بجدوى كوننا كائنات لغوية بتردد.

تساءلت وأنا على أريكة الوقت، كان هو قبالتي يدخن شيئا غامضا، وينظر إلي:

* هل يمكن للغة أن تغير العالم؟

* هل يمكن أن تهذب القلوب على إيقاع الحب؟

* هل يمكن أن تمنحنا بيوتا؟ هل يمكن أن تجعل رجلا يحب امرأة وامرأة تحب رجلا؟

* هل يمكن أن تسلخني من إكراهاتي وعذاباتي وتمنحني مدى في عالم مفقود؟

أنا، يسألني مروره من أنا؟ ما هي حكاياتي؟ ولماذا أعبث بكل القصائد وأمزقها؟ نحو هذا التردد والتردي تركت يدي تنساب بين يديه، واقفة تماما من ثقل الكلمات، رتبنا البيت معا، بدأ يصفف الكتب على إيقاع شخصي ونفسي للبحث عن شيء خاص. قبالته كانت الكتب تهمس له بالمشترك بيننا، لكن القلب أفضى به إلى سر ما.

وصفه لي ولجسدي، بكامل التفاصيل والأوصاف لا يعرفها إلا حامل الجسد، جعلني أرى بعينيه، وأسئلته المتوغلة في المعنى أدارت مفتاح البيت بيننا، وجلسنا نحتسي قدومنا إلينا بلذة غريبة تفضي إلى اللامكان.

هكذا أفضى بنا الحال إلى الموت وسؤال الحياة. أسر لي بتجربة الموت التي كاد أن يتوغل فيها دون استئذان، جعلتني أرى الغائب/الحاضر أمامي، الذي غادر المكان، وأخذ معه دواري اللازم للعيش والعبث في كل شيء. أنا أيضا سأعود إلى هذا الوقت بألم أقل، كي أرتب الموت على مهله ودون مودة سابقة بيننا، أو عشق لغياب محتمل.

ردد حُبي بينه وبين نفسه أكيد، لكنني أكيدة أيضا أن الحب كالموت، كالإعصار، يأتي دفعة ومرة واحدة دون تردد أو شروط مسبقة، لهذا نحن نقاسي في كلتي الحالتين، لا يترك لنا مهلة للتأمل الحنون، يخطف اللغة ويرحل، ويترك أطرافنا باردة وفارغة من أي لمس، أو همس، أو غناء لا يحتمل الأرض.

استبدت بي الكلمة، كما استبد بي الوجود، والأخريات اللواتي يسكنني ويغضبنني ويتمردن علي، كي أكون واحدة ومتعددة في آن، كي أكون انفصالا واتصالا أيضا، وكي أكون أنا وأنا الأخرى في الغياب.

"أتفهمُني؟ أظن أنك فهمتني." هذا مطلب روحي أوجهه لمن يقابلني حتى أفضي له بشيء خاص. لكن معه كنت أريد انتباها خاصا، ونظرا يتجه لي، ورؤية تحملني معي دون حروب مع أمل أكبر، وامتداد أرحب في الساعات.

نهضَِ من الكرسي قُبالتي، وأتَى يرتب وجعي، ويطرد كل الشياطين التي سكنت البحيرة وعذبت الماء، وتأكدتُ من أنه سيعود إلى بحري في ليل الشتاء القارس، ويرى من عذوبتي الشيء الكثير.

لم يجب على سؤالي، لكنني فهمت أنه يترك الوقت بيننا لكي يرتب القصائد، ويجعل من الرواية مكانا لنا، وأنه يريد الاختباء منه في.

D 1 نيسان (أبريل) 2008     A فتيحة المتشو     C 0 تعليقات

فتيحة المتشو

موضوعاتي