عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 
أنت في : الغلاف » أرشيف أعداد عـود الـنـد » الأعداد الشهرية: 01-120 » السنة 3: 25-36 » العدد 32: 2009/01 » القصة عنيدة أيتها الأرض السمراء

الهادي عجب الدور - السودان

القصة عنيدة أيتها الأرض السمراء


الهادي عجب الدورالشفق المهيب نثر أغنياته كالنسمات الأبدية على نبض دمائنا الحارة، والسماء المرمرية المدهشة مدت قناديلها السيمفونية العجيبة بوسوسة ولوعة وفتون، وفى قمة انتمائنا تشع الأرض السمراء المرصعة بالزنبق ورموش الياسمين، ترتدي همس الأطياف العبق، ومن حولها زغاريد الأبجدية الخلابة، تتمرجح كالأساطير البابلية، تنادم وشوشات الرياحين الناعمة، وغنج أميرات الشرق.

وهنالك خلف الشواطئ الجميلة، ترقد عيون القرى الهادئة، وسط أحضان الجبال الزرق وعلى محياها ابتسامات الأحلام والشموع. بغبطة وخشوع تتسرب لأحضان الأرض الواسعة، تغرس جنة من حروف وأناشيد بشغف وفتون، ومن حولها عصافير المرايا تدفق الحنان والألحان الناعمة العذبة، تلاطف نهود العذارى، وتلاطم نسمات الفرح السري الممزوجة بالعشق والمطر.

ونبضات الأرض السمراء تغازل ترنيمة الوادي السندسي الساحر بكبرياء وهناء، وأنشودة المساء تتوارى رويدا رويدا، لترتوي معها أجفان الشمس الملبدة بالغيوم السعجدي الآسر.

وهنالك بين الأعماق والقمة، تترنح اللحظات اليانعة، تتدفق بروعة وشجى، وتحتضن الأحلام المموسقة الشجية في الأفق البعيد. آه، والأفق عصفور من رحيق الذكريات، امتلأ جوفه بموسيقى الدفء الرائعة والتأملات.

آه يا قلبي المسافر دوما في حنايا الأناشيد السمراء، قف وتأمل ولو سرا على حافة الغروب، واشرب من رحيق الأمل ينابيع من نور وفتون وشوق وخفقات، وارسم خطوات الدموع والشموس قلبا رحبا طال ركضه في بساتين البلسم والرحيق الرحبة، وارشف قبلات الحنين نجوما بطعم القصائد المنعشة، وارتو من شفاه قوس قزح كهمس الأكاليل السلطانية والعناق العميق، وتمدد على صدر السماء لترضع لبن الشجون ودهشة المنظر، وقف كالشمعة الجميلة لتبدو الحياة سرا جميلا ولونا جميلا ونبض جميلا وأملا جميلا وحلما جميلا وعناقا جميلا.

تلك هي أحلامنا عند أرجوحة اللقاء، تطوف عيون الأحبة، تنسج عشقا رائعا يحمل على ثناياه خرافة المكان وأبجدية الأمواج لتشيد معها قصورا من أنفاس براعم الورد الغضة، ومن حولها يطوف طائر السعادة يتلو قصيدة الغرام السرمدي على بلاط أفراحنا لتذوب على محياها كل ثلوج الغربة والكآبة، ولتتفتح على أهدابها ضلوع المسافات العجيبة، وتنحت من خفقات القلب نافورة من أريج وبخور يعطر خيمة المساء ويعبق أجنحة الشعاع المليء بالرحلات العنيدة والصبابة.

آه أيتها الأرض المعطاء، هنالك تلوح ضفائر رحلاتنا السرية مثل كوكب من أناشيد ونغمات وأشرعة وزوارق تصفق على الشواطئ النضيرة، تناديها مرافئ الشجن والحنين. أيتها الأرض اكشفي لنا عن أسرار القلب الواعد بالهمس والأحلام، وارشفي معنا الأمل من جديد ترنيمة من ينابيع دافئة أدمنت الشوق والشبق البض والأغاني البلورية الرخوة وانفخي معنا الأنفاس الدافئة المنعشة لتكشفي لنا عن سهاد طويل ورنين الأنوثة المقدسة في قاع الذكريات وعمق الحكايات. هنالك تصفو جدلية المكان وتتلألأ صورة جميلة مثل كل الحور العين والحسان.

قفي يا أنت وعانقينا ولو سرا كي نسمع رنين الأعماق في سكينة، وتناجينا أهداب العيون المرصوفة بدموع البهجة، وداعبي نبض دمائنا وومض بسماتنا الرقيقة الشفافة كالمرايا الوضاءة على الوجهة الحالم، فيا أبهى حلم بين أشرعة المسافات يتفرهد ويشع من بين أساور الفرح الساحرة، القصة طويلة، القصة عنيدة تلوح كأذرع ناعمة تلف أحضان الأرض بحنان وحرارة، والأرض السمراء في دمائنا قصيدة جميلة قصيدة للأمل والأحلام والعناق والتأملات، وخريطة من نور بلون محاريبنا، وترنيمة في منارة الشهداء وقبلات عفيفة تملأ قاع السماء، وزغاريد رقيقة تشعل الحياة أغنيات ودعابة بالدهشة والسلام والأمن.

تلك الحكاية هي الأرض السمراء، وعلى صدرها ينام كل شيء جميل تتغذى منه أرواحنا إلى أن نلتقي يا حبيبتي الخرافية، يا عشقي الكبير، بقناديل الياسمين والبخور، تحفنا أحلامنا الأولى، وأغنياتنا الواعدة وعروساتنا الجميلات.

D 1 كانون الثاني (يناير) 2009     A الهادي عجب الدور     C 0 تعليقات