عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

مختارات: شفيق الحوت (*) - فلسطين/لبنان

بين الوطن والمنفى


(*) مناضل فلسطيني/لبناني مخضرم. انتقل إلى رحمته تعالى يوم الأحد، 2/8/2009، عن عمر يناهز سبعة وسبعين عاما. صحفي بارز إضافة إلى أدواره السياسية ومنها تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، وعضوية اللجنة التنفيذية للمنظمة.

.

شفيق الحوتهذا الكتاب ليس "سيرة ذاتية" تقليدية، وليس سيرتي بالذات، على الرغم من أني صاحبها وراوي أحداثها وكاتبها. هي سيرة وطن وشعب، في مرحلة محدودو من تاريخهما، الموغل في القدم، المتخم بالصراعات والحروب، والمشهود له بصناعة الحضارات. هو سيرة فلسطين وشعبها، من بين ثلاثينيات القرن العشرين وبدايات الألفية الثالثة للميلاد. وهي الفترة الزمنية التي شاءت أقداري أن تكون فسحة عمري، وأن أمضيها بين فلسطين وجوارها.

كنت في السادسة عشرة من عمري عندما عصفت نكبة 1948 بفلسطين وشعبها، فاستلبت الأرض واقتلع الشعب، وتحول المواطن لاجئا، وصار الوطن قضية.

لا سابقة لما فعله الصهاينة اليهود بفلسطين وشعبها، غير تلك التي ارتكبها الأوربيون المستعمرون بأميركا وشعبها الأصيل قبل خمسمئة عام. إنهاء نوع من الجرائم الإنسانية الجماعية التي تمس في الصميم نفوس من ينجون منها مصادفة، وتترك ندوبا وآثارا يصعب تناسيها، ويستحيا نسيانها.

أنا واحد من ضحايا هذه الجريمة. وما يميزني، ومعي كل أبناء جيلي، أننا، أو بالأحرى من تبقى منا، آخر الفلسطينيين الأحياء الذين أدركوا نعم الحياة في الوطن، وعانوا قسوة الحياة في المنفى. لذلك، فإن حياة الواحد من تماهت مع تجربة الوطن المريرة، فباتت سيرة الوطن هي سيرة المواطن ويستحيل الفصل بينهما.

من هنا، لم أكتب سيرتي كشخص أو فرد، بل كرمز لجيل بأسره، عرف كيف يصد الضربة، فتماسك حين زعزعه الدهر، وصمد في مجابهة العدو، ورد إلى شعب فلسطين اعتباره، ومكنه من معاودة الصراع والمقاومة، ورفع راية التحرير واسترداد الأرض والحقوق.

تذهب اليوم إلى أي مخيم من مخيمات اللاجئين في فلسطين المحتلة أو المنافي، وتسأل أي طفل تصادفه عن مكان انتمائهـ فيجيبك باسم القرية أو البلدة أو الخربة أو المدينة التي ولد فيها أبوه أو جده قبل عشرات الأعوام. أما أنا، فمفارقتي مثيرة، ولم أتنبه لها إلا عند كتابتي هذه الكلمات، بعد هذا العمر كله. لقد لفتني أن منظمة التحرير الفلسطينية ولدت في اليوم نفسه من الشهر نفسه الذي ولدت فيه، بفارق اثنين وثلاثين عاما، وهو الثالث عشر من كانون الثاني/يناير 1964. لم تكن تلك ولادة ثانية لفرد، وإنما انبعاث لشعب بأسره. هناك شيء ما، سر ما، يربط هذا الشعب بوطنه، لعله مستلهم مما لفلسطين من موقع في الجغرافيا ومكانة في التاريخ.

بعد هذا التمهيد، هناك بعض النقاط التي لا بد من الإشارة إليها بهدف توضيحها:

أولى هذه النقاط تذكير القارئ بأن الكتابة كانت ولا تزال هوايتي ومهنتي، كما كانت باب ولوجي العمل السياسي والتفرغ للعمل الوطني، لذلك فان جزءا من مما في هذا الكتاب لم يستحضر من الذاكرة وإنما استل من مقالات وتصريحات أو حوارات أو خطابات سابقة صدرت في حينها. ولقد آثرت إيراد بعضها كما ورد حين صدوره، وذلك أمانة لروحية الحدث والأجواء التي كانت تحيط به.

إذا، يمكن القول إن هذا الكتاب لم يكتب دفعة واحدة، وإنما عبر مراحل متعددة، ثم كانت كتابة المخطوط النهائية في سنة 2006 وبداية 2007.

ثانية هذه النقاط أن هذا النص لم يخضع لمنهجية المؤرخ ولا لأسلوبه، وبالتالي لا يدعي الموضوعية أو الحياد، وإنما يؤكد أنه تعبير عن تجربتي الشخصية كما عايشتها، تحت وطأة الإحساس بمشاعر "الضحية" و"الثائر" في آن واحد. لكني أستطيع القول، بكل صدق، إن هاجس العدل في التقويم والمقارنة كان رفيقا مقيما بضميري.

ثالثة هذه النقاط تتعلق بالمساحة التي استطاع هذا النص أن يغطي أحداثها. هنا لا بد من الاعتراف بني لم أسجل غير ما خبرته أو شاهدته من أحداث، وهي على كثرتها وأهميتها لا تشكل إلا جزءا يسيرا من سيرة فلسطين في المرحلة التي نتحدث عنها. لذلك فان غياب العديد من "أسماء العلم" الذين شاع صيتهم لا يعني التقليل من أدوارهم أو أهميتهم. كل ما في الأمر أني لم انقل فيما كتبت عن أحد، إلا بقدر ما كنت أعرفه حق المعرفة، من موقع التجربة الشخصية. ومن يرد التفصيلات في إمكانه الرجوع إلى موقعي الإلكتروني، حيث المئات من المقالات والأحاديث التي تتناول بعض هذه الأسماء وتأتي إلى ذكر أخبار أصحابها.

عنوان موقع المناضل الراحل شفيق الحوت

www.shafiq-alhout.org

JPEG - 26.5 كيليبايت
موقع شفيق الحوت

مقطع من مقدمة الكتاب من ص 9 وحتى ص 10.

الناشر: رياض نجيب الريس للنشر والتوزيع. لندن (2007).

صورة غلاف الكتاب

JPEG - 33.2 كيليبايت
غلاف: بين المنفى والوطن
D 1 أيلول (سبتمبر) 2009     A عود الند: مختارات     C 0 تعليقات