عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 
أنت في : الغلاف » عود الند: العدد الفصلي 36: ربيع 2025 » وداد: سدرة الجبل

مختارات: نردين أبو نبعة

وداد: سدرة الجبل


.

أدناه مقتطف من رواية لنردين أبو نبعة عنوانها "قد شغفها حبّا. تفاصيل التوثيق تحت المقتطف.

.

وداد: سدرة الجبل

نردين أبو نبعةللبدايات صمت وارتباك وترقّب وأسئلة وإجابات. لكن بدايتي معه لم تكن كذلك. منذ الساعات الأولى معه صار لحياتي طعم آخر، ولقهوتي نكهة البهجة، ولصباحي رائحة المطر الذي يشتاق أن يقبّل وجه الأرض. وفي عينيّ شوق كما الكمان للألحان.

في يوم عرسي لم أكحّل عينيّ، فهو كحلها المنتظر، وهو دمعها، ولا أدري كيف يجتمع النقيضان. معه أمتطي صهوة العشق ممتشقة قلبه لأصل إلى السدرة حيث لا شيء بعدها إلا الاحتراق. أقف عند السدرة أتأمل ما لا يخطر على البال. معه قطفت أجمل ما في الرجال. رسوت على شاطئه وأحرقت سفني ورميت نفسي في بحره الذي يصنع الأمواج. عندما رأيته قلت: «جاء الحب وزهق الحزن، إنّ الحزن كان زهوقا».

سمعتُ عنه الكثير. رسمتُ صورته بفرشاتي ولوّنته بألواني. لكنه كان الأبهى مما تخيلت، والأجمل مما رسمت. هو أسطورة أعرف عنه كل شيء، ورجل لا أعرف عنه أي شيء. أخذ يتكلم ويتكلم. أحببت طريقته في الكلام. كل حرف يخرج من شفتيه له جاذبية آسرة تجعلني أشهق شهقة المزيد. كلما تقدم إليّ خطوة اكتشف رجلاً شفافاً يتقن إدارة حبه كما يتقن إدارة معاركه، وفي كــّلٍ قائد. اكتشفت قلباً يعمر بالإيمان لا يغنّي على مسرحه سوى الوطن.

كل لقاء سيجمعني بيوسف، على قصره، سيكون بحجم الكون الذي يطرب للصلوات.

عندما اتخذت قراري بالقبول به زوجاً، استغربت من نفسي لوهلة وأطلت التفكير. هل ما فعلته كان صواباً؟ وكيف أقبل وأنا الفتاة العشرينية برجل أربعيني قعيد حصدت «إسرائيل» قدميه في محاولة الاغتيال الأخيرة؟

الآن، وأنا معه، تعاودني هذه الأفكار فأضحك في سري، فما حصدته «إسرائيل» هو سر اشتعاله، وكأن قدره إتقان شرارة الحب وإبقاء جذوتها مشتعلة: حبي وحب الوطن.

معه لم أشعر بفارق العمر. لم ألتفت لفقده ساقيه كنت كعصفورة لم تسعني السماء طيرانا. دوماً كنت أردد:

«أخطر كلمة على الإطلاق هي كلمة نعم، خاصة عندما نقولها ونحن نتلعثم. قلت نعم وكانت أجمل نعم أنطقها في حياتي».

يوسف يتقن الإجابة عن أسئلة تدور في ذهني. يبهرني بإجابته التي تشعل شغفي وتطيل مدة لقائي به. منذ اليوم الأول لزواجنا أعطاني درساً في اليقين. قال لي:

«يا وداد، قد أعيش معك أياماً معدودة، وقد يكتب الله لي البقاء في الحياة سنين طويلة، ولكنّ أقصى ما أتمناه أن يبقى إصبعي ضاغطا على الزناد حتى ألقى ربي شهيدا».

مشاعر متناقضة وغريبة انتابتني في هذه اللحظة. كنت أعرف طبيعة الحياة التي سأحياها مع يوسف، إلا أنني مسّني الرعب حينما تخيلته أشلاء ممزقة. شعرت بنفسي منكسرة ومبعثرة. كتمت صرختي التي تلوَّن وجهي بها دون أن أشعره. لكنه شعر بي وأكمل:

«يا وداد عندي أمل بأن يسجد سحرة قومي. لذلك لا بد أن ألقى عصاي، وعندي يقين بأن لي قدرة على شق بحر الوطن حتى يعبر شعبنا بسلام. هذا طريقي الذي تعرفين، وأنت سكّر أيامي، أرسلك الله لي تحلّين فمي الطافح بالمرار».

= = =

نردين أبو نبعة. قد شغفها حبّا. بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2015، ص ص 16-18.

غلاف رواية نردين أبو نبعة

D 1 آذار (مارس) 2025     A عود الند: مختارات     C 0 تعليقات

بحث



5 مختارات عشوائية

1.  تتويج حب

2.  نصوص قصيرة

3.  إشكالية تطبيق المصطلح اللساني في الدراسات اللغوية العربية

4.  تقديم لرواية نجيب محفوظ الشحاذ

5.  دار الآداب: موقع جديد

send_material


linked image to oudnad.net pdf_xive
linked image to oudnad.net/dox