عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

د. نجود الربيعي - السويد

دلالة الكلمة بين المعنى المعجمي والمعنى السياقي

دراسة تطبيقية في قصيدة "النائمة في الشارع" لنازك الملائكة


المقدمة

كانت الدلالة موضوعاً خصباً وحقلاً مثيراً للاهتمام في دراسات اللغويين والفلاسفة، وصارت هدفاً لكل تلك الدراسات لارتباطها بنظريات الإدراك والمعرفة. فإذا أردنا أن ندرك شيئاً، فنحن نريد أن نصل إلى معناه لنفهمه، كإدراك كلمة "الحقّ" مثلاً هو بلوغنا ما تعنيه هذه الكلمة، وإذا أردنا أن نكوّنَ معرفة عن الشيء فإنما نحاول تحديد ماهيته وما يرتبط بها من معانٍ، كتكوين معرفة عن كلمة الزورق، فنحدّد أولاً ماهيته أي عناصره الأساسية المكوّنة له من مادة وشكلٍ ثم ارتباطه باستعمالات وظيفيّة معينة، وبذلك نكون قد كوّنّـا معرفة عن الزورق.

لقد ارتبطت الدلالة في الدراسات اللسانية الحديثة بنظريات عديدة، وسوف يركز بحثي على النظرية السياقية كما وضع جذورها قديماً، اللغويون والبلاغيون العرب كعبد القاهر الجرجاني، وكما أرسى مبادئها في العصر الحديث العالم البريطاني فيرث بنظرية أطلق عليها: النظرية السياقية، والتي أخرجت الدلالة من مجالها النحوي التركيبي إلى مجالات أكثر سعة من ذلك التركيب على الرغم من أهميته التي لن نتغافل عنها بالتأكيد. سأتناول في هذا البحث السياق بأنواعه المختلفة التي حددها اللغويون مثل: أحمد مختار عمر وتمّام حسّان وأحمد محمد قدور: السياق اللغوي، والسياق العاطفي، والسياق الثقافي، وسياق الموقف، والوظيفة التي تؤديها هذه السياقات لتشكيل دلالة الكلام، وسوف أقوم بفحص تلك المستويات السياقية من خلال تمثلاتها في البناء اللساني لقصيدة: النائمة في الشارع، لنازك الملائكة.

يقسّم الغزالي الدلالة ثلاثة تقسيمات: "الوجه الأول: الدلالة من حيث المطابقة، كالاسم الموضوع بإزاء الشيء، وذلك كدلالة لفظ "الحائط على "الحائط". والآخر: أن تكون بطريق التضمّن، وذلك كدلالة لفظ "البيت" على "الحائط" ودلالة لفظ "الإنسان" على "الحيوان". الثالث: الدلالة بطريق الالتزام، والاستتباع، كدلالة لفظ "السقف" على "الحائط" فإنه مستتبع له، استتباع الرفيق اللازم الخارج عن ذاته، ودلالة "الإنسان" على "قابل صنعة الخياطة وتعلمها"[1].

وإذا كان اهتمام اللغويين بدراسة الدلالة قد ظهر في دراستهم لنُظم البنية اللغوية من خلال تجلياتها الصوتية والتركيبية، فإنَّها ارتبطت بنظرية المعرفة وعمليات الإدراك لدى الفلاسفة، حيث الصوت نواة حاملة للأثر النفسي، فأرسطو يرى أن الصوت يحمل الآثار النفسية للمتكلم ويمثّلها تمثيلاً يكشف عن ذلك الأثر[2]. والتركيب توليف يكشف عن النظام التوزيعيّ للكلمات داخل الجمل وعن العلاقات الرابطة بينها، وما يترتب على هذا من دلالات جديدة أكبر من المعنى الذي تفصح عنه الكلمات قبل دخولها في النظام التركيبيّ والنحويّ للجملة، فالتركيب، كما يقول أرسطو "لا سبيل إلى فهمه دون الأشياء المتركّبة"[3]. وتفسيره أن إدراك دلالة التركيب متوقف على العلاقة القائمة نحوياً بين ما يتركب منه التركيب من كلمات داخلة في تكوينه. ويرى عبد القاهر الجرجاني: "أنْ لا نظمَ في الكلم، ولا ترتيبَ، حتّى يُعلَّقَ بعضُها ببعض، ويُبنى بعضُها على بعض، وتُجعل هذهِ بسببٍ من تلك"[4]. فالمعنى مرتبط بشكل كلي بالعلاقة بين أجزاء الكلام أو التركيب. أما إذا جرت صياغة التركيب صياغة بلاغية وأسلوبية وسيميوطيقية، تكون الكلمات فيها حاملة لعلامة رمزية معينة، فإنّ الكلمات سوف تتشبع بدلالات إضافية تكتسبها من العلاقات الجديدة التي وضعها فيها التركيب ومن إمكانية النّظْم البلاغي على صياغة الدلالة التعبيرية الحاملة للآثار النفسية. ويؤكد الجرجاني كثيراً على أهميّة العلاقة النحوية بين الكلمات التي تسهم في تكوين دلالة التركيب والكلام بشكل عام، فيقول في ذلك:

"ننظرُ إلى التعليقِ فيها والبناء، وجَعْلِ الواحدة منها بسبب من صاحبتها، ما معناه وما محصوله؟ وإذا نظرنا في ذلك، علِمنا أنْ لا محصولَ لها غير أن تَعْمدَ إلى اسمٍ فتجعلُهُ فاعلاً لفعلٍ أو مفعولاً، أو تَعمَدَ إلى اسمين فتجعل أحدَهما خبراً عن الآخر، أو تُتبِعَ الاسمَ اسماً على أن يكون الثاني صفة للأول، أو تأكيداً له، أو بدلاً منه، أو تجئ باسم بعد تمامِ كلامك على أن يكون صفة أو حالاً أو تمييزاً، أو تتوخّى في كلامٍ هو لإثبات معنى، أن يصيرَ نفياً أو استفهاماً أو تمنّياً، فتُدخل عليهِ الحروف الموضوعة لذلك، أو تريد في فعلين أن تجعلَ أحدَهما شرطاً في الآخر، فتجئ بهما بعد الحرف الموضوع لهذا المعنى، أو بعد اسم من الأسماء التي ضُمنت معنى ذلك الحرف"[5]. ويرى الجرجاني أن التركيب يكشف عن ترتيب المعاني في النفس أولاً، وصياغتها ثانياً في التركيب عن طريق النظْم، وهذا يبين لنا ارتباط المعنى بالنفس على نحو مباشر طبقاً لنظرية العلاقة عند الجرجاني، يقول: "وكان ذلك كلّه مما لا يرجِعُ منه إلى اللفظِ شيءٌ، ومما لا يُـتصَوَّرُ أن يكون فيه ومن صفته، بانَ بذلك أنّ الأمرَ على ما قلناه، من أنّ اللفظَ تبعٌ للمعنى في النظمِ، وأنّ الكلمَ تترتّبُ في النطق بسببِ ترتّب معانيها في النفس وأنها لو خلت من معانيها حتى تتجرّد أصواتاً وأصداء حروف، لَما وقَعَ في ضميرٍ ولا هجسَ في خاطرٍ، أن يجب فيها ترتيبٌ ونظمٌ وأن يُجعل لها أمكنةٌ ومنازلُ وأن يجب النطق بهذه قبل النطق بتلك"[6]. وما يتضح من كلام الجرجاني أن المعنى يتشكل كفكرة أولية مجرّدة وكإحساس نفسي قبل أن تتم صياغتها لسانياً في أفعال وأسماء وحروف تُربط فيما بينها بروابط نحوية، وعندما يجد المتكلم أن الكلمات غير قادرة على استيفاء المعنى الذي في نفسه، فإنه يصوغ بعض أجزاء كلامه صياغة بلاغية حتى يكون الأسلوب البلاغي دالاً على معنى أوسع من معاني الجمل. ويشدّد الغزالي في تعريفه للكلام على الجانب النفسي فيه، فيقول "في حدّ الكلام": "وقد قيل إنه حديث النفس، أو نُطق النفس، أو مدلولُ إماراتٍ وُضعت للتفاهم وهو الأصحّ"[7].

إن الدلالة تتشكّل بصيغة جديدة غير صيغتها المعجمية المعروفة، من خلال استثمار حرية الكلام. يقول سوسير: ما يميّز الكلام هو حرية التأليف. ويقول يا كوبسون معلقاً على كلام سوسير: لأجل صياغة أقوالٍ انطلاقاً من الجمل تتعطل القواعد التركيبية الملزِمة، ويتّسع حينئذ مجال الحرية أمام المتحدث. ويضيف جان كوهن على كلام سوسير وياكوبسون شرطَ التواصل وهو فهْم الخطاب وإدراك معناه: "إنّ مبدأ الحرية هذا يتطلّب نوعاً من التعديل. يستطيعُ كلّ واحدٍ أن يقول ما يشاءُ، شريطةَ أن يفهمَهُ المخاطب. إن اللغة تواصل ويستحيلُ أن تُوصل شيئاً إذا لم يكن الخطابُ مفهوماً. ينبغي للخطاب، أي خطاب، أن يكون قابلاً للفهم. تلك هي البديهةُ الأساسية لقواعد الكلام، والقواعد بأتمّها، ليست سوى مظاهر لتحقيقها. وقابلية الفهم هنا ينبغي أخذها بمعنى توفّر المعنى القابل للإدراك من طرف المتلقي[8]

النظرية السياقية

أجرى اللغويون والفلاسفة تمييزاً بين الكلمة في وضعها قبل الدخول في علاقات مع الكلمات الأخرى، وبين الكلمة عندما تنساب في النص وتقيم علاقات مع كلماته فيما اصطلحوا عليه بالتأليف أو النظم.

ترتكز نظرية فيرث على الوظيفة الاجتماعية للغة، وإن المعنى، حسب نظريته، لا ينكشف إلا من خلال تسييق الوحدة اللغوية أي وضعها في سياقات مختلفة، وإنّ الوحدات الدلالية تقع مجاورة وحدات أخرى وإن معاني هذه الوحدات لا يمكن وصفها أو تحديدها إلا بملاحظة الوحدات الأخرى التي تقع مجاورة لها[9]، ومن خلال ذلك التسييق يتجلّى المعنى بشكلٍ عملي من خلال الاستعمال اللغوي في الحياة الاجتماعية، فتتضمن المفردة اللغوية دلالة مرتبطة بذلك السياق الاجتماعي من حيث كثرة المعنى أو قلّته. ويوضح لنا هذا أن الاستعمال الاجتماعي للغة يدخلها في علاقات سياقية يقوم بها الاستعمال فتكتسب دلالات إضافية من خلال ذلك السياق الاجتماعي، وعليه فنحن لا ندرك المعنى الحقيقي لما يريده السيّاب من كلمة "مطر" إلا بعد اكتساب معرفة عن الوضع الاجتماعي والسياسي الذي كُتبت فيه قصيدة: أنشودة المطر[10]، فالسياق الاجتماعي والتاريخي للقصيدة يكشف عن كيفية تشكل الدلالة من خلال المسار التاريخي، كما أن السياق اللغوي يتكفل بإقامة علاقات نحوية تركيبية بين كلمة "مطر" والكلمات الأخرى في النصّ، وكلّما قويت أواصر العلاقة فإنّ الكلمة تُشحن بدلالة يقصدها الشاعر.

إنَّ التأويل الذي نقوم به خلال قراءة النصّ يدمج معرفتنا بالمسار التاريخي والاجتماعي بالمسار اللغوي للنص، للكشف عن المعنى الجديد المكتسب من ظروف سياقية والذي انطوت عليه كلمات النص. ومن خلال ذلك يتّضح أننا أمام عملية "تسييق" للكلمات التي لا تكتفي بدلالتها المعجمية الساكنة، وإنما تتفاعل مع الوضع الذي وضعها فيه السياق لتنتج في النهاية دلالات جديدة من خلال إشاراتها الضمنية والرمزية للمسار الخارجي للتاريخ وحركة المجتمع، ومن خلال العلاقات اللغوية الداخلية، ومن خلال البناء البلاغي والأسلوبي للنصّ.

وقد نظر اللسانيون إلى وضعية الكلمة فيما تتضمنه من دلالة حرفية، وما تكتسبه من خلال وضعها السياقي، فالكلمات، كما يرى بالمر: "لا تعني ما قد يُعتقد - على نحو واضح - أنها تعنيه وأنّ هناك معنى آخر إلى جانب المعنى الحرفي للكلمات"[11]. وهذا المعنى الآخر، هو ما تكتسبه من السياق الخارجي [التاريخي والاجتماعي] ومن السياق النفسي للمتكلم ومن العلاقات اللغوية. فلا ينبغي أنْ نقف عند حدود الكلمة عندما نريد أن ندرك المعنى الذي يتضمنه الخطاب، فهو على هذا النحو، يكشف عن منظومة علاقات لسانية داخلية ومسارات تاريخية خارجية وتضمينات ذاتية نفسية أو عاطفية. ومن خلال ذلك، يتضح أن فهم الخطاب هو جزء من عملية إدراكية شاملة الذي يكشف عن معناه عندما يكون في وضْع "الخطاب القابل للفهم والتأويل هو الخطاب القابل لأن يوضع في سياقه، بالمعنى المحدد سلفاً إذ كثيراً ما يكون المتلقي أمام خطاب بسيط للغاية من حيث لغته ولكنه قد يتضمن قرائن؛ ضمائر أو ظرفاً تجعله غامضاً غير مفهوم بدون الإحاطة بسياقه"[12]. إن عنوان قصيدة السياب: "المومس العمياء"[13] لا تشير كلمة "المومس" فيه إلى امرأة تحترف البغاء بشكل مطلق، وإنما هي مُقيّدة بالإشارة إلى دمج الأسباب بالحالة، وبالإشارة إلى بغيّ بعينها بوصفها إفرازاً لحالة اجتماعية ضمن مسار واقعي معيّن، ومن دون إدراج الكلمة ضمنه لا يمكن إدراك القيمة الدلالية والرمزية للكلمة. وعملية تسييق هذه الكلمة هو شحنها بطاقة دلالية رمزية لتشير إلى أنها مُجبرَة على ذلك من خلال حالة مجتمع معين في ظرف زماني ومكاني محدّد ومرتبط بمسار تاريخي مؤثر، وعلاقة المومس بالعمى ليست علاقة اعتباطية وإنما علاقة سياقية لأن الشاعر أراد أنْ يضاعف دلالة القهر والظلم الذي وقع على هذه البغيّ وكأنه قدر مفروض عليها من الخارج، وهذا يمكن مقابلته بالحالة الاجتماعية في مرحلة سياسية كان المجتمع فيها فاقداً للقدرة على الوقوف بوجه الظلم الاجتماعي والسياسي.

ويتفق تمّام حسّان مع القائلين بأن الكلمات في المعجم تسمى مفردات فقط وليس سياقاً وأنّ المعاني المعجمية للكلمة الواحدة دليل على تعدد احتمالات القصد وهذه الاحتمالات لا سبيل إلى فهمها إلا من خلال السياق وفيه إشارة إلى صلاحيتها للدخول في أكثر من سياق وتعدد معناها وفقاً لكلّ سياق ترد فيه[14]، ويضيف بعض الباحثين أهمية أخرى للسياق مع استخدام الكلمة بنفس المعنى المعجمي وبنفس التركيب النحوي إلا أن السياق وحده سيكشف ماهية الاختلاف في المعنى، "فإن السياق يجعل من الجملة ذات الهيئة التركيبية الواحدة بمفرداتها نفسها إذا قيلت بنصّها في مواقف مختلفة تختلف باختلاف السياق الذي ترد فيه مهما كانت بساطة كلمات هذه الجملة[15].

ويشدد فندريس على السياق الاستعمالي للكلمات، كما أنّ الكلمات لا تُضادّ نفسها في استعمال واحد فلا يكون لها معنيان متضادان في وقت واحد، كما أنَّ الكلمة تتضمن عدة دلالات معجمية لكنها تختفي كما يرى فندريس إلا المعنى الذي يكرسه السياق الاستعمالي، فهو يرى أنه "لا يطفو في الشعور من المعاني المختلفة التي تدلّ عليها إحدى الكلمات إلا المعنى الذي يعنيه سياق النص، أمّا المعاني الأخرى جميعها فتُمحى وتتبدد ولا توجد إطلاقاً"[16]. ويشير فندريس إلى الجو العام المصاحب للقول، أو إلى سياق الاستعمال اللغوي الذي يسهم في تحديد المعنى المقصود "إذ أنّ الكلمة توجد في كلّ مرة تستعمل فيها في جو يحدد معناها تحديداً مؤقتاً" [17]. وهذا يعني أن السياق هو الذي يستدعي حالة خاصة من حالات الكلمة ليكرِّسَ السياق تلك الحالة أو ذلك المعنى ويترك باقي الاحتمالات وأن المعنى المعجميّ مجرد من الإشارة إلى الزمان ويكون في حالة سكونية، لكنّ دخول الكلمة في التركيب واستدعاءَها في سياق معين هو الذي يحدد المعنى، "والسياقُ أيضاً هو الذي يخلّص الكلمة من الدلالات الماضية التي تدعها الذاكرة تتراكم عليها، وهو الذي يخلقُ لها قيمة حضورية"[18]. وبذلك فقد عُرّف المعنى "بأنه حصيلة استعمال الكلمة في اللغة من حيث وضعها في سياقات مختلفة"[19]. لكنّ هناك تفسيرات أخرى لمفهوم السياق بأنه "النظم اللفظي للكلمة وموقعها من ذلك النظم"[20]. والمقصود بهذا هو السياق اللغوي، وكان الجرجاني قد أوضحه بشكل تام من خلال نظرية النظْم القائمة على أسس وعلاقات لسانية. ويرد أولمان على فكرة عدم وجود أهمية للمعنى المعجمي وأن الفضل يعود إلى السياق فقط بأن الذين يتبنون هذه الفكرة فإنهم ينسون الفرق الأساسي بين الكلام واللغة وهذا الفرق يتمثل في أن السياقات إنما تكون في المواقف الفعليّة للكلام"[21]. أي أن المعنى مرتبط بالكلام الذي هو الإنجاز التطبيقي للغة واستثمار قواعدها في إنجاز الكلام وحصوله في الواقع.

هنالك العديد من السياقات التي يخلقها الكلام، وقد ركّز فيرث على النظرة المتساوية إلى عنصري السياق في عملية التحليل الدلالي، والمقصود بعنصري السياق؛ السياق اللغوي وسياق الموقف أو المقام الذي يتضمّن أيضاً ما يسمّى بالسياق الثقافي الذي يتضمن قائمة بالفوارق الاجتماعية والسمات الشخصية للمتحدِّث والمتحدَّث إليه ودور كلّ منهما في المجتمع[22]، ويُفهم مما سبق أن السياق اللغوي يأتي في المقدمة كونه يخص اللفظة وبناءها الصرفي والصوتي ووجودها في تركيب تام، أما باقي السياقات الأخرى فتتعلّق بمقامات خارجية لها علاقة بالوضع والحال والمستوى الثقافي والحالة الانفعالية والعاطفية، لذلك فقد صنّف أكثر علماء اللغة السياق في أربعة أنواع، وهي التي سوف أعتمدها في هذه الدراسة، وتتجلى بـ:

السياق اللغوي والسياق العاطفي وسياق الموقف والسياق الثقافي[23].

1/ السياق اللغوي، بحسب أكثر من باحث معاصر هو "حصيلة استعمال الكلمة داخل نظام الجملة متجاورة وكلمات أخرى مما يكسبها معنى خاصاً محدداً[24]. وعليه فإن المعنى الذي يقدمه السياق لاسيّما السياق اللغوي هو معنى محدد وله حدود واضحة وسمات محددة غير قابلة للاشتراك أو التعميم ومثال ذلك مثلاً كلمة العين التي ترد في الأمثلة الآتية وكيف يكشف السياق عن معناها المحدد ويترك باقي المعاني المتعددة في المعجم:

عين الطفل تؤلمه، (العين هنا الباصرة)، وفي الجبل عينٌ جاريةٌ، (العين هنا عين الماء)، هذا عين للعدو، (في إشارة إلى الجاسوس)، العين الساحرة وسيلة لمعرفة الطارق، (إشارة إلى العين المنظار)، وذاك الرجل من الأعيان، (إشارة إلى السيد في قومه)[25].

ويمكن إضافة استعمالات أخرى للكلمة ذاتها في قولنا:

ذاك عينه جائعةٌ، في إشارة إلى شخص يتميز بالجشع والطمع، وذاك عينه ممتلئة/شبعى، في إشارة إلى شخص عزيز النفس، وأنت عيني في إشارة إلى الحب والاعتزاز، وسافر إلى عين التمر، إشارة إلى اسم مكان معين في العراق.

2/ السياق العاطفي؛ أي السياق النفسي: فهو يختلف عن السياق اللغوي في أنه لا يتشكل طبقاً للعلاقات بين البنى اللغوية داخل السياق النحوي التركيبي، وإنما هو ما يحدد طبيعة استعمال الكلمة بين دلالتها الموضوعية ودلالتها العاطفية إذ تشحن عادة بمضمونات نفسيّة ويحدد أيضاً هذا السياق درجة الانفعال قوة وضعفاً إذ تُنتقى الكلمات ذات الشحنة التعبيرية القوية حين الحديث عن أمر فيه غضب وشدة وانفعال لذا قد يغلو المتكلم في استعمال كلمات قد لا يقصد معناها الحقيقي فتكون محمّلة بما يكون فيه من شحنة عاطفية واندفاع[26]، فقولنا مثلاً: ذاك قتله الحب فيها إشارة إلى شدة الحب ولكن الفعل الذي تم استخدامه هو القتل في إشارة إلى المبالغة وتهويل صورة المشهد التي توصل إلى الموت. ويشير "ماييه" في هذا الصدد إلى أن اللفظة "لا تحمل معنى عقلياً فحسب بل تحمل في الغالب لوناً من الإحساس فكلمة (جاردن) جُنَيْنَة ليست فقط حديقة صغيرة ولكنها حديقة صغيرة لها في النفْس حنوّ"[27].

3/ سياق الموقف، فهو سياق الحال الذي يتمّ فيه الخطاب، لأن الخطاب مقترن بظروف إنتاجه في زمان ومكان يمكن تحديدهما. وهو يدل "عن العلاقات الزمانية والمكانية التي يجري فيها الكلام، وقد تابع فيرث أستاذه مالينوفسكي في ذهابه إلى أنّ التفوهات اللغوية من كلمات أو عبارات أو جمل إنما تؤدّي وظيفتها في إطار موقف خارجي وأكّد على ضرورة مراعاة السياق الخارجي أو المقام في عملية تحليل المعنى[28]، وقد أشار اللغويون العرب القدامى إلى هذا السياق كما عبّر عنه البلاغيون بمصطلح المقام"[29] و"إن ما يؤديه المقام للمعنى من تحديد ومناسبة ظرفية يتطلب من الباحث الإلمام بالمعطيات الاجتماعية التي يجري فيها الكلام. ولذلك يمهّد عادة للآثار الأدبية بدراسة البيئة الزمانية والمكانية والملابسات الشخصية لما لها من أهمية في معرفة المعنى المقصود في تلك الأثناء"[30].

4/ يركّز السياق الثقافي على تحديد المحيط الثقافي أو الاجتماعي الذي يمكن أن تستخدم فيه الكلمة (...) مثال ذلك استخدام كلمة "عقيلته" فإنه يختلف عن استخدام كلمة "زوجته"، فالأولى تعدّ في العربية علامة على الطبقة الاجتماعية المتميزة وهذا يختلف حسب رأيه عن استخدام كلمة "زوجته" مثلاً [31]، فالكلمتان تشيران إلى معنى جوهري واحد ولكن اختلاف اللفظين يوحيان إلى سياق ثقافي معين.

النماذج المختارة من قصيدة نازك الملائكة في الجدول الآتي توضّح ما يحصل للكلمة من معانٍ في سياقات مختلفة لاستعمالها في الكلام.

قصيدة النائمة في الشارع/ نازك الملائكة[32]

السياق اللغوي السياق العاطفي السياق الثقافي سياق الموقف
النائمة في الشارع تنتفض الظلمة ويرتعش الرعد رقدت فوق رخام الأرصفة الثلجية في الكرادة
الشارع مهجور تعول فيه الريح هذا الظلم المتوحش أيام طفولتها مرت في الأحزان في ليلة أمطار ورياح
الإحدى عشرة نقطة ناطقة في خديها الحمى تلهب هيكلها = = = =
يد السهد ظمأى للنوم ألم يبقى ينهش = = = =
الرحمة لفظ يبقى يقرأ في القاموس فوا خجل الإنسانية = = = =

تحليل نماذج السياق اللغوي في القصيدة:

بما أن الجملة تكتسب معناها من نظام من العلاقات النحوية التي تربط الكلمات الموجودة فيها بما تحمله من معان في ذاتها، مع ما يجاورها من كلمات أخرى وفق نظام تركيبي معين، فإنَّ دلالة الكلمات داخل هذه الجمل والتراكيب ليست مستقلةً فيما تشير إليه من معانٍ وإنما هي تقوم بدور وظيفي داخل السياق النحوي، حتى لو احتفظت بدلالتها المعجمية فإنّها ليست الدلالة بشكلها الحرفي بل تتميز في الكثرة والشدة والسعة أو بعكس ذلك، وتكتسب في بعض الأحيان دلالة إشارية رمزية. وهذا يعني أن المعنى الجديد المفهوم من السياق يتجاوز المعنى المعجمي للكلمة قبل دخولها التركيب بشكلٍ أو بآخر. ومن أمثلة ذلك:

1/ النائمة في الشارع

يشير المعنى المعجمي لكلمة النائم إلى: نام فلان نوماً: اضطجع أو نَعِسَ، والشيء سكت وهدأ، ويقال أيضاً نامت الريحُ: سكنت، ونام البحر: هدأ، ونامت النار: همدت[33].

كل المعاني المعجمية السابقة لكلمة النائم تشير إلى هدوء وسكون، إلا أن إسناد الخبر شبه الجملة (في الشارع) إلى المبتدأ المسند إليه (النائمة) أعطى الجملة بعداً دلالياً مختلفاً عن معنى السكينة والهدوء وأخْذِ قسطٍ من الراحة بل حمل السياق معنى غير متوقَع ومفاجئ للقارئ من خلال الخبر شبه الجملة "في الشارع" وهو المكان غير المتوقع للنوم وبذلك أعطى الجملة معنى سياقيّاً يدعو السامع "المتلقي" إلى التفكير بما وراء ذلك من أسباب تدعو الإنسان للنوم في الشارع كالفقر والإهمال والوحدة والمرض.... إلى آخره.

2/ الشارع مهجور تَعْولُ فيه الريح.

الجملة الفعلية، تعول فيه الريح، تتكون من المسند الفعل والمسند إليه الفاعل المؤخّر الريح، فتكون الجملة بترتيبها الأصلي تعولُ الريحُ فيه، أي في الشارع. بالعودة إلى المعنى المعجمي عالَ يعول عولٌ والعويل رفع الصوت بالبكاء[34]، فإن الفعل في أصله وضع لرفع الصوت بالصراخ والبكاء حزناً على المفقود، وهذا ما يفعلهُ الكائن العاقل، أمّا إسناده إلى الريح وهي غير العاقل التي لا تتمكن من الصراخ أصلاً فقد أعطى النص بعداً معنوياً آخر وجعل الطبيعة في الخارج تُشارك الحالة التي يصفها النص وهذا يتناسب مع الجو العام المشحون بالحزن على وضع الطفلة النائمة في الشارع.

3/ الإحدى عشرة ناطقة في خديها

تمّ استخدام كلمة ناطقة في الجملة وجعلها خبراً للمسند إليه الإحدى عشرة، وفي القاموس نطق وناطَقَه واستنطقَه أي كلّمهُ، وقولهم: ماله صامت ولا ناطق. فالناطقُ الحيوان والصامت ما سواه[35]. فالنطق لا يصدرُ إلا من كائنٍ حي يمتلك أداة النطق وأعني اللسان، لكنّ السياق جعل الإحدى عشرة ناطقة في خديها أي أن سنوات عمرها تنطق، ويكشف السياق العام في النصّ مما لا يدع مجالاً للتوهم أن السنوات جامدة لا تنطق لكنها تجعل الـمُشاهد يفهم ويخمّن من خلالها عمر الكائن وهذا ما يتناسب مع سياق خفي في النص فيه دعوة للنطق والاستنطاق والثورة على الظلم الطبقي فالنائمة هي طفلة وخدودها تشير إلى أنها في عمْر يعرّضها أن تكون فريسة في مشهد نومها في الشارع.

4/ يد السهد ظمأى للنوم

الجملة الاسمية هنا تتكون من مبتدأ، يد، تعرّف بالإضافة إلى كلمة السهد ومن خبرٍ مفرد في كلمة ظمأى، ومتعلقٍ به وهو الجار والمجرور، وتشير المعاني المعجمية في هذه الجملة إلى:

يد: من أعضاء الجسد ومن كلّ شيء مقبضه[36].

السهد: السهاد، الأرق[37].

ظمأى: ظمئ: عطش أو اشتد عطشه ويقال ريح ظمأى حارة ليس فيها ندى[38].

لكنّ السياق العام للجملة غيّر معنى كل كلمة وجعل للأرق يداً وهذه اليد في حالة عطشٍ وظمأ ليس إلى الماء كما هو مألوف ولكن إلى النوم، وهنا قد ساعدت العلاقات اللغوية والتركيبية على خلق معنى جديد يختلف عن المعنى المعجمي.

5/ الرحمة لفظ يبقى يُقرأ في القاموس

الجملة الاسمية هنا تشير إلى وجود لفظة الرحمة بشكل دائم في القاموس لكنّ السياق العام لجو القصيدة ينفي وجود الرحمة أصلاً التي هي: الرقة والتعطّف،[39] فالجملة المثبتة سابقاً تتحوّل سياقياً إلى جملة منفية تعطي معنى عدم وجود الرحمة في الحياة وأن وجودها في القاموس لا قيمة له، ويُستدل على هذا المعنى من خلال الصور المأساوية التي وُصفت بها الطفلة في النص.

نماذج تطبيقية من السياق العاطفي في القصيدة:

ذُكر سابقاً أنّ السياق العاطفي يحدد درجة القوة والضعف في الانفعال مما يقتضي تأكيداً أو مبالغة أو اعتدالاً[40]. فحالة الغضب تتطلب كلمات مشحونة تساعد على وصف الحالة ومثلها حالة الفرح والسعادة، ومن أمثلة ذلك في القصيدة:

1/ تنتفض الظلمة فيه ويرتعش الرعد

حملت بعض الألفاظ السابقة شحنة عاطفية مضاعفة لتكون معادلاً موضوعياً للصورة فالرعد الذي هو الصوت الذي يُسمع من السحاب، وفعله الحقيقي رعدت السماء[41]، لكنه هنا قد اسند إلى فعلٍ مشحون بحركة لها علاقة بالحمى والمرض وفي الحقيقة فإن الطفلة هي التي ترتعش برداً ومرضاً لكن الرعد شاركها الحال وأصبح فاعلاً للفعل يرتعش، ومثله تنتفض الظلمة فالفعل نفض يقال: نفض الثوب والشجر أي حرّكه لينتفض والنافض من الحمى ذات الرعدةِ يقال أخذته حمّى نافضٌ.[42]

وقد جاء الانتفاض في الجملة مع الظلمة وكأن ظلام الليل ينتفض ليهول صورة المأساة التي يركز المعنى العام للنص عليها.

2/ هذا الظلم المتوحش

جاءت كلمة المتوحش صفة للظلم للإيغال في المعنى، والوحش هو: حيوان البرّ، والوحشة الخلوة والهمّ، وأوحش المنزل أقفر وذهب عنه الناس[43]، فالظلم في المعجم: وضْع الشيء في غير موضعه[44] واجتماع الظلم مع التوحش يعطي شعوراً وتعاطفاً مع مشهد التشرّد.

3/ الحمى تلهب هيكلها

يقال: التهبت النار وتلهبت اتّقدت، ولَهَبُ النارِ: لسانها[45] وهي مثل ما سبقها من جمل قد استعملت الشاعرة كلمات وأفعالاً في غير ما وضعت له فالحمى هنا قد جاءت فاعلاً للفعل تلهب في إشارة إلى درجة الحرارة التي تعادل درجة اتقاد النار، على الرغم من عدم وجود لهب حقيقي في الحمى المرضيّة.

4/ ألم يبقى ينهش

جاء في القاموس نهشته الحية لسعته[46]، وقد أضاف الفعل ينهش للجملة قسوة وألماً من جانبين؛ الأول الاستمرارية وعدم التوقف في الفعل يبقى والثاني في نوع الألم الذي يصل إلى درجة النهش. ويتجلّى السياق العاطفي من خلال هذا التعبير حين ضمّنت الشاعرة جملتها بإحساسها الشعوري النفسي تجاه الطفلة المشرّدة، فاستعمالها لكلمة "ينهش" كان تحت دوافع نفسيّة تأثّرية جعلت الفعل المستعمل "ينهش" فيه مبالغة تعبيرية ضاعفت من دلالة الألم.

5/ فوا خجل الإنسانية

تستعمل صيغة الندبة في العربية باستخدام "وا" والمندوب: هو المتفجع عليه نحو، وا زيداه أو المتوجع منه نحو، وا ظهراه[47]. وقد استخدمت الشاعرة المندوب هنا الإنسانية جمعاء وعدم وجود مشاعر الخجل عندهم في إشارة إلى عدم وجود الرحمة بشكلٍ عام. فاستعمال أسلوب الندبة يضاعف معنى الخجل في التركيب النحوي، فهو دلالة نقدية لموقف الإنسانية المتفرج على هذه المشردة، وكان استعمال هذا الأسلوب موافقاً لرسالة الشاعرة النقدية لحالة اجتماعية والتي كان الدافع لها دافعاً نفسياً تأثرياً بحالة الطفلة النائمة.

نماذج تطبيقية من السياق الثقافي في القصيدة:

يفرض السياق الثقافي اختيار كلمات وألفاظ مناسبة مع الطرف الاجتماعي كما مرّ ذكره، ويمكن أن نجد هذا في القصيدة في الأمثلة الآتية:

1/ رقدت فوق رخام الأرصفة الثلجية

بما أن السياق الثقافي يراعي المقام العام وبما أن المنطقة المشار إليها في النص هي منطقة تجارية مهمة (الكرّادة)[48] فإن السياق الثقافي الذي يتناسب معها هو أن تكون أرصفتها من الرخام، فالتعبير هنا تعبير مباشر لكن سياق الحالة يحمل دلالات عدة منها الوضع الاقتصادي المرفّه فيها حين تكون أرصفتها من الرخام وليس من الحجارة أو الإسفلت، والرخام عادة يساعد على تخزين البرودة، لذلك وردت بصيغة "الأرصفة الثلجية" للإشارة إلى البرودة الشديدة للأرصفة ، وهذا يتناسب مع المستوى الاقتصادي للمنطقة الراقية وفي الوقت نفسه يُسهم في مضاعفة صورة مأساة الطفلة.

2/ أيام طفولتها مرّت في الأحزان

إن الوضع الاقتصادي البائس لشريحة الفقراء جعلت الشاعرة تستنبط أن ما حصل للطفلة هو ليس فعل اللحظة، فالأيام السابقة لطفولتها لم تكن أفضل من يومها هذا لذلك فمن المنطقي أن تكون أيام طفولتها السابقة قد مرّت في صور الأحزان والتشرد والفقر، فالمعنى الذي ضُمّن في العبارة هو معنى استنبطته الشاعرة من حالة الطفلة ومن وضعها السابق.

نماذج تطبيقية من سياق الموقف في القصيدة:

يشير سياق الموقف إلى الموقف الخارجي ويدل على السياقات والمؤثرات الزمانية والمكانية للحالة التي يجري فيها الكلام كما ذُكر سابقاً وكما أكده تمّام حسان قائلاً: "وإذا كان المقال المكتوب لا يقع في أثناء قراءته في وقت لاحق في مقامه الاجتماعي الذي كان له في الأصل فإن هذا المقام الأصيل من الممكن بل من الضروري أن يعاد بناؤه في صورة وصف له مكتوب حتى يمكن للنص أن يفهم على وجهه الصحيح"[49]، ومن أمثلة ذلك في القصيدة:

1/ في الكرادة

2/ في ليلة أمطار ورياح

أعطى التحديد المكاني للحالة وكذلك الزماني سياقاً نضجت فيه الفكرة التي طرحتها الشاعرة فالمكان "الكرادة" معروف بأهميته التجارية والاقتصادية وكونه مكاناً تسكنه طبقة راقية ويزوره الآلاف للتبضع، والزمان فيه قسوة الليل وظلمته فضلاً عن العاصفة المطرية المصحوبة بالرياح الشديدة، كل هذا سيؤدي إلى فهم آخر للكلمات بعيداً عن اسم المكان وتحديد الوقت بل سيضع الحالة الإنسانية المقصودة ضمن هذا المكان والزمان للنطق بمعنى خفي يتضمن نقداً اجتماعياً ورفضاً لواقع حال الطبقة الفقيرة وما تعانيه.

الخاتمة:

= لا يمكن إغفال المعنى المعجمي للكلمة بعد دخولها في التركيب، بوصفه مرجعاً للمعنى الذي سيتّسعُ في تركيب الجملة، لكنّ الاعتماد على المعنى المعجميّ وحده سيكون فهماً قاصراً لإدراك المعنى الكامل الذي أنتجه التركيب، وهو المعنى الذي سيصل إلى القارئ في النهاية.

= تساعد سياقات عدّة في فهم النص بوصفه خطاباً موجهاً للقرّاء، منها ما هو داخلي لغويّ يخصّ الألفاظ والتراكيب والأصوات، ومنها خارجي يخص وضعية القائل والجانب الثقافي والحالة العاطفية "النفسية".

= اهتمّ العالم البريطاني فيرث في إرساء مبادئ النظرية السياقية، وطورها من جاء بعده.

= اهتمّ اللغويون العرب والبلاغيون القدماء بالسياق ودوره في إيصال المعنى من خلال تحليلاتهم اللغوية والبلاغية.

= تنبّه اللغويين العرب المحدثون إلى أهمية السياق وتابعوا دراسات القدماء والمحدثين، وسار بعضهم وفق منهج فيرث في التحليل السياقي.

= تركّزت مجالات دراسة السياق عندهم بـ: بالسياق اللغوي والعاطفي والثقافي وسياق الموقف.

= ليس بالضرورة تطبيق السياقات سابقة الذكر كلّها في تحليل النص، ويمكن تتبع ما يراه القارئ ملائماً حسب معطيات النص الممكنة.

= = =

الهوامش

[1] الغزالي، معيار العلم، تح: سليمان دنيا، ط2 (القاهرة، مصر، دار المعارف، د.ت)، ص 72.

[2] ينظر: أرسطو، منطق أرسطو، حققه وقدّم له: عبد الرحمن بدوي، (القاهرة، دار الكتب المصرية، 1948)، ج1، ص 59.

[3] نفسه، ص 62.

[4] عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، قرأه وعلّق عليه: أبو فهر، محمود محمد شاكر، (القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2000)، ص55.

[5] نفسه، ص 55-56.

[6] نفسه، ص 55-56.

[7] أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي، المنخول من تعليقات الأصول، تح: محمد حسين هيتو، (دمشق، سلسلة الكتب والدراسات الأصولية، د.ت) ص 101.

[8] ينظر: جان كوهن، بنية اللغة الشعرية، ترجمة: محمد الولي ومحمد العمري، ط2، (الدار البيضاء، دار توبقال، 2014)، ص 101.

[9] ينظر: أحمد مختار عمر، علم الدلالة، ط5 (القاهرة، عالم الكتب)، ص 68-69.

[10] ينظر: بدر شاكر السياب، أنشودة المطر، (القاهرة، مصر، مؤسسة هنداوي، د.ت) ص 123.

[11] ف. ب. بالمر، علم الدلالة إطار جديد، تر: صبري إبراهيم السيد، (الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 1995)، ص 14.

[12] محمد خطابي، لسانيات النص، مدخل إلى إنسجاميات الخطاب، ط1، (بيروت/الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، 1991) ص 56.

[13] ينظر: بدر شاكر السياب، مرجع سابق، ص 145.

[14] ينظر: تمام حسان، العربية معناها ومبناها، (الدار البيضاء، المغرب، دار الثقافة، 1994)، ص 323-324.

[15] ينظر: محمد حماسة، النحو والدلالة: مدخل لدراسة المعنى النحوي الدلالي، ط1، (القاهرة، دار الشروق، 2000)، ص 113.

[16] ج. فندريس، اللغة، تعريب: عبد الحميد الدواخلي ومحمد القصّاص، (مصر، مكتبة الأنجلو المصرية، د.ت)، ص 228.

[17] نفسه، ص 231.

[18] نفسه، ص 231.

[19] أحمد محمد قدور، مبادئ اللسانيات، ط3، (دمشق، دار الفكر، 2008)، ص353.

[20] ستيفن أولمان، دور الكلمة في اللغة، تر: محمد كمال بشر، ط1 (الأردن، مكتبة الشباب، د.ت)، ص57.

[21] نفسه، ص57.

[22] ينظر: عبد الفتاح عبد العليم البركاوي، دلالة السياق بين التراث وعلم اللغة الحديث، (مصر، دار المنار، 1991)، ص 51-52.

[23] ينظر: أحمد محمد قدور، ص355 وأحمد مختار عمر، ص 69.

[24] ينظر: أحمد محمد قدور، ص 355.

[25] ينظر نفسه، ص 355.

[26] ينظر نفسه، ص 356-357.

[27] محمد مندور، النقد المنهجي عند العرب ومنهج البحث في الأدب واللغة، (مصر، دار نهضة مصر للطباعة والنشر، 1996)، ص 435.

[28] ينظر: عبد الفتاح عبدالعليم البركاوي، ص 48-49.

[29] أحمد محمد قدور، ص 357.

[30] نفسه، ص 358.

[31] ينظر: أحمد مختار عمر، ص 71.

[32] نازك الملائكة، ديوان نازك الملائكة (ديوان قراءة الموجة)، مج2، (بيروت، دار العودة، 1997)، ص 269-272.

[33] ينظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، ط4، (القاهرة، مكتبة الشروق الدولية، 2005)، ص 965.

[34] ينظر: الرازي، مختار الصحاح، (بيروت، لبنان، دائرة المعاجم في مكتبة لبنان، 1986)، ص 194.

[35] ينظر: الرازي، ص277.

[36] ينظر: المعجم الوسيط، ص 1063.

[37] ينظر، الرازي، ص 134.

[38] ينظر: المعجم الوسيط، ص 577

[39] ينظر: الرازي، ص 100.

[40] ينظر: أحمد مختار عمر، ص 70-71.

[41] ينظر: الرازي، ص 104.

[42] ينظر: الرازي، ص 280.

[43] ينظر: الرازي، ص 297.

[44] ينظر: الرازي، ص 170.

[45] ينظر الرازي، ص 252-253.

[46] ينظر الرازي: 284

[47] ينظر: ابن عقيل، شرح ابن عقيل، ط 20، (القاهرة، دار مصر للطباعة، 1980) ج3، ص256.

[48] ينظر: https://almadasupplements.com/view.php?cat=1294، تاريخ المشاهدة 4/10/2023.

[49] تمام حسّان ص346.

= = =

قائمة المراجع

أرسطو. منطق أرسطو. حققه وقدّم له: عبد الرحمن بدوي. القاهرة: دار الكتب المصرية، 1948.

أولمان، ستيفن. دور الكلمة في اللغة. تر: محمد كمال بشر. الأردن: مكتبة الشباب، د.ت.

بالمر، ف.ب. علم الدلالة إطار جديد. تر: صبري إبراهيم السيد. الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، 1995.

البركاوي، عبد الفتاح عبد العليم، دلالة السياق بين التراث وعلم اللغة الحديث. مصر: دار المنار، 1991.

الجرجاني، عبد القاهر. دلائل الإعجاز. قرأه وعلّق عليه: أبو فهر، محمود محمد شاكر. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2000.

حسّان، تمّام. العربية معناها ومبناها. الدار البيضاء، المغرب: دار الثقافة، 1994.

حماسة، محمد. النحو والدلالة: مدخل لدراسة المعنى النحوي الدلالي. القاهرة: دار الشروق، 2000.

خطابي، محمد. لسانيات النص، مدخل إلى إنسجاميات الخطاب. بيروت/الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1991.

الرازي. مختار الصحاح. بيروت، لبنان: دائرة المعاجم في مكتبة لبنان، 1986.

السياب، بدر شاكر. أنشودة المطر. القاهرة، مصر: مؤسسة هنداوي، د.ت

ابن عقيل. شرح ابن عقيل. ط20. القاهرة: دار مصر للطباعة، 1980.

الغزالي. معيار العلم. تح: سليمان دنيا، ط2، القاهرة، مصر: دار المعارف، د.ت.

الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد بن محمد. المنخول من تعليقات الأصول. تح: محمد حسين هيتو. دمشق: سلسلة الكتب والدراسات الأصولية، د.ت.

فندريس، ج. اللغة. تعريب: عبد الحميد الدواخلي ومحمد القصّاص. مصر: مكتبة الأنجلو المصرية، د.ت.

قدور، أحمد محمد. مبادئ اللسانيات. ط3، دمشق: دار الفكر، 2008.

كوهن، جان. بنية اللغة الشعرية. ترجمة: محمد الولي ومحمد العمري. ط2، الدار البيضاء: دار توبقال، 2014.

مجمع اللغة العربية. المعجم الوسيط. ط4. القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، 2005.

مختار عمر، أحمد. علم الدلالة. ط5، القاهرة: عالم الكتب.

الملائكة، نازك. ديوان نازك الملائكة (ديوان قراءة الموجة)، مج2. بيروت: دار العودة، 1997.

مندور، محمد. النقد المنهجي عند العرب ومنهج البحث في الأدب واللغة. مصر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر، 1996.

= = =

الروابط:

عباس فاضل السعدي، "الكرادة الشرقية: تاريخها، ومن أين جاءت تسميتها؟" موقع "ملاحق المدى": 2011/2/6.

https://almadasupplements.com/view.php?cat=1294، تاريخ المشاهدة 4/10/2023.

D 1 كانون الأول (ديسمبر) 2023     A نجود الربيعي     C 0 تعليقات