عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

مهند النابلسي - الأردن

وحوش فضائية


مهند النابلسيأينك أيها النوم اللذيذ؟ وبدأ ينام، فتخيل في منامه فتاة جذابة عذبة، باهرة الفتنة والجمال، ذات ابتسامة مشرقة، وقد وقع نظره للوهلة الاولى على شفتيها المغمورتين بحمرة وردية داكنة، تشبه زورقين يبحران بعيدا، فأحس برغبة عارمة في رؤية اللون الحقيقي لهذا البحر الغامض وشم عطره ولمس زبده وتذوق ملوحته!

تخيلها تسقط من الفضاء هاربة الى مركبته الفضائية، طالبة باستعطاف وحنو آسر أن يحميها من المهاجمين الأوغاد: انهم وحوش فضائية تشبه السلاحف والديدان والحشرات، وقادرة على التخفي بمهارة فائقة، فاحذرهم! فوعدها بأن يستبسل بالدفاع عنها، وهرب بمركبته الفضائية الصغيرة متملصا، ثم تاه بقصد في سماء مليئة "بالتاكسيات والمركبات الطائرة الصغيرة".

مركبة فضائيةوربما لأول مرة في حياته تمتع بشجاعة وجرأة نادرة، وومض بريق ذكائه، واستوعب هندسة الأطباق الطائرة التي طالما استعصت على فهمه التقليدي للبعد الثلاثي! وطار مسرعا لشقته في الدور المائتين لإحدى العمارات السكنية الشاهقة، وهناك اتصل بصديقه الحكيم، فأبلغه هذا الأخير بثقة المطلع على خفايا الأمور بأن الفتاة الجميلة ستسعى جاهدة لإنقاذ كوكب الأرض من كويكب ناري متوهج قادم، ومن سيطرة لاحقة لكائنات "حشرية" شريرة تسعى لأن تستولي على الأرض بعد تدميرها ونجاحها بالقضاء على الجنس البشري!

وحذره بأن هذه الكائنات الفتاكة فد انتشرت في كل مكان بشكل متخفي، فتذكر السلوك الغريب لعمال المطعم الذي تناول فيه وجبة الغداء، وبدا الأمر وكأنهم يخفون شيئا، وتذكر وكأنه شاهد زوائد هلامية تتحرك داخل ملابس أحدهم، وكيف بدا لسان عاملة "الكاشير" أطول من اللازم! يا للهول! يبدو أن السيناريو الكارثي يتحقق، حيث زاره شخص أنيق غامض في المساء، تأمل وسامته المصطنعة، وكأنه يخفي خلفها كائنا حشريا مليئا بالزوائد الدودية، وحتى زوايا دوران رأسه بدت لبرهة وكأن حركتها دائرية وغير إنسانية،

شل بدنه وكيانه رعب قاتل، وطلب من الفتاة مسبقا أن تختبئ بحذر وان تكون جاهزة للهروب بسيارته الطائرة، وهمس لنفسه بهدوء وكأنه يصلي ويستعين بالله الواحد القهار من الشيطان الرجيم:

= نحن نعرف انك تخبئ تلك الساحرة الجميلة. سلمها لنا وستنجو بنفسك! من أنت حتى تتحدانا، سنقدم لك عرضا لن ترفضه (تذكر العبارة الشهيرة لمارلون براندو في فيلم العراب الشهير ): ستصبح ملكا لأحد كواكبنا البعيدة. لا املك وقتا طويلا للتفاوض معك، فاستغل الفرصة والا.

= لا أريد أن اصبح ملكا على احد، فأنا لست طموحا ولا احب السلطة، وكل ما أتمناه أن أعيش مغمورا بالسكينة غير مدين لأحد، وأن أموت إنسانا عاديا، وان ادفن في جوف الأرض وأتحلل كغيري من البشر، فأنا أعشق كوكب الأرض، وفيها سأجد ملاذي وراحتي الأبدية.

= هنا امتعض زعيم الشرار الذي يتمتع بهيبة خاصة ونظرات مخيفة بالرغم من وسامته المصطنعة، فقد كان طويل القامة، ذو لحية صغيرة ملفتة للانتباه وحاجبان كثان، فأجاب بحدة غير متوقعة:
= هذا هراء بالتأكيد. أنت شخص فاشل بلا طموح، وأشعر أنك تضيع وقتي الثمين. كيف اختارتك هذه الساحرة اللعينة من بين ملايين البشر لتنقذها؟ يا لتفاهة النساء وغموضهن العجيب! ثم تابع وكأنه قرر مسايرته للحصول على الفتاة الرهينة:

= اسمع: لولا الشر ما وجد الخير، وما معنى حياة رتيبة لا تحديات فيها ولا شر ومشاكل؟ وكيف ستقدرون الخير والجمال بدون شر وقبح؟ ثم أضاف بجرأة من يطرح فكرة جديدة:

= صدقني، إن العالم بلا شيطان لا يطاق! واستطرد بدون تردد:

= لأنه ببساطة سيصبح عالما مملا ساذجا، لا معنى فيه لشيء، والأشرار أمثالنا يقدمون خدمة لعالمكم البائس من حيث قدرتهم على بعثرة الأشياء المنظمة والرتيبة وكذلك الأفكار والعقائد وطرق العيش، إننا نخلق ما يسمى الفوضى الخلاقة أو اللاخلاقة إن شئت! ونعطي أمثالك من الأخيار والأدعياء الفرصة الذهبية لإعادة إصلاح وترتيب الأشياء المبعثرة، لكي نعود ونبعثرها وهكذا دواليك. ثم انظر حولك أيها المتحذلق: من يحكم عالمك "البائس–غير المتوازن" غير الانتهازيين والساسة الأشرار الكاذبين والمتشدقين وتجار العقائد. وبالرغم من شرهم وافتضاح أمرهم فهم دبلوماسيون وناعمون ومنافقون، ويخفون دوما وراء الهدوء والابتسامة المرسومة شرا مستطيرا وجشعا هائلا: فهم يخططون لسرقة موارد الطاقة وأراضي الغير وثروات العالم ويعشقون الهيمنة والتسلط والنفوذ، وحتى الفضاء الخارجي لم ينجو من هيمنتهم !

= انهم باختصار يهيئون العالم للخراب الكبير القادم، ليوم القيامة الكارثي، ونحن سنكون ارحم منهم ومن عشقهم المزمن للحروب والكوارث والنكبات، فلماذا لا تخرج من شرنقتك وبطولتك المزيفة وتنضم لهؤلاء الأوغاد وتقبل بعرضنا المغري لك قبل فوات الأوان! وحاول الشرير أن يحبب له فعل الشر فقال منهيا خطبته:

= نحن "كالأطفال المشاغبين" ما زلنا نملك موهبة الاندهاش إزاء الأحداث والأشياء، أما أنتم بني البشر فقد تبلد حسكم وأصبحتم ترون كل الأشياء بديهية وروتينية! وكاد الشرير أن يقنعه بحججه الباطلة المتلاحقة كسيل ماء متدفق، وأنهى خطبته بشعار غامض ملتبس:

= إذن دعنا أخيرا نتفق على أن لا نتفق!

= لكن "ضميره اليقظ وحسه الإنساني الراقي وسحر الفتاة الخفي" أنقذته جميعا من دوغماتية الشرير الكاسحة، فاستعان بآية الكرسي، رافضا أكاذيب الباطل، وقرر أن يرفض العرض المغري وان يستبسل بالدفاع عن الحسناء "منقذة الأرض".

= = = = =

قصة قصيرة (خيال علمي)

D 26 تموز (يوليو) 2012     A مهند النابلسي     C 14 تعليقات

9 مشاركة منتدى

  • الأستاذ مهند النابلسي

    إن كانَ ثمَّةَ أمل في الخلاص، لإنقاذِ البشرية من نفسِها، أو من غزاةٍ طامعين..؟ فامرأةٌ بهيَّةُ الحضور كالمجدليَّة وخادمة المسيح، ستلتزمُ المهمّة وتشهدُ على قيامةِ أرضٍ جديدةٍ للسلام.. تحملُ بين ضلوعِها رجاءً وروحاً عظيمة وتوبة.. "مرثا" معها "وجرَّة المرمر"، تعيدُ السيفَ إلى غمدِه، تجوبُ العالم على متن شراعٍ يتهادى بهيبةٍ وجلال. بابتسامةٍ ساحرة كما تقول.. تغَيِّرُ وتغفرُ وتحكمُ بمعجزةِ الحب، وتتولى التبشير في جنباتِ الأرض، فالرجالُ يا صديقي لا يُؤتمنون، ولا يُحْسِنون إلاّ لعبة التخطيط للخرابِ وحربِ النجوم..أرأيتَ امرأةً سفكتْ دماءً في الديار..؟؟ فتعالَ نراهن على ألمرأة "بالصولد" يا صديقي فهي في الأرضِ، ظلُّ إلهٌ.


  • خيال علمي جامح مثير للدهشة وطريف ، يبدو وكأنه سيناريو فيلم سينمائي جديد، ولكنه باعتقادي سيلقى قبولا متواضعا لدى معظم القراءالعرب الملتصقين بحياتهم وقصصهم ومعاناتهم!يبدو الحوار والخلاص في نهاية القصة طريفاوحافل بالمجاز والغرابة!


  • قصة لطيفة ترمز إلى الكثير من المعاني.
    دمت مبدعاً
    تحيتي و تقديري


  • خيال علمي حافل بالغرابةوفيه استعارة ذكية لأفكار وعبارات سينمائية، ولكنه بالحق يبدو "مبتوراوغير مكتمل ولا منطقي" ، فلا يمكن تخيل أن "النوايا الطيبة والحب وجمال الفتاةالباهر"مكونات كافية لحماية كوكب الأرض من الدمار والغزوالخارجي لمسوخات وكائنات فضائية شرسةوعنيدة،ولكن الحوار يحمل في طياته مجازا معبرا وخاصة ونحن على شفير احتقانات دولية غير مسبوقةوربما حرب كونية جديدة ! يبدو الكاتب متمرسا بمثل عذا الصنف الأدبي الغير معهود في سوق القراءة العربي ، وننتظر ان يتحفنا مستقبلا بنصوص ابداعية جديدة يراعي فيها البعد المنطقي وكمال النص ...


    • القارئة المبدعة عبيدة لصوي : شكرا لقراءتك المتأنية العميقة ، والحقيقة أن ملاحظتك صائبة تماما وفي الصميم ، ويعزى السبب لخطأ فني ارتكبته بارسالي قصتين منفصلتين ضمن ملفين لهيئة التحرير الموقرة ، والأجدى كان أن ادمج القصتين ضمن سياق واحد ، فالقصة الثانية التي أرسلتها بعنوان " لقاءحميم" قد تجيب نظريا غلى استفساراتك المنطقية وبشكل انسيابي مبرر ! أرجو ان تنشر عذه القصة بالعدد القادم(ان وافقت ادارة التحرير على نشرها !) لأنها تمثل بالحق تكاملاعضويا مع قصة وحوش فضائية وتعطي لها بعدا منطقيا شيقا ...سرني تقديرك لكتابتي مع فائق الود والاحترام.

  • الأخ مهند : ترى عندما أفقت من نومك ماذا كان شعورك بانسلاخك عن الحسناء؟؟!!ضمن النص الخيالي الذي هو أقرب لأفلام الخيال العلمي هناك بعض التلميحات الى وقائع مريرة نعيشها على أرض الواقع وهذا النوع من السرد يستهويني وأمعن النظر في حيثياته, تحياتي


  • قصة شيقة وغريبة وتصلح تماما كسيناريو " منقوص "لفيلم خيال علمي جديد ...ربط الكاتب بمهارة مكونات الحب والجمال والكائنات الحشرية والخلاص وصراعات البشر وكراهيتهم لبعضهم البعض ضمن سياق سردي -حركي -وصفي آخاذ ، وصهر كل المكونات ليصل لتخوم الابداع ، ولكن كما قلت تبدو القصة ناقصة وبحاجة لتتمة ....


  • لا أعتقد ان القارىء العربي مستعد نفسيا وذهنيا لقراءة أدب الخيال العلمي !فهو ما زال أسير ذاتيته وقصصه وذكرياته وواقعه الكئيب في معظم الأحيان،كما انه غير مستعد للخروج من هذا السجن الاختياري ، والدليل أن معظم التعليقات لا تنفذ لأعماق الطرح الابداعي وبعضها مجامل وسطحي ! لا انصح شخصيا بالاستمرار بمثل هذه الطروحات الخيالية التي لن تلقى الصدى المطلوب ! طبعا هذا رأي شخصي !


  • الاستاذ مهند النابلسي:

    في رأيي أن أدب الخيال العلمي يستهوي الاطفال و المراهقين أكثر مما يجلب اهتمام الكبار. فلو صغت القصة بعربية أبسط ووضعت في الحسبان حب الاطفال للحركة و الحوار، ربما حققت بها استفادة أكثر.

    أرجو ألا تعتبر هذه الملاحظة انتقاصا من مستوى ما كتبت، بل بالعكس، فهذه الفئة العمرية من الناشئة بحاجة هي الاخرى لمن يعتني بها و يتنازل لغويا ويسمو فكريا، والاطفال أذكى من الكبار أحيانا، وأدبهم اصعب لان الكاتب لا يكون في اطاره الصحيح.


    • الاخت زهرة تأكيدا لكلامك فان رابطة الكتاب الاردنيين كمثال لا تعترف بأدب الخيال العلمي الا تحت تسمية "أدب الأطفال"! بينما تعزى معظم اكتشافات واختراعات القرن الحالي والقرن العشرين للأفكار الابداعية التي وردت في نصوص هذا الأدب تحديدا ، وما زلنا كعرب نائمين في غيبوبة قروسطية طويلة لا نعترف بالجديد ونجتر انفسنا وافكارناوقصصنا وذكرياتنا، غارقين في بحور التفاهة والتخلف !ودمت كصديقة افتراضية مبدعة

    • الحقيقة ان كتابات الخيال العلمي هي التي مهدت لمعظم الاختراعات والابتكارات المذهلة التي تستمتع الحضارة البشرية بها اليوم ، كما أنها تستكشف آفاق المستقبل بشكل استباقي ، والمؤسف حقا ان الكثير من المثقفين العرب يرون ان هذا الأدب مخصص للأطفال والمراهقين...مفضلين عليه أدبا نمطيا غارقابالرومانسية الساذجة والفولوكلورية المكررة...غائبين عن العصر وآفاق التطور العلمي الحياتي المذهلة . ودمتم ودام تقديركم

  • الاستاذ مهند
    النص جميل وفيه مغزى لطيف وملامس للواقع ولكن القصة مكررة نوعا ما، وتحمل الكثير من افكار افلام الخيال العلمي.

    أحسنت الكتابة وأوصلت المغزى.


في العدد نفسه

ناجي العلي: التشييع والدفن

ناجي العلي: أين يدفن؟

ناجي العلي: خبر الوفاة

ناجي العلي: قصاصات من الصحف

ناجي العلي: تحقيقات الشرطة