وهيبة قويّة - تونس
نقوش على صفحة الشّاطئ
نقوش على صفحة الشّاطئ
وهيبة قويّة - تونس
غاصت أقدامها على الرّمل تخطّ مسارا عشوائيّا. واقتربت من الشاطئ ووقفت عند الموج. وبحماس طبعت صورة أقدامها على الرّمل في حركة صبيانيّة. ونظرت إلى الأثر. تأتيه الموجة تلو الموجة فيـمّحي ويبتلع الماءُ الرّسم ويغوص في لجّ البحر أو يذهب زبدا على صفحة الموج الثّائر.
ظلّت تفكّر في الرّمل، إنّه عميق، يبتلع كلّ الحكايات الّتي ترسمها عليه ويحتفظ بها بعيدا عن عيون المتطفّلين.
"يا لك من رمل! ليتني أُغرِقُ فيك ما فيّ من الألم وتُخفيه بعيدا."
أليس هو الرّمل الّذي يحمل خطى أقدامها وثقل جسدها على حباته الناعمة، وهي لا تملك القوّة لتحمل ثقله على رقّة ملمسه؟
أليس هو نفسه الّذي يُصنع منه الزجاج فيُكسَر، وتُبنَى به البيوت فتشتدّ وتقوى وتحمي ساكنها؟
أليس هو نفس الرمل الّذي ينساب كالماء من بين أصابعها فلا تمسكه وهو الّذي تبني به على الشواطئ قصور الأماني وقلاع الطفولة الحالمة؟
نعم، هو الرّمل، ترسم عليه أمانيها وتعانقه موجة حيرى فتمحو أثرها ورسمها ولكنّها تجدها عالقة بقلبها تطاردها في أحلام اليقظة.
هو مثل مشاعرها. تعرفها ولا تصفها، تفهمها ولا تستطيع إبلاغها، تستعذبها وتتعذّب بحملها. رقيقة، قاسية، حالمة، جافية.
هو الرمل، مرآة صقيلة ترسم عليها ملامح قلبها التي تريدها والتي تستطيعها فيضمّها الماء ويطهّرها ويغرق الأحزان المرسومة عليه فتضحك. لا شيء يبقى إلاّ ما كان له أثر عميق في نفسها، جراح وأفراح. ويبقى قلبها طاهرا نقيّا، هذا ما تعلّمته. فليأخذ الماء ما يريد وليطهّر قلبها، فكلّ أثر في نفسها عميق.
الماء! نعم هو الماء الّذي حمل رسم القلب لا الرمل. فلتجرّب الماء، إنّه أعمق من الرّمل. سيحمل كلّ الآلام إلى أعماقه. إنّه على الشّاطئ يتغلّب على الرّمل وما إن يوشوشه بموجه حتّى ينقاد له ويغرق فيه. حسمت أمرها، ورسمت قلبها على صفحة الماء فاهتزّ الماء وتبعثر وتلاطمت الأمواج. وحمل الماء كلّ ما في القلب وأغرقه. وعاد الموج من أعماق لجّته يصرخ على جسد الرمل بثورته ويحفر الذّاكرة.
وألقى الموج بعد ذلك رسما سقط على الحبات الناعمة، وحفر الصورة نفسها الّتي رسمتها على الماء. ثمّ تقدّم الموج يستلّ الصّورة من الرّمل حتّى أذابها وهي ذاهلة. تنظر إلى الماء تارة، وإلى الرمل تارة أخرى فتجد كلا الصفحتين صافيتين لا تحملان أثرا لخدش فيهما. رغم ذلك استقرّ رأيها أنّ صفحة الماء أفضل لتطهّر سماء قلبها من غيوم تعكّر صفوها.
كم يوجد حولها من الجمال تغمض عنه أحيانا عينيها ثمّ ها هي تراه جليّا ساحرا في لحظة تأمّل تصفو فيها النّفس لتدرك المدى الأسمى لكلّ الوجود. فقط عليها أن تغمض عينيها وتطهّر نفسها من أدران الحياة تكتبها حكاية على صفحة الموج الثّائر أو رمل الحكاية.
◄ وهيبة قويّة
▼ موضوعاتي
المفاتيح
- ◄ قصة قصيرة
- ● وماذا بعد؟
- ● النظّارة
- ● خرابيشُ خطّ
- ● بقرة حسين
- ● تاريخ
3 مشاركة منتدى
نقوش على صفحة الشّاطئ, أمل النعيمي | 25 حزيران (يونيو) 2011 - 06:14 1
الأخت والصديقة القويّة النص والكلمات : صدقا لامست كلماتك مكانا عصيّا بأعماقي , أسمح لنفسي بسؤالها وسؤالك؟؟ لماذا نحن النساء باختلاف أعمارنا وثقافتنا وميولنا في الحياة يقتحمنا قلب ما بسهولة ويسر فيترك أثرا أزليّا قد يرسم ولا يمحى أو يمحى من قبل أن يرسم .. أو..أو... واكتبي من الاحتمالات وأضيفي لو رغبت ماشئت..
لو تفضّلت بقراءة نصّي المكتوب في نفس العدد لوجدت ذات المعان تقريبا صيغت بقالب مختلف فهل هي صدفة, توارد خواطر أم هو أرث حوّاء الأبدي؟؟
من المؤكّد ان هذا ليس نقدا ولا تلميحا لشيء انّه فقط شيء أحسسته حين قرأت كلماتك وأنا لاأحسن الصمت حين أحس بأنثى تعاني ولو مجرّد كلمات وحبر جفّ من أمد وربّما مازال معناه نديّا؟
مع محبّتي وأمنياتي بالتوفيق في كل مناحي الحياة.
واقبلي احترامي ورغبتي في دعوة مفتوحة للأخوّة والصداقة.
نقوش على صفحة الشّاطئ, إبراهيم يوسف | 30 حزيران (يونيو) 2011 - 04:31 2
هَذِهِ الرَّبوَةُ كانتْ مَلْعَباً
لِشَبابَيْنا وكانتْ مَرْتَعا
كَمْ بَنَيْنا مِنْ حَصَاها أرْبعاً
وانْثنَيْنا فَمَحَونا الأرْبعا
وَخَطَطْنا في نَقا الرَّمْلِ فَلَمْ
تَحْفَظِ الرِّيْحُ ولا الرَّمْلُ وَعَى
لكِ منِّي كلَّ المحبةِ والمودةِ والتقدير
نقوش على صفحة الشّاطئ, ظلال العقلة | 4 تموز (يوليو) 2011 - 09:13 3
نعم.. كم يوجد حولنا من الجمال.. نمر عنه ساهين لا هين مثقلين بهم وغم...
وكم تحتاج أرواحنا للحظات صفو كتلك التي عشتها عزيزتي..
لفت انتباهنا لمكامن جمال في رمل نظنه احيانا مجرد شاطئ يعاند موج البحر
لك تحية وتقدير