عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

هدى الكناني - العراق

قطرات دؤوبة


قلت: سأُكرم حبنا وستُخّلدني بكلمات حروفها ألقٍ وعشق، فصدقتك.

كتبتُك كلمات حروفها وريقات الزهور وتويجاتها. لفعتها بغلالات عطري. أودعت فيها أغلى أمنية. كحلّتها بقطرات الندى ووَسمُتها برحيق شوق مختوم.

وكتبتني بأحرف استعرتها من شوقٍ سابق، توق لاحق وحروف زائدة لعشرات النساء.

جئتني مرة حاملا سلّة كلمات منمّقة، كسلال الورود والفاكهة، يفوح شذاها في كل الاتجاهات فاشتريتها بغباوة، ونسَجت منها رداء ارتديته صدقا، خلته سيلتصق بالروح و يعبّق مسامي لآخر العمر. زهوت به كأميرة هاربة من بين سطورِ حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة. تبخترت برداء كلماتك، ومشيت على أطراف أصابعي كراقصةِ باليه ترقص على أنغام موتزارت. لو سرت على صفحة ماء بحيرة ما عكّرت صفوها ولو برقيق المويجات. فإذا بثانية ترتدي رداء كلماتك وأُخرى وأخرى؛ بل كُن عشرات، فخلعته وغسلت جسدي بشلال دموعٍ ونشّفته بحرارة الآهات.

جئتني ثانية حاملا حزمة من ضياء النجوم، فاغتسلت بها ونثرت ما بقي منها على جدائلِ شعري، فثارت ألقا، رقصت طربا، شعّت ضياء؛ فاشتعلت اللحظات، وضجّت الأحاسيس وتسابقت أجمل الكلمات.

لمحتَك من بعيد محملاً، وكتفك تميلُ بحملها. تساءلت: أتراه قِدراً من معسولِ الكلمات، تطفو السعادة على وجهه وتتربّص في قعره المرارات؟

كنت متسلّحا بنظراتِ طفل مدلّل يندم كذباً بدموع زائفات، ما بلُلت رمشاً و لا منديلاً، ليُغفر له ما اقترفت يداه من شقاوات.

ناشدت قلبي: إياك إياك أن تُخدع مرة أخرى بعسلٍ مغمسٍ بنقيع سُم ومرارة حكايات، برجلٍ كممثلٍ مسرحي يضع ويخلّع عشرات الأقنعة في لحظات.

ما بالك؟ هل قطِعَت أوتار أحاسيسك كما ُتقطع شرايين الحملان في الأعياد؟ حتى الثياب إن غُسلَت تذرف دموعها حزناً على ما تغَلغّل في مسام نسيجها من ذكريات. و الطيور تبكي إناثها إن غادرتها وتتذكر لحظاتها الحانيةّ ودقائقها الحميمات. وأنت يا حاضرك مبهم،كليل أدهم، إن رحلت لا تعود، بلا ظل؛ بلا وطن؛ بلا غدٍ آت.

قلت: اشتقت إليك، فخِلتُك ستسابق المذنبات وتأتي وبقلبك الدافئ ستُسِكنُني، ولكنك كذبت. وعدتني بفرحة، فانتظرت وضحكتي طويلا، وأفل أملي كنجمةٍ غادرها القمر.

ما بال قلبي ما برِح يُحبك، لا يُخزن الألم و لا يتذكر الجفاء. كم وعدتني بفرحة فانتظرت ودمعتي طويلا، ورحلت ووصَمت القلب بالوجع مرة وأخرى بل لعشرات المرات.

قلت لكَ لم اعد احبك وسأنساك، فلم أقوَ على ذلك وكذبت. قلت لن ابكي رحيلك، وفي حزني غرقت. لمَ تهجر وتريد أن أنسى؟ كيف يُنسى الحب الكبير أو الوجع الكبير؟

أتدري بِمَ أُدين لك؟ أدين لك بوجعٍ، لم يكسرني بل جعلني شامخة كنخيل بلادي، دؤوبة كقطرات ماء منسية على سفح جبل، ألانت صخراً أصماً وانبّتت في قلبه الصخري نبتة أمل.

D 24 آب (أغسطس) 2013     A هدى الكناني     C 18 تعليقات

13 مشاركة منتدى

  • وقع اناملك على الوتر الحساس انسني وفتح بوابة الامل شكرا لهذه الكتابات الحلوة


  • أعلنيها ثورة من صمت , صمت عن الكلام, صمت عن الاحساس , صمت عن التفكير...فالصمت ليس ضعفا...الصمت فوق مستوى الكلام
    جميل ما كتبته لكني انتظرت نهاية بعمق الجرح و قوة الألم


    • العزيزة الهام
      اشكر لك كلماتك ويكفيني فخرا وسعادة ان كلماتي تترك هذا الاثر في القلوب .
      سيدتي إن صَمَتنا عن الكلام فكيف لنا ان نُصمت احاسيسنا وقد زرع الله في اقفاص صدورنا متمردا لا يتبع الا مايمليه عليه الاحساس .
      واود من خلالك ان اسجل تقديري للدكتور عدلي الهواري الذي ارتأى هذا العنوان، الذي كان رقيقا في المعنى ، مدويّافي الاحساس .
      وهل بالامكان لاحد ان يتصور ان قطرات ضعيفة منسية تنحت في الصخر وتلينه ، الا تعتبريها ثورة صامتة .
      ودمت لي
      هدى الكناني

  • هدى الكناني

    أحببت الكلمات الملونة التي تقولين، ومنها استخدامك للجمع المؤنث السالم، يُطربُ الأذن ويضفي على النص حَيِّزاً من بريق ملحوظ.

    نحن العرب ولو كنا في حالة سقوط مخيف..؟ إلاّ أننا ما زلنا نطرب لعاصي الحلاني، ونصفق لفيفي عبدو. ما لنا ولموتسارت "والباليرين". لو بذلت عناية في مستوى التعقيب على وهبت عمري للأمل.. لنال ما كتبته نجاحاً أكبر.

    ولكن سيأتي اليوم الذي نقرأ لك فيه الأجمل
    وتتحول القطرات إلى شتاءٍ أغزر.

    شكرا لك يا سيدتي.. أتمنى لك التوفيق.


    • ابراهيم يوسف
      سيد الاحساس الذي خطت انامله ( يوم التقاها على الغدير)
      لا ادري لم اصبحت ثائرا على رقة المشاعر ؟ وانت الذي ابدعت عملا ادبيا فنيا متكاملا ،حلّق بمشاعرنا وحط بها على غيمة وردية تقودهااسراب فراشات اثيرية.
      قلت لك بعد تعليقك على إحدى مشاركاتي : انك ياسيدي تتسلل الى اعماق الكلمات لتتحرى عنها، وفي وهبت عمري للامل لكثرة تجولك بين كلماتك الموجوعة بالحقيقة، انعكس المها في ردك على كتاباتنا. حين نحب او نتالم لانستمع الى الحلاني الذي يثير الهمةالوطنية و يقينا لن اصفق لفيفي عبده ، بل استمع ،للصوت الملائكي فيروز وموسيقى تسمو بالاحاسيس.
      ياسيدي ما انا إلا مبتدئة وانت ياسيدي لك باع طويل في الادب وحنكة.أنا تلميذة في مدرسة الحياة دؤوبة كقطيرات كلماتي ، لا أود سوى ان ادع احاسيسي تتنفس .
      انا التي ضيعت عمري في الامل ، ولم اكن انوي مصادرة رايك.
      مع التقدير.
      هدى الكناني

  • ليس لدي ما اقوله ..سوى انك تتميزين باسلوب لم ارى مثله سوى لدى الاديبات المحترفات ..اعجبتني كم التشبيهات رغم كثرتها لم تصيبني بالملل بل على العكس اثار كل منها اندهاشي واعجابي على حده .. حتى اني قرات نصك الرائع مرتين ..واستعرت مقطع منه على الفيس بوك واشرت لاسمك حفاظا لحقوقك الادبية ..سعيد بنصك ..وبالتوفيق لك دائما


    • مهند فودة من مصر
      سيدي ؛ اعتز بكل كلمة سطّرتها لي في إبداء اعجابك بكلماتي المتواضعة الدؤوبة ، لتشق لها طريقا في الصخر وسط هذا الكم الكبير من الادباء والاديبات . واطربني انك نشرت لي مقطعا على الفيس بوك .
      اشكرك وانا معجبة بكل ماتكتبه ، فإن لك اسلوباً، مميزا، عفويا وبريئاً يطل عليّ كلما قرأت لك ، وكأنه محمولا على جناح تلك الابتسامةالمنشورة امام مشاركتك التي تنير حروف كلماتك.
      اسعد الله ايامك
      هدى الكناني

  • سيدي ؛ اعتز بكل كلمة سطّرتها لي في إبداء اعجابك بكلماتي المتواضعة الدؤوبة ، لتشق لها طريقا في الصخر وسط هذا الكم الكبير من الادباء والاديبات . واطربني انك نشرت لي مقطعا على الفيس بوك .
    اشكرك وانا معجبة بكل ماتكتبه ، فإن لك اسلوباً، مميزا، عفويا وبريئاً يطل عليّ كلما قرأت لك ، وكأنه محمولا على جناح تلك الابتسامةالمنشورة امام مشاركتك التي تنير حروف كلماتك.
    اسعد الله ايامك
    هدى الكناني


  • لا فيس بوك عندي يا سيدتي.. لعله التباس في الأسماء
    ابراهيم يوسف


  • هدى:الحقيقة أن كتابتك أعجبتني فوق ما تتصورين.


  • قراتها مرارا فاعجبتني اكثر في كل مرة ... قلم كبير لكاتبة اكبر وحروف طعمها بطعم الكلمات الجميلة وبوح رائع
    للمشاعر بروعة كاتبتها الرائعة


  • استاذي ومعلمي الدكتور عبد الكريم :
    لقد صنعت من كلماتك تاجاً وضعته على راسي ، وانها لشهادة أخرى منك
    تضاف الى شهادتي الاكاديمية .
    كنت لنا دوما عيناً وقلباً واستاذاً رائعاً ، لطالما أسَرَنا بطريقة تدريسه وبفضله وحنانه لطلابه .
    صدق من قال " من علمني حرفاً ملكني عبداً" أدين لك بكل نجاح ٍحققته وساُحقّقه بإذن الله ، فأنت من علّمنا النجاح .
    دام مرورك دكتور
    تلميذتك هدى


  • مابال هذا القلب كيف يحتمل كل هذه الطعنات الواحدة تلو الاخرى ألا يثور ألايثأر لكرامته ممن احب ، ألا يعلم هذا القلب الذي احب بصدق وأخلص لمن يُحب بأن الصدق والاخلاص لا يترافقان مع الكذب والخيانة ، لقد كذب من يقول ان الكرامة تهون بين المحبين ، فالحب يصون كرامة المحبين قد آن الأوان لهذا القلب ان ينتفض ضد مَن° احب ويلملم جراحه ......
    ياهدى عندما اقرأ كلماتك أعرف انها تخرج من قلبك ولهذا تدخل قلبي واعيش معها في جو من الرومانسية ، اشكرك واتمنى يانجمتي الغالية ان تزدادي تألقاً وبريقاً يوماً بعد يوم......


  • أحلام مهدي
    عزيزتي : افتقدت كلماتك ورهافة الاحساس التي ألمسها فيما يخطه قلمك .
    عزيزتي لكُم نكتب وبكم تستمر اقلامنا ترسم احاسيسنا على الشغاف ونطبعها بحبر القلب وننشرها مع كل نفس يخرج من رئتينا ، ليُعَبِّق بها الاثير من حولنا.
    ما دامت مشاعرنا واحاسيسنا تعيش وتتنفس فالامل بالقادم يكبر .
    دمتِ لي صديقة وقارئة ومتذوقة لقلمي .
    هدى الكناني


  • هدى الكناني
    أجل المرأة الشامخة كنخيل بلادي (كقطرات ماء منسية على سفح جبل، ألانت صخراً أصماً وانبّتت في قلبه الصخري نبتة أمل) ومن غيرها يقدر على ذلك؟!

    شكرا على هذه الكلمات

    تحيتي ومحبتي


  • أشواق مليباري من السعودية
    اشكر لك كلماتك التي عَبرّت ودَلَّت على اعمق المعاني.
    نعم ياسيدتي، ومن غير المراة العربية ، تلك النخلة الباسقة التي تُرمى بحجر فتمطر على راجميها بالتمر والأفياء والثمر
    انها عطاء ، تضحية , وتسامح ٌقد تجَسَدَّت في إمراة.
    دام مرورك سيدتي
    هدى الكناني


في العدد نفسه

كلمة العدد 87: عن سمات الجنرالات

الزمن في سرد سهيل إدريس

أبو نواس والتغزل بالمذكر

بلاغتنا الجميلة: من ينقذها؟

النار في حدث أبو هريرة...