من تكون؟
في عزلة ضيقة اختارها لها سيّدها لتكون كل عالمها، كانت تقضي أيامها تحتبس دموعها حائرة، تدور في رأسها الصغير أسئلة لا تحصى، أسئلة لا تجد لها أجوبة، لما سجنوها داخل هذا المكان القميء بينما الجميع يتنقلون بحرية؟ لماذا تعيش في هذا القفص الموصد بابه بإحكام.
لا ترى العالم الا من خلال القضبان. لا تملك إلا جناحين صغيرين لا تعرف الغاية منهما، وقدمين صغيرتين بالكاد تستطيع تحريكهما، وصوت رقيق يحلو ويعذب كلما تعمق شعورها بالألم والوحدة.
لا أحد يفهم أنينها، ولو فهموه ما استبقوها سجينة (…)
الغلاف > المفاتيح > نصوص > قصة قصيرة
قصة قصيرة
المقالات
-
من تكون؟ + صغيرتي والقمر
1 كانون الأول (ديسمبر) 2016, ::::: فنار عبد الغني -
وحدك من يعرف
1 آذار (مارس) 2017, ::::: طه بونيني. اسمي: جابر.
العنوان: غزّة.
الوضع الاجتماعي: محاصر.
انطلقت بنا سيّارة الأجرة من حيّ الشُّجاعية شرقَ غزّة، وراحت تبذل أقصاها لتصل إلى بيت حانون في أقرب وقت ممكن. أخذَ السائق المخضرم يغذّي دوّاسة الوقود بشكل يؤهله لإحراز وقت قياسي جديد. لعب الزمانُ والتَّكرار فيه دورا، ليبدو على هذه الهيئة. جذعُه ملتصقٌ بالمقود، وبدنه يُكابد البرد والمسافات كلّ يوم.
لقد اخترق السّائقُ الضّبابَ صباحا بنفس السرعة التي شقّ بها الريح الباردة وبِرك الماء، على طول المسافة التي قطعناها. حتّى السيّارة (…) -
أيام القصر الأخيرة
1 أيلول (سبتمبر) 2018, ::::: فراس ميهوبيتربّع المصيف الجميل، مقصد الأثرياء، على قمّة جبل عال، يبعد أكثر من مئة كيلومتر عن العاصمة، الهدوء حذر ملفت، أمانه استثنائيّ، ومُعدّل الجريمة فيه يقارب الصّفر.
قاد سيارته الصّغيرة، عبر الجسر الضّيّق فوق النّهر متلاطم المياه، صعد الدُّروب شديدة الالتواء، ومع تبدُّد السّحاب بخيوط الصّباح، رأى شاخصة معدنيّة صدئة، قرأ بصعوبة عليها: بلدة القصر.
انتقل النّقيب رافع إلى مخفر القصر، بعد سنوات من الخدمة المضنية في العاصمة.
سبقت سمعة ضابط التّحقيق قدومه إلى القصر، رغم صغر سنّه، وهو لم يبلغ (…) -
تحبين أنصاف الأمور
25 أيلول (سبتمبر) 2014, ::::: مرام أمان اللهقال لي ذات يوم: "تحبين أنصاف الأمور". ربما كان محقاً، فأنا أكره النهايات. لكنّه حتماً مخطئ أيضاً؛ فأنا أعشق الحدود.
ربما انصياعي الضمني لفكرةِ حتميةِ النهايات كان مبالغاً فيه، أو ربما انتابني شعورٌ تراكميّ بالخذلان من ممارسات الزمن التي تعبثُ -بكلّ فضولٍ- في ترتيب الفصول في أعمارنا. لكنّه قالها مرتعداً وكأنّ هاجسَ الخوفِ من الرحيل قد استوطنَ لحظتها كلَّ مواضع الأمان في نفسه.
وما بين الحدود والنهايات، سكنتْ الذكرياتُ المتأرجحةُ نحو الحياة حيناً، ونحو الرحيلِ الباردِ أحياناً.
لم أسكنْ (…) -
موعد على العشاء
1 نيسان (أبريل) 2009, ::::: ربا الناصردخلت غرفتي والوجوم يلبس وجهي ويأسر ملامحه، مرت لحظات الغضب هناك بسرعة وأخذت وتيرة الثورة تتصعد رغم إخمادها الطويل في قاع نفسي، فلم أعد أستطيع البقاء كتمثال عاجي كما يريدني هو أن أكون عليه، يريدني شيئا طيعا لأوامره، ينفذها كما هي فلم يعجب زوجي أن ينطق التمثال الذي بناه طيلة سنين زواجنا ويتفوه بكلمات قاسية ومجردة من المنطق.
وقفت أمام النافذة، انظر من زجاجها، كان الشارع مبتلا إثر سقوط الأمطار والهدوء يستولي على المكان في معظم الوقت، كان صوت تشرب الأرض للماء واضحا كأن ثمة علاقة تربط الاثنين مع (…) -
مطر الكلام
1 نيسان (أبريل) 2008, ::::: محمد ياسين رحمةالبارودة الصدئة تطلق ملحا والرصاصة تلهث تائهة في خيط دخان يمتد من فضاء مكاني إلى حيث يشيع عطرك. دم ينزّ من جرح على حائط أسنده منذ عمر، والساعة الرملية أعلنت عواصفها والتهمت عقارب كل الساعات التي تتكتك.
نهار أملس آخر يتزلج على ربوة العزلة، والغيم يسوق الغيم إلى أمكنة ليس فيها نبض ولا ظمأ.
البرق الخاطف يصر على طعن خاصرة الراعي. البيارة استسلمت للجدب واليباس وتحن في شحوب إلى العشب الندي، وثدي العنزة السوداء يتدلى في ذبول ولم يعد يدر حليبا أبيض يزرع في الجدي المسكين شهوة القفز والحياة.
أنا (…) -
زيتون ورضى
1 آذار (مارس) 2007, ::::: سالم ياسينبعد نوبة من الصراخ المحتجز قهرا منذ ساعات صباح العمل الأولى، جلس ليقرأ الجريدة. ثمة رطوبة على صفحاتها إثر إسقاط كوب الماء عليها من نوارة قلبه، ابنه بلال ذي الربيعين. تلمس صفحات الجريدة وغاص في تيار ذكريات بتأليب من الملمس والرائحة، بعيدا في الزمن عشرات السنين، وبعيدا في المكان آلاف الأميال، قبل أن يستقر في ملاذ خريف عمره، كندا.
كان في الثالثة عشر من العمر حين هرب من بيت أهله. يستعرض شاطئ البحر بحثا عن جريدة ليغطي وجهه من ندى الفجر ورذاذ الملوحة. بضع ساعات ويستطيع الذهاب إلى العمل في (…) -
مجادلة
1 تشرين الأول (أكتوبر) 2008, ::::: إيمان الشافعيالنوم هبة إلهية. لولاها لاجتاح العالم الجنون. كل ما في الكون ينام ويصحو وينام، إلا آثامنا وذكرياتنا التي لن تهدأ أبدا.
ولكنني أخشى النوم. أهاب مجرد التفكير فيه، فكلما غططت في نمو عميق استفقت مفزوعا مفتوح العينين على ذات الحلم المفجع، فقررت ألا أنام إلا غفوات قصيرات متقطعات، فلم تفلح حيلتي، وهاجمني ذات الكابوس بين يقظتي وثباتي، بشكل متقطع.
لا فرار من هذه اللعنة التي أصابتني. أكاد أفقد عقلي. كلما تحاورت معه في أحلامي، وأمليت عليه تساؤلاتي، جاءني بإجابات مخزية، وذكرني بأشياء ربما اقترفت (…) -
ما زال وجهها عالقا هنا
1 حزيران (يونيو) 2018, ::::: نازك ضمرةبعد ظهر ذلك اليوم كانت الشمس تتجلى في سماواتها، تمشي الهوينا بطيئة، لكن غيمة داكنة غطت على أطرافها، فظلت شمسنا تسير بلا مبالاة بما يعيق تقدمها، شبورة تواجه قرصها، فتفرد السماء لها بالبياض، فنحس بغموض يوحش النفس، وسيخفف من إشعاعها، تعجز العين عن النظر لها، ولكم تمنيت أن تظل السماء صافية.
قبلها بساعتين عرف أنه خسر وظيفته بسبب لا يعرف عنه، كان مخلصا في عمله ويتقنه، ومحبوبا من زملائه، لم ينس أيام الفقر في طفولته، فظل طوال السنوات العشر الماضيات يقتصد ويوفر أثناء عمله.
يدخل الوزير الشاب (…) -
ما بين دمعة وابتسامة
25 أيار (مايو) 2013, ::::: جبر نشوانلم يكن له من الأمر شيء، ولكنها باتت له كل شيء، فما بين مسيّرٍ ومخيّر يأتي دور القدر.
رآها جالسة على ذلك المقعد الرمادي الكئيب في أحد أطراف الجامعة، بعيدا عن زحمة الطلاب. هو ذلك المقعد الرمادي المعروف، ليس بلونه ولكن بمكانه وجلسائه، ففيه من الكآبة ما ينفّر الناس منه حدّ تشبيه من يجلس عليه بأنه كمن يجلس على قبر.
كانت فتاة بريئة الملامح نحيلة الجسد واسعة العينين، تلبس السواد فيبدو وجهها كالبدر في حلكة الظلام.
وكان اندهاشه الأكبر فيها دمعة تطرق أبواب عيونها، ليتردد صدى سحرها في نسمات ذلك (…)