عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

إيمان يونس - مصر

وحيدة + صفعة الحياة


إيمان يونسوحيدة

(1)

عن بعد أغلقت سيارتها بالمفتاح الإلكتروني وأجراس الإنذار تدوي بإذنيها مع كل خطوة تبتعد بها عن السيارة وتقترب من مواجهته.

(2)

استفزها حد البكاء، لمحت علامات النصر منصوبة على وجهه مع ترقرق الدموع في عينيها، أدارت وجهها عنه وتمتمت: لقد اجتمعت أنت والزكام علي في يوم واحد. أخرجت مناديل ورقية توقف بها رشح أنفها قبل دموعها ثم ألقت بها في صندوق القمامة، أقفلت فمها، وأمسكت لسانها محاولة بلع الإهانة التي تمضغها بأسنانها، وتركته مذهولَا مهزوما أمام صلابتها.

(3)

عادت إلى بيتها. أحكمت إغلاق مزلاج الباب، تحولت روحها إلى حقيبة مفتوحة يفتشها جنود الوحدة والتراب، وَمضت شاشة هاتفها الخلوي باسمه، صورته ورنته المميزة، أغلقته ولكن الخلايا المتألمة داخلها انهالت عليها بسؤال يطن في رأسها: "لماذا لم يعد يحبني؟"


صفعة الحياة

(1)

عاد نجلي من المدرسة وعيناه متورمتان من شدة البكاء، والحزن مرسوم على قسمات وجهه، وجلي بنبرات صوته.

"ماذا بك يا فلذة كبدي؟"

أجاب من بين دموعه: "لقد صفعتني المعلمة على وجهي دون أن أرتكب ذنبا".

استشطت غضبا وأحسست أن الصفعة وُجهت لي، بت قلقا حتى بزغ أول شعاع للصباح. اصطحبت نجلي إلى مكتب مديرة المدرسة أشكو لها ما بدر من معلمة الصف وما لحق به من أذى بدنيا ونفسيا.

أبدت المديرة تعاطفا معنا ولكن أرجأت حكمها النهائي حتى نستمع للطرف الآخر.

طرقت الباب ثم فتحته وتقدمت نحو المديرة بخطوات واثقة. وما أن رأت نجلي حتى تعرفت على سبب وجودها ووجودنا في حضرة المديرة وبادرت موجهة حديثها لي :

"ماذا تفعل لو كنت تمشي بسلام بالممرات الفاصلة بين طاولات التلاميذ والتلميذات وتجد ساقا ممتدة عن آخرها لتعرقلك كي تسقط ويضحك عليك تلاميذك وتلميذاتك؟ هذا ما فعله نجلك. وما ناله من عقاب لا يرضيني. عليه أن يقدم لي اعتذارا لائقا عند عودته للفصل. المدرسة تربية و تعليم".

واستأذنت للانصراف للحاق بحصتها الأولى دون أن تسمع ردا مني أو من مديرة المدرسة. ثقتها بنفسها ألجمتني وطلتها المريحة أيقظت داخلي أشياء ظننت إنها دُفنت يوم ماتت والدة ولدي. لُمت نجلي على فعلته وطلبت منه أن يتبعها إلى الفصل ويعتذر لها لأنه أخطأ خطأَ جسيما. وقبل أن أغادر المديرة مُعتذرا ألححت عليها في أن توافيني برقم هاتف أو جوال المعلمة.

وانتظرت حتى حل المساء بشغف، وبيني وبين نفسي أحضر الكثير من الكلمات. وما أن سمعت صوتها حتى تاهت كلها مني. ولكني حددت الهدف من مكالمتي: أن أزورها في بيت أهلها لتشاركني رحلة الحياة وتربية نجلي الذي أختطف الموت أمه منا وهو رضيع. وافقت وكانت بداية حياة جديدة لثلاثتنا.

(2)

هدأت النار المضطرمة بقلبها بعد أن أبلغتها الشرطة أنهم ألقوا القبض على قاتل ابنها واعترف بجريمته وسيقدم للمحاكمة في القريب العاجل.

باتت منتظرة ليوم القصاص على أحر من الجمر. ولثبوت الجريمة مع سبق الإصرار والترصد، جاء الحكم بالإعدام شنقا، وطلبت الأم المكلومة أن يتم تنفيذ الحكم في ميدان عام ليكون عبرة لأمثاله.

كان لها ما أرادت وبُلغت بموعد ومكان تنفيذ الحكم، ذهبت ونارها مستعرة ورأته عن بعد وجهه مغطى بكيس أسود وعيناه معصوبتان، وكان مقيدا بالسلاسل والأصفاد. أجلسوه على مقعد الإعدام ووضعوا الحبال حول عنقه.

علا صوتها عبر مكبر الصوت القريب منها: "لا سامحك الله".

عندئذ أجهشت أم القاتل بالبكاء، تقدمت أم القتيل الصفوف ودنت من القاتل وصفعته صفعة قوية على وجهه.

أغشي على أمه على أثرها، وانهارت على الأرض فاقدة الحركة. تأثرت الأم برؤيتها ولأنها مكلومة بفراق ولدها أحست بلوعتها. صفحت عنه من أجل أمه المسكينة.

D 25 نيسان (أبريل) 2014     A إيمان يونس     C 12 تعليقات

5 مشاركة منتدى

  • أ/إيمان يونس تحية طيبة المواقف التي عرضتهابقلمك الرشيق فيها عفوية وتلقائية لولا النص الأخير فيه بعض الافتعال أعتقد أن في مثل هذا الموقف لا يسمحون لأحد من الاقتراب من المحكوم ,كذلك لايمكن العفو عنه بهذه البساطة بعد ثبوت التهمة بلا إجراء قانوني .بورك جهدك دوما ودمت بخير.


    • د/ هدى ...شرفت بمروك الكريم الذى أسعدنى وبخصوص النص الأخير وجهة نظرك لها كل التقدير والاحترام ولكن من البداية وحتى النهاية أم القتيل هى المحور ومفاجآة الصفعة كانت مباغتة للكل أما موصوع الصفح عن القاتل أتفق مع حضرتك أنه يلزمه أجراءات قانونية طويلة والإعفاء يكون من عقوبة الإعدام فقط عند قبول الدية أو الفدية كما هو معمول به في الكثير من الدول التى تستند لقوانينها على الشريعة الإسلامية فالنجاة من الموت أما السجن يحكم به عليه طالت أو قصرت المدة ولأن اللقطة مكثفة ركزت على الصفعة فقط وما سبقها من أجراءات لكن هى بالفعل صفعة الحياة لا الحرية بالنسبة له ..أكرر شكرى وتقديرى

    • (1) وحيدة: هل تعلمين لماذا تركها وحيدة ؟ لأنها أحبته اكثر مما تحب نفسها. (2) صفعة الحياة: أستاذتنا، هذه قصة الجرائد عادت وزادت فيها حتى مللتها. هذه القضية في ايران. القاتل والقتيل كان عمرهما 17 عاما حين تشاجرا، و تم طعن القتيل بسكين. وبعد سبع سنوات من السجن تم الحكم على القاتل بالإعدام، وتقرر تنفيذ الحكم مام الناس. إلا أن صراخ القاتل وامه اثأر والدة القتيل فصفعته ثم عفت عنه إكراما لوالدته. وخذي بعدها لقاءات مصورة و قصة لا تنتهي.

    • أ/ هدى .. بخصوص "وحيدة" تفسيرك منطقيًا وفقًا للسياق الذى فرضه السرد ..أما بخصوص "صفعة الحياة 2" لقد قرأت عنها مثلك وربما تأثرت بها وأختزنتها بعقلى الباطن وخرجت منى على الورق عقب أن كتبت "صفعة الحياة 1" وهذا طبيعى أن نتأثر ونؤثر بكل ما حولنا من أحداث ، مشاهدات وقراءات ..دُمتِ ودامت طلتك الغالية وثراء حروفك ..تحياتى وتقديرى

  • المغفرة هي الطريق إلى الخلاص. أحسنت التقاط المشهد وجاء التعبير سليما معافى. كان يحتاج إلى بعض العناية والتنميق.


  • أجل.. هو النص الأخير يا سيدتي

    أرجو أني أصبتُ في التعليق


  • استاذة إيمان .. ابدعت في النص الاول .. بأجزائه الثلاث .. عجبني قوة المرأة وصلابتها رغم خيانة دموعها لها وخاصة قولها "اجتمعت انت والزكام علي".. راق لي تعبير روحها حقيبة مفتوحة للوحدة والتراب..النص الخاص بالمدرسة حدث لي بعد اللغط بعد قراءة النص الاول .. تخيلت ان الولد اشتكى لوالدته وليس للاب .. وصيغة المخاطب المذكر مع المدرسة تصلح للام ايضا حتى وصلت "دفنت والدة ولدي" ..فاعدت قراءتها من جديد .. كان يمكنك ان تضيفي مع حديث الابن مع ابيه .."صفعتني المدرسة على وجهي بقوة ياابي"..نهاية ارتباطه وموافقة المدرسة على الزواج منه جاءت سريعة تمنيت ان تكون اطول قليلا "خاصة انه والد طالب مشاغب"..النص الاخير لا يمنع ان نقتبس من قصص حية..طالما نتفاعل بها مثلما قلت..ولكن لم اقتنع بالنهاية لان قوانين الاعدام صارمة..ربما كان من الممكن الاشارة ان الام صفحت عنه بداخلها قد يخفف ذنوبه ولكن لن يفيد في وقف الحكم..شكرا


    • أ/ مهند ..سعيدة بمرورك الرائع وتوقفك عند كل نص بإهتمامٍ وتعمق أضاء حروفى وأقل بظلاله على بعض النقاط التى رأيتها سلبية ، بخصوص صفعة الحياة "1" هى لقطة سريعة موجزة ومع النهاية أتضح أن الحديث موجه للأب ورغم أن الطفل مشاغب إلا أن المدرسة عافبته بشدة وهذا قد يحدث من الأم من فرط حبها لطفلها رد فعلها قد يكون عنيفًا خوفًا ورفضًا مما بدر من الطفل وقد ختمت القصة بكلمات واضحة تشير إلى النهاية والتفاصيل لتركتها لخيال القارىء، أما بخصوص صفعة الحياة "2" الأفكار على قارعة الطريق في إنتظار من يلتقطها بقلمه،فرشاته أو عدسته وصفعة الأم للقتيل وصفحها عنه نجاه فقط من الموت شنقًا ولكن مازال مقيدًا بإتمام عقوبته في السجن وهذا معمول به في الكثير من الدول التى تطبق الشريعة الإسلامية أو قوانينها مستمدة منها بقبول أهل القاتل الدية من القتيل ولأنه قتل مع سبق الإصرار والترصد فعليه عقوبة السجن ..أشكرك من أعماق قلبى .

  • ايمان يونس من مصر
    سيدتي
    اعجبني النص الاول كثيرا ، ربما لانه قريب لما اكتبه، أما النص الاخير اثار تساؤلات كثيرة ، لكن هذا الحوار الرائع لاسرة عود الند
    من اساتذة واستاذات اوضح لي ما كان غامضا .
    بالتوفيق في كل ما تكتبيه عزيزتي
    هدى الكناني


    • أ/ هدى ..أسعدنى مرورك وإطرائك الطيب والنص الأخير رغم ما حوله من إختلاف فهو يحسب له لا عليه هكذا علمتنى تجربتى في الكتابة وكل رأى مع أو ضد محل تقديرى وإهتمامى هذا هو الفن يختلف بإختلاف رؤية المتلقى بخلفيته الثقافية والأدبية وغيرها..دُمتِ ودامت طلتك العزيزة..تحياتى وتقديرى

في العدد نفسه

كلمة العدد 95: "عود الند" تتم سنتها الثامنة

عبد المجيد يوسف: السّيرة والمسيرة

الآخر في الرّواية الفلسطينيّة

القراءة ودورها في العملية التربوية

الصوائت في التراث العربي