الطيب عطاوي - الجزائر
إنها عودُ النَّد
ملف: عود الند تكمل عامها العاشر
"عود النَّد، حسب تجربتي المتواضعة، شمعةٌ أضاءت الطريق لمن يريد أن يلمع اسمه في جوِّ الكتابة بعدما كانت إلى وقتٍ قريبٍ مستحيلة، فالكتابة الالكترونية أسهمت كثيراً في تقزيم هذه الهوة التي كانت بين الكاتب ودُور النشر".
عشرُ سنواتٍ تمرُّ والأقلام تتدفَّق فوق صفحاتِ عود النَّد لتـتجمَّع الأحلامُ والحقائقُ جنباً إلى جنبٍ، فتسيل التجارب على أيدي أصحابها دون إقصاءٍ ولا تهميشٍ، فكلُّ من يودُّ الكتابة مُرحَّبٌ به شرط أن يحترم قانونها الداخلي.
لم تكن تجربتي مع عود النَّد طويلةً مقارنةً مع كتَّابٍ دَأَبُوا على الكتابة فيها، لكنني أحسستُ وأنا أكتبُ فيها أنَّ الزمن لا معنى له إذا احتضنتك مجلة كهذه. تأخذ بيدك لتنير لك درباً كنتَ تبحث عنه مدةً طويلةً لتبثَّ خوالج نفسك في قصَّةٍ قصيرةٍ، أو تكتب مقالا تعبِّر فيه عن مسألةٍ أثارت انتباهك، أو تَـنْقُدَ مقالا قرأته يوماً ما ولم تجد من يصغي لكلماتك في شأنه.
إنها مجلة فتحت الباب لمن يريد الكتابة وهو متعطِّش لأن يسمعه الآخر، أو يقرأ له شخص أو أشخاص في حين أوصدت مجلات كثيرة أبوابها، بطريقٍ مباشرٍ أو غير مباشر، في وجهِ من يودُّ التعبير بحرية الفكر والرأي، فليست الحقيقة مقصورة على أحد دون آخر.
هذه الحقيقة جسَّدتها عودُ النَّد ولم تقصِ أحداً، فكانت نبراساً لمن لم يجد إلى الكتابة سبيلا في مجلات وجرائد أخرى، وكانت رسالة هامَّة تنشر الوعي بطريقةٍ فنيةٍ وجماليةٍ، فنشرت للصغير والكبير، للمتمرِّس والبادئ، لغزير الكتابة والذي في طريق الكتابة، فأخذت بأيدي هؤلاء جميعهم، ولم تميِّز في اقتناء موادِّها بين طرف وآخر؛ اللهم إلا من باب التعديل والتوجيه، وذاك أمر لا بد منه كي يأتي العمل المكتوب ثماره ويتدارك نقائصه في ما سيُكتب لاحقاً.
تجربتي، كما قلتُ سابقاً، متواضعة، فأول مقالٍ لي كان بين ثنايا هذه المجلة الرائعة، فهي لم تردَّه أو تـتباطأ في نشره ما دام أنه يخضع للقانون الداخلي لها، إنها مجلة ابتعدت عن كلِّ ما هو غثّ وانكبَّت على خدمة الفن والثقافة والفكر لتضيف بصْمةً؛ بل بصْماتٍ إلى حقل العلم والمعرفة عموماً.
عودُ النَّد هذه التي رائحتها فاحت، فشمَّها كتَّابٌ بأنوفِ أقلامِهِم قبل رؤوسِها، لا زالت تبرهن في كل عددٍ من كل شهرٍ عن قدرة طاقمها في احتضان كل ما هو جميل ويستدعي النشر، فانكبَّت هذه الأقلام المرحَّبُ بها تترجم أفكار أصحابها، وتعبِّر عن مشاعرهم وتُنبِئ عن صِدق عواطفهم؛ إذْ في كل زاويةٍ من زوايا أعدادها تدغدغ أحاسيسنا قصَّةٌ أو قصَّتان، وتُدمع عينيك حقيقةٌ أو حقائق، وتُلهب تفكيرك مقالةٌ أو اثـنـتان، وعلى رأس كل عددٍ دأبَ رئيسُ تحريرها إهداءَ القرَّاء زنبقة كلماتٍ تفوح صدقاً عن نوايا حسنة يريدها طاقمها مرة أخرى لخدمة الكتابة والفن، ولا شيء غير الكتابة والفن.
عشرُ سنواتٍ ظلت هذه المجلة ترفرفُ عالياً في سماء لندن بأعلام العالم كلِّه؛ مشرقِهِ ومغربِهِ، معلنةً لكتَّابها على مختلف أطيافهم وتنوُّع مشاربهم أنها أمٌّ رؤوم تحتضن ثقافات أصحابها، وأبٌ حنون لكل من يريد إسالة حبره فوق صفحاتها؛ حبرٌ أسود رائحته تفوح فَيَحَان عود النَّد الذي اختارته تسمية لها، فهي بحقٍّ اسمٌ على مسمَّى، فنِعْمَ الاسمُ ونِعْمَ المسمَّى!
أجل؛ لقد فاح ربيعُ هذه المجلة واخضرَّت أوراقها، فتسارع الكتَّاب للكتابة فيها، وتسابقوا مثنى وثلاث ورُباع للتعبير عن تجاربهم التي يخوضونها بين الفينة والأخرى، فمنذ معرفتي بعود النَّد كنتُ أتابع مجموعةً من الكتَّاب والقصَّاصين الذين لم يغيبوا عن أيِّ عدد؛ وآخرين ما انفكوا يكتبون على صفحاتها من حين إلى حين، فأدركتُ أنَّ هذه المجلة لا تتعامل بالمحاباة والعاطفة مع الكاتب؛ بل معاملتها لا تخرج عن نطاق " الكتابة فن"؛ فأهلاً وسهلاً بالفن ما دام أنه يحترم الفن.
عود النَّد، حسب تجربتي المتواضعة، شمعةٌ أضاءت الطريق لمن يريد أن يلمع اسمه في جوِّ الكتابة بعدما كانت إلى وقتٍ قريبٍ مستحيلة، فالكتابة الالكترونية أسهمت كثيراً في تقزيم هذه الهوة التي كانت بين الكاتب ودُور النشر؛ إذْ لم يكن النشرُ آنذاك متاحاً لأيٍّ كان، إنها بالفعل طريقة يسَّرت الطريق على هؤلاء واقتصرته على مسيرتهم.
تطلُّ علينا هذه المجلة كل شهرٍ بلوحاتها التي تزيِّن واجهاتها، وتضمُّ بين طيَّاها مواضيعَ متعددةٍ في صنوفٍ شتى، وما دامت الأقلامُ الوفية تكتب فيها وتأبى أن تفارق جَنَبَاتِها فستُعمَّر هذه المجلة طويلاً تعمير عود شجرة النَّد، وكلما كتب فيها كاتبٌ أو قصَّ فيها قاصٌّ إلا أيقن أنَّ عمله ترعاه أياد أمينة.
إن مجلة عود النَّد جاءت لتضيف رقماً آخر في السَّاحةِ الثقافيةِ بطرحها لباقةٍ متنوعةٍ من الكتابات، فـتـتـيـح بذلك للقرَّاء مساحةً واسعةً للقراءة وإبداء الرأي والتعقيب لمن يريد أن يعقِّب، إنها في هذا الإطار تسعى لأن تجعل من المطالعة بصورة عامة نافذة تطلُّ بها عن ثقافاتِ العالم بأكمله من شتى البقاع، وتيسِّر من جهة أخرى على قرَّائها استكشاف رُؤى أصحاب تلك الثقافات وما تحمله من كمٍّ معرفي وكيْفٍ فنِّي.
إنها حقاً تسعى لأن تكون نبراساً يشعُّ في أفق السَّماء معلنةً أن زمن الكتابة تحتضنه مثل هذه المجلات.
◄ الطيب عطاوي
▼ موضوعاتي
1 مشاركة منتدى
إنها عودُ النَّد, عبد الحفيظ بن جلولي/الجزائر | 27 نيسان (أبريل) 2016 - 07:06 1
تحية طيبة أستاذ عطاوي..
نبارك معك ومع كل كتاب مجلة "عود الند" إكمالها عشر سنوات من حياتها ،،
إنها تمثل الموقع الذي يجلب كل عشاق الحرف والفكر النير والإبداع الجميل.
شكرا على الشهادة الجميلة في حق "عود الند".