الطيب عطاوي - الجزائر
العربية وفوضى الملصقات
كثير هي الإشهارات [الإعلانات] التي نشاهدها في حياتنا اليومية أمام شاشات التلفاز والملصقات أمام واجهات مختلف المحلات والمتاجر تسيل اللعاب وتسحر الألباب، لكن هل سألنا أنفسنا مرة عن فحواها ومعناها؟ ما مصدرها وما الذي تعنيه؟
لاشكَّ أن الكثير منا لم يطرح على نفسه مثل هذا السؤال، لأنه جرت العادة أن نقرأ دون تمعُّن، ولو دققنا النظر في كـُنهها لأُصابت الحيرة عقولنا وعقدت الدهشة ألسنتنا، ولخاطبْنا أنفسنا قائلين: لِمَ هذا التعالي على لغتنا وهذا المساس بجوهرها؟ ولِمَ هذا التصغير والحط ُّمن قيمتها؟ فاللغة كنز لا ينضب معينه ومنبع لا يرتوي شاربه.
إننا عندما نقف عند حقيقة هذه الإعلانات نرى العجب العُجاب، نرى كيف تـُقبَرُ العربية وتُحتضر أمام أهلها ويتسلل الوهن إلى أعضائها. فصاحب المحل يتفنن في إلصاق إعلانه دون مراعاة لحقيقة ما تحمله هذه الملصقات من معنى، وإذا أردت رُشده انقلب عليك انقلاباً شديداً، وظنَّ أنك تسخر منه؛ فولى بوجهه عنك كأنَّ في أذنيه وقرا.
عندما ننزل إلى الشارع ونجوب نواحيه نصطدم بعيوب وأخطاء في الرسم الإملائي والنحوي والأسلوبي. إننا نتلاعب بلغتنا ونأبى الاعتراف بها كمكوِّن أساس في بناء وجودنا وشخصيتنا، والأدهى والأمرُّ أنَّ هذا الدَّاء أخذ يغزو مدارسنا عندما نجد تلامذتنا على طاولاتهم يجترُّون هذه التعابير ويرسمونها عليها.
نمرُّ مراراً على محلات مكتوب على واجهاتها عبارات: بيع بالتقصيط (بالتقسيط)، أو سيارات معلَّق بداخلها لا تنسى باسم الله (لا تنسَ)، أو جمعية اتخذت لنفسها شعار إقرأ (اقرأ)، أو عبارة حذاري التي تملأ الطرقات (حذار) وعبارة تخلَّى عن الطريق (تخلَّ). وما خفي كان أعظم.
ولعل ما يثير الدهشة كثرة الإعلانات التي تغزو صفحات الجرائد والصحف والتي تتقاطر منها الأخطاء والعبث اللغوي، ومنه على سبيل المثال لا الحصر ذاك الإعلان الذي أعلنته إحدى الشركات تطلب من ورائه موظـَّفين لهم قدرة واستقامة في ميدان السياقة، فنشرت الإعلان جريدة من الجرائد وجاء في سطر من أسطرها (والشركة تطلب سُوَّاق أكِـفـَّـاء). الشركة بهذا التعبير تبحث عن سُوَّاق عميان لا يبصرون كي يقودوا مركباتهم على متن الطرقات. وكان الصواب منها أن تنعتهم بـالأكـْفـَاء (بسكون الكاف وفتح الفاء) جمع (كـُفْء) وهو المقصود، أما أكِـفـَّـاء (بكسر الكاف وفتح الفاء مع تشديدها) فهو جمع (كفيف) أيْ أعمى.
أليس هذه أزمة لغوية نمرُّ بها كوننا تساهلنا إلى حدٍّ كبير في التلاعب بألفاظ لغتنا واعتقدنا أن ذلك لا يؤثر في حياتنا؟ في حين أنها تؤثر فينا أيمَّا تأثير، فالشعوب لا حياة لها خارج لغاتها. وهناك عيب آخر دخل إعلاناتنا وملصقاتنا وهو سيطرة اللهجة العامية عليها وكأن في لغتنا العربية عجزاً عن فهم هذه المعاني والإحاطة بها، فنجد مكتوب على لوحات عديدة: كرنتيكة، محاجب سخونين، كاوكاو حامي، وسايد عامرين، إلى آخره.
ومما يحطـِّم الفؤاد ويُضيق النفس هو تباهي بعض الباعة وتعمُّدهم في وضع ملصقات بغير العربية، فيقومون برسمها كما هي في اللغة الأجنبية؛ مثل: طاكسي فون، طولي، سودور، فوطوكوبي، فليكساج، إلى آخره.
هناك حاجة في بلادنا العزيزة للجان وجمعيات تقوم على حماية اللغة العربية بنيَّـاتٍ صادقةٍ وضمائر مخلصة، فتجوب الشوارع والأحياء، وتصحِّح ما يمكن تصحيحه، وتوجِّه الناس أصحاب المحلات والمتاجر والمؤسسات العمومية والخصوصية على حد سواء، فتقيهم شرَّ الأخطاء اللغوية وتجنـِّبهم داء المعاني السقيمة.
إننا إذا لم نسهر على حماية لغتنا من كل ما هو دخيل فالأمر يزداد سوءاً وتقهقراً، وسنموت تحت عنجرية العولمة ونذوب في مياهها العكِرة، فالبقاء للأقوى كما قيل، وأيَّة قوَّةٍ لنا إذا نحن أقـْبَرْنا لغتنا بأنفسنا؟
◄ الطيب عطاوي
▼ موضوعاتي
1 مشاركة منتدى
العربية وفوضى الملصقات, عبد الحفيظ بن جلولي/الجزائر | 26 كانون الثاني (يناير) 2014 - 09:30 1
تحية طيبة أستاذ الطيب:
شكرا على هذا المقال الذي ينبّه إلى المخاطر التي تترصّد اللغة العربية وتعبيراتها الجميلة، أما آن الوقت كي ننهض بلغتنا الجميلة ونجعل المحقّق اللغوي او المدقّق يجوب الشوارع ويضرب بيد من تصحيح للبهذلة اللغوية التي تغطي الواجهات في المدينة.
شكرا على هذا المقال التحسيسي..
محبّتي..
1. العربية وفوضى الملصقات, 26 كانون الثاني (يناير) 2014, 11:53, ::::: الطيب عطاوي
الزميل بن جلولي أشكرك على هذه المتابعة لموضوعي وأتمنى أن يبقى ودالتواصل قائماً حتى نعطي دفعاً بسيطاً لمثل هذه المواضيع وما يتبعها من نقد بنَّاء .
تحياتي .