د. الطيب عطاوي - الجزائر
الفونيم والمورفيم عند علماء مدرسة براغ
الفونيم والمورفيم عند علماء مدرسة براغ: تروبتسكوي ومارتيني أنموذجا
شهدت العلوم الإنسانية في العصر الحديث تطورا كبيرا، ومنعرجا حاسما على غرار العلوم التجريبية التي استفادت كثيرا من التقدم التكنولوجي. وعلم اللسان يعد من أبرز هاته العلوم التي مسها هذا التطور؛ كون اللسان الأداة التواصلية بين الشعوب، ولأن اللغة هي القاعدة التي يرتكز عليها هذا العلم، وعلم الأصوات باعتباره جزءا من هذا العلم قد استفاد بدوره من التقدم العلمي من ناحية المخابر والآلات التي أسهمت في دفع الدراسة الصوتية بشكل هائل، فكانت أن وصفت الظواهر الصوتية بدقة وإتقان.
ولئن كانت علوم اللسان في العصر الحديث قد عرفت قفزة نوعية في مجال البحث والدراسة فإنه من غير شك ولا ريب أن هاته القفزة لم تأتِ من فراغ؛ بل استندت في كنهها على دراسات أولية لا سيما الأبحاث العربية القديمة حيث كان لها فضل كبير فيما آلت إليه الدراسة الحديثة اليوم.
لقد جاءت الدراسات اللسانية الغربية بمصطلحات جديدة لتغطي بعض الفراغ الذي كان سائدا في علم الأصوات وعلى رأسها مصطلح "الفونيم"؛ حيث فرَّقت بينه وبين الصوت، واعتمدت في ذلك على الأجهزة والمخابر الصوتية، واعتبرت الحروف الهجائية في كل نظام لغوي فونيمات، هذه الحروف التي كانت معروفا عند العرب بعدة معاني ودلالات، فكانوا يطلقونها في دراساتهم اللغوية على نوعين اثنين: حروف الهجاء من جهة، وحروف المعاني من جهة أخرى كهل وفي ولم(1).
وإذا كان اللفظ لا يكتسي أهميته بمفرده إلا إذا كان داخل السياق كما يقول الجرجاني وكما بيَّنه دي سوسير في ربطه العلاقات القائمة بين الألفاظ داخل المنظومة اللغوية فإنه كذلك لا حياة للفونيم وحده خارج اللفظ، فأهميته تكمن في علاقته إلى جانب الفونيمات الأخرى مشكـِّلة ومعطية بذلك دالا ومدلولا.
لقد كان لظهور مصطلح "فونيم" ثورة كبيرة في مجال علم اللغة عامة وعلم الأصوات خاصة، حيث يعد هذا المصطلح أساس التحليل الفونولوجي، يقول كرامسكي: "إن اكتشاف الفونيم يعد واحدا من أهم الإنجازات التي حققها علم اللغة"(2) ثم يقول إن هذا الاكتشاف يعادل الطاقة النووية؛ كونه أحدث ثورة في التفكير اللغوي كما أحدثت الطاقة النووية ثورة في المجال العلمي. وهذا المصطلح جاء عن طريق العالِم دوفريش ديجينيت حيث استخدمه في اجتماع الجمعية اللغوية الفرنسية لأول مرة عام 1873.
ويعد العالم لويس هافيت ثاني من استعمله، وبعده جاء العالم اللغوي السويسري الذي أحدث ثورة في ميدان اللسانيات، فيرديناد دو سوسر، حيث اعتبر الفونيم عنصرا مركبا من جانبين؛ جانب سمعي وآخر عضوي؛ إذ لا يكفي الاعتماد على الجانب الثاني لتحديد ماهية الفونيم دون الجانب الأول الذي أهمله علماء الفونولوجيا، وليس ذلك بالمنهج السليم كما يقول وعليه يلح على دمج الجانب الأول رفقة الجانب الثاني حتى يكتمل المفهوم بالمعنى العام، ولذلك نجده يقول عن الفونيم: "هو مجموعة الانطباعات السمعية والحركات النطقية للوحدتين الكلامية والمسموعة، اللتين تشترط إحداهما الأخرى"(3).
وإذا كان الفونيم قد تشعبت الآراء حوله؛ فإن المورفيم شهد هو الآخر تعاريف جمَّة ودراسات كثيرة سلطت الضوء عليه؛ إذ هو مصطلح مأخوذ من الكلمة اليونانية (Morphé) بمعنى شكل أو صورة(4) مجتمعة تعبِّر عن معنى معين.
وإذا كان الفونيم يدخل في إطار التحليلات الفونولوجية فإن المورفيم يدخل في الإطار النحوي بما في ذلك الصرف، وهو الوحدة النحوية التي تقوم عليها الدراسات المورفولوجية، ويتشكل من الوحدات الصغرى المكوَّنة من تتابع فونيمات.
إذا كيف عالجت مدرسة براغ هذين المصطلحين؟
أسّـس هذه المدرسة اللسانية العالم التشيكي فيليم ماتيتيوس وبعض معاونيه سنة 1926. وسميت هذه المدرسة كذلك باسم المدرسة الوظيفية، حيث شملت نشاطاتها عدة مجالات على مستوى اللغة؛ كمجال الصوتيات الوظيفية الآنية والتاريخية، والأسلوبية الوظيفية، والوظيفة الجمالية للغة وغيرها. اعتمد علماء هذه المدرسة في بحثهم اللساني على مصطلحات كثيرة أسهمت في دفع الدراسة اللغوية الحديثة، ومنها مصطلحا الفونيم والمورفيم. ومن أبرز أقطاب هذه المدرسة العالِمين: نكولاي تروبتسكوي وأندريه مارتينيه.
=1= نكولاي تروبتسكوي: عرَّف الفونيم في مرحلة متقدمة من عمره بأنه "الصورة العقلية للصوت"(5) أو أفكار صوتية. فلو أخذنا الأمثلة التالية: نحن ينصهر انقشع، وطلبنا من متكلم أن ينطقها فإنه ينطق صورة النون في الأمثلة باختلاف، فالنون الأولى أسنانية لثوية، والنون الثانية تختلف عن الأولى وتقترب منها، وكذلك الثالثة على الرغم من أن هذه النون هي حرف واحد. فالذي يتحقق في الكلام عند تروبتسكوي ليس الفونيم؛ بل تنوعاته الصوتية (الألوفونات).
والألوفون (Allophone) هو صوت كلامي حقيقي يتوزع بطريقة تكاملية، ويتغير بشكل حر، ويُنطق في صور متعددة وتجمع الآراء على أن هذا العنصر أو الصورة الصوتية صوت حقيقي تغييره لا يغير المعنى؛ عكس الفونيم الذي هو صوت غير منطوق. ويرى تروبتسكوي أن الفونيم ثابت في كل نظام لغوي وعدده محدود؛ بينما التغيرات (الألوفونات) هي غير ثابتة وتأخذ أشكالا متنوعة حسب المجاورة والنطق والاحتكاك وما إلى ذلك.
إذْ إن الفونيم لا يتطابق مع صوت واقعي؛ بل إن الفونيمات تتحقق عن طريق أصوات الكلام(6) وهذا التفريق قد جرَّه أيضا إلى التفريق بين نوعين من الكتابة الصوتية:
=أ= كتابة الأصوات المنطوقة.
=ب= كتابة الفونيمات (الصورة الذهنية).
وعليه فإن الأصوات التي يصدرها المتكلمون تختلف من شخص لآخر من حيث المخرج والصفة، كما تتدخل فيها جوانب عضلية فيزيولوجية ونفسية، وهذا يعني كذلك إن بعض الأصوات التي يصدرها الأجنبي والتي لها مقابل في اللغة العربية هي الأصوات نفسها، لكن هذا غير صحيح، وذاك اختلاف تبرزه بدقة الوسائل الميكانيكية التي تستعمل في البحث في معمل الأصوات اللغوية(7)، على الرغم من أننا نكتب بعض الكلمات الأجنبية في لغتنا العربية بالمثل والمقابل؛ مثل:
Barak = باراك ::: Madrid = مدريد.
وبعد بحث مضني تراجع هذا العالِم عن رأيه الأول في الفونيم (الإدراك النفسي للفونيم) واعتبره مفهوما لغويا وبالذات مفهوما وظيفيا ، وبذلك أصبح هذا العالِم المؤسِّس الأول لعلم الأصوات الوظيفي؛ حيث اعتبره فكرة لغوية لا نفسية، ولا يمكن تحديده عن طريق الأصوات التي توضحه؛ بل يحدَّد في ضوء وظيفته التركيبية في اللغة، بحيث لا يمكن تقسيم هذه الفونيمات إلى عناصر متتابعة، فالفونيمات عنده علامة مميزة ولا يمكن تعريفها إلا بالرجوع إلى وظائفها في تركيب كل لغة على حدا، حيث عن طريق التبادل يمكنها تمييز كلمة عن أخرى، وهو الأساس الذي يقوم عليه الفونيم في نظره، كما أنه يعتمد على الجانبين العضوي والسمعي في هذا التحديد للفونيم، حيث يقول: » إن الفونيم هو أولا وقبل كل شيء مفهوم وظيفي «(8).
وانطلاقا من هذا كله اهتم تروبتسكوي مع أفراد نادي براغ بالعلاقات الاستبدالية التي يأخذها الفونيم بعدما قال عن الفونيم بأنه أصغر وحدة فونولـوجية في اللسان المدروس؛ فوضع قواعد تتعلق بهذا المفهوم؛ وهي:(9)
= القاعدة الأولى:
إذا تبادل صوتان في لغة ما ولم ينتج عن هذا التبادل تغيير في معنى الكلمة فهما صورتان اختياريتان لفونيم واحد؛ مثل صوت (الجيم) الذي له صور نطقية مختلفة تحمل المعنى نفسه كمن قرأ قوله تعالى: "حَتَّىٰ يَلِكَ الْكَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ" (الأعراف، 40) أي: يلج الجمل؛ فالمعنى لم يتغير؛ وأكثر ما تتحقق هذه القاعدة في القراءات القرآنية لكلمة (مسيطر) إذ تُقرأ أحيانا مرققة في شكل (السين) وأحيانا مفخمة في شكل (الصاد) و (الزاي).
= القاعدة الثانية:
إذا تبادل صوتان في لغة ما ونتج عن هذا التبادل تغيير في معنى الكلمة فهما صورتان (تنوعان) واقعيتان لفونيمين مختلفين؛ مثل: قام دام لام، فإذا ما حلَّت (القاف) مكان (اللام) أو (الدال) أو العكس حدث تغيير في الدلالة.
= القاعدة الثالثة:
إذا كان صوتان في لغة ما بينهما علاقة أكوستيكية أو نطقية، ولا يمكن أن يقعا في البيئة الصوتية نفسها فإنهما صورتان تركيبيتان (تنوعان تكامليان) للفونيم نفسه.
وقد بيَّن تمام حسان في كتابه (الأصول) هاته الصور:(10)
=1= صورة شفوية نحو (ينبح). 2 صورة شفوية أسنانية نحو (ينفع). 3 صورة أسنانية مفخمة نحو (ينظر). 4 صورة لثوية أسنانية نحو (تنسى). 5 صورة فيها تكرار نحو (من رأى). 6 صورة فيها انحراف نحو (من لام). 7 صورة غارية نحو (ينجح). 8 صورة فيها غنة نحو (من يكن). 9 صورة طبقية نحو (ينكر). 10 صورة لهوية مفخمة نحو (ينقل).
=2= آندريه مارتينيه: يُعدُّ من المنظـِّرين الأوائل في ميدان الصوتيات الوظيفية، حيث يطلق على مصطلح المورفيم اسم (اللفظم) أو الوحدة الصرفية Monème، ويعرِّفه بأنه وحدة مكوَّنة من دال ومدلول قابلة للتحليل إلى وحدات أصغر عديمة الدلالة، واعتبر "مارتينيه" هذه اللفاظم التي عن طريق تأليفها حسب ما تقتضيه الطبيعة الخطية للغة وحدات يمكن تحقيق التواصل بفضلها بين أفراد المجتمع، حيث تحلل التجربة الشخصية إلى وحدات متلاحقة معروفة لدى جميع أفراد المجتمع اللغوي، وذاك ما يسمى بالتقطيع الأول(11)، كجملة (العلم نافع) المتكونة من أربعة مونيمات: 1.الـ التعريف / 2.الاسم (علم) / 3.الاسم (نافع) / العدد (مفرد).
وإذا كان التقطيع الأول يتم على مستوى اللفاظم (Les Monèmes) فإنه يوجد تقطيع آخر مكمِّل له، حيث يتم على مستوى الفونيمات، ويسمى بالتقطيع الثاني؛ ككلمة (وَجْهٌ) التي يمكن تقسيمها إلى: / و / + / ــــَـــ / + / جيم في درجة الصفر / + / هـ / + / ــــٌـــ /
هذه الوحدات الصغرى هي الفونيمات.
وعليه تكامل التقطيعين يكون بهذا الشكل:
التقطيع الأول + التقطيع الثاني = التقطيع المزدوج.
وإذا تتبعنا اصطلاح مارتينيه للمونيمات نجدها تنقسم إلى قسمين، وهما:
=أ= المونيمات النحوية: تحتوي على حروف المعاني (في، من، على، هل...) والضمائر والمحددات كأدوات التعريف والعد، وغير ذلك من العناصر التي هي في حاجة إلى غيرها لاكتمال المعنى، هاته العناصر ثابتة، وقائمتها في كل لغة مغلقة، وعددها منته.
=ب= المونيمات المعجمية: تشتمل على الأسماء والأفعال (مستقلة دلاليا)، وقائمة هذه الوحدات مفتوحة، وعددها غير منتهٍ، ولكنها تبقى قابلة للعد(12).
وعليه فإن جميع اللغات الطبيعية تتميز بهذا التحليل القائم على مبدإ التقطيع المزدوج إلا في بعض الحالات التي يستعصي فيها هذا التقطيع خاصة عنصر التنغيم (فونيم فوق مقطعي)، كقول امرئ القيس(13):
أصَاح ٍتَرَى بَرْقا أرِيكَ وَمِيضَهُ كَـلَمْـعِ اليَـدَيْـنِ فِي حُـبَيٍّ مُكَـلَّلِ
فقد أغنى التنغيم الاستفهامي في قوله (ترى برقا) عن أداة الاستفهام، فحُذفت وبقي معنى الاستفهام مفهوما من السياق العام للخطاب؛ فلذلك يعد التنغيم عنصرا هامشيا لا يؤخذ بعين الاعتبار أثناء التقطيع المزدوج.
ولقد كان للعرب فضل السبق في هذا النوع من التحليل، فقد جاء في كتاب (الإحكام في أصول الأحكام) للآمدي قوله عند حديثه عن الألفاظ الدالة: "أما حقيقته فهو ما دلَّ بالوضع على معنى ولا جزء له يدل على شيء أصلا كلفظ الإنسان فإن (إنْ) من قولنا إنسان وإن دلت على الشرطية فليست إذ ذاك جزء من لفظ إنسان"(14).
وعليه ومن خلال ما قيل سابقا فإن اللغة الطبيعية قابلة للتحليل إلى مستويين:
=1= مستوى اللفاظم: وهي الوحدات الصرفية الدالة القابلة للتحليل إلى وحدات أصغر غير دالة.
=2= مستوى الفونيمات: وهي الوحدات الصوتية غير الدالة في ذاتها، وقادرة على تغيير المعنى إذا أدرجت مع فونيمات أخرى.
كما إنه على أساس هذا التحليل ميَّز بين ثلاث وظائف أساسية تشترك فيها كل اللغات؛ وهي:
=أ= الوظيفة التمييزية: وهي التي تمكـِّن السامع من معرفة أن مونيم معيَّن عوض مونيم آخر قد نطق به المتكلم.
=ب= الوظيفة الفاصلة: وهي التي تمكن السامع من تحليل القول إلى وحدات متتابعة.
=ج= الوظيفة التعبيرية: وهي التي تـُعلِم السامع عن الحالة العقلية أو الفكرية للمتكلم(15).
ويرى مارتينيه أن العلاقات التي تربط بين اللفاظم تتجلى في حالات مضبوطة بضوابط سياقية،
تكاد تكون عامة في جميع اللغات المعروفة، وهذه الحالات هي:
=أ= اللفاظم المكتفية بذاتها: وهي وحدات دالة تتضمن في بنيتها المستقلة دليل وظيفتها؛ مثل: غدا أحيانا غالبا طالما...
وتكمن العلاقة التي تربط هذه الوحدات الدالة ببقية الملفوظ في دلالتها الذاتية بغض النظر عن موقعها في السياق الذي ترد فيه، وليست على أساس موقعها في الملفوظ(16)، فلفظم (غدا) في قوله تعالى: "أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ" (سورة يوسف؛ الآية 12)، غير مقيد بالموقع الوارد فيه؛ إذ يمكن أن يأخذ مواقع أخرى، مثل:
= غدا أرسله معنا يرتع ويلعب/أرسله غدا معنا يرتع ويلعب/أرسله يرتع ويلعب معنا غدا.
وهذه القدرة على الانتقال من موقع لآخر ناتجة عن اكتفاء اللفظم بذاته.
=ب= اللفاظم الوظيفية: وهي التي تساعد على تحديد وظيفة عناصر أخرى لا يمكن أن تستقل بنفسها في السياق التي ترد فيه؛ فيكون دور اللفظم الوظيفي ضبط العلاقة التركيبية لهذه العناصر غير المستقلة؛ كالوظيفة التي تؤديها حروف الجر والعطف في العربية كقوله تعالى: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" (سورة الإسراء؛ الآية 1)، حيث أسهمت المونيمات الوظيفية في هذه الآية على ربط المونيمات المعجمية، وتحديد وظيفة كل مونيم معجمي بعدها، كالتالي:
(الباء من إلى اللام من) أدت بالترتيب معاني (المصاحبة ابتداء الغاية المكانية انتهاء الغاية المكانية التعليل التبعيض).
=ج= الركن المكتفي بذاته: يتألف من لفظمين فأكثر، ولا تتوقف وظيفته على موقعه في الملفوظ؛ وإنما دلالة هذا الكل من اللفاظم هي التي تحدد علاقته بالسياق الوارد فيه، ويشترط غالبا أن يكون أحد هذه اللفاظم وظيفي كي يربط بين اللفاظم، ومثال ذلك قوله تعالى: "وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعا" (سورة الكهف؛ الآية 25).
فالمؤلف/كهفهم / لا تتحقق علاقته بالملفوظ إلا بوجود اللفظم الوظيفي / في / حيث ينتج عن هذا الترابط ركنا مكتفيا بذاته.
=د= الركن الإسنادي: وهو عنصر قادر على إنشاء الرسالة بذاته دون إضافات وإلحاقات، إذ يعد النواة التي ينبني عليها الملفوظ؛ كمورفيم (بلاغ) في قوله تعالى: "هَٰذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ" (سورة إبراهيم؛ الآية 52).
1) هذا = لفظم مكتفي بذاته
2) الناس = ركن مكتفي بذاته بلاغ = ركن إسنادي
3) لـِ = لفظم وظيفي
وإذا كان التقطيع المزدوج سمة عامة في اللغات الإنسانية، فإن التحليل يختلف من لغة إلى أخرى حسب الخصائص المميزة لكل من هذه اللغات، يقول مارتينيه: "إذا كانت كل اللغات تتطابق في ممارسة التقطيع المزدوج فإنها مختلفة كل الاختلاف في طريقة استعمالها، وتحليلها لمعطيات الخبرة، وفي كيفية استفادتها من الإمكانيات المتاحة لها من قبل أعضاء الكلام"(17).
والمثال الذي أورده مارتينيه: J’ai mal à la tête يحتوي على ستة مونيمات.
والعدد نفسه نجده في العربية عند الترجمة: عندي وجع في رأسي، وحتى إن حولت إلى جملة فعلية: أحس بألم في رأسي.
لكن هذا العدد يزيد في الفرنسية إذا حولت الجملة الاسمية السابقة إلى فعلية:
Je me sens mal à ma tête حيث تصبح سبعة مونيمات. والسبب في ذلك راجع إلى طبيعة اللغة (مكوناتها) حيث يقابل لفظ (أحس) في العربية ثلاثة ألفاظ في الفرنسية (Je me sens) مما يؤدي إلى زيادة المونيمات في الفرنسية.
= = =
الحواشي
(1) عمرو بن عثمان بن قنبر (سيبويه)، الكتاب، تعليق: إميل بديع يعقوب، دار الكتب العلمية بيروت (لبنان)، ج 1، ط 1، 1999، ص 40.
(2) كرامسكي ييري، الفونيمات، ص 7، نقلا عن أحمد مختار عمر، دراسة الصوت اللغوي، عالم الكتب، القاهرة (مصر)، (د ط)، 1997، ص 166.
(3) دي سوسير، محاضرات في الألسنية العامة، ترجمة: يوسف غازي مجيد نصر، المؤسسة الجزائرية للطباعة، الجزائر (د ط)، 1986، ص 57.
(4) محمود السعران، علم اللغة: مقدمة للقارئ العربي، دار النهضة العربية، بيروت (لبنان)، (د ط)، (د ت)، ص 217.
(5) كرامسكي ييري، الفونيمات، ص 77، نقلا عن أحمد مختار عمر، دراسة الصوت اللغوي، ص 175.
(6) أحمد محمد قدور، مبادئ اللسانيات، دار الفكر، دمشق (سوريا)، ط 2، 1999، ص 101.
(7) دانيل جونز، الفونيم، ص 10، نقلا عن أحمد مختار عمر، دراسة الصوت اللغوي، ص 177.
(8) نكولاي تروبتسكوي، مبادئ الفونولوجي، ص 43، نقلا عن أحمد مومن، اللسانيات: النشأة والتطور، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، ط 2، 2005، ص 142.
(9) عبد الصبور شاهين، في علم اللغة العام، مؤسسة الرسالة، بيروت (لبنان)، ط 6، 1993، ص 125.
(10) تمام حسان، الأصول، عالم الكتب، القاهرة (مصر)، 2000، ص 110.
(11) أندريه مارتيني، مبادئ في اللسانيات العامة، ترجمة: سعدي زوبير، دار الآفاق، الجزائر، (د ط)، (د ت)، ص 18.
(12) مصطفى حركات، الصوتيات والفونولوجية، دار الآفاق، الجزائر، (د ط)، (د ت)، ص 09.
(13) محمد فوزي حمزة، دواوين الشعراء العشرة، مكتبة الآداب، القاهرة (مصر)، ط 1، 2007، ص 35.
(14) علي بن محمد الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، تعليق: عبد الرزاق عفيفي، دار الصميعي، الرياض (المملكة العربية السعودية)، ج 1، ط 1، 2003، ص 31.
(15) أندريه مارتينيه، مبادئ في اللسانيات العامة، ص 59.
(16) أحمد حساني، مباحث في اللسانيات، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1994، ص 113 114.
(17) عبد الجليل مرتاض، اللغة والتواصل، دار هومة، الجزائر، (د ط)، 2000، ص 63.
= = =
المصادر والمراجع
(1) أحمد حساني، مباحث في اللسانيات، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1994.
(2) أحمد محمد قدور، مبادئ اللسانيات، دار الفكر، دمشق (سوريا)، ط 2، 1999.
(3) أحمد مختار عمر، دراسة الصوت اللغوي، عالم الكتب، القاهرة (مصر)، (د ط)، 1997.
(4) أحمد مومن، اللسانيات: النشأة والتطور، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، ط 2، 2005.
(5) أندريه مارتينيه، مبادئ في اللسانيات العامة، ترجمة: سعدي زوبير، دار الآفاق، الجزائر، (د ط)، (د ت).
(6) تمام حسان، الأصول، عالم الكتب، القاهرة (مصر)، 2000.
(7) دي سوسير، محاضرات في الألسنية العامة، ترجمة: يوسف غازي مجيد نصر، المؤسسة الجزائرية للطباعة، الجزائر (د ط)، 1986.
(8) عبد الجليل مرتاض، اللغة والتواصل، دار هومة، الجزائر، (د ط)، 2000.
(9) عبد الصبور شاهين، في علم اللغة العام، مؤسسة الرسالة، بيروت (لبنان)، ط 6، 1993.
(10) علي بن محمد الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، تعليق: عبد الرزاق عفيفي، دار الصميعي، الرياض (المملكة العربية السعودية)، ج 1، ط 1، 2003.
(11) عمرو بن عثمان بن قنبر (سيبويه)، الكتاب، تعليق: إميل بديع يعقوب، دار الكتب العلمية بيروت (لبنان)، ج 1، ط 1، 1999.
(12) محمد فوزي حمزة، دواوين الشعراء العشرة، مكتبة الآداب، القاهرة (مصر)، ط 1، 2007.
(13) محمود السعران، علم اللغة: مقدمة للقارئ العربي، دار النهضة العربية، بيروت (لبنان)، (د ط)، (د ت).
(14) مصطفى حركات، الصوتيات والفونولوجية، دار الآفاق، الجزائر، (د ط)، (د ت).
- يافطة عود الند العدد الفصلي السادس
◄ الطيب عطاوي
▼ موضوعاتي
1 مشاركة منتدى
الفونيم والمورفيم عند علماء مدرسة براغ, هدى الدهان | 9 تشرين الأول (أكتوبر) 2017 - 16:36 1
مقالة روعة.الجامع المانع . فيها شرح من اصل الكلمة الى التاريخ الى تفصيلات الاستخدام . لغة سلسة وسهلة اسهل بكثير من ما قرات في كتب اللغة المتخصصة . شكرا لقلمك