عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

منى الحضري - مصر

طعم الصبر


بضع سـاعات على موعـد الرحيـل ولدي الغالي. بضع سـاعات وأرحـل عنك، ولكنك أبـدا لن ترحـل عنّي. أنت معي وبين ضلوعي. كجـلدي، وبين عيـوني أينما كنت.

هكذا همس لنفسه ذلك الجالس على طرف سرير ولده الذي يغط في نوم هادئ، وكأنه يتحـدث إليه حديـث مشتاق أتعبه الشـوق. نعم حـبيبي أشتاق إليك وأنت جواري، أشتاق إليك كما لم أشتاق لأحد.

عُدت ومرت الأيـام و بيني وبين البعد سـاعات. بضع سـاعات ويبدأ عام طويـل من الوحـدة. نعم فأنا وحيـد من دونـك، ومن الحـنين، ولكأن الحـنين لم يخـلق إلا لنا.

عام جديـد منك ولك وبك رغم البعد بلا بـوح، بطعم الصـبر، عام من عمرنا. آه وألف آه، وبكل الصمت وأمنية بلقاء قريب قريبا جدا.

وها هي أمك تطلب منّي النوم فأمامي سفر طويل. وعليّ أن أرتاح، ولكني أبدا لن أفعل. سأبقى ها هنا لأملأ قلبي قبل عيوني منك وليتني أشبع، وهل نشبع من الأحـباب وأنت أغلاهم، وأنت كل أحـبابي؟

ولكن ما هذا؟ يقولون إنك لا تشبهني ولم تأخذ من وسامتي. أجل صغيري فأنا في أعين الناس أبدو وسيما أو على قدر لا بأس به من الوسامة والقبول، ولكنك تفوقني وسامة وقبـولا، فليأخذوا عيـوني أو ليصـمتوا، وإلا قـطعت ما بيني وبينهم لأجل عيونـك، أو ربما لأنك تكفيني.

حـبيبي، قل لي: منذ متى والشبه ملامح؟ ولتسمعني وأنا أبوك. الشـبه مسألة أخرى لا تتغير بتغير السنين. الشبه تفاصيلنا المشتركة، ولا يقاسمني غيـرك تفاصيلي الصغيـرة. طيب أنت وحنون وأنا كذلك، أو أتمنى أن أكون ذلك الطيب الحـنون.

تعشق أمك لدرجة تجعلني أغار. رغم أن لا يوجد من يعشق أمه مثلي. ورأسك الصلب هذا. وللحق هناك رأس يفوقه صلابة: رأس أبيك. وكلانا يعشق السهر، ولكني أشفق عليك منه.

عليك أن تعتاد النوم مبكرا حتى تكبـر وأعود، وساعتها أيها البطل سنسهر معا. وما أحلى سهر يجمعنا!

آآآآه! بحجم الحنين وكل السنين. أتدري حـبيبي؟ وعلى ذكر السهر. أنتظر سأحكي لك.:

ذات مساء وكانت ليلة رأس السنة الميلادية. بين عام يرحل وعام آت تمنيت. بل حلمت بك. بنا. بليلة مثلها تجمعنا أنا وأنت. وحـدنا فقط وثالثنا السمر، وفي مدينتنا الصغيرة والجـو شـتوي بارد رغم ملابسنا الثقيلة. ولكن قل لي ما رأيك في نزهة على ضفاف النيل والسير معا بلا هدف.

توافقني أعلم، ونظراتنا المتبادلة ووجـهك الباسم. وها أنا قد جُعت وأنت أيضا وأترك لك الخيـار. حقك ولدي الغالي فلتختر ما تشاء.

نعم إنها «البيتزا» وبالطعم الذي تحب. إذن لا بأس. والحـلو؟

الحلو أنت. أجل أنت. وهل هناك ما هو أحلى منك؟

تضحكك كلماتي. أتدري؟ شبعت. والحلو؟

هذه المرة لا حاجة لنا بتفكير لا معنى له. فكلانا يحب «الجـيلاتي»، وما أجـمله معك! وما أجـملك!

تأخرنا حـبيبي وأخاف عليك من البـرد وأعلم جيدا أنك رجــل، ولكن حـبيبي الرجــال أيضـا يشعـرون بالبـرد. وها نحن عدنا للبيت. أقرأ سؤالا يكاد يفر من عينيك، وأجـيبك: «حتى الصباح». وإذ بك ترتمي بين أحـضاني. ربما لتتأكد. نعم سنسهر معا، فليلتنا ممتدة طالما تريـد ذلك. إنها ليـلة ولن يضيـرك السهر لليلة.

«أبـي. هـل تحــب أفــلام الرعــب والأكشن؟» (هذا أنت تسألني متلهفا).

وأجيبك: «أتحبها؟» وبإيماءة عصبية منك أفهم أنك تحـبها جـدا.

وأرد وأنا أفكر في قـطعة منّي تشبهني: «وأنا أيضـا أحـبها. هيـا».

دقائـق ويغلبنا النوم وأنت بين أحـضاني.

ولدي وحـبيبي وعمري وكل ما لي. أتدري ما ينقصني الآن؟ مجرد لحظة، لحظة مجنونة، قد تفقـدني كل شيء وأكسب قربـك، فلا حـقائب سـفر، ولا وداع، ولا فراق، وليالي كثيـرة كليلتنا الحُـلم تلك.

نعم. لحظة مجـنونة، ولكنها لا تليق بأمنياتي لك، فأمنياتي صـارت لك وحدك أيا وحـيدي الغالي، ورغيـف السـعادة الذي أشتهيه، وأسعى له؛ يكفيني منه قضمة ولتكن فرحـتي بك، ولا مكان الآن لجـنوني ولو كان بـك.

دقات الساعة. ألف قُبلة. رجـل البيت أنت.

لن أغـيب. إلى لقـاء.

JPEG - 10.8 كيليبايت
رسمة بمناسبة بدء عود الند عامها الحادي عشر
D 1 حزيران (يونيو) 2016     A منى الحضري     C 0 تعليقات